حلم المهرجان
حللتم أهلا و نزلتم سهلا في الموقع الرسمي للمهرجان الدولي للشعر والزجل ، بتسجيلكم في الموقع تصبحون تلقائيا أعضاءا في "فضاء الشعراء" أكبر فضاء عربي يضم شعراء العالم . الرجاء اختيار رقم سري مكون من الأرقام والحروف حتى يصعب تقليده .
حلم المهرجان
حللتم أهلا و نزلتم سهلا في الموقع الرسمي للمهرجان الدولي للشعر والزجل ، بتسجيلكم في الموقع تصبحون تلقائيا أعضاءا في "فضاء الشعراء" أكبر فضاء عربي يضم شعراء العالم . الرجاء اختيار رقم سري مكون من الأرقام والحروف حتى يصعب تقليده .
حلم المهرجان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى ثقافي فني إعلامي شامل((((((((( مدير و مهندس المنتدى : حسن الخباز ))))))))))
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
لنشر اخباركم ومقالاتكم تسجلوا في المنتدى أو تواصلوا معنا عبر الواتساب +212661609109 أو زوروا موقعنا الالكتروني الرسمي
eljareedah.com
لنشر اخباركم ومقالاتكم تسجلوا في المنتدى أو تواصلوا معنا عبر الواتساب +212661609109 أو زوروا موقعنا الالكتروني الرسمي
eljareedah.com
لنشر اخباركم ومقالاتكم تسجلوا في المنتدى أو تواصلوا معنا عبر الواتساب +212661609109 أو زوروا موقعنا الالكتروني الرسمي
eljareedah.com

 

 فصل من رواية العمى .. جوزيه ساراماغو

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
منتدى حلم المهرجان
Admin



عدد المساهمات : 3461
تاريخ التسجيل : 20/07/2010

فصل من رواية العمى .. جوزيه ساراماغو Empty
مُساهمةموضوع: فصل من رواية العمى .. جوزيه ساراماغو   فصل من رواية العمى .. جوزيه ساراماغو I_icon_minitimeالإثنين 24 يناير - 16:00:41




ادب مترجم


فصل من رواية العمى .. جوزيه ساراماغو


خضير اللامي


انتهى الكاتب والمترجم خضير اللامي من ترجمة رواية العمى الحائزة على جائزة نوبل للآداب للروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو الذي رحل عن عالمنا قبل اشهر قليلة . وتعد الرواية من الأعمال الابداعية الرائعة التي حاول فيها ساراماغوأن ينقل لنا صورة مصغرة عن عالم ينتشر فيه وباء عمى أبيض، تحوله هذه الجائحة إلى عالم بلا جذور ، أعمى ، يعود إلى بدائيته الأولى ، مستنزف ، تكاد تنتهي الحياة فيه وتنقلب القيم الأخلاقية والفكرية والاجتماعية نتيجة تحول الإنسان المبصرالى حالة من العمى تشل تفكيره وسلوكياته ومستقبله. ويمسي كل شيء مشاعا بين البيوت ، وتنتهي الملكية الخاصة ، كما تتحول مؤسسات الدولة هي الأخرى إلى ملكيات عامة يستخدمها ألعمي أنفسهم، ليس هذا حسب ، إنما حتى الأطباء الذين كانوا يعالجون المرضى يصابون بالعمى مثلهم ، باستثناء الله ، الذي قالت عنه إحدى الشخصيات حينما كانت عارية تغتسل ، بين ألعمي لا احد يراني ، بل الله وحده ، وامرأة واحدة فقط تكون شاهد على كل ما يحدث ، ثم تعمى في نهاية الرواية، حينما يبصر جميع ألعمي . كل هذا يسرده علينا مؤلف الرواية من خلال شخصيات الرواية التي لا تحمل أسماء على وفق فلسفة ساراماغو في الحياة والأدب ، لأنها أي الأسماء لا معنى لها ويكتفي بشخصيات مثل ، سائق الإجرة ، الطبيب ، خادمة الفندق ، زوجة الطبيب ، الفتاة ذات النظارة السوداء ، الرجل الأعمى ،الخ ,, كما أن أحداث الرواية مجهولة المكان ، كما زمانها أيضا ، ما عدا إيماءات قليلة تشير إلى أنَ أحداث الرواية تقع في عصرنا هذا . وسيتعامل المترجم مع إحدى دور النشر لنشرها ..







ظهرالسفاحون مرة ثانية ، في اليوم الرابع . جاؤوا في الموعد المحدد لاستلام ما استحق على النساء اللاتي في الردهة الثانية ، بيد أنهم توقفوا لهنيهة أمام باب الردهة الأولى ليستفسروا إن كان نساؤها قد تعافين من عربدة الجنس الجماعي لليلة الفائتة ، كانت ليلة حمراء ، تماما سيدي ، قال أحدهم باندهاش وهو يلعق شفتيه ، تناغم الآخر معه ، هؤلاء النساء السبع يعادلن أربع عشرة امرأة ، صحيح ، كانت إحداهن لم تستجب كثيرا ، لكن من يعير انتباها وسط ذلك الصخب كله ، كان رجالهن محظوظون ملعونون ، إن كانوا حقا رجالا في عيون نسائهم . من الأفضل ألاَ يكونوا كذلك ، ليكوننَ أكثر شبقا . من الزاوية القصية في الردهة ، قالت زوجة الطبيب ، لم نعد سبع نساء ، هل رحلت إحداكنَ ، أجاب أحد المجموعة ضاحكا ، أنها لم ترحل ، أنها ماتت ، يا للجحيم ، إذن ، في هذه الحالة ، أنتنَ محظوظات ، لتقومنَ بمضاعفة المهمة في المرة القادمة . إنَها لا تشكل خسارة كبيرة ، لأنها لم تتقن المهمة في الفراش ، ردَت عليه زوجة الطبيب . إرتبك السفاحون ، لم يعرفوا كيف يردوا عليها ، فما قد سمعوه قد أصعقهم بوصفه عهرا ، الى حد أن َبعضهم انتهى به التفكير الى استنتاج أنَ جميع النساء هنَ عاهرات ، ومن قلة الاحترام ، الإشارة الى امرأة مثلها لأنَ مجرد حلمتيها كانتا في غير موضعهما ، ولا تملك أستا تتباهى به . حدقت زوجة الطبيب بوجوههم ، بينما هم يحومون حول الباب ، مترددين ، يحركون أجسادهم مثل دمى آليَة . شخصتهم ، كان ثلاثة منهم قد قاموا بإغتصابها ، في نهاية الأمر ، ضرب أحدهم بهراوته على الأرض ، قال ،هيا ، دعونا نغادر . راحت صرخات تحذيرهم وطرقات هراواتهم تتلاشى وهم يشقَون طريقهم باتجاه الممر، احذروا ، احذروا ، أننا قادمون ، ثم خيَم الصمت ، ثمة أصوات غامضة ، كانت النساء تستقبل أوامر باستعدادهن بعد الغداء، آتية من الردهة الثانية . مرة أخرى ، كانت طرقات أصوات الهراوات تسمع ، احذروا ، احذروا ، ومرت ظلال الرجال ألعمي الثلاثة من عتبة الردهة وراحت تتلاشى رويدا رويدا .

رفعت زوجة الطبيب ، التي كانت تسرد حكاية للطفل الأحول يدها ، دون أن تنبس بكلمة ، تناولت المقص الذي كان معلَقا بواسطة مسمار . قالت للطفل ، سأقصَ عليك بقية الحكاية فيما بعد . ليس ثمة أحد في الردهة ليسألها لماذا تحدثت باحتقار مع تلك المرأة العمياء التي تعاني من الأرق . بعد فترة قصيرة ، نزعت حذاءها وراحت تطمئن على زوجها ، لن أتأخر كثيرا ، أنني سأعود مباشرة . اتجهت نحو الباب . هناك توقفت وبقيت تنتظر . بعد عشر دقائق ظهر النساء العمياوات من الردهة الثانية في الممر . كن خمس عشرة إمرأة . بعضهن كان يبكي . لم يكنَ في نسق واحد ، لكنهنَ كنَ على شكل مجموعات ، مربوطات بعضهنَ البعض بقطعة قماش يبدو من الواضح ، أنها معمولة من ملاءات شراشف الأسرَة . حينما اجتزن ، تبعتهنَ زوجة الطبيب . لم يدركن أنَ هناك من يرافقهنَ . لكنهنَ يعرفن من ينتظهرنَ ، ولم تعد أخبار اغتصابهن التي يعانين منه سرَا على أحد ، ولم تعد كذلك أخبارا جديدة ، ويبدو أنَ العالم تبدَا لهنَ هكذا . ما يرعبهنَ ليس هو المزيد من الاغتصاب ، ولكن ما يرعبهنَ حقا هو العربدة الجنسية ، والعار ، وما تضمره لهنَ هذه الليلة من رعب ، خمس عشرة امرأة يتمددن على الأسرَة وعلى الأرض ، وينتقل الرجال من سرير إلى آخر ، ينخرون كالخنازير ، قالت امرأة عمياء لنفسها ، إنَ أسوا شيء سأشعر نه ربما هو اللَذة . حين دخلن الممر الذي يؤدي الى الردهة التي إتجهن إليها ، نبَه الرجل الأعمى الحارس ، أنني أسمع أقدامهن ، سيكوننَ هنا في أية لحظة. وأزيل السرير الذي كان يستخدم كبوابة ، ودخلت النساء واحدة بعد الأخرى ، أوه ، أنه عدد كبير ، اندهش المحاسب الأعمى ، وهو يعدهنَ بحماس ، إحدى عشرة ، أثنتا عشرة ، ثلاث عشرة ، أربع عشرة ، خمس عشرة، خمس عشرة ، أنهنَ خمس عشرة امرأة . غادر بعد آخر إمرأة ، وضع يده المتلهفة على تنورتها ، يبدو أنها لعوب ، أنها حصتي . وانتهوا من قياسات تلك النساء ، لمواصفاتهن الجسدية . في الواقع ، إذا كن جميعن سيواجهن قدرا واحدا ، فمن العبث مضيعة الوقت والحد من شبقهم في اختيارهم على وفق الطول و قياس الصدر والعجز . سرعان ما أخذونهن إلى الأسرَة وعرُوهنَ بوحشية، لم يمض طويل وقت حتى سمعت أصوات البكاء وطلب الرحمة ، لكن الإجابة تأتي كما هي متوقعة ، إذا أردتنَ أن تأكلنَ ، أفتحن سيقانكنَ . ثم فتحن سيقانهنَ ، بعضهم أمروهنَ بأن يرضعن كتلك المرأة التي انحنت على ركبتيها بين ساقي قائد هؤلاء الأوغاد، بيد أنَهن لم يعترضن . دخلت زوجة الطبيب الردهة ، تسلَلت بهدوء بين الأسرَة، ويبدو أنها لم تكن بحاجة الى تلك التحذيرات ، ولم يسمعها أحد حتى لو كانت ترتدي قبقابا ، ولكن ، إذا ، مسكها في خضم هذه الشجارات أحد الرجال ألعمي ، وعرف أنها امرأة ، فإنهم سيضمونها إلى الأخريات ، لم يدرك الأمر أحد ما ، وفي وضع مثل هذا ، فليس من السهل أن يكون ثمة اختلاف بين العدد خمسة عشر والعدد ستة عشر .

ما يزال قائد هؤلاء السفاحين يحتفظ بسريره في الزاوية القريبة من الردهة حيث تتكدس حاويات الطعام . رفعت الأسرَة القريبة من سريره ، لأنَ هذا الرجل يرغب أن يتحرك بحرية ، ودون أن يصطدم بجيرانه من العمى . من السهولة بمكان قتله . بينما كانت زوجة الطبيب تتقدم ببطء عبر ممر الجناح الضيق ، راحت تدرس حركات الرجل الذي تنوي قتله ، وكيف راح يرمي رأسه إلى الخلف وهو يستمتع ، كما لو أنه يعرض رقبته لها ، إقتربت منه ببطء ، أدارت السرير وتموضعت خلفه ، كانت المرأة العمياء مستمرة في القيام بما هو متوقع منها . رفعت زوجة الطبيب المقص بهدوء ، كان نصلا المقص مفترقين بحيث ينفذان كخنجرين . فقط الآن ، في هذه اللحظة الحاسمة ، بدا الرجل الأعمى يشعر بحضور شيء ما ، بيد أنَ رعشة الجماع قد حوَلته عن عالم الإحساسات الاعتيادية ، وحرمته من أي قدرة على الانتباه ، لم يكن لديك متسع للوقت لتبلغ ذروتك الجنسية هذه، فكرت زوجة الطبيب وهي تنزل بذراعها إلى الأسفل بكل ما أوتيت من قوة . أنغرز المقص عميقا في حنجرة الرجل الأعمى ، واستدار نصلا المقص حول نفسيهما دائرة واحدة وراحا يتصارعان مع الغضاريف والأنسجة الغشائية لحنجرة الأعمى ، وراحا يعمقان بقوة شديدة في الفقرات العنقية . كانت صرخته مخنوقة وتكاد لا يسمعها أحد ، مثل حيوان يصدر صوتا وهو على وشك القذف ، كما كان يحدث لبعض الرجال العمي ، راح الدم يشخب في وجهها ، في الوقت ذاته أستقبل فم المرأة العمياء مني الرجل . أفزعت صرختها بقية الرجال العمى . كانوا متعودين على الصراخ ، بيد أنَ هذه الصرخة لا تشبه تلك الصرخات . كانت من المحتمل ، دون أن تعرف من أين أتى هذا الدم ، فإنها قامت بتنفيذ ما خططت له ، بقطع قضيبه . ترك الرجال العمى النساء ، اقتربوا متلمسين طريقهم ، وهم يتساءلون ، ماذا يجري هنا ، ما كل هذا الصراخ ، بيد أنَ في هذه الأثناء ثمة يد وضعت على فمها ، وهمس شخص ما في أذنها ، اهدئي ، ثم سحبها بهدوء الى الخلف ، لا تقولي أي شيء ، كان صوت امرأة ، وهدأت ، هل م من الممكن في مثل هذه الظروف الموجعة من يبادر الى طمأنتها. وصل الرجل المحاسب الأعمى مباشرة الى الآخرين ، كان أول رجل يلمس الجسد المقلوب من على السرير ، وأول شخص يمرر يده عليه ، إنَه ميت ، قال ذلك باندهاش مفاجئ . كان رأسه متدل من على أحد جوانب السرير ، ما زال الدم يشخب من الجسد ، قال ، إنَهم قتلوه . توقف الرجال العمي في طريقهم ، لم يصدقوا آذانهم ، كيف قتلوه ، من قام بهذه الفعلة ، أحدثوا جرحا غائرا في حنجرته ، لا بد وأن تكون تلك المرأة العاهرة التي كانت معه في الفراش ، يجب أن نلقي القبض عليها ، تحرك الرجال العمي وببطء هذه المرة ، كما لو أنهم كانوا يخافون من الاقتراب من ذلك النصل الذي قتل زعيمهم . لم يستطيعوا رؤية الرجل الأعمى المحاسب الذي راحت يداه تبحثان بسرعة في جيوب الرجل الميت ، أزاح مسدسه جانبا وفيه حقيبة صغيرة تحتوي على أطلاقات. أنتابهم اضطراب وذعر وقلق حينما سمعوا صيحات عالية من النساء العمياوات اللاتي كنَ في ذلك المكان ، فقد بعضهن الحركة للوصول الى باب الردهة ، وخرجن في الإتجاه المعاكس وارتطمن بالرجال العمي الذين اعتقدوا أنهن على وشك مهاجمتهم بينما وصل اضطراب الأجساد الى درجة عالية من الهيجان . في نهاية الردهة كانت زوجة الطبيب تنتظر بهدوء اللحظة المناسبة لهروبها . كانت تمسك بقوة المرأة العمياء ، وفي اليد الأخرى بالمقص استعدادا للانقضاض على أي رجل أعمى يحاول الاقتراب منها . وللحظة كان الفضاء متسعا أمامها ، بيد أنها أدركت أنها ليست قادرة على التريث . ووجد عدد من النساء طريقهن الى الباب ، بينما الأخريات نازعن من أجل تحرير أنفسهن من أيدي الرجال العمى . ثمة المرأة الغريبة التي ما زالت تحاول خنق عدوها لتضيف جثة أخرى . صاح المحاسب الأعمى صيحة من يريد فرض الهدوء على الرجال العمي ، أهدؤوا ، لا تفقدوا أعصابكم ، أننا على وشك أن نصل إلى خيوط القضية ، ولكي يعيد الهدوء وينفذ أمره ويقتنع الجميع أطلق رصاصة في الهواء . كانت النتيجة عكس ما توقع تماما . ويا للمفاجأة ، أنهم اكتشفوا أنَ المسدس كان في يد أخرى ، وكان ثمة اعمى آخر على وشك ان يعلن نفسه قائدا ، وتوقف السفاحون العمي عن الصراع مع العمياوات ، وتخلوا عن محاولة السيطرة عليهن ، وخاصة حينما تخلى أحد الرجال العمي عن النزاع معهن لأنه مات مخنوقا . في هذه اللحظة قررت زوجة الطبيب أن تتحرك . انطلقت وهي توجه الضربات يمينا ويسارا ، وفتحت مسارا . شرع الآن السفاحون بالصيحات ، وقد اصطدم أحدهم فوق الآخر ، وتسلَق بعضهم فوق بعض ، ومن يستطيع من بين العمي أن يرى هذا المشهد سيدرك ، مقارنة بما سبقه من مشاهد وسيعلق عليه أنَه كان عبارة عن مزحة . فزوجة الطبيب لم تكن لديها نيَة في القتل ، وكل ما أرادته هو الخروج بأسرع ما يمكن ، وفوق ذلك ، لا تريد أن تترك خلفها أي إمراة ، وهذه المرة لن يدعوها تفلت من أيديهم حيَة ، عنَت لها هذه الفكرة حينما كانت تطعن بالمقص صدر زعيم السفاحين . سمعت إطلاق رصاصة أخرى ، لنخرج ، لنخرج ، قالت زوجة الطبيب ، وهي تدفع أي إمرأة تصادفها أمامها . كانت تبذل جهدا واضحا في إنهاض بعضهن على أقدامهن ، وهي تردد ، بسرعة ، بسرعة ، والآن جاء دور المحاسب الأعمى ليصيح في نهاية الردهة ، أقبضوا عليهنَ ، لا تدعوهنَ يهربن ، بيد أن صرخته جاءت بعد فوات الأوان ، فإنَ النساء العمياوات استطعن الخروج من الممر ، فقد هربن وهنَ يترنحن إحداهنَ فوق الأخرى ، نصف عاريات ، يمسكن بأسمالهن بكل ما استطعن من قوة . وقفن أمام الردهة . صرخت زوجة الطبيب بغضب ، تذكروا ما قلته لكم أنني لن أنسى ذلك الوجه ، ومن الآن فصاعدا فكروا بما أقوله لكم جيدا ، أنني لن أنس وجوهكم أيضا . ستدفعون غاليا ثمن اغتصابكم لنا ، مهددة بذلك المحاسب الأعمى ، أسمع ، أنت ورفاقك ، والذين يسمَون رجالك ، أنكم لن تعرفوا من أنا ومن أين أتيت ، أنت من الردهة الأولى في الجانب الآخر ، هددها المحاسب الأعمى ، وتطوع أحد الرجال لاستدعاء النساء ،وأضاف المحاسب ، لا يمكن أن أخطا في تمييز صوتك ، أنك ما أن تتفوهي بكلمة واحدة بحضوري حتى تجدي نفسك في عداد الموتى ، وقد سبق من كان يردد مثل هذا الكلام وتحوَل إلى جثة الآن ، أنني لست عمياء مثله أو مثلك ، حينما أصبتم بالعمى ، كنت أعرف كل شيء عن هذا العالم ، أنك لن تعرف أي شيء عن عماي . أنت لست عمياء ، لا تحاولي خداعي ، ربما أنني الأكثر عمى بينكم ، بيد أنني استطعت أن أقتل ، وسأقتل مرة أخرى إذا اضطررت لذلك ، أنك أول من يموت من الجوع ، ومن اليوم فصاعدا لن تذوقوا طعم الأكل ، حتى وإن جئتن جميعا لتعرضنَ ثقوبكنَ الثلاث على صينية. إنَ أي يوم تحرموننا من الطعام سيكون أحد رجالكم كبش فداء بمجرد خروجه الى عتبة باب الردهة ، لم يكن بمقدوركنّ فعل ذلك ، أوه ، سترين ذلك ، ومن الآن فصاعدا نحن سنجمع الطعام ، وستقتاتون على مخزونكم من الطعام ، عاهرة ، العاهرات ، لسن من النساء ولا من الرجال ، إنهن عاهرات حسب ، أنكم تعرفون قدرهنَ الآن ، وانتابه السخط ، وأطلق المحاسب الأعمى النار باتجاه الباب ، وأزَت الرصاصة وهي تعبر من فوق رؤوس الرجال العمى دون أن تصيب أي أعمى من الرجال ، واستقرت في ممر الباب . قالت زوجة الطبيب إنك أخطأتني ، وخذ حذرك ، إذا نفدت ذخيرتك ، فثمة آخرون مثلك هنا سيرغبون أن يكونوا قادة مثلك أيضا .

تحركت زوجة الطبيب ، مشت خطوات عدة ، ما زالت ثابتة ، ثم تقدمت باتجاه الممر ، كانت في الغالب منهكة ، وفجأة خارت قوى ساقيها ، وسقطت على الأرض . غامت عيناها ، وقالت ، إنني سأعمى ، بيد أنها أدركت أنَ الوقت لم يحن بعد ، هذه دموع تغشي رؤيتها حسب، إنني لم أذرف مثل هذه الدموع في كل حياتي ، فضلا عن ذلك إنني قتلت رجلا ، قالت بصوت خفيض ، أردت قتله ، فقتلته ، وأدارت رأسها باتجاه باب الردهة ، إذا جاء الرجال العمي الآن ، فإنها لن تكون قادرة في الدفاع عن نفسها . كان الممر مهجورا ، واختفت النساء ، مازال الرجال العمى يرتعبون نتيجة إطلاق النار وكثرة زيادة الجثث من رجالهم العمى ، لم يجرؤوا على الخروج ، واستعادت قوتها تدريجيا ، مازالت عيناها تغرقان بالدموع ، ببطء ولكن أكثر صفاء ، كما لو أنها تواجه شيئا غير قابل للعلاج . وصارعت كي تقف على قدميها ، كان ثمة دماء تلطخ يديها وملابسها ، وفجأة أوحى لها جسدها أنها أمست عجوزا . عجوزا وقاتلة في الوقت ذاته ، قالت مع نفسها ، بيد أنها عرفت إن كان من الضروري ، أن تقتل مرة أخرى ، ومتى تحكم الضرورة في القتل ، قالت هذا واتجهت نحو الممر ، وأجابت هي على السؤال ، حينما سيكون الحي ميتا . هزَت رأسها وهي تفكر ، وماذا يعني ذلك ، كلمات ، لا شيء غير الكلمات ، وراحت تمشي وحدها . واقتربت من الباب الذي يؤدي الى الباحة الأمامية ، بين درابزين البوابة استطاعت أن تكتشف ظل الجندي الذي كان يقوم بالحراسة . ثمة أناس هناك ، يبصرون . أرعبتها أصوات أقدام خلفها ، أنهم العمى السفاحون ، فكرت واستدارت بسرعة والمقص بيدها استعدادا لأي حركة محتملة . كان زوجها . حينما عادت النساء من الغرفة الثانية اللاتي كنَ يصرخن بما قد جرى في الجانب الآخر ، إنَ امرأة طعنت زعيم السفاحين وأردته قتيلا وجرى إطلاق نار ، لم يسألهن من هي المرأة ، ربما تكون زوجته ، فقد سبق لها أنها أخبرت الصبي الأحول أنها ستحكي له بقية القصة بعد عودتها ، وماذا جرى لها ، ربما هي الأخرى ماتت ، قالت ، إنني هنا ، وجرت نحوه واحتضنته ، ولم تلاحظ أنها ستلطخه بالدم ، أو أنها لاحظت ولكنها لم تعره انتباها ، وحتى الآن مازالا يشاركان في كل شيء ، سأل الطبيب ، ماذا حدث ، يقولون إنَ ثمة رجلا قد قتل ، نعم ، أنا التي قتلته، لماذا ، كان يجب أن يقتله شخص آخر ، أليس هناك غيرك من يقوم بذلك ، والآن ، الآن نحن أحرار ، وهم يعرفون ماذا ينتظرهم إن حاولوا الإساءة إلينا مرة أخرى، من المحتمل أن تكون ثمة معركة ، أو حربا ، فالعمي هم دائما في حالة حرب ، هل ستقتلين مرة ثانية ، نعم ، إن اضطررت الى ذلك ، إنني لن أتحرر من هذا العمى ، وماذا عن الطعام ، سنجلبه ، أنا أشك إن كانوا يجرؤون في المجيء الى هنا مرة ثانية ، على الأقل في الأيام القليلة القادمة أنهم سيخافون ما قد يحدث لهم مرة أخرى ، أنَ نصلي هذا المقص ستنفذان الى حناجرهم ، أننا أخفقنا في تصعيد المقاومة ضدهم ورضخنا الى تنفيذ طلباتهم حينما جاؤوا الينا أول مرة ، بالطبع ، كنا خائفين والخوف لا يعد دائما استشارة حكيمة ، دعينا نذهب ، لكي نؤمَن على أنفسنا يجب أن نحكم متراس باب الردهة ، ونضع الأسرَة بعضها فوق بعض ، كما يفعلون ، اذا وجب أحدنا أن ينام على الأرض ولم يستطع النوم ، فإنه أفضل له من الموت جوعا .

وفي الأيام التي تلت ، سألوا أنفسهم ، اذا كان ذلك وشيكا أن يحدث لهم ، فإنهم لم يفاجأووا في بداية الأمر، أنهم منذ البدء اعتادوا عليه ، وكان ثمة دائما تأجيل في استلام الطعام ، وكان السفاحون العمي على صواب حينما كانوا يقولون إنَ الجنود يؤخرون وقت التسليم ، لكنهم حرَفوا هذا التبرير بتغيير لعبة أصواتهم ، وقد أكدوا في ذلك أنهم ليس لديهم خيارا بإستثناء فرض تقسيم الحصص ، هذه التزامات مؤلمة لأولئك الذين عليهم أن يقوموا بالمهمة . في اليوم الثالث حينما لم تكن المؤونة أكثر من كسرات خبز وفضلات أخرى ، خرجت زوجة الطبيب يرافقنها بعض العمياويات الى الباحة الأمامية للردهة وسألت ، هيه ، لماذا هذا التأخير، مهما يكن من أمر، أننا لم نذق طعم الأكل منذ يومين . تقدم ضابط من الدرابزين لم يكن ذلك الضابط الأول ليعلن لها أنَ الجيش ليس مسؤول ، وليس ثمة من يختطف لقمة الخبز من الأفواه ، والشرف العسكري لن يسمح بذلك أبدا ، إذا لم يكن ثمة طعام ، فهذا يعني ليس ثمة طعام ، وابقوا جميعكنَ في مكانكنَ ، وأنَ من يتقدم فإنه يعرف القدر الذي يتنظره ، لم تتغير الأوامر . كان هذا التحذير كافيا لهن ليتراجعن الى الخلف ، ويتشاورن فيما بينهن ، والآن ماذا نفعل إذا لم يجلبوا لنا طعاما ، ربما يجلبونه غدا ، أو بعد غد ، أو حينما لا تكون لدينا القدرة أن نتحرك . علينا أن نخرج ، أننا لن نستطيع أن نخرج أبعد من هذه البوابة ، ولكن إذا كنا نبصر، إذا كنا نبصر فإننا لن نهبط الى هذا الجحيم . إنني أتساءل ما هو شكل الحياة في الخارج الآن ، ربما أنَ أولئك السفَاحين سيعطوننا شيئا نأكله اذا ذهبنا إليهم وسألناهم ، وبعد كل ذلك إن كان ثمة شحة في طعامنا فهذا يعني ،هم أيضا سيعانون من شحة طعامهم في نهاية الأمر ، لهذا السبب ليس من المحتمل أن يعطونا أي شيء يحصلون عليه ، وقبل أن يشحَ طعامهم فإننا سنكون على أبواب الموت بسبب المجاعة ، إذن ، ماذا سنفعل ، جلسوا على الأرض ، تحت ضوء المصباح الوحيد الباهت الذي يميل للصفرة ، مشكلين دائرة الى حد ما ، الطبيب ، وزوجته ، والرجل العجوز الأعمى ذوالعصابة السوداء على إحدى عينيه ، بين نساء ورجال آخرين ، واحد أو اثنان من كل ردهة ، كلاهما من الجناح الأيسر، فضلا عن رجل أعمى من الجناح الأيمن ، بعد ذلك ، وحدث ما يحدث دائما ، في عالمنا الأعمى هذا ، قال أحد الرجال العمي ، كل ما أعرفه هو إننا لن نجد أنفسنا أبدا في مثل هذه الحالة اذا لم يقتل زعيمهم ، ماذا يهم إذا ذهب النساء معا إليهم مرتين في الشهر ليمنحن أولئك الرجال ما قد تمنحه الطبيعة إيَاهم ، أنني أتساءل مع نفسي . بعضهم وجد هذا الكلام نوعا من التسلية ، بعضهم أرغم على الابتسام ، إمَا أولئك الذين ينزعون للاحتجاج أثنتهم بطونهم الجائعة على السكوت . وألحَ نفس ذلك الرجل الأعمى ، ما أريد أن أعرفه ما الذي قام بطعنه ، وأقسمت النساء اللتئي كنَ هناك بأن ليس من بينهن من قامت بطعن زعيم السفاحين . ما ينبغي أن نقوم به هو أن نضع القانون بين أيدينا ، ونقدم الفاعل للعدالة ، إذا عرفنا من هو الجاني ، ونقول لهم ، هذا هو المتهم الذي تبحثون عنه ، والآن إعطونا الطعام . إذا عرفنا من هو المسؤول . أحنت زوجة الطبيب رأسها وراحت تفكر ، أنه على صواب ، اذا كان على أي أحد هنا أن يموت جوعا فهذه كانت غلطتي ، بيد أنها أصغت الى نداء الغضب يغلي في داخل تناقضاتها لقبول تنفيذ فعلتها ، لكن دعوا هؤلاء الرجال يموتون جوعا أولا وربما تدفع جريمتي ثمن جرائمهم ، رفعت ، عينيها ، إذا أخبرتهم الآن ، أنا التي قتلته ، فإنهم في هذه الحالة سيسلمونني ، مع علمهم أنهم يسلمونني الى الموت . إن كان موتا بسبب الجوع أو بسبب الفكرة المفاجئة التي أغرتها مثل لجَة في جهنم ، راح رأسها يدور كمغزل كما لو أنها في حالة توهان ، تحرك جسدها بالرغم عنها ، وانفتح فمها لينطق ، أمسك شخص ما بذراعها وعصره ، تطلعت إليه ، كان الرجل ذو العصابة السوداء على إحدى عينيه ، إنَ أي شخص يستسلم سأقتله بيدي هاتين ، وتساءل الرجال الذين كانوا يشكلون دائرة عن السبب ، لأنه اذا بقي العار يحتفظ بمعنى له في هذا الجحيم الذي نعيشه نتوقع أن يتحول الى جحيم الجحيمات ، إننا يجب أن نقدم عرفاننا الى ذلك الشخص الذي امتلك الشجاعة وأقدم على قتل الضبع في عرينه . أتفق معك ، ولكن العار لن يملأ أمعدتنا ، مهما كنت ، فإنك مصيب في كل ما قلته ، وهناك من تمتلئ بطونهم لأنهم لا يشعرون بالعار ، لكننا نحن ، نحن الذين لا نملك غير إحساسنا بالكرامة ، دعونا نظهر على الأقل أننا ما زلنا قادرين على الحرب من أجل حقوقنا ، ماذا تحاولون أن تقولوا ، غير أنكم بدأتم بإرسال النساء العمي من أجل أن تملؤوا بطونكم على نفقاتهن مثل سماسرة رخيصين ، وقد حان الأوان لإرسال الرجال العمي ، اذا تبقى ثمة رجال ، أوضح عمَا تبطنه من كلام ، ولكن أخبرنا قبل هذا من أين أنت ، أنا من الردهة الأولى التابعة الى الجناح الأيمن ، استمر إذن ، الموضوع بسيط جدا ، دعونا نذهب ، ونجمع الطعام بأيدينا ، ولكن أولئك الرجال مسلحون ، وبقدر علمنا ، أنهم يملكون مسدسا وذخيرتهم على وشك النفاد عاجلا أو آجلا ، ولكنهم متأكدون تماما أنهم سيقضون على بعضنا قبل نفادها ، والآخرون ماتوا من أجل لا شيء ، ليس لديَ إستعداد أن أضحي بحياتي من أجل أن يأكل الآخرين . ولكن هل أنك مستعد أن تموت جوعا ، من أجل أن يضحي شخصا ما كي يوفر لك الطعام ، قال الرجل ذو العصابة السوداء على إحدى عينيه بسخرية ، ولاذ الآخرون بالصمت .

في مدخل الباب الذي يؤدي الى الردهات في الجناح الذي يقع على الجهة اليمنى ، ظهرت امرأة كانت تصغي إلى حواراتهم كانت مختبئة ، كانت المرأة التي شخب الدم على وجهها ، وهي ذات المرأة التي تلقت مني الرجل في فمها ، وهي المرأة التي همست في أذنها زوجة الطبيب وقالت ، اهدئي ، والآن فكرت زوجة الطبيب ، من هنا من المكان الذي أجلس فيه بين هؤلاء الناس ، لا يمكنني أن أقول لك اهدئي ، لكن لا تفضحيني ، مما لا شك فيه أنك عرفت صوتي ، ومن المستحيل أنك قد نسيته ، ووضعت يدي على فمك ، وجسدك ملاصقا لجسدي ، وقلت لك ، اهدئي ، وجاءت اللحظة لتعرفي من أنقذك حقا ، وكي تعرفي من هو ، وهذا هو الذي يدفعني على الكلام الذي أنا على وشك أن أقوله ، وهو السبب أيضا الذي يدعوني أن أقول بصوت عال ، بصوت واضح لا غبار فيه ، ربما تتهميني ، إن كان هذا قدري وقدرك ، أنني الآن أقول ، ليس على الرجال أن يذهبوا فقط، ولكن على النساء أن يذهبن أيضا ، إننا سنعود الى ذلك المكان الذي امتهنونا فيه كي نزيل ذلك الامتهان عن جباهنا ، وهكذا ربما نحرر أنفسنا منه في الوقت عينه نبصق بوجوههم كما قذفوا منيهم في أفواهنا . تفوَهت بهذه الكلمات وانتظرت ، أجابت تلك المرأة ، سأذهب معك أينما تذهبين ، هذا ما قالته لها . وابتسم الرجل الأعمى ذو العصابة السوداء على إحدى عينيه ، وتبدو أنَها كانت ابتسامة فرح ، كانت ابتسامة فرح ، ولكن لم يحن الوقت لتسأله ، وكان من الممتع جدا أن تلاحظ تعبير الدهشة مرسومة على وجوه العمي الآخرين ، كما لو أنَ شيئا ما كان يمر من فوق رؤوسهم ، طير ، غيمة ، أول رعشة ضوء مترددة . مسك الطبيب يد زوجته ، من ثم ، سأل ، هل ما يزال ثمة أحد ينوي أن يكتشف من هو قاتل ذلك الفلو ، أو هل نحن متفقون جميعا أنَ اليد التي طعنته هي يد الجميع ، أو بمعنى أدق ، أنها يد كل واحد منا . لا أحد يرد . قالت زوجة الطبيب ، دعونا نمنحهم فترة أطول ، اذا لم يجلب الجنود طعامنا غدا ، في هذه الحالة ، علينا أن نتقدم . ثم نهضوا . ذهب كل في طريق ، بعضهم الى الجهة اليمنى والآخر الى الجهة اليسرى ، و بسبب طيشهم لم يفكروا ربما أنَ بعض العمي من ردهة السفاحين كان يصغي الى حديثهم الآن، ولكن من حسن الحظ أنَ الشيطان لم يكن دائما متوار خلف الباب ، ربما أنَ هذا القول لا يمكن ان يكون أكثر من مناسب . والأقل من مناسب الى حد ما ، هو ذلك الدويُ القادم من مكبر الصوت ، الذي كان ينطق في أيام محددة ، وفي أيام أخرى كان يصمت ، ولكنه دائما ما يأتي في الوقت ذاته ، وقد اعتادوا عليه ، ويبدو من الواضح أنَ ثمة توقيتا مسجلا في آلة إرسال ، يبدأ في لحظة محددة عبر شريط مسجل ، بيد أننا لا نعرف عطله الذي يحدث بين فترة وأخرى ، وهذه شؤون العالم الخارجي ، وهي على أية حال مسألة خطيرة ، طالما أنها معطلة لحساب الأيام ، وبالتالي ثمة عمي موسوسون بها ، أو متعلقون بنظامه ، بمعنى آخر صيغة متواضعة للوسواس ، وحاولوا بتحرج أن يتابعوا ذلك النظام بخلق عقد صغيرة وربطها بخيط صغير، يقوم بها أولئك الذين لا يثقون بذاكرتهم ، كما لو أنهم يدونون مذكراتهم . الآن انفلت الزمن من عقاله ، ويجب أن تتحطم الميكانيزمية ، ودعونا نفترض أنَ المسجل لن يعود الى سابق عهده ، ويبدأ من جديد أبدا ، وهذا ما يزيد الطين بلَة ، في عمانا وجنوننا. في هذه اللحظة ، كان قد ارتفع صوت عال ، أجش ، قادم من شخص ما ، يبدو لصاحبه أنه كان اعتاد على إبداء الأوامر . ينطلق من مكبر صوت مثبت في أعلى الباب التي دخلوا من خلالها . وقد لفظ كلمة إنتباه ثلاث مرات ، ثم شرع الصوت بالكلام ، تأسف الحكومة أنها مرغمة أن تمارس هذه الضرورة بما يعتبر من واجبها التام ، كي تحمي الناس بكل الوسائل المتاحة الآن لهذه المشكلة .حينما ينتشر شيء مع كل أعراض وباء العمى ، معروف طبيا بالمرض الأبيض ، فإننا نعول على روح المصلحة العامة ، وتعاون كل المواطنين لمقاومة ، لمقاومة أي عدوى وبائي ، مفترضين أننا نتعامل فعلا مع مرض وبائي ، فضلا عن ذلك ، لن نبقى نتفرَج ببساطة مكتوفي الأيدي إزاء هذا الوباء المتعذر اقتلاعه من الجذور . إنَ قرار حشد هؤلاء الموبوءين معا في مكان واحد ، وعلى مقربة من بعضهم بعضا ، وفي مقرات منفصلة ،عن أولئك الذين لهم اتصال مع أي من هؤلاء الموبوءين ، فإنَ القرار لا يتخذ دون اعتبارات مهمة . فالحكومة مدركة تماما لمسؤوليتها وتأمل من أولئك الذين توجه لهم هذه الرسالة مباشرة بوصفهم مواطنين واعين ، وهم دون شك ايضا ، يتحملون مسؤولياتهم، ويضعون في بالهم ان هذا العزل الذي يجدون أنفسهم فيه أنه سيمثل ، فوق أي اعتبار شخصي ، فعل التضامن مع المجتمع الوطني . وهذا يعني ، أننا نطلب من أي شخص أن يصغي بانتباه الى المعلومات التالية ، أولا ، إنَ الضوء سيبقى مشتعل في كل الأوقات ، وأنَ أية محاولة تلاعب بمفاتيح إشعاله أو إطفائه ستكون مسألة عبثبة ، تؤدي الى تعطيله ، ثانيا ، أن مغادرة البناية دون تخويل سيعني النهاية السريعة لحياته، ثالثا ، ثمة هاتف في كل ردهة يمكن استخدامه فقط بالحصول على طلب نافد من الجهة المعنية لغرض صحي ، رابعا ، سيكون المعتقلون مسؤولين عن غسل ملابسهم بأيديهم ، خامسا ، بناء على ذلك ، إن ممثلي الردهة يجب أن ينتخبوا من بين زملائهم ، هذه توصية أكثر مما هي أمر ، على المحجورين أن ينظموا أنفسهم كما يرون ذلك مناسبا ، وأن يذعنوا للأوامر آنفة الذكر وتلك التي أعلناها ، سادسا ، ستقدم ثلاث وجبات طعام للمحجورين تودع قرب الباب الرئيسي ، على الجهة اليمنى والجهة اليسرى ، يقصده المصابون وأولئك المشكوك بإصابتهم به ، سابعا ، كل ما تبقى من الطعام يجب أن يتلف أو يحرق ، ليس الطعام حسب ، بل كذلك الحاويات ، والصحون وسكاكين المائدة ، المصنوعة من المواد القابلة للاحتراق ، ثامنا ، يجب أن ينفذ الحريق في الساحات الداخلية للبناية ، أو الساحة الرياضية ، تاسعا ، أن المحجورين مسؤولون عن أي دمار تسببه النيران ، عاشرا ، في حالة حدوث حريق ، يندلع خارج نطاق السيطرة ، إن كان بسبب حادثة أو عملية مقصودة ، لن يسمح لرجال الحريق بالتدخل ، حادي عشر ، وبموازاة ذلك ، فإنَ المحجورين يجب أن يستثنوا من أي تدخل خارجي يؤدي الى انتشار الوباء ، ولا يتدخلون في حوادث العصيان أو العدوان ، ثاني عشر ، في حالة الوفاة ، مهما كان السبب ، فيجب على المحجورين دفن الجثة في ساحة البناية دون أي مراسم بذلك ، ثالث عشر ، إنَ الاتصال بين جناح العمي والمشكوك بهم ، يجب أن يكون في الصالة المركزية التي دخلوا من خلالها . رابع عشر، إنَ الذين يحملون عدوى العمى ويصابون به فجأة يجب أن ينقلوا حالا الى جناح آخر ، خامس عشر ، إنَ هذه الإيصالات يجب أن تعتمد يوميا في نفس الوقت على القادمين الجدد . إن الحكومة ، وفي هذه الأثناء ، انقطع التيار الكهربائي ، وصمت مكبر الصوت . ودون اكتراث ، ربط رجل أعمى عقدة في خيط صغير كان قد علقه بيده ، وحاول عد العقد ، والأيام ، بيد أنه تخلى ، لأنَ العقد قد تشابكت ، إنها عقد عمياء . قالت زوجة الطبيب الى زوجها ، أنقطع التيار الكهربائي ، ربما هناك خلل في صمام أحد المصابيح ، بيد أنهم أصيبوا بالدهشة الى حد ما حينما وجدوا أنَ جميع المصابيح قد انطفأت ، لأنها بقيت مشتعلة طيلة هذا الوقت ، ربما أنَ المشكلة خارجية ، لكنك عمياء مثلنا ، سأنتظر حتى بزوغ الشمس ، خرجت من الردهة ، عبرت الممر ، نظرت الى الخارج . كان قسم من المدينة يسوده الظلام ، ومصابيح الجنود منطفئة أيضا ، ربما مرتبطة بالشبكة الكهربائية العامة ، ويبدو الآن ، من خلال هذه المظاهر ، ان الطاقة الكهربائية معطلة .

في اليوم التالي ، نهض بعض العمي مبكرا ، وبعضهم متأخرا ، لأنَ الشمس لم تبزغ في الوقت نفسه على أولئك العمي ، وهذا يعتمد غالبا على رهافة سمع كل منهم ، وراح الرجال العمي والنساء العمياوات من مختلف الردهات يتجمعون قرب العتبات الخارجية للمبنى ، ولا حاجة بنا أن نقول ، ما عدا الردهة التي يشغلها السفاحون ، الذين كانوا يتناولون فطورهم في هذه الساعة . كانوا ينتظرون أن يفتح السفاحون البوابة ، من خلال سماع صوت مفاصلها الحادة لعدم إدامة تزييتها ، وأعلنت أصوات وصول الطعام ، بعدها جاء صوت الضابط ، لا تتحركوا من مكانكم ، لن يقترب أحد منكم ، كانوا يسمعون الجنود وهم يجرون بخطاهم ، وأصوات حاويات الطعام الثقيلة ، التي ترتطم على الأرض ، وانسحابهم السريع ، والأكثر من هذا قرقعة صوت البوابة ، وأخيرا ، صوت الآمر ، والآن ، بإمكانكم التقدم ، بقي ينتظرون الى منتصف النهار ومنه إلى وقت العصر ، لا أحد ، بما في ذلك ، زوجة الطبيب ، يسأل عن الطعام . وبقوا مدة طويلة لا يسألون فيها لأنهم لا يريدون ان يسمعوا كلمة لا ، المرعبة ، وبقوا فترة طويلة لم يسمعوا هذه الكلمة المرعبة ولا كلمات مرادفة لها لأنهم لم يسألوا ، الطعام آت ، الطعام آت ، اصبروا ، تحملوا الجوع قليلا ، بعضهم أراد ، أن يقول ، إنهم لن يستطيعوا التحمل أكثر من هذا ، وأغمي عليهم كما لو أنهم غطوا في سبات ، ومن حسن حظهم كانت زوجة الطبيب هناك لتقديم إسعافات لهم ، لا أحد يصدق ، كيف تتدبر تلك المرأة كل ما يحدث ، ربما أنها موهوبة بحاسة سادسة ، أو نوع من الرؤية دون عينين ، والفضل يعود لها لأنَ أولئك المساكين البؤساء لم يبقوا تحت أشعة الشمس المحرقة ، وسرعان ما نقلوا إلى داخل ردهاتهم ، ومع مرور الوقت ، ورش الماء عليهم ، والربت الخفيف على وجوههم استعادوا في نهاية الأمر وعيهم . ولكن ، ليس بالإمكان الاعتماد عليهم في الحرب في نهاية المطاف ، لأنهم لم يعد بمقدورهم الإمساك بقطة من ذيلها ، ويضرب هذا المثل حينما يكون من المستحيل على المرء أن يقوم حتى لو بأمر بسيط . وأخيرا ، قال الرجل الأعمى ذو العصابة السوداء على إحدى عينيه ، لم يأت الطعام ، الطعام لن يأت . دعونا نذهب لنجلب الطعام . نهضوا ، الرب وحده يعرف ، وذهبوا للاجتماع في الردهة البعيدة عن معقل السفاحين ، كي لا يكرروا حماقاتهم التي قاموا بها في اليوم السابق ، ومن هناك أرسلوا جواسيس الى الجناح الآخر، هم نزلاء في ذلك الجناح وأكثر ألفة معهم ، وفي لحظة الشك الأولى ، عادوا ليحذرونا . ذهبت معهم زوجة الطبيب وعادت تحمل معلومة مثبطة ، أنهم أقاموا حواجز من الأسرَة في مدخل الجناح إذ وضعوا بعضها فوق البعض الآخر ، كيف عرفتم عدد الأسرَة ، سأل أحدهم ، ليس بالأمر الصعب ، فقد عرفتها عن طريق التلمس ، وهل شخَصك أحدهم ، لا أعتقد ذلك ، ماذا سنفعل الآن ، دعونا ننطلق ، قال الرجل الأعمى ذوالعصابة السوداء ، مكررا كلامه ، وننفذ ما قد قررناه ، أو نحكم على أنفسنا بالموت البطيء . سيموت بعضنا إذا ذهبنا إلى هناك ، قال الرجل الأعمى الأول ، أي واحد يفكر بالموت فهو ميت، دون أن يشعر ، أننا سنموت عاجلا أو آجلا أننا نعرف هذا منذ اللحظة الأولى التي ولدنا فيها ، لذلك ، وبطريقة ما ، كما لو أننا ولدنا أمواتا ، علقت الفتاة ذات النظارات السوداء ، كفى ثرثرة ، أنني لن أذهب وحدي إلى هناك ، ولكن إذا تراجعنا من حيث كنَا اتفقنا عليه ، في هذه الحالة أنني سأستلقي على سريري وأموت بالطريقة التي أشاء ، كل امريء يموت في يوم أجله ، ولا شيء آخر غير هذا ، قال الطبيب ، وهو يرفع صوته ، على كل من يريد أن يذهب عليه أن يرفع يده ، هذا ما يحدث لأولئك الذين لايفكرون مرتين قبل أن يتكلموا ، فما فائدة رفع الأيدي اذا لم يكن هناك من يستطيع أن يعدَها ، وهكذا ، كان يعتقد عموما ، وبعد ذلك ، قال ، ثلاثة عشر ، في هذه الحالة ، من المؤكد سيشرع نقاش ، يتأسس في ضوء المنطق ، ليأخذ اتجاها صحيحا ، فيما اذا كانوا بحاجة الى متطوع آخر ، لتجنب الرقم المشؤوم 13، أو تجنبه عن طريق إنقاصه رقما واحدا ليكون إثني عشر، بعد إجراء القرعة لإسقاط أسمه ، بعضهم رفعوا أيديهم بقناعة واهية ، تصاحبها إيماءة من الشك والتردد المضلل ، إن كان ذلك بسبب إدراكهم للخطر الذي سيعرضون أنفسهم اليه ، أو بسبب إدراكهم لعبثية هذا النظام . ضحك الطبيب ، كم كان الأمر سخيفا أن أسالكم أن ترفعوا أيديكم ، دعونا نتعامل مع الأمر بطريقة أخرى ، لندع أولئك الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون في الانسحاب ، ويبقى الآخرون ليقرروا ما الذي سيفعلونه . ثمة حركة ، صوت أقدام ، دمدمة ، تنهدات ، وانسحب الضعفاء والمتنرفزون تدريجيا ، كانت فكرة الطبيب رائعة وأصيلة ، وبهذه الطريقة سيكون من السهولة بمكان أن نعرف من الذي يبقى ومن الذي لا يبقى . عدَت زوجة الطبيب الذين قرروا المواجهة ، كان عددهم سبعة عشر رجلا وحسبت نفسها فضلا عن زوجها . ومن الردهة التي تقع على الجانب الأيمن ، كان الرجل الأعمى ذو العصابة السوداء على إحدى عينية ، ومساعد الصيدلي، والفتاة ذات النظارة السوداء ، وجميع المتطوعين من الردهات الأخرى هم من الرجال ، ما عدا المرأة التي قالت لزوجة الطبيب، أينما ذهبت ، سأذهب معك ، كانت هنا أيضا . شكلوا طابورا عبر الممر ، عدَهم الطبيب ، سبعة عشر ، نحن سبعة عشر، لم يكن عددا كبيرا ، لاحظ مساعد الصيدلي، لسنا قادرين على تحقيق ما نصبوا اليه ، فجبهة الهجوم ، إذا جاز لي استخدام هذا المصطلح العسكري ، ستكون ضيقة ، قال الرجل ذو العصابة السوداء على إحدى عينية ، يجب أن نكون قادرين على الدخول من خلال الباب ، أنا مقتنع أنَ الأمر سيكون أكثر تعقيدا اذا دخلنا بعددنا هذا ، وسنكون هدفا سهلا ، وافقه رجل آخر ، ويبدو أنهم كانوا مسرورين جدا في نهاية الأمر أنَ عددهم كان أقل .

وانتزعت أيديهم قضبان الأسرَة ، التي يمكن أن تستخدم كعتلات ورماح بكل سهولة ، وطبقا لما تستخدمان من وسيلة هجوم وفي تقدمهم في المعركة . واقترح الرجل العجوز ذوالعصابة السوداء على إحدى عينيه ، والذي تعلَم في شبابه شيئا عن التكتيكات ، أن يسيروا باتجاه واحد في مواجهة المعركة ، لأنَ هذه الطريقة هي الوحيدة لتجنب مهاجمة بعضهم البعض ، ويجب أن يتقدموا بصمت مطبق ، لذا من الممكن أن يفيد الهجوم عنصر المباغتة ، دعونا ننزع أحذيتنا . عقَب أحدهم من الصعوبة أن نجدها ونميز بعضها بعضا ، وعلق آخر ، أنَ أي حذاء يكون زائدا او مختلفا عن أحذيتنا في هذه الحالة يكون أصحابها من الاعداء الذين لقوا حتفهم ، ما هذه الثرثرة عن أحذية الأموات ، فالمثل يقول ، إنَ من ينتظر حذاء الميت يقبض الريح ، لماذا ، لأن الأحذية التي تدفن مع الأموات هي مصنوعة من ورق الكارتون ، وقد تكون إستنفدت غرضها ، لأنَ الأرواح لا تملك أقداما ، وبقدر ما نعلم ، ثمة موضوع آخر ، قاطعه الرجل الأعمى ذوالعصابة السوداء على إحدى عينيه ، حينما نكون هناك ، سيقوم ستة منا ، ستة من الذين يشعرون أنهم شجعان ، على رفع الأسرَة في داخل الردهة بقدر استطاعتهم ، وبهذا يمهدون لدخولنا جميعا ، في هذه الحالة ، يجب أن نرمي أسلحتنا ، لا أعتقد أنَ ذلك ضروري ، ربما تساعدنا ، إذا رفعناها إلى الأعلى , توقف ثم قال ، وكانت نبرة واضحة في صوته ، وفوق ذلك كله ، ينبغي ألاَ نتفرَق ، واذا تفرقنا فإننا سنكون في عداد الموتى ، وماذا عن النساء ، قالت الفتاة ذات النظارة السوداء ، لا تنسوا النساء ، هل أنتنَ مستعدات أيضا ، سألهن الرجل العجوز ذو العصابة السوداء على إحدى عينيه ، أنني أخشى ذلك ، لماذا ، أريد أن أعرف ، أنكن شابات ، في هذه الحالة ، نستثني العمر وكذلك الجنس ، إذن ، لا تنسوا النساء ، كلا ، لن أنسى صوت الرجل العجوز ذا العصابة السوداء على إحدى عينيه والذي تفوَه بهذه العبارات وكأنها آتية من حوارات أخرى ، كانت كلمات جاءت في مكانها ، وعلى العكس ، اذا كانت إحداكن ترى ما لا نراه نحن ، فقودنَنا الى المنعطف الصحيح ، ونحن نحمل رماحنا عاليا نحو حناجر الوحوش ، تماما كما فعلت تلك المرأة ، أنك تطلب المزيد ، اذ لا يمكننا تكرار ما قمنا به حاليا ، فضلا عن ذلك ، من يقول إنها لم تمت هناك ، لم نسمع أخبارا عنها ، وذكرتهم زوجة الطبيب ، تستولد النساء إحداهن من الأخرى ، فالعاهرات يستولدن شريفات ، والعكس صحيح ، فالمرأة الشريفة تستولد كما هو الحال عاهرة ، قالت الفتاة ذات النظارة السوداء . وعقب ذلك صمت طويل ، فقد قالت النساء كل ما يريدنَ قوله ، وعلى الرجال أن يجدوا الكلمات ، وأدركوابعد ذلك ، أنهم لن يستطيعوا أن يقوموا بذلك .

انطلقوا مشكلين بذلك طابورا واحدا في مقدمته العمي الستة الأشجع ، كما جرى الأتفاق ، بينهم الطبيب ومساعد الصيدلي ، ومن خلفهم البقية ، وهم مسلحون بقضبان حديدية اقتلعوها من الأسرَة، كانوا فرقة بائسة ، رماحها مثلَمة ، وبينما هم يجتازون ممر الردهة سقط سلاح أحدهم مما أحدث صوتا مدويا على بلاط الأرض مثل انفجار بندقية ، فإن سمع السفاحون هذا الصوت وعلموا بنيتنا ، لأنتهى بنا الأمر الى الفناء . جرت زوجة الطبيب الى الأمام وتطلعت الى الممر، دون أن يعلم بها أحد ، بما في ذلك زوجها ، وبعد ذلك تباطأت ، مقتربة من الجدار ، وانسحبت الى مدخل الردهة تدريجيا ، وأصغت بانتباه الى الأصوات ، التي يبدو أنها لم تأخذ حذرها . تراجعت وأنبأتهم بأن كل شيء على ما يرام ، ودون تأجيل ، استأنفوا تقدمهم . وبصرف النظر عن الصمت والبطء ، تقدم الجيش ، كانت ردهتا النزلاء تقعان في مقدمة معقل السفاحين ، كانوا يدركون أنَ ثمة شيئا ما وشيك الوقوع ، لذا تجمعوا بالقرب من عتبات الأبواب كي لا يفقدوا صخب الحرب الوشيكة ، وكان بعضهم على وشك الانفجار ، وقد أثارتهم رائحة بارود المسدس الذي يوشك على الاشتعال ، قرروا في اللحظة الأخيرة أن يرافقوا المجموعة ، بعضهم عاد ليسلح نفسه ، لم يبلغ عددهم أكثر من سبعة عشر أعمى ، قد تضاعف عددهم ، بالتأكيد إنَ هذه التعزيزات لن ترضي الرجل الأعمى ذي العصابة السوداء ، لكنه لم يكن يعرف أنه كان يقود كتيبتين لا كتيبة واحدة. تخلَل النوافذ القليلة التي تطل على الباحة الداخلية توهج آخر لضوء رمادي لليل يحتضر ، ثم سرعان ما تلاشى متسللا الى أعماق سواد بئر الليل . وبغض النظر ، عن الحزن الذي لا عزاء له الذي يسببه العمي والذي يعانون منه باستمرار دون مسوغ ، كان النزلاء العمي ، قبل هذا الوباء في الماضي البعيد ، لن يدخروا جهدا في مواجهة أي أسى ، أو أي متغيرات مشابهة أخرى ، كانت تسبب أعمالا لا تحصى من الإحباطات ، حينما وصلوا عتبة الردهة الملعونة ، سرعان ما حل الظلام ولم تعد زوجة الطبيب معه رؤية ثمانية أسرَة بدلا من أربعة شكلت حاجزا ، ويبدو أنَ عددها تضاعف مع تضاعف المهاجمين ، ومع تزايد العواقب السريعة المتلاحقة ، وسرعان ما سيتأكد لنا ذلك . كان الرجل الأعمى ذو العصابة السوداء على إحدى عينيه ، أطلق صرخة ، كانت بمثابة أوامر ، لم يتذكر التعبير الاعتيادي ، هجوم ، أو ربما تذكر الكلمة ، أو أراد ألاَ يقحم نفسه في التعامل مع مصطلحات عسكرية ، أمام أسرَة قذرة ، مليئة بالقمل وبطانيات تحولت الى خرق ، لم يعد لونها يكتسب اللون الرمادي ، بل تحمل جميع الألوان التي تثير الغثيان ، وسرعان ما أدركت هذا زوجة الطبيب ، لا تريد أن تنظر الى هذا المشهد ، وإلى متاريس التعزيزات . وتقدم النزلاء العمي كملائكة تحيط بهم أبَهتهم ، ارتطمت أسلحتهم التي تحملها أذرعهم عموديا كما اقتضت التعليمات بذلك الحاجز ، بيد أنَ الأسرَة لم تتزحزح ، لا شك أنَ قوة هذه الطليعة الشجاعة لم تكن تفوق قوة أولئك الضعفاء الذين يدعمونهم من الخلف ويحملون الرماح على ظهورهم ، مثل شخص يحمل صليبا على ظهره ، وينتظر صلبه عليه . تلاشى الصمت ، أخذ العمي في الخارج يزعقون ، تجاوب معهم من كان في الداخل ، ومن المحتمل أن لا أحد لاحظ من العمي كم هي مزعجة تلك الصرخات في مثل هذا اليوم ، ويبدو أنهم يصرخون دون مسوغ كاف ، نريد منهم أن يلتزموا الهدوء وأن يكفوا عن الصراخ ، ليبدأ دورنا ، وكل ما هو مطلوب هو أن نكون عمي ايضا، وسيأتي ذلك اليوم . اذن ، هذا هو الوضع ، بعضهم يصرخ وهو يهاجم ، البعض الاخر دفاعا عن النفس ، بينما المهاجمون الآخرون في الخارج ، أصيبوا بالإحباط لأنهم لم يستطيعوا إزاحة الأسرَة ، ألقوا برماحهم مرغمين ، بيد أنهم وعلى حين غرة ، وعلى الأقل أولئك الذي استطاعوا أن ينحشروا قرب الممر ، وأولئك الذين لم يستطع أحد منهم أن يفسح مجالا أو مكانا راحوا جميعا يدفعون أولئك العمي الذين هم في المقدمة ، شرعوا يدفعونهم ويدفعونهم وتبدى لهم أَنهم على وشك النجاح في مهمتهم ، تزحزحت الأسرَة قليلا ، فجأة ودون سابق إنذار أو تهديد ، انطلقت ثلاث رصاصات ، كان الرجل المحاسب الأعمى هو الذي يهدف إلى الأسفل، سقط إثنان من المهاجمين ، أصيبا بجروح ، تراجع الآخرون متفرقين بسرعة ، تعثروا على القضبان المعدنية ثم سقطوا ، كما لو أنَ جدران الممر فقدت صوابها وضاعفت من صراخهم ، أخذت صراخات أخرى تأتي من الردهات الأخرى . وسرعان ما حل ظلام دامس ، وكان من المستحيل معرفة من الذي أصيب بالرصاص ، لكن من الواضح ، بإستطاعة المرء أن يسأل عن مسافة بعيدة ، من أنت ، لكن لا يبدو هذا مناسبا الآن ، ينبغي معالجة الجرحى ، باحترام وباهتمام ، وينبغي الوصول إليهم ومعاملتهم بلطف ، ونضع لمساتنا على جباههم ، إذا لم تكن لسوء الحظ اخترقتها رصاصة ، علينا أن نسألهم بصوت خفيض كيف يشعرون الان ، ونطمئنهم أنَ الأمر ليس خطيرا ، وأنَ نقالات الإسعاف سرعان ما تصلهم ، وأخيرا ، نقدم لهم الماء ، باستثناء إن كانت الإصابة بالمعدة ، كما جاء في معلوماتنا عن الإسعافات الأولية . ماذا علينا أن نفعل الآن ، سألت زوجة الطبيب ، ثمة جريحان مستلقيان على الأرض ، لكن لا أحد سألها كيف عرفت أنهما إثنين ، ذلك لأن الإطلاقات كانت ثلاث وليست إثنتين ، ودون حساب تأثيرات ارتداداتها ، إن كان ثمة ارتداد قد حصل لها . يجب أن نذهب للبحث عنهما ، قالت زوجة الطبيب ، أجابها الرجل الاعمى ذو العصابة السوداء بجزع، هذه مخاطرة كبيرة ، بعد أن رأى الكارثة نتيجة تكتيكاته الهجومية ، اذا شكوا أنَ ثمة أناسا هنا فإنهم سيصوبون النار نحونا مر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://festival.7olm.org
 
فصل من رواية العمى .. جوزيه ساراماغو
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فصل من رواية العمى .. جوزيه ساراماغو
» «قايين» رواية جوزيه ساراماغو الأخيرة ... صراع الخير والشر
» رواية "جيرترود" لحسن نجمي
» رواية هجمات 11/9 الأدبية الأميركية... مستحيلة
» رواية جديدة عن هروب بن علي وزوجته من تونس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حلم المهرجان :: أدب عالمي مترجم-
انتقل الى: