صلاح الدين البشير يؤكد أن الأردن حالة خاصة والاحتجاجات عاصفة وستهدأ: لا يوجد شرق أوسط جديد بل نهضة من "رحم" الأمة العربيّة

صلاح الدين البشير يؤكد أن الأردن حالة خاصة والاحتجاجات عاصفة وستهدأ:
لا يوجد شرق أوسط جديد بل نهضة من "رحم" الأمة العربيّة
رانيا تادرس من عمّان


اعتبر عضو مجلس الأعيان الأردني صلاح الدين البشير ان "الأحداث في المنطقة العربية دليل على نضوج ونهضة عربية لدى المواطن العربي بإستعمال وسائل تكنولوجية حديثة". وحالة التغيير المطلوبة في الشارع العربي عموماً جاءت وفق البشير نتيجة تراكمات وإحباط لدى المواطن العربي خصوصاً أنه غيّب عن المشاركة السياسية مما جعله يحّمل النظام المسؤولية والسخط عليه مطالباً بإسقاطه.

عمان: قال عضو مجلس الأعيان الأردني ووزير الخارجية السابق الدكتور صلاح الدين البشير ان "الأحداث في المنطقة العربية دليل على نضوج ونهضة عربية لدى المواطن العربي بإستعمال وسائل تكنولوجية حديثة". وحالة التغيير المطلوبة في الشارع العربي عموماً جاءت وفق البشير نتيجة تراكمات وإحباط لدى المواطن العربي خصوصاً أنه غيّب عن المشاركة السياسية مما جعله يحّمل النظام المسؤولية والسخط عليه مطالباً بإسقاطه.

وأضاف البشير في لقاء مع "إيلاف" حول ما يجرى في المشهد الداخلي الأردني من مسيرات واعتصامات ومناداة بإصلاح النظام ومحاربة الفساد انه "مجرد عاصفة ستمر لأن حالة الأردن خاصة وهذه الأحداث كما يصفها "حالة نضج وثقة في مؤسسة العرش والسلطة والشارع، ولعل هذا يرتبط بحقيقة أن معظم القوى السياسية الموجودة في المجتمع الأردني قديمة وجزء من التركيبة الإجتماعية-السياسية الأصيلة للدولة. وأكد ان بوابة الإصلاح السياسي هي قانون إنتخاب عصري يجعل المواطن الأردني يقرر سياسياً واقتصادياً ماذا يريد من خلال صناديق الإقتراع".

وحول ولادة شرق أوسط جديدة بلمسات أميركية إعتبر الدكتور بشير إنها ولادة تتم حالياً بنهضة عربية تطالب بالإصلاح والتغيير صادرة من رحم البلدان العربية ذاتها. ويرى ان السلام مع إسرائيل والدول الغربية حاليا بات قرار المواطنين في الدول وليس السلطات العربية.

وهنا نص اللقاء:

- تتسارع الأحداث عربياً ويبدو ان عام 2011 عام سقوط الأنظمة العربية بشكل متتالي فماذا تقول بهذا الشأن؟

• ما يجري في العالم العربي اليوم هو نتيجة منطقية لغياب الحياة السياسية الداخلية الناجعة في أوطاننا، أو البطء في تنفيذ برامج التنمية السياسية أو غياب التوافق على هذه البرامج وبدرجات متفاوتة من بلد لآخر. إضافة إلى عامل مهم آخر هو شعور المواطن العربي العادي بالإحباط لدرجة فقدانه الثقة في بعض الحالات في مؤسسات وأدوات الحياة السياسة الداخلية القائمة في بلده. وبات المواطن العربي يشعر أنه لا يشارك في صنع القرار وبالتالي أخلى نفسه من مسؤولية النتائج وحملّها "للنظام" الذي قد يشعر بوجود فجوة تفصله عنه نظراً لغياب المشاركة السياسية الفاعلة والحقيقية أو ضعف الثقة في أطر المشاركة القائمة. وعندما حاول هذا المواطن أن يعبر أو يتكلم أو يغير من داخل منظومة سياسية منتجة اصطدم بالواقع المرير لغياب الحياة السياسية والمؤسسات التي من شأنها تحويل مطالبات المواطن وطموحاته لبرامج ايجابية للتغيير. فلا إعلام يثق به، ولا نظام إنتخابي يعكس خياراته والسياسات التي يؤمن بها. واقترن كل ما سبق بعاملين هامين: الأول أزمة إقتصادية عالمية كبيرة أثرت على المواطن العربي والثاني تطور تكنولوجي كبير خلق حواراً موازياً في ما أسميه "الشارع العربي الإفتراضي" نظم الناس أطر خطابهم من خلاله كتعويض عن غياب آليات مخاطبة السلطات العامة والمشاركة السياسية أو فقدان الثقة بجدوى مخاطبتها أو المشاركة عبر أطر الحياة السياسية القائمة.

- ماذا عن إنتقال فيروس الثورات من بلد الى آخر، حيث بات سؤال الشارع العربي الدور على من الأنظمة العربية؟

• مسألة الانتقال تعتمد على توفر قدر من الحياة والمؤسسات السياسية الفاعلة في الدول العربية الأخرى للتعامل مع التغيير الكبير والجذري الحاصل من حولنا من عدمه، ومن ثم سرعة التكييف لنقل الحياة السياسية في دولنا ومؤسساتها لتواكب روح العصر بحيث يمارس الشعب حقه في المشاركة في صنع القرار ورسم البرامج ويتحمل مسؤولية النتائج وبحيث تثق القوى السياسية التي تفرزها الانتخابات كأقلية في الأطر القائمة وتستمر كمعارضة لمحاولة إقناع الناخبين بتأييد برامجها عبر الإنتخابات اللاحقة دون أن تضطر للجوء إلى الشارع. باختصار، إن الإحباطات الإقتصادية والسياسية والمعنوية العربية سواء كانت حقيقية وموضوعية أم قناعات وجدانية ذاتية هي أعراض لمرض واحد هو "لقد أخلى المواطن العربي مسؤوليته عن النتائج وحملها للسلطة التي افترض أنه ليس جزءا منها وأسماها النظام". وأعتقد أن ما يجري الآن هو فرصة يمكن اغتنامها لأن المواطن العربي وحدوي بطبيعته، لكنه أيضا يسعى الى تحسين حياته وتأمين أسرته. وأيضا الغضب والإحباط العربي ثبت أنه معدٍ بطبيعته. من هنا لا بد من إعادة صياغة العلاقات العربية على أسس منتجة للتكامل الإقتصادي والاستثمار في الإعمار المشترك بحيث نركز على ايجاد سوق عمالة عربية يلبي آمال الشباب العربي وأحلامه وفي الوقت نفسه نسعى لتعزيز نظام العمل العربي المشترك كحامي لكرامة المواطن العربي بكافة أبعادها.

- في المشهد الداخلي الأردني، باتت المسيرات والإعتصامات والبيانات أساليب إحتجاجية مستمرة أسبوعيا ما رأيك؟

• رؤيتي للمشهد الداخلي في الأردن لا تخرج عن ما سبق، وأدعو المراقب للمشهد الأردني لقراءة معمقة الاول منها نموذج التحليل الأردني الداخلي التقليدي الذي يعتمد الجغرافيا أو العقائدية أو النشاط الإقتصادي كإطار للتحليل أما القراءة الثانية فهي التعامل مع هذا الموضوع كعاصفة ستمر أو أن يتوقف فقط عند حالة الصخب والاتهامية وتحميل المسؤوليات التي تشكل صدى بديهيا لما يجري حولنا وعندنا. مع هدوء الصخب يستطيع المراقب للمشهد الأردني أن يلحظ تأطيراً لخطاب وطني إصلاحي تتضح معالمه شيئا فشئياً. التطورات التي تجري في الأردن على صعيد الدولة ككل تظهر نضجا وثقة في مؤسسة العرش والسلطة والشارع، ولعل هذا يرتبط بحقيقة أن معظم القوى السياسية الموجودة في المجتمع الأردني قديمة وجزء من التركيبة الإجتماعية-السياسية الأصيلة للدولة. لكن الأمور لا تقاس فقط بوضوح الخطاب وسلامة التوجه بل بمدى سرعة عكس هذا الخطاب الوطني كمنهج حياة وواقع معاش.

- ما تعليقك على السياسات الإقتصادية السابقة والخصخصة وغير ذلك من البرامج التي انتهجتها الحكومات الأردنية السابقة وإتهامات الفساد التي تطلق؟

• إن ربط الفساد بعلاقة طردية مع حجم القطاع الخاص في الدولة هو تبسيط للأمور ومفارقة منطقية غير سليمة. الفساد جريمة يجب أن تحارب بلا هواده أينما وجدت، لكن الفساد يوجد في القطاع الخاص والعام وقد يوجد حتى في مؤسسات المجتمع المدني ولا بد من إجتثاثه أينما وجد، لكن ربطه بسياسة اقتصادية بعينها والإستناد إليه كحجة للحد من حجم القطاع الخاص أو العام في الإقتصاد خطأ كبير وتقليل من خطر الفساد. فالفساد فساد بغض النظر عن المنهج الإقتصادي للدولة والسياسات الإقتصادية ونجاعتها تتطلب تحليلاً علمياً مدروساً يعززه الرقم والحجة. أنا من المؤمنين بدور القطاع الخاص كمنهج اقتصادي في الأردن لتحقيق النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل وإيماني مبني على تحليل علمي منطقي. وأعتقد بأن قيام حياة سياسية أردنية متينة وإنتخابات وفق قانون يحظى بالتوافق وإجراءات موثوق فيها تفاضل بين برامج وبدائل سيكون أفضل سند للمنهج الذي يقول بدور القطاع الخاص في الإقتصاد لأن خزانة الدولة جيوب رعاياها، وبالتالي فإن صندوق الإقتراع يجب أن يحدد في النهاية البرنامج الاقتصادي الذي يريده الناخبون. وفي كل الاحوال قرار الخصخصة قرار إتخذ على إثر الكارثة الإقتصادية التي حلت في الاردن عام 1989 من جملة إجراءات كثيرة للإصلاح الإقتصادي وتحليل نتائج هذه التجربة برأيي على الخزينة والاقتصاد والعمالة ومستوى الخدمات المخصخصة المقدمة يقول بنجاحها وأرجو أن لا يفهم من قولي هذا أنني لا أقبل الطرح القائل بضرورة مراجعة الإجراءات التي تتم بها أو زيادة شفافيتها حصرها في الاستثمار المحلي أو الاجنبي. لكن ينبغي أن تكون المراجعة بشكل علمي تقويمي لتعظيم الفوائد وتجنب السلبيات وأن تعرض الآراء والبرامج المختلفة على الناخبين لا أن تنطلق المراجعة من حكم مسبق برفض منهج كامل.

- في ظل رؤيتك ان المواطن ركيزة أساسية للإصلاح السياسي والإقتصادي وهو من يحددها عبر صندوق الإقتراع، ما هو برأيك الشكل المناسب لهذا القانون المنسجم مع الخصوصية الأردنية الذي تتوافق عليه أطياف القوى السياسية كافة؟

• الأردن بحاجة الى قانون إنتخاب الى جانب القوانين السياسية الأخرى التي تعالج الإختلالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتؤدي إلى تحمل كل مواطن مسؤولية قراره ونتائج ذلك، لأنه عند تبلور قانون إنتخاب يحظى بالقبول العام بعد الحوار بشأنها وإقراره سيكون على المواطن ان يقرر السياسات الاقتصادية التي ستحسن بتقديره وضعه الإقتصادي وذلك عبر صندوق الإقتراع في الإنتخابات القادمة والإنتخابات التي تليها والتي ينبغي أن ترتبط بالإصلاح الذي يجري التأطير له وبالتالي ينتهي تحميل المسؤوليات وإلقاء اللوم على السلطة لأن المواطن سيصل إلى قناعة يترجمها صندوق الاقتراع وسيتحمل هو مسؤوليتها.

- بعد سقوط النظام المصري برئاسة حسني مبارك وبصفته حليف قوى للأردن ما مصير مفاوضات السلام ومعاهدة السلام؟

• في هذا الشأن اعتقد إن قرار السلام من عدمه مع أية دولة عربية لم يعد قرار السلطة فحسب بهل هو قرار الغالبية من المواطنين في تلك الدولة.

- هل ما يحدث في الدول العربية وسقوط الانظمة من أجل شرق أوسط جديد خصوصا بعد رفع الغطاء الأميركي عن الزعماء العرب والوقوف الى جانب الشعوب التي تطالب بالتغيير؟

• لا يوجد شرق أوسط جديد بالمفهوم الغربي بل إصلاح عربي ونهضة عربية للقرن الحادي والعشرين من رحم الأمة العربية.