في مساءلة تجربة القنوات الإذاعية الخاصة بالمغرب
سعيد فردي
طيلة مدة اشتغال القنوات الإذاعية الخاصة الجديدة، قيل الكثير عن سياقها وتجربتها، وطرحت عنها عدة أسئلة، توقفت في مجملها عند أهمية الكم والكيف، ومن يتقدم على الآخر في سياق هذه التجربة الفتية لتحرير المشهد السمعي البصري بالمغرب.
التحرير ... خطوة أولى محكومة بما سيليها
اختلفت الآراء والمواقف حول القانون المنظم للإعلام السمعي البصري بالمغرب، فمن قائل بأن هناك تحولات جرت على مستوى الترسانة القانونية في المجال السمعي البصري، وهي إيجابية جدا، فإن هناك من ذهب إلى اعتبار أن النصوص القانونية المنظمة للقطاع لها خلفية أمنية للتحكم في القطاع، بالنص وليس بالممارسة، ومن يعتقد أن الدولة ستفرط في هذا القطاع هو واهم. ويجب على القانون، ألا يكون ضاغطا قسريا، ولكنه نص له طابع توجيهي.
ويرى بعض المتخصصين بأن تحرير القطاع السمعي البصري في المغرب تجربة تظل جد متواضعة، وأنها لا تشكل قيمة حقيقية في المشهد السمعي البصري، وأن قرار التحرير كان من أجل التحرير لا اقل ولا أكثر.
في حين يرى مسؤولون حكوميون ومعهم قلة قليلة ممن استفادوا من تراخيص الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لإنشاء قنوات إذاعية خاصة، ان التجربة شكلت رافعة من روافع التعدد في المشهد السمعي البصري، وأن قرار التحرير في حد ذاته يعد مكسبا مهما للمشتغلين في القطاع، وأنه جاء في سياق التطورات الإيجابية التي يعرفها المغرب في المشهد السياسي عموما، وفي مجال حقوق الإنسان خاصة وضمنه الحق في التعبير والإعلام.
وترى فئة ثالثة تلتزم الحياد مرحليا ربما طمعا في الظفر بتراخيص إنشاء قنوات إذاعية أو تلفزية حرة مستقبلا، عدم التسرع واللجوء إلى الأحكام المسبقة، نظرا إلى أن التجربة لم يمر عليها سوى سنوات معدودة .
ويتفق الفاعلون والمشتغلون في مجال الإعلام السمعي البصري حول أهمية عمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، في تقويم وتعديل ما تقدمه الإذاعات والتلفزات، وطالب البعض بإعادة النظر في القانون المنشئ لها بشكل يجعل من تقنين المضامين جزءا رئيسيا من وظائفها.
الإذاعات الخاصة... قصور في التكوين وضعف في الأداء المهني
نقص مريب في التكوين لدى العاملين بالإذاعات الخاصة الجديدة التي أشرت عليها الهاكا، وتعترض الإذاعات الجديدة مشاكل في توفير العنصر البشري المكون مهنيا وتنشيطيا، ومن هنا ضرورة أن تولي مدارس ومعاهد الصحافة اهتمامها أكثر للتكوين في مجال التنشيط الإذاعي لتلبي حاجة السوق.
وإذا كان لزاما على كل الفاعلين في المجال الإعلامي المراهنة على العنصر البشري في نجاح التجربة، كما وقع في بلدان أخرى، وحتى في بلدان قريبة منا وشبيهة لنا، تظل الممارسة المهنية في الميدان هي التي تظهر الثغرات لتعديلها.
تعاني المحطات الإذاعية التي رأت النور في إطار قانون تحرير السمعي البصري، نقصا مريبا في مجال تكوين صحافييها ومنشطيها الشباب لتكتسب الخبرة والتجربة المهنية اللازمة، ولعل احد أسباب هذا القصور يتمثل في كون الإعلاميين المغاربة المخضرمين والمتمرسين، لا ينقلون تجاربهم الناجحة إلى الجيل الجديد، وعبر البحث والدراسة كما يتم في دول أخرى، على اعتبار أن نقل التجربة الميدانية للطلبة ضروري لتطوير الأداء المهني.
وكمثال على ذلك، داخل المنابر الإعلامية المكتوبة، لا توجد خطة للعمل بها، وقد يبقى المتدرب أو الصحافي العامل الجديد تائهاً في تلك المؤسسة، من دون أن يستفيد من خبرة العاملين بها، ولا يعرف ما هي الأهداف التي تريد أن تحققها المؤسسة الإعلامية.
وكان من نتائج غياب التكوين والتكوين المستمر للمشتغلين في حقل الإعلام، خاصة داخل المحطات الإذاعية الحرة التي تناسلت كالفطر عقب تحرير القطاع، أن سقطت جميعها في فخ تغليب البرامج الترفيهية على حساب التثقيف والإخبار، وطغت عليها موجة من الميوعة والابتذال مست العمود الفقري للعمل الإذاعي الذي هو التنشيط الإذاعي الذي انحرف عن المهنية ولم يعد يتقيد بأعراف وأخلاقيات المهنة، وذلك باستعمال لغة هجينة للتواصل مع المستمعين، خليط من اللهجات واللغات، كخلط العربية بالدارجة بالفرنسية وبألفاظ غريبة، لغة لا تحترم ذوق المستمعين وتقلق راحته، وهو مؤشر دال على الضعف المهني والإعلامي الذي يعتري معظم القنوات الإذاعية الحرة اليوم في ظل تجربة تحرير المشهد السمعي البصري.
صحافي وناقد إعلامي من المغرب