أحمد رضا الشامي.. من مسؤول في مايكروسوفت إلى وزير بهيئة روبوتيكية

أحمد رضا الشامي.. من مسؤول في مايكروسوفت إلى وزير بهيئة روبوتيكية





حياته عبارة عن فلك مضبوط مثل عقارب الساعة يسبح فيه بكل إتقان.. دهاؤه الخارق المشع من بين مقلتيه يصنفه ضمن خانة الرجال الأقوياء العزيمة.. مواعد بالجملة وأجندة لا تحتوي على سطر شاغر إنه إنسان بهيئة روبوتيكية.. لا يمل ولا يكل في التفاني في عمله الذي يعد قطب رحى حياته اليومية.. إنه أحمد الشامي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة وعداء المسافات الطويلة الذي فتح لا"المشهد" قلبه وعقله وباب وزارته في "يوم مع"

عداء المسافات الطويلة

كان موعد انطلاق الندوة محددا في التاسعة صباحا أفواج من المدعوين بدأت في التدفق تباعا على بهو الفندق مدراء شركات وفاعلون اقتصاديون وصحافيون وخبراء وأطر ومهتمون لكن أين هو السيد الوزير؟ أهكذا اعتاد أن يتأخر عن مواعده؟ تساءلت "المشهد"

الساعة تشير إلى التاسعة والربع صباحا، الكل اجتمع بباحة الفندق غير أن الوزير لم يحضر بعد..
نراقب عقارب الساعة في تحد صارخ للزمن، لكن دون جدوى. في قاعة الانتظار قررت مجلة "المشهد" أن تنتظر بزوغ الرجل المنتظر، الفضاء مكتظ عن آخره.. مسؤولون ببذلات سوداء يتوسطهم شاب بربطة عنق خضراء ترى من يكون؟.. اقتربت "المشهد" منه قليلا فإذا بها لم تكتشف غلا الوزير الحاضر –الغائب... لكن كيف دخل؟ ومتى أتى؟ تساؤلات ظلت تلح على الرأس. قبل أن تجد لها أجوبة شافية لدى احد مستشاريه.. "كان السيد الوزير أو الحاضرين (التاسعة صباحا غلا ربعا) واختار تبادل أطراف الحديث مع عدد من المسؤولين بقاعة الاستقبال، تمهيدا للقاء الرسمي، لذلك لم ينتبه الكثيرون لوجوده".. كان ذلك جوابا حاسما عن استفهامات عديدة حول مدى التزام الوزير بالمواعد.

وزير أول مقبل !!

بعد حوالي عشر دقائق يخرج أحمد رضا الشامي، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، من قاعة الاستقبال مرفوقا بمسؤولين آخرين في اتجاه القاعة التي ستحتضن أشغال اللقاء. حيا الجميع وفتح نقاشا عفويا مع بعض الحاضرين، قبل أن يفتتح ندوة عقدت حول "الجودة والسلامة" بكلمة دعت أرباب المقاولات إلى "إنتاج مواد تتلاءم مع مواصفات الجودة والبيئة والتحسيس بضرورة السلامة في أوراش البناء".

حضور الوزير الاتحادي اللقاء بقدر ما كان رمزيا بقدر ما كان مدعما برأيه لتظاهرات مماثلة حضوري فيه دعم كبير لأية مبادرة تدعو إلى اعتماد المقاولات والمؤسسات الصناعية الجودة والسلامة".

لم تستغرق كلمة الشامي خمس دقائق تلتها كلمة أخرى لمسؤول على رأس إحدى المقاولات تحدث، خلالها عن معايير السلامة والجودة المطلوبة داخل المؤسسات والشركات والمقاولات داعيا إلى "بذل جهود مكثفة لتحسيس الجميع بأهمية هذا المعطى".. كلمة ووصف خلالها المتحدث ذاته رضا الشامي سهوا بـ"السيد الوزير الأول" منتزعا تصفيقات من الحضور وابتسامة عريضة من شفاه وزير الصناعة ودعوات بأن يكون رئيسا مقبلا للحكومة".. "هذا فال زوين" يقول مسير الجلسة موجها كلامه للوزير الشاب. لم يدم ترؤس رضا الشامي لأشغال الندوة إلا نصف ساعة إذ سرعان ما ودع الحضور في اتجاه وزارته تاركا وراءه مسؤولين وخبراء يتباحثون حول موضوع وصفه بـ"المهم جدا".

سياسة الكتمان

سيارة مرسيديس في انتظار الوزير أمام باب الفندق يستقلها ثم يطلب منا اللحاق به على حيث سيترأس اجتماعا اعتاد عقده كل شهر بمقر وزارته مع مدراء الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات في المغرب.
الساعة تشير على العاشرة وخمس دقائق، الوزير يوجد بقاعة اجتماع داخل وزارته مترئسا اجتماعا شهريا "حاسما" برأيه.

"اعتدت أن اجتمع بمدراء هذه الوكالة كل شهر للوقوف على مدى تقدم أشغال برامج العمل، التي جرى تسطيرها ومدى تفعيلها".. المتابعة الدقيقة لسير مخططات العمل تعد، برأي الوزير مهمة للغاية بهدف الوقوف على مكامن الخلل، ونقاط القوة والضعف في الأوراش المسطرة ضمن أجندة الوزارة.
"مزيانة" "اوكي" "برافو" "ماشي مهمة" ، "pas de probléme"، "vas-y laisse"، "il faut démarrer le plus rapidement possible" ،"مصطلحات تكررت أكثر من مرة على لسان الوزير، خلال الاجتماع الذي دام حوالي ساعتين. يتحدث بدليل مقنع ويجادل ويفند كل الادعاءات بتحليل عقلاني ممنهج.

الساعة الثانية من الاجتماع لم يكن لـ"المشهد" نصيب في تغطية تفاصيلها، فالشامي فضل أن تكون سرية بعيدة عن أية متابعة إعلامية.. " كيف لا والرجل اعتاد أن يفاجئ الجميع بمشاريع جديدة، لم تكن في الحسبان، بعد عقده اجتماعات يكتسيها طابع السرية، ربما يعد الوزير لمفاجأة صناعية جديدة، يقول أحد مستشاريه لـ"المشهد"، مستشهدا بـ"اقضو حوائجكم بالكتمان هذا هو شعار وزيرنا".

بنية جسمانية رياضية

الساعة تشير إلى الحادية عشرة والربع صباحا "المشهد" توجد داخل مكتب الوزير بانتظار إنهائه الاجتماع. مكتب زين بصور التقطت له رفقة جلالة الملك محمد السادس، وأخرى خلال عدد من التدشينات مكتب أنيق وعطر ينشر عبقه في الفضاء، ومزهريات وأثاث بديع، وابتسامة لا تفارق وجوه الموظفين العاملين معه.

بعد حوالي 45 دقيقة يختتم الشامي الاجتماع بعد أن رشف من كوب شاي، منبها الحاضرين إلى "ضرورة الحرض على تطبيق بنود مخطط العمل في الآجال المحدد لها".. مسح حبات عرق ألقى التحية، من جديد، على فريق"المشهد" ثم دعاه إلى مرافقته إلى حيث سيترأس حفلا تأسيسا لمقر جديد لشركة "لوجيكا" بمنطقة "technopolis" نواحي الرباط.

"المشهد" رافقت صوفيا بنبراهيم، مستشارة الشامي، في سيارتها إلى حيث سيجري الاحتفاء بالمقر الجديد للشركة.. واستغلت المستشارة زمن المسافة الفاصلة بين مقر الوزارة وفضاء الاحتفال لتتحدث بـ"إعجاب واضح عن الوزير".. "لا يجد وقتا كي يرتاح يقضي يومه متنقلا من اجتماع إلى آخر دون أن يتعب"، تقول بنبراهيم مشيرة على أن "بنيته الرياضية وحيويته ساعداه كثيرا على تحمل أعباء استوزاره".

"لوجيكا" استثمار أجنبي

الثلاثاء 9 نونبر 2010، كان يوما غير عاد بمنطقة "التكنوبوليس".. احتفال تأسيس مقر جديد لواحدة من أهم الشركات الأوروبية.. "لوجيكا" الشركة التي اختارت المغرب قاعدة لتطوير استثماراتها في ميدان ترحيل الخدمات. حضور الوزير الشامي للقاء مماثل يعد ، برأيه،"ضروريا".. "كان لابد أن أعبر لممثلي هذه الشركة عن شكر الحكومة لاختيارها المغرب كقاعدة لتطوير استثماراتها وأعيد التأكيد لها على أن دعمنا سيكون متواصلا" ، يؤكد الشامي لـ"المشهد".

علامات الارتياح كانت بادية على وجوه الحضور كلما أشاد وزير الصناعة والتكنولوجيات الحديثة بمبادرة "لوجيكا" في توسيع أنشطتها في المغرب، خصوصا في مجالات "الأفشورينغ" و"برامج المعلوميات".. كلمة اختلطت فيها اللغتان الفرنسية بالإنجليزية انتهت بدعوة مسؤولي الشركة إلى المزيد من التعبئة من أجل اختيار فضاءات أخرى بالمغرب لتطوير إنتاجها.

"آندي كرين" الرئيس المدير العام لشركة "لوجيكا" الإنجليزي الجنسية عبر بدروه، خلال اللقاء ذاته، عن امتنانه للوزير خاصة وللمغرب عامة باحتضانه فرعا ثانيا لمؤسسته بعد فرع الدار البيضاء معلنا أن الشركة تتدارس إمكانية تأسيس فروع أخرى، مستقبلا بكل من وجدة وتطوان وفاس ومراكش.

تخمة العمل والأكل

تخمة العمل تلاحقه حتى أثناء تناوله وجبة الغذاء "لا أتناول غذائي خارج مكتبي إلا نادرا" يقول الشامي متحدثا ل"المسهد" تارة ومركزا انتباهه على بعض الوثائق تارة ثانية وماسكا قطعة ليمون تارة ثالثة، وكأنه أشبه بصقر لا تغفو عيناه ولا تطبق جفونه. طبق من السمك وفواكه البحر وقنينة مشروب غازي كانت تلك وجبة غذاء الوزير، الذي اتخذ من طاولة الاجتماع مائدة طعام ، "أنا ديما هاكذا، دماغي كيخدم حتى وأناغ كنتغذى هذه هي حياتي، وأنا سعيد بذلك أيما سعادة".

يدقق هذا المعطى ويحذف من ذلك، ويشير بأصبعه لآخر، هكذا كان يبدي ملاحظاته على عدد من الوثائق، وهو يعصر شريحة ليمون على طبق "الكروفيت" السكرتيرة تقاطع الوزير وتخبره بوصول وفد روسي، وفق الموعد المحدد يطلب منها استقبال أعضائه بمكتبه ثم يأتي على ما تبقى من فواكه البحر، قبل أن ينشف يديه بمنديل "كلينكس"

روسيا بمكتب الوزير

حفاوة كبيرة تلك التي استقبل بها وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، وفدا قادما من صندوق استثماري بروسيا. الشامي مطالب بأن يشرح لضيوفه فرص الاستثمار بالمغرب، "لدى الروسيين إمكانيات مالية ضخمة وبالطبع يجب أن أقنعهم بضرورة الاستثمار في المغرب هذا هو الهدف".
اجتماع مسائي ثان بانتظار الوزير، لكن هذه المرة مع المدراء الجهويين للوزارة ومديرة الوكالة العامة لتنمية المقاولات الصغرى والمتوسطة ، وكل المتدخلين المسؤولين على تفعيل الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي.. "بالطبع هذا الاجتماع سيكون مناسبة لنتذاكر، خلالها حول المراحل التي قطعها الميثاق والإجراءات المحددة من أجل تفعيله".

دام اللقاء الداخلي حوالي 3 ساعات ، الوزير يستعد لمغادرة مقر وزارته باتجاه البرلمان، حيث ينتظره سؤال شفوي عن فريق التجمع الدستوري الموحد ،"بعد هذا اليوم الشاق سأكون مطالبا بأن أركز في الأسئلة التي تطرح علي في البرلمان هذا أمر تعودت عليه".

3 سنوات مرت على تعيينك وزيرا للصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، ما الذي قدمته لهذه الوزارة؟ تسال "المشهد" فيجيب الشامي "لقد فتحنا أوراشا كثيرة هي في طريقها للتفعيل، ثلاث سنوات كانت غنية جدا بالمشاريع والمكتسبات".

اللي بغي يربح العام طويل

"كون مشا الوزير على رجليه كون وصل قبل منا "بهذه العبارة لخص سائقه الخاص لـ"المشهد" الوتيرة السريعة ليوم عمل الشامي وهو في طريقه من شركة "لوجيكا" إلى مقر وزارته.
"خاصك تلقى الوقت باس تعيش" نصيحة قدمتها الأم لابنها رضا الشامي.. "كانت تشعر الله يذكرها بخير وكأن لا حياة لدي فأنا أمنح وقتي كله لعملي " يقول الوزير.

لكن لماذا كل هذا الإصرار على التفاني في العمل، الي بغي يربح العام طويل ، "المشهد" تحاول استفزازه فيجيب :"أحيانا أقول لنفسي مالك على هاذ الحالة؟ لكن خاطري مكيهمنيش باش نتماطل.. الأمور تسير بسرعة قياسية لدي".

حياة الشامي عبارة عن فلك مضبوط مثل عقارب ساعة يسبح فيه بكل إتقان ورغم الصعوبات والعراقيل التي تواجهه، فإن دهاءه الخارق المشع من بين مقلتيه يجعل الرجل يصنف في خانة الرجال الأقوياء العزيمة.. مواعد بالجملة وأجندة لا تحتوي على سطر شاغر، إنه إنسان بهيئة روبوتيكية.. لا يمل ولا يكل في التفاني في عمله الدي يعد قطب رحى حياته اليومية.

عاشق الماراطون و"السكي" و"الكولف"

"وكأنني أركض في مارتون دائم" بهذه العبارة لخص أحمد رضا الشامي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة ؟، حياته بعد اسوزاره ضمن تشكيلة حكومة عباس الفاسي قبل ثلاث سنوات.

الوزير العاشق لرياضة الجري والحائز على رتبة متقدمة في ماراتون الرباط الأخير (الرتبة 150) لا يعرف التعب والملل..." لقد تعودت على ذلك فحتى حيايت قبل أن أصبح وزيرا لم تكن سهلة، مسؤوليتي على رأس شركة "مايكروسوفت" كانت تتطلب اليقظة التامة، والمتابعة الدقيقة لكل الأوراش المفتوحة".

إضافة إلى رياضة الجري يجد الشامي راحته أيا البرد القارس في ممارسته رياضة "التزلج (SKI).. يقتطف أسبوعا من فصل الشتاء ليقضيه في أعالي الجبال وسط فضاءات مكسوة بالبياض الناصع "كل التعب الذي أراكمه طيلة أيام عملي يهون بمجرد رؤيتي مثل تلك الفضاءات أكون سعيدا جدا، كلما قضيت عطلة قصيرة بين الجبال".
رياضة ثالثة دأب الوزير البالغ من العمر 49 سنة، على ممارستها كل يوم أحد هي الكولف، "اعتدت أيضا، أن أمارس الكولف نهاية كل أسبوع في محاولة للتخلص من روتين العمل الأسبوعي حتى أبدأ أسبوعا جديدا بحيوية وروح جديدين

الاشتراكي الفخور بوالده الطبيب

يتحدر والد أحمد رضا الشامي من فاس، فيما تتحدر والدته من وزان.. الكل يتذكر وفاة والده الطبيب الشهير، خلال السنة الجارية في حادثة وصفت بـ"جريمة قتل" الشامي الابن رفض الخوض في تفاصيلها.. "لا يهمني الحديث حول الطريقة التي قضى بها والدي، بقدر ما يهمني الحديث عن عطاءات هذا الرجل في المجالين الصحي والسياسي" يفسر الوزير الشامي.

يفتخر كثيرا أن والده وهب حياته ووقته وجهده في سبيل الصحة العمومية ويتذكر أن احدهم قال له، في أحد اللقاءات التجمعين بقاس أخيرا "التحقت بحزب الاتحاد الاشتراكي من اجل والدك لن انسى ابدا، معروفا قدمه لي حين أشرف على ولادة زوجتي مجانا لما انتهى إلى عمله انني رجل فقير".
يعد رضا الشامي واحدا من القادة الشباب البارزين في حزب الاتحاد الاشتراكي فهو اشتراكحي، بحسب تعبيره حتى النخاع.. تربيت داخل كنف أسره اشتراكية مناضلة وتربى بداخلي منذ ايام الطفولة ذلك الحس الاشتراكي النابع عن قناعة.

لا حياة خاصة لديه
خوات عليه الدار

"لا حياة خاصة لدي ، عملي أخذ حصة الأسد منها" يقول الشامي لـ"المشهد" متنهدا ومبتسما في الوقت ذاته قبل أن يستدرك موضحا :"حتى قبل استوزاري كنت امنح الوقت كله لعملي بشركة مايكروسوفت أخرج من منزلي باكرا وأعود إليه متأخرا".

وماذا عن الزوجة ألم تخلق لك هذه الانشغالات مشاكل معها؟ تتساءل "المشهد".." كانت في الماضي تشتكي غيابي المستمر عن المنزل لأنها لم تكن تعمل لكن سرعان ما تغيرت الأمور جذريا، وأصبحت زوجة متفهمة بعد أن انخرطت في العمل كمساعدة اجتماعية "، يجيب الشامي. للوزير الاتحادي أربعة أبناء ثلاثة منهم يقطنون بالخارج لمواصلة دراساتهم في حين ما تزال ابنته الرابعة تواصل دراستها في المغرب.. "زوج من وليداتي سافروا غير هاذ العام،بصراحة خوات علي الدار"، بهذه العبارات عبر الوزير- الأب عن اشتياقه لأبنائه.

حياة سعيدة تلك التي يؤمنها الشامي الأب والزوج للزوجة والأبناء.."أحاول قدر الإمكان أن أوفق بين عملي وحياتي الشخصية، أحب زوجتي وأحب أبنائي وأسعد كثيرا لنجاحهم وأكون فخورا بكل تقدم يحصلونه في دراساتهم.

عن المشهد