تـفـاصـيـل “شـراء” قـطـر للـمـونـديـال
المال جعل بلدا صغيرا تصل فيه درجة الحرارة إلى 50 ومنتخبه مصنف 114 عالميا يفوز بتنظيم كأس العالم
يوم ثاني دجنبر 2010 سيظل يوما تاريخيا، في مدينة زيوريخ، اجتمع 22 كاردينالا من أصل 24، بعد توقيف كل من النيجيري أموس أدامو والتاهيتي رينالد تيماري بسبب فضيحة الرشوة، تحت إمرة بابا الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جوزيف سيب بلاتر، كلهم
ذكور معدل أعمارهم 63 سنة، لاتخاذ قرار بشأن اختيار الدولتين اللتين ستنظمان كأسي العالم 2018 و2022.
اختيار روسيا لتنظيم كأس العالم 2022 جعل البعض يغضب خاصة الانجليز الذين كانوا يعتقدون أنهم الفائزون، لكنهم لم يثيروا أي مشاكل.
اختيار قطر.. “الحماقة”
المشكلة تكمن في اختيار قطر، بسبب المفاجأة التي أحدثتها الإمارة العربية بحصولها على 11 صوتا في الدور الأول، رغم أن تقرير لجنة التفتيش التقنية التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وصف ملف قطر ب «الخطر الكبير»، إضافة إلى أن الإمارة العربية الصغيرة تنافس كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية.
«حماقة» بهذه العبارة وصف أحد مندوبي «فيفا» قرار التصويت لصالح قطر لتنظيم نهائيات كأس العالم 2022، فعلا إنها «حماقة»، قبل أن يضيف «كان عليهم منح قطر تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية أيضا»، خصوصا أن الأمر يتعلق بكرة القدم، المعروفة أساسا بأنها عامل أساسي للسلام والتواصل بين الشعوب والثقافات.
بالنسبة إلى قطر هي مؤهلة الآن بشكل أوتوماتيكي إلى النهائيات باعتبارها الدولة المنظمة، رغم أنها تحتل الرتبة 114 عالميا في تصنيف المنتخبات الوطنية، قبل سورينام وتانزانيا، هذا الأمر ليس فيه أي عيب بالنسبة إلى دولة تبلغ مساحتها 11 ألف و500 ألف كيلومترا وسكان يبلغ عددهم مليون و700 ألف نسمة، أكثر من نصفهم أجانب خاصة من الهند لا يتمتعون بأي حقوق مدنية ويعيشون في أحياء هامشية، أما بالنسبة إلى المنتخب فنصف اللاعبين أيضا مجنسون ازدادوا في البرازيل أو الأورغواي، والنتيجة أن الغاز الطبيعي والبترول والمال هي الأسباب ليس كرة القدم.
خمسون درجة في الصيف
حقيقة ليس منطقيا أن تلعب كرة القدم تحت درجة حرارة تفوق الخمسين في عز الصيف، رغم أنهم يعدون بملاعب مكيفة وملاعب من المستوى العالي، لكن من الناحية البيئية هناك أمور كثيرة تقال، فتحلية مياه البحر لسقي الملاعب وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ب 80 طنا لكل نسمة (بعيدا جدا عن الولايات المتحدة الأمريكية).
إذن هو كأس عالم بملاعب خضراء فوق صحراء قطر وبالنسبة إلى اللاعبين فنادق خمس نجوم….
«حماقة» بالنسبة إلى (فيفا) ليست المرة الأولى، سنة 1978 منح الاتحاد الدولي فرصة تنظيم نهائيات كأس العالم إلى أرجنتين الجنوال الدكتاتور جورج رفائيل فيديلا، وفي الأخير فازت الأرجنتين بالكأس الذهبية، وفي سنة 1986 منح الاتحاد الدولي التنظيم لكولومبيا قبل أن يتحول إلى المكسيك، الأمر في الحالتين على الأقل مقبول، لكن بالنسبة إلى قطر فلا، لأن الدولتين لهما ثقافة كروية كبيرة، لكن بالنسبة إلى قطر فالأمر لا علاقة له بالكرة المستديرة بل كأس العالم هو أداة من ضمن أدوات أخرى لإظهار تفوق دول البترودولار، والذي لا يختلف كثيرا عن العوالم الافتراضية على الانترنت.
بالنسبة إلى قطر ومسؤوليها فتنظيم كأس العالم لا يقدر بثمن، والدليل هو تخصيص ميزانية تفوق بشكل رسمي 100 مليون دولار، ما يفوق ما خصصته أستراليا للحملة بأربع مرات.
صحيفة «وول ستريت جورنال» أخبرت قراءها في أحد الأعداد التي صدرت مع بداية حملة الترشيح أن أحد مستشاري الملف القطري أوصى بمنح الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم 78.4 مليون دولار من أجل تحقيق المصالحة مع خوليو غروندونا، أحد 22 المصوتين في الاتحاد الدولي، رغم أن الأخير رفض تلقيه أي أموال، لكن في المقابل ما زلنا ننتظر مقاضاته للجريدة الأمريكية.
القطريون «كرماء» والدليل تمويلهم لمؤتمر الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، بنسبة مائة في المائة، لأنهم كانوا متأكدين من أن أي مرشح لن يستطيع إقناع الأفارقة بالتصويت، وبهذه الطريقة أيضا ضمنوا أصوات القارة السمراء قبل موعد التصويت النهائي بسنة كاملة، هذا دون نسيان الصحافيين المؤثرين الذي منحوا تذاكر سفر (درجة البيزنس) وقنينات الشامبانيا في الفنادق التي حجزوا فيها، إضافة إلى البحث عن سفراء للملف، وما دامت قطر تفتقر إلى أي وجه رياضي معروف ومشهور فأكيد هناك العمالة الأجنبية حتى بالنسبة إلى الرياضة…إنه الدولار.
قبل يوم من اختيار الدولة التي سيكون لها شرف تنظيم المونديال، لوك ديان الرئيس السابق لأولمبيك ليل الفرنسي، والمقرب من العائلة الحاكمة في قطر، يشرح في برنامج «20 دقيقة» كيف أمكن لقطر إقناع الأسطورة الفرنسي زين الدين زيدان، بأن يكون سفيرا لملفها «بأداء الثمن»، مضيفا «كما يمكن أن تكون هناك ضغوط بتدخلات سياسية، نحن نعرف مدى عمق العلاقة التي تربط الأسرة الحاكمة في قطر بفرنسا، رغم أن زيدان لم يكن متحمسا، يمكن أن يكون أحد قال له إن أمر جيد»، ونحن نتساءل من يمكن أن يقوله ذلك.
«بأداء الثمن»، كم؟ حسب اليومية الأسترالية «هيرالد تريبيون» القديس زيدان توصل بـ 3.5 ملايين أورو من أجل دعمه لملف قطر، بل أكثر من ذلك في حالة الفوز بالتنظيم مبلغ إضافي مليون أورو عن كل سنة حتى موعد التنظيم، ما يجعل المجموع 15.5 مليون أورو.
حكاية غواردولا وبرشلونة وموزة
جوسيبي غوارديولا، مدرب برشلونة الاسباني، توصل بـ 350 ألف أورو مقابل دعمه لملف قطر لتنظيم نهائيات 2022، لكن بعد أسبوعين الإعلان عن عقد استشهاري للبارصا الأكبر في تاريخ كرة القدم العالمية (170 مليون أورو).
«مؤسسة قطر» ستظهر على قميص البارصا لخمس سنوات في سابقة بالنسبة إلى الفريق الاسباني الذي لم يسبق له أن باع قميصه.
رئيسة هذه المؤسسة لسيت إلا موزة المسند صديقة كارلا بروني زوجة ساركوزي .
الأفظع من كل ذلك هو اللقاءات التي تمت في عدد من الفنادق الفاخرة بفرنسا، والتي كانت تعطي الأمان للقطريين بأن قطر هي التي ستفوز.
ميشال بلاتيني، أسطورة الكرة الفرنسية في الثمانينات والرئيس الحالي للاتحاد الأوربي لكرة القدم، سيبقى رئيسا لأربع سنوات، وهو أيضا يملك صوتا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي.
الجميع لم يكن يعرف من سيفوز بشرف تنظيم كأس العالم 2022 لكن الجميع أيضا كان يتحدث عن قطر.
ستة أسابيع قبل الإعلان عن الدولة التي ستنظم كأس العالم 2022، أحد المقربين من جوزيف سيب بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، قال لمجلة «ماريان» إن الجميع يعلم أن قطر هي التي ستفوز بشرف التنظيم، وأن نيكولا ساركوزي رئيس الجمهورية الفرنسية، «قاد» ميشيل بلاتني في تصويته لصالح قطر.
منذ ثاني دجنبر الماضي، وتصريحات ميشيل بلاتيني تدفع إلى الغرابة والمفاجأة، فمرة يصرح بأنه لا يعقل أبدا الموافقة على تنظيم نهائيات كأس العالم بالصحراء العربية في حرارة تفوق الخمسين، وثانيا يقول إن الأمور ستكون عادية ويعطي مثالا بمونديال 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية وأن أحدا لم يمت من الحرارة.
بلاتيني ظل يراوغ حتى في التصريحات، مرة يناصر الذين يعارضون كفرانز بيكنباور ونقابة اللاعبين المحترفين، التي أكدت أنه لا يمكن للاعبين والمحبين أن يعيشوا شهرا كاملا في الإمارة العربية في عز الصيف.
مسألة “بريستيج”
الاتحاد الدولي لكرة القدم يعيش بنسبة 92 في المائة من عائدات كأس العالم، ومسؤولو قطر جاهزون لوضع أيديهم في جيبهم، وأعطوا الدليل على ذلك، حسب ميريل لينش فتنظيم كأس العالم 2022 سيجعل قطر تصرف 69 مليار دولار، أي بنسبة 41 ألف دولار لكل مواطن بمن فيهم الأجانب، وبالنسبة إلى القطريين لن يحلموا بتحقيق التوازن بين ما سيصرفونه وبين العائدات رغم الأعداد الكبيرة من المشجعين الذين سيرحلون إلى قطر لمشاهدة المونديال.
الأكيد أن المشكل ليس في الأموال بل «البريستيج»…»حماقة»…لا يمكن أن إضافة أي كلمة أخرى…