محــــاسبـة الأحـــــــــــزاب
الرحمانية :الاستاذ عبد العزيز الروماني
تنص الفصول 33 و 34 و 37 من القانون المنظم للأحزاب في المغرب على أن كل الأحزاب مطالبة بالإدلاء بحصيلتها وباعتماد نظام محاسباتي سنوي قادر على ضبط أدائها المال ونتائجها المحصلة،
ويجب عرض هذه الحصيلة على المجلس الأعلى للحسابات، وقبل ذلك على خبير محاسباتي مسجل لدى هيأة الخبراء. وحسب نفس القانون فإن الأحزاب التي لا تدلي بحصيلتها معرضة لعقوبات، منها تجميد الدعم الذي تتلقاه من الدولة، كما أن هذه الأحزاب مطالبة باحترام انعقاد مؤتمراتها في الآجال القانونية (أربع سنوات) كشرط للاستفادة من منح الدولة. وقد سبقت الإشارة في كتابات سابقة إلى أن القانون المؤطر للأحزاب المغربية لم يأت في حينه فقط لتنظيم هذه المنظمات السياسية أو لضبط أدائها ولكن جاء أيضا لفك ألغازها المتعددة. فالأحزاب المغربية ظلت ولفترة طويلة تتحرك بحرية غريبة إذ تستيقظ من سباتها كلما اقتربت الانتخابات أو حلت المناسبات الوطنية وتعود إلى نومها كلما جمعت حصيلة نتائجها الانتخابية وأحصت أعداد كراسيها البرلمانية. وفوق هذا وذاك فهي تعمل بأمزجة رؤسائها لا بضوابط الأنظمة الديمقراطية والأخلاقية والاجتماعية، ويمكن أن يعمر الرئيس فلا من يزحزحه ويمكن أن يخلد على جانب حاشيته فلا من يزعجه. وأحزابنا ظلت بعيدة كل البعد عن جل أنواع المحاسبات المالية والقانونية الأخلاقية والإنسانية والشعبية، فأعضاؤها تسطرون برامج لا يكاد أحد منهم يذكرها في ما بعد، وبالتالي ظلت أغلب أحزابنا بلا ذاكرة وبلا أرشيف توثيقي اللهم من كانت له جريدة ناطقة باسمه. كما أن مرشحيها في الانتخابات من المحظوظين المحظيين بالتزكية يطلقون العنان لألسنتهم ليعدوا كما شاءوا دون أن يفوا. ولقد شكلت مالية الأحزاب منذ عشرات السنوات لغزا سريا أثيرت حوله العديد من النقاشات حول سر الغموض الذي يكتنفها ، وحول سبب عدم خضوع هذه الأحزاب لمراقبة الدولة أو للمراقبة الذاتية أي مراقبة الأجهزة الداخلية للأحزاب كالجمع العام مثلا. إن أسلوب الفوضى والارتجال الذي ميز التسيير الحزبي في المغرب طيلة السنوات الماضية، يعكس بشكل واضح عقلية المشرفين على هذه الأحزاب وطرق تفكيرهم بل ويعكس أيضا أهدافهم وطموحاتهم في قيادة حزب معين أو في دخول الانتخابات، وهو ما يسهل على الباحث في الموضوع معرفة بعض أسباب عزوف عدد كبير من المواطنين في المغرب عن العمل السياسي و الانتماء الحزبي، وارتياح الأحزاب المغربية لوضعية المنتمي غير المكترث و المنتمي المتلهف كطابع ميز المشهد السياسي والحزبي المغربي منذ الستينيات. ويبدو أن الدولة المغربية ركزت اهتمامها في المرحلة السابقة على البحث عن توافق يضمن استقرار العمل السياسي في المغرب، أكثر من بحثها عن تتبع العمل الحزبي ومراقبة مالية وضمان شفافيته. وبالتالي فيمكن القول ان الدولة كانت تبحث عن توافق دائم بينها وبين الأحزاب التي كانت تحسب سابقا في المعارضة، وهو ما جعل الأحزاب اليمينية أو المسماة تجاوزا بالإدارية ترتاح بدورها لصراع خدم مصالحها على مدى سنوات عديدة. أما وان التوافق قد حصل وتجسد في صيغة سياسية سميت بالتناوب وفي صيغة اجتماعية سميت بالحوار ، ودخلنا حاليا مرحلة البناء الشامل والتنمية المستدامة بتصورات حديثة وتوافق عام، فإن البناء والتنمية لن يتأتيا بالشكل المطلوب ما لم نتخلص من فوضى التسيير حيثما كانت وأينما ضبطت، ولعل أبرز آليات البناء والتحديث داخل المشهد الحزبي هي ضبط المحاسبة، والالتزام بالقانون الأساسي، وإعادة تشكيل الديمقراطية الداخلية انطلاقا من مبدأ بسيط يقضى باحترام آجال انتخابات الهياكل الحزبية وتوجيه الأحزاب المغربية نحو الممارسة الأخلاقية أثناء الانتخابات أو بعدها.