هل نحن ابناء طغاتنا: مطلوب اسقاط عباس!

هل نحن ابناء طغاتنا: مطلوب اسقاط عباس!
لينا أبو بكر


الجزيرة سامحها الله تثير انشقاقا في الرأي حولها يقع بين 'المهنية، والوطنية' فبقدر ما يتفق الجميع على أن الجزيرة 'صوت الثورة'، كما أطلق عليها الزميل سليم عزوز، بقدر ما تختلف شريحة معينة على مدى مقاربتها للمعايير المهنية في تغطيتها لمجريات الثورة، خاصة إذا ما قورنت بالمنهج المهني الرصين للإعلام الغربي حسب تلك الشريحة التي فاتها أن الغرب يتعاطى مع حرية الرأي كبريستيج لا أكثر في بلاط الإيتيكيت السياسي.
وقد تتمسك بهذا اليقين لو عدت لمصير محرر 'الديلي ميرور' الذي تم طرده بعد أن كشف انتهاكات قوات الفرقة الملكية البريطانية في البصرة 'لا نكشاير' كأبسط مثال، أو ربما عليك أن تبحث عن كواليس القبض على الأمير السعودي الذي قتل خادمه في لندن، لترى أي عين يغض الإعلام المرئي الغربي عما وراء الخبر من محرمات إعلامية تتحكم في التستر عليها أجندات، ربك أعلم ببلاويها؟ قد تثير هذه الازدواجية استنكارات ليس لها آخر، علينا أن نتفق قبلها أنه لا فضاء نظيف 'نازل عن الحبل' يعني منقى من شوائب الأجْنَدَة، التي هي حق مشروع، طالما أن الخبر لا يخضع لمحورة أو تلاعب يلغي الحقيقة لحساب التوجه.
هل تخرج الجزيرة عن مهنيتها عندما توظف النصوص القرآنية في تقاريرها التلفزيونية بعد ثورتي تونس ومصر، خاصة تقريري: 'يخرج الحي من الميت، واليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية'؟
لن نتفق مع تلك التهمة لبطلانها، فالتعامل مع النص القرآني في مادة التقرير التلفزيوني لا يصب في خانة التوظيف الايديولوجي أو العقائدي، بقدر ما هو يتعامل مع النص القرآني على اعتباره مادة تاريخية يتم إسقاطها على الظرف الراهن، خدمة للرؤية الإبداعية التي تستعين بالشواهد التاريخية على اعتبارها العروة الوثقى التي توصل إلى الحقيقة، وليس في وصف علي الظفيري لمبارك بفرعون أي تجاوز للحيادية، لأن استحضار فرعون في حالة رفض مبارك التنحي حتى آخر رمق، ليس شتيمة ولا هو موقف بقدر ما هو تعبير عن حالة تتماهى مع سياق تاريخي مشابه، وسأستند إلى جيرمي بوين مراسل 'بي بي سي' للشرق الأوسط الذي وصف مبارك بالطاغية وصفا دقيقا يستعين بمؤشرات وإحصائيات قادرة على إجازة هذا الوصف ليحسب على الحقيقة التي هي جوهر المهنة الأهم من الحياد الذي يعني التضليل، فلماذا نقبل من بوين تعبيره الصحيح: 'الطاغية' ولا نقبل من الظفيري تعبيره الصحيح: 'فرعون'؟

أبناء القمع ديمقراطيون!

وصلت طائرات الحلفاء الحربية المقاتلة إلى العراق على ظهر الأساطيل الفضائية التي يمتلكها ميردوخ وغيره، 'مطبلة ومزمرة' للقضاء على أسلحة الدمار الشامل، فدمرت حضارة امتد عمرها لأكثر من سبعة آلاف عام، ولما تبين بطلان ادعاءاتها تذرعت بخديعة التقارير الاستخباراتية والسياسية التي اعتبرتها مؤامرة، وبقيت في نظرنا رغم كل هذا 'محروسة من عين الحسود'، أما الجزيرة التي عرضت تقارير مصورة لأعداد تقريبية قد تزيد بعض مئات الآلاف عن العدد الحقيقي في ثورة مصر، مما أسفر عن حرية البلاد وانتصار إرادة الشعب، تصبح محرضة ويجب أن نكون معها موضوعيين ولا تأخذنا العزة بإثم وطنيتها على حساب شرف مهنيتها، فما شاء الله 'حولنا وحوالينا' كم نحن مهنيون ولا نحتاج لحفظ مهنيتنا أكثر من أحجبة يوزعها من يحضرون الجان والعفاريت الإعلامية، على طريقة صاحب برنامج 'Hard Talk' الذي اعتبر نبيل شعث في حواره معه ناطقا باسم حركة حماس، لأنه تحدث عن ضحايا المجازر الاسرائيلية، فما كان من شعث إلا أن يرد بأنه يحس بأنه أمام ناطق باسم الحكومة الاسرائيلية، او أحد أفراد إعلامها، تصور أن الحديث عن الضحايا هو إرهاب على طريقة ITV، ولم نلتفت لهذا بل كل ما خشينا منه هو التحليل الذي كان الدكتور عزمي بشارة يرفد به الأحداث أولا بأول، بصفته خطرا على الثورة وله أجندة حزب الله، ويا دي الأجندة!
ألسنا نشكل خطرا على الثورة قبل الجزيرة بهذه الآراء، لأننا إذ نعتبرها قناة محرضة أو وقودا للثورة نهين إرادة الشعوب العربية البطلة، ونتحول إلى نسخة من حكامنا الذين يحبطون وعي الشارع وإرادته ويخونونه إذ يستهبلونه مجرد اتهامه بتنفيذ أجندات خارجية؟ نصفق للإعلام الغربي أنه يشيد بثورة مصر ونحن معه طبعا، ولكننا نستنكر من ينكرون على الجزيرة تقديمها الحقيقة كمادة هي صورة تتحدث عن نفسها، لم يكن حكامنا مخطئين إذن بقمعنا، لأننا نحن أبناء قمعهم لا يمكن أن نرث منهم غيره، وهذا وفاء إرادي للجلاد!
أقول قولي هذا وأنا أول من عتب على الجزيرة تأخرها في تغطية أحداث الثورة المصرية، وأقوله وأنا لست ممن يحلون على الجزيرة ضيوفا في أي من برامجها أو قنواتها..
بما أننا كعرب حصلنا على الجنسية المصرية منذ 25 يناير، وقد كان لي شرف السبق على ستولتنبرج رئيس وزراء النرويج لما صرحت على قناة الحوار في بداية الثورة بأننا كلنا بعد 25 يناير مصريون.. لم يتبق إذن سوى أن نرفع رؤوس حكامنا إجلالا لثورتي تونس ومصر، مع الإشادة بإرادة الشعب المصري البطل التي كان لابد لها أن تسبق الإرادة القدرية، وتخلع الفرعون قبل حلول أجله ونيله شرف جنازة مهيبة لا يستحقها على ظهر دبابة ملفوفة بعلم مصر، وما علينا سوى أن نتمنى للجزيرة الحصول على أوراق اعتماد دائمة في الشارع العربي ما دامت الشعوب تقف في طابور الثورة مستنفرة، كأنها تبدأ عهدا جديدا لا يوثق له المستعمرون أو المنتصرون، إنما قناة الجزيرة التي استطاعت التقاط حناجرهم من آبار غائرة!
إعلام مصر
ألم أقل لكم في المقالة السابقة أنه سيتم تعيين عماد الدين أديب وزيرا للإعلام مكافأة له على تآمره على الثورة، وهو دليل ثبوتي على الاستمرار في قمع الثورة الشعبية بكل بجاحة، أية مهزلة هذه التي يصر أحمد شفيق على المضي بها وهو لم يزل يكرس للمباركية حتى بعد الإطاحة برأسها؟ هؤلاء يبنون أصنامهم ويأكلونها، وبعد عملية الهضم يصبحونها، فهل عقمت مصر 'الولادة' وليس بها سوى هذا الأرنب المتخم الذي تربى في زريبة النظام على مص دم الثوار، أين محمود سعد إذن ؟ ألا يستحق بجدارة أن يقوم بإدارة المسيرة الإعلامية بعد ثورة 25 يناير بوصفه أحد أبطالها ليثق الشعب أكثر بإعلام ترهلت مصداقيته حتى بدا كيقطينة متعفنة على مائدة هذا الفضاء المثير للشهية؟ نحتاج إلى محمود سعد حتى لا نشعر بالخيبة و يغمرنا الفرح الحقيقي ونحن نشاهد مصر وكفاءاتها المغيبة لعقود تطل اليوم عبر تلفزيونها بكل إشراقة وروعة تثير الاندهاش والفخر، وعلى عملية الكنس أن تتجاوز الشوارع والميدان لتصل إلى الحقائب الوزارية تنقيها مما علق بها من شوائب المباركية!

إسقاط السقوط
لابد أن يكون الدور بعد مصر على عباس ومجموعته، فإن كنت تابعت قناة الحوار في برنامجها 'الرأي الحر' أمس الأربعاء ترى إلى أي مدى وصلت بجاحة التعاطي مع آلامنا وجراحنا كفلسطينيين وكيف يقوم عباس (بيك) بتعويض اسرائيل عن سقوط ضحايا في صفوفهم مما يعد كارثة لا تفوقها كارثة سوى صمت الشعب الفلسطيني البطل عنها، الجميل في البرنامج أنه كان يطرح القضية ويعرض صورا من ذاكرة الحرب على غزة لاطفالها وشهدائها الذين لم تكلف السلطة نفسها بملاحقة من قتلهم قضائيا، أوحتى عرض صور لهم على قناتها، أما عدم نية صالح الأزرق بتهييج الناس 'فدخلك' يا أزرق قم بتهييجهم ما أردت إلى ذلك سبيلا، لأننا نخشى أن يتم تجميد الدم الفلسطيني إلى ما تحت الصفر التفاوضي، وإن ظن صائب عريقات أن تقديم استقالته - بعد ورطته الغوغائية في برنامج بلا حدود - يعفيه من تعرضه للمحاكمة فهو واهم لأن القانون الذي لا يحاسب على النوايا يحاسب على الشروع بجريمة حتى وإن لم يتم تنفيذها!
اغلب المشاركين في البرنامج طالبوا باسقاط عباس، وما نتمناه هو ألا تحل علينا لعنة القبور ونحن نتحول لمنقبي آثار أو سياحا في سجل تاريخنا الحافل بالتضحيات، ويا أيها الناس: علينا الاستعانة بكل المهيجات المتاحة في 'أكزخانة الثورة' من أجل إسقاط السقوط!
شاعرة عربية لندن