ستيفن جرين: شغلي الشاغل في الحياة هو رغبتي في قتل العراقيين أياً كانوا وأينما كانوا
جرائم هذه المجموعة المجرمة يغطيها العقيد (توم كانك) المعروف بانتهاكه للمحرمات
العريف أنتوني يريب يقتل عراقية بريئة رمياً بالرصاص لمجرد أنه أراد أن يعيد النظام
كان يقود فرقة الموت مجرم ذو سجل أسود ومعروف بين زملائه بأنه حشاش وسكير
"قلوب سوداء" كتاب يتعقب خطى مجموعة وحشية من الجنود الأمريكان عندما خططت وبدقة متناهية للانتقام من عائلة عراقية مدنية مسالمة. ويشير إلى الرعب الذي حدث بسبب هذه الجريمة الوحشية التي ارتكبت بدم بارد. لقد كشف الكتاب الذي صدر مؤخراً تحت عنوان "قلوب سوداء" التفاصيل الكاملة عن فرقة الموت الأمريكية التي توجتها بقتل عائلة عبير الجنابي ، وما زالت آثار جرائمها ماثلة في أذهان أبناء المنطقة التي عملت بها ،وقد تسبب ما اقترفته بفتنة وعداء بين العراقيين أنفسهم . وفي نهاية المطاف قادت اعترافات احد الجنود، إلى كشف من كان يقف خلف الجرائم الكثيرة والجريمة الرئيسية التي تناولها الكتاب.
كان يقود هذه المجموعة أو العصابة مجرم ذو سجل أسود في الولايات المتحدة ومعروف بين زملائه بأنه حشاش وسكير وشديد القسوة حتى مع جنود الوحدة التي انتمى إليها. أرادوا أن ينفذوا هجومهم على عائلة الجنابي دون ان يتركوا أثرا لجريمتهم،فقد تخلصوا من كل العلامات التعريفية التي تشير إلى وحدتهم وارتدوا أقنعة وجه وتركوا جنديا واحدا ليحرس النقطة التي كانوا يرابطون فيها. غير أن ما حدث لم يكن ليبقى خفيا لهوله وبشاعته. لذا عندما تم الكشف عنه تناقلته وسائل الإعلام العالمية في صفحاتها الأولى ليبقى وصمة عار في سجل الجيش الأمريكي.
في 12 مارس من عام 2006،عثر على جثث عائلة عراقية في منزل بالقرب من مدينة اليوسفية التي تبعد عشرين كيلومترا عن بغداد . كانت تلك العائلة تتكون من الزوج وزوجته وابنتهما هديل التي تبلغ من العمر ست سنوات والذين تم إطلاق الرصاص عليهما وقتلهما، أما الضحية الرابعة التي هي محور الفاجعة فهي الصبية عبير التي تبلغ من العمر 14 سنة، والتي اغتُصبت ثم رميت بالرصاص حتى الموت، وبعدها أحرقت جثتها بالكيروسين ..النفط الأبيض.
وطوال ثلاثة أشهر ظلت هذه الحادثة على أساس انها ارتكبت من قبل الميليشيات العراقية.
وفي التفاصيل ان قوة مكونة من 10 إلى 15 جنديا أمريكيا اقتحمت منزل قاسم حمزة رشيد الجنابي، الذي يعيش مع زوجته وأربعة أطفال هم:عبير (15 عاما) وهديل مواليد 1999 ومحمد 1998 وأحمد 1996 .وقام الجنود الأمريكيون باحتجاز قاسم وزوجته فخرية طه محسن وابنتهما هديل في غرفة واحدة وأعدموهم رميا بالرصاص حيث أصيب قاسم بأربع رصاصات في الرأس وفخرية بخمس رصاصات في البطن وأسفل البطن وهديل أصيبت في الرأس والكتف .
بعدها قام الجنود الأمريكيون باقتياد عبير إلى الغرفة المجاورة وحاصروها في إحدى زوايا المنزل ونزعوا ثيابها عنها وتناوبوا على اغتصابها، ثم ضربوها بآلة حادة على رأسها بحسب ما أفاد تقرير الطب الشرعي حتى أغمي عليها ثم وضعوا وسادة على فمها وأنفها وخنقوها ثم أحرقوها بالنار وبعدها عاد الجنود إلى نقطة التفتيش التي كانوا يحرسونها على بعد نحو 200 متر وجلسوا يشوون أجنحة الدجاج. . ولم ينج من العائلة سوى الطفلين أحمد ومحمد لأنهما كانا وقت الحادثة في المدرسة حيث كانت الساعة ما زالت الثانية ظهرا.
و في يونيو قام جندي يعاني من بعض المشاكل ويدعى جوستن وات بإخبار ضباطه أن جنودا من وحدته هم المسؤولون عن جريمة القتل .وفي البداية كانوا غير مبالين لجدية ادعاءاته لكنهم حملوا الأمر محمل الجد بعد ان علموا انه بدأ يخشى على حياته وذلك عندما عرف أن أصدقاءه عرفوا بأنه قد تحدث عن الموضوع.وفقط عندما أصبحت الشائعات على طرف لسان الجميع تفاعل القادة مع القضية ،وبالتالي أدى إلى الاعتراف من قبل أربعة من الجنود الذين حكم عليهم بالسجن مدى الحياة ودفع 30 ألف دولار تعويضا والذي يعتبر مبلغا زهيدا فيما يعتقد البعض ان ذلك كان من أجل إرضاء ضمير الجيش.
هنالك كتب كثيرة تتحدث عن الحرب في العراق وعن الجرائم التي تُصنّف بأنها جرائم نُفذت بدم بارد. غير ان كتاب " قلوب سوداء" الذي أصدره جيم فردريك مراسل مجلة التايم – حاول بحماسه كشف مثل هذه الجرائم- حيث يكشف فيه ان فرقة الموت التي تُسمى سرية برافو، التابعة للكتيبة الأولى من لواء المشاة 502، التابع للفرقة المحمولة جواً 101 كانت وحشية في سلوكياتها . وقد ركز الكاتب على رئيس هذه العصابة الجندي (ستيفن غرين)، وهو شخص وقح وفظ، وأرعن وسكير، وحشاش،. وكشف أنّ هذا المجرم المحترف – برغم سجله الأسود في الولايات المتحدة- جرى ضمّه إلى الجيش. وتشير مخالفاته الكثيرة للقانون العسكري إلى أنه كان يؤذي المجندين من زملائه ويعتدي عليهم.
وقد قابل جيم فردريك عشرات الجنود، وقرأ الوثائق وسجلات المحكمة، بموجب قانون حرية الوصول الى المعلومات. وبدأت حكاية فردريك مع وصول فرقة برافو أو عصابة الموت أو فرقة الموت كما سُميت الى العراق في خريف سنة 2005، وقد أثارت انتباه قائد اللواء بـاستعدادها للقتال في مناطق انسحب منها الجيش الأمريكي تاركاً إياها للمتمردين.وأوضح فردريك أن تضاريس المنطقة كانت صالحة لحرب العصابات، واصفاً البيوت، بأنها كالمخابئ، والأحراش التي ترتفع الى 10 أقدام، والتي يمكن أن تغطي حيوانا بحجم الفيل وقنوات سقي المزروعات.
ويروي فردريك أنّ كل الشكاوى التي كانت تُرفع عن هذه الفرقة المجرمة كانت تُغطى من قبل العقيد (توم كانك) الذي كان يطلق عليه النسر الأصلع، والذي يصفه في كتاب" قلوب سوداء" بأنه شخص يتصف بانتهاكه للمحرمات وكل ما هو مقدس وكذلك احتقاره للناس وكثرة ارتكابه لجرائم نكراء .ويكتب فريدريك :حسب رأيه ان الحقائق تكشف انه ورؤساءه كانوا بعيدين كل البعد عما يجري على العارض. ان قائد سرية برافو، التابعة للكتيبة الأولى من لواء المشاة 502 يوصف بأنه شخص ضعيف غير قادر على التعاطي مع العقيد توم كانك أو المشاكل المعقدة التي تحيط القيام بواجب الدورية في المنطقة التي تعرف بمثلث الموت (وهي منطقة في جنوب بغداد شديدة الخطورة لشراسة المسلحين المتواجدين فيها) في ظل وجود عدد قليل من الجنود ويعيشون في ظروف بدائية سيئة ويواجهون قتالا عنيفا وتفجيرات وألغاما ومصائد المغفلين والخسائر الكبيرة بالأرواح.ومنذ البداية يذهب كتاب " قلوب سوداء" الى الكشف عن ان سرية برافو، قد سيطرت على طريق عام، وفرضوا سيطرتهم عليه. وكانوا يقتلون العراقيون بشراسة، ويحطمون جماجم ضحاياهم، وعُرف عنهم انهم يعاملون المشتبهين بعنف ويفتحون النار عليهم بشكل روتيني.
في الحادي عشر من نوفمبر وفيما زُعمَ ان احدى حظائر السرية تقوم بواجب الدورية بهدف اقامة علاقات صداقة مع الناس المحليين .-كتب فريدرك- كان العريف أنتوني يريب قد أصاب مراهقا عراقيا واحدث ثقبا في ظهره بدعوى ان السيارة التي يركبها لم تتوقف عند حاجز التفتيش .وبعد أسبوع من ذلك يقوم العريف أنتوني يريب، بفتح النار وقتل امرأة عراقية بريئة رمياً بالرصاص عندما حدثت فوضى بالقرب من نقطة تفتيش ولمجرد اقترابها غير المقصود من النقطة اطلق النار عليه بدعوى انه اراد ان يعيد النظام في المكان حسب قوله . ويستغرب احد الجنود من تصرفه ويسأله عن السبب الذي دفعه لكي يطلق النار عليها في منطقة الرأس .ويقول فريدرك ان السرية فبركت رواية لتبرير قتل المرأة العراقية حيث لم يجد التحقيق أي دليل عن تصرف خاطئ. ، ثم أعطى العريف أنتوني يريب الموافقة لاحقاً لتنفيذ الإعدام برجل عمره 72 سنة هوجم في بيته ليلاً وأردي قتيلاً.
ان الكتيبة الاولى كانت تنزف ايضا وتقدم الخسائر فقد اقترب عراقي من حاجز طريق وتبادل التحية مع الجنود الامريكان لكنه سحب مسدسه ليقتل اثنان من ضباط الصف. ان غضب الوحدة الامريكية تجاه العراقيين والاحباط من جراء الورطة التي هم فيها قد ازداد مع توالى الايام والاشهر. كما ان المشاكل تفاقمت بسبب فقدان الثقة بالضباط وضباط الصف واخذت سلوكيات العقيد (توم كانك) تتسم باللامبالاة إزاء الظروف السيئة،وكان يعامل جنوده ومرؤوسيه بغطرسة واحتقار،وقد تراجعت المعنويات لانه وكما يكتب فريدريك:"ان الشعور من ان الموت قادم لا محالة قد اصبح حالة شائعة بين صفوف الوحدة العسكرية وكان ينتشر كما لو انه آفة تنخر أرواح الجنود."لقد انتشرت الانتهاكات وتعاطي المخدرات .ومن بين احد الأصوات الناقمة والساخطة بشكل واضح كان المجند (ستيفن جرين) الذي كان يقول دائما: بالنسبة لي الحروب تعني المعارك والمعركة تعني القتل. لقد زار جرين الطبيب النفسي في الوحدة ، وقد وصف له طبيعة الحياة التي كان يعيشها حيث كان يتعرض للانتهاكات وهو مازال طفلا ويقول (ستيفن جرين) ان شغلي الشاغل في الحياة هو رغبتي في قتل العراقيين أي كانوا واينما كانوا.
ومع ذلك يعود (ستيفن جرين) الى الواجب ،ويبدو ان النقص في اعداد الجنود كان يعرقل اخلاء ممن يعيشون الضغوط في ساحة المعركة.ويصف الكاتب فريدريك الرعب الذي كانت تعيشه الوحدة والذي ذهب الى ابعد من ذلك حيث بدا واضحا انهيار المعنويات.
وفي الثاني عشر من مارس خطط بدقة أربعة رجال من جنود السرية برافو ان ينفذوا هجومهم على عائلة الجنابي من دون ان يتركو أثرا على جريمتهم،وفعلا تخلصوا من كل العلامات التعريفية التي تشير الى وحدتهم وارتدوا اقنعة بحيث لا تعرف وجوههم وانطلقوا ليرتكبوا جريمتهم البشعة وقد تركوا جنديا واحدا ليحرس النقطة التي كانوا يرابطون فيها.وما حدث بعد ذلك وعندما تم الكشف عنه تناقلته وسائل الإعلام العالمية في صفحاتها الأولى .وجريمة القتل ألحقت ضررا كبيرا بمهمة قوات التحالف وبسمعة الجيش الأمريكي.
في كتاب" قلوب سوداء" هناك الكثير من التشابه بما جاء في كتاب "الدم البارد"لمؤلفه "ترومان كابوت" الذي يقدم تفاصيل كاملة عن عملية قتل عائلة أخرى .ومع ذلك يؤكد الكاتب على ان ما كانت عليه الكتيبة الأولى لا يمثل السلوك الأمريكي في العراق غير أن ثقافة العضلات المفتولة المفرطة أمر لا مفر منه في الجيش الأمريكي. وهذه الثقافة غير ملائمة عند التعاطي مع مكافحة التمرد وكذلك مع تعزيز مستوى معنويات الأمة في الخارج.ان القادة العسكريين يحاولون ان يصلوا بالجنود الأمريكيين الى درجة من الاحترام الكبير للمدنيين لكنه امر عسير جدا. ان الصورة الحقيرة للكتيبة 101 المحمولة جوا تظهر من هذا الكتاب.وكما يبدو ان الكتيبة تتكون بشكل كبير من قادة ينحدرون من حياة اجتماعية وضيعة ويقودها ضباط حمقى او لصوص .أما الأمر الذي لا يصدق انه منذ ارتكاب الجريمة قد تمت ترقية العقيد "كانك" وهو يعمل حاليا في وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون.
وبحسب اعترافات المتهمين خلال المحاكمات، أن خطة اغتصاب عبير وُضعت أثناء جلسة شرب الجنود فيها الخمر، وكانوا يلعبون الورق في نقطة تفتيش في قضاء المحمودية، حيث قال الجندي جرين لأصدقائه إنه "يريد أن يذهب إلى منزل، وقتل بعض العراقيين".والجدير بالذكر ان الجندي الأمريكي السابق ستيفن جرين (23 عامًا)، الذي نفذ الجريمة البشعة وعائلتها افلت من عقوبة الإعدام، حيث قضت محكمة أمريكية في ولاية كنتاكي عليه بالسجن المؤبد.وكان ممثلوا الادعاء قد طلبوا عقوبة الإعدام بحق جرين الذي كانت هيئة المحلفين نفسها قد أدانته باغتصاب عبير قاسم الجنابي 14 عامًا قبل قتله الفتاة ووالديها وشقيقتها الصغرى في 12 مارس 2006.
إلا أن هيئة المحلفين في حينها لم تتمكن بعد عشر ساعات من المداولات من الاتفاق على ما إذا كان ينبغي الحكم على الجندي المجرم بالإعدام .وفي النهاية استقر رأي هيئة المحلفين على السجن المؤبد مع تنفيذ العقوبة كاملة دون الحق بالتماس العفو لاحقًا.
وكان المجرم جرين قد أقر بالتهم الموجهة إليه، وعددها 17، بينها الاغتصاب والقتل وعرقلة عمل القضاء، وبذلك أفلت من عقوبة الاعدام. هذا ولدى النطق بالحكم، ابتسم جرين بهدوء بينما كان أفراد عائلات عراقية يبكون في القاعة، ومن المقرر أن ينطق القاضي بالحكم رسميًا في الرابع من سبتمبر المقبل.
عن مجلة كلتشر