hespress
اتسمت الحكومة الحالية بظاهرة سياسية غير مسبوقة لم تكن معروفة في الحكومات السابقة، تتمثل في كثرة التهديدات بالاستقالة من طرف عدد من الوزراء، من بينهم وزير الاتصال النّاطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، الذي كان سباقا إلى هذا التهديد إذا لم يتم تطبيق دفاتر التحملات الخاصة بالإعلام العمومي، وأيضا وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، الذي هدد بالتنحي عن منصبه في غضون سنتين إذا فشل في رفع رواتب القضاة.
ولم تتوقف التهديدات بالاستقالة عند وزراء حزب العدالة والتنمية الذي يقود أمينه العام دفة الحكومة، بل امتدت هذه الظاهرة لتشمل بعض وزراء من حزب التقدم والاشتراكية أيضا، إذ سبق لوزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله، أن هدد بتقديم استقالته إذا وقع حادث ثان مماثل لانهيار إحدى المنازل بالدار البيضاء قبل أيام خلت، شرط أن يكون قد حصل على "وقت كاف لتحمل المسؤولية".
واتّبع وزير الصحّة، الحسين الوردي، أثر زميله وزير السكنى ليهدد قبل أيام قليلة بتقديم استقالته في حالة ما إذا شعر أنه صار يخضع لبعض اللوبيات التي " تهدف إلى عرقلة سير عمله داخل الوزارة، وتتصيد أخطاءه"، خاصة بعد اتخاذه لقرارات "لم تحظ برضا بعض الجهات داخل الوزارة وخارجها".
وتعليقا على هذه "الظاهرة غير المسبوقة بالمغرب"، قال الدكتور محمد الغالي لهسبريس، وهو أستاذ العلوم السياسية والدستورية في جامعة القاضي عياض بمراكش، إن حجم تهديد مجموعة من وزراء الحكومة التي يقودها عبد الإله بنكيران بالاستقالة "مسألة تسترعي الانتباه في تاريخ الحكومات المغربية".
ويشرح الغالي، في تصريحه لهسبريس، أن هؤلاء الوزراء معّينون من طرف الملك، والتقاليد البروتوكولية في مغزاها السياسي كرست اعتقادا مضمونه أن الاستقالة لا يمكن أن تكون إرادية، لأنها قد تُفسَّر بكونها "نوعا من التمرد أو التطاول على الجهة صاحبة التعيين"، مضيفا: "هو جيل جديد من الوزراء، يرفض أن يحمل وعيا شقيا، أو يكون مجرد آلة للإمضاء، أو مجرد كائن بروتوكولي".
واستطرد الغالي بأن التهديد بهذه الاستقالات يكشف عن خبايا كثيرة تتحكم في كيفية إدارة النظام السياسي، وبالتالي تدبير السياسات العمومية المرتبطة بحياة المواطنين والمواطنات، حيث أن الاعتقاد الذي كُرّس عندهم يكمن في كون الوزراء هم دمى متحركة متحكم فيها من طرف جهات نافدة في الحكم، لكنها لا تظهر بشكل مباشر، وعليه فالحكومة شكلية وليس لها أي معنى في قاموس نظام الحكم في المغرب.
ولفت المحلل السياسي إلى كون التهديد بهذه الاستقالات "يوقظ من جديد الانتباه الى الأسباب التي أدت إلى الحراك الاجتماعي، والتي تمثلت أساسا في محاربة الفساد وإسقاطه، وضرورة ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة".
واستنتج الغالي بأن هذه التهديدات بالتنحّي هي "تتمة للحراك الاجتماعي، وإعلان عن عدم انتهائه من خلال هؤلاء الوزراء المثيرين لإمكانيات استقالتهم، تشبثا منهم بمقتضيات دستور 2011، وخاصة الفصل 93 منه الذي يعتبر الوزراء مسؤولين عن تنفيذ السياسة الحكومية؛ كل واحد في القطاع المكلف به".
كما خلص الغالي إلى أن ذات التهديدات "لا تنم عن سلوكيات عابرة"، معتبرا أنها "تنذر بأيام مقبلة ستعرف تطورات قد تقود إلى إحداث اهتزازات خطيرة على مستوى الأغلبية الحكومية، خصوصا إذا لم يتم التعامل مع هذه السلوكيات في إطارها المعقول والصحيح للتحكم في مخاطرها على التوازن المؤسساتي".[img]
[/img]