إسرائيل لن تضرب إيران وهذه أسبابنا
زهير أندراوس
ما زال سؤال المليون دولار وأكثر يُسيطر كليا على مجريات الأحداث في العالم: هل الدولة العبرية ستُوجه ضربة عسكرية لإيران بهدف تدمير برنامجها النووي؟ الجواب على هذا السؤال بات معقدا ومركّبا للغاية، ويحمل في طيّاته العديد من الاحتمالات، فهناك إجماع عالميّ على أنّ خطوة من هذا القبيل ستؤدي إلى عواقب وخيمة، لا بل أبعد من ذلك، هجوم إسرائيلي على إيران، سيُشعل فتيل الحرب الشاملة، التي يمكن معرفة بدايتها ولكن لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال تحديد نتائجها، خصوصا إذا تمّ استعمال الأسلحة غير التقليدية من قبل الخصوم، ويتوقع الخبراء في الشؤون الإستراتيجيّة أن تُغيّر هذه الحرب خريطة الشرق الأوسط، ولا يستبعدون محو دولٍ من الخريطة.
عسكريا: إسرائيليا، يمكن الجزم إنّه في السنوات القادمة لن تجرؤ دولة الاحتلال على شن حرب على إيران لأسباب عديدة يمكن إيجازها بان الولايات المتحدة الأمريكية تعارض هذه الخطوة، فمنذ إقامتها في العام 1948 لم تُقدم الدولة العبرية على أيّ عمل عسكري له تداعيات إستراتيجية عالمية من دون إبلاغ حليفاتها قبل ذلك، أو التشاور معهم مسبقا، أمّا السبب الثاني الذي يمنع دولة الاحتلال من الهجوم العسكري على إيران، فمرده الى أنّ صنّاع القرار في تل أبيب يختلفون في ما بينهم بين مؤيد ومعارض لهـــذه الخطوة، فحسب المصادر الرسميّة في تل أبيب فإنّ السواد الأعظم من صنّاع القرار في الدولة العبرية، من المستويين السياسي والتنفيذي، يخشون من الدخول في مغامرة من هذا القبيل، وحــــتى وزير الخارجـــية أفيغدور ليبرمان، المعــــروف بمواقفه الفاشية، يعارض الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران، لأنّه يعلم هو وصنّاع القرار الآخرين أنّ النتائج المترتبة عليها ستكون مأساوية، حسب كل المقاييس والمعايير، على حد قوله. كما أنّ الدولة العبرية لن تهاجم إيران لعلمها أنّ الردّ سيكون عنيفا جدا، إذ أنّ إيران و'حزب الله' و'حماس'، ومن الممكن جدا انضمام سورية أيضا، ستقوم بإطلاق الصواريخ بكثافة كبرى على العمق الإسرائيلي، وستصيب مراكز السكن في العمق، علاوة على إصابة الأماكن الإستراتيجية الحساسة داخل الدولة العبرية، بما في ذلك الفرن الذري في ديمونا ومحطات القوى مثل الغاز والكهرباء وغيرها، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الصواريخ حسب مراكز الدراسات والأبحاث الإسرائيليّة والأمريكيّة، تؤكد أنّ الصواريخ ستضرب مطار اللد الدولي، الأمر الذي يعني شل الحياة في إسرائيل، أمّا بالنسبة للخسائر الإنسانيّة، فقالت دراسة أجراها معهد (سابان) في واشنطن إنّ عدد القتلى الإسرائيليين سيصل إلى 800 ألف.
اجتماعيا: ولكن مع هذا، على المدى الإستراتيجيّ، لا يُمكن للدولة العبرية أن تعيش تحت مظلة قنبلة نووية إسلاميّة أو شيعية، لأنها تُشكّل خطرا وجوديا عليها، وليس بالضرورة خطرا عسكريا، فما يقض مضاجع صنّاع القرار في تل أبيب يكمن في كون المجتمع اليهودي مجتمعا بعيدا كل البعد عن الاستعداد للتضحية وخوض الحرب والعيش في بيئة إقليمية تُهدده على مدار الساعة، وهذه مناسبة للتذكير بأنّ خطة مؤسس الدولة العبرية، ديفيد بن غوريون، لصهر أمّة إسرائيلية، فشلت وفق كل المعايير والمقاييس، فالصراعات داخل المجتمع الإسرائيلي ما زالت قائمة، حتى أنّها تفاقمت إلى حدٍ كبير بين العلمانيين والمتدينين (حتى اليوم لم تتمكن إسرائيل من إقرار قانون من هو يهودي)، والنزاعات المتفاقمة بين اليهود المتدينين واليهود المتزمتين، كما أنّ النزاعات التاريخية بين اليهود من أصول أوروبية (الاشكناز) واليهود من أصول شرقية (السفاراديم) ما زالت تلقي بظلالها على الأجندة الاجتماعية والسياسية في إسرائيل، فحتى اليوم ما زالت المؤسسة الصهيونية تُعين حاخاما رئيسيا للأشكناز، وحاخاما رئيسيا للسفاراديم، مضافا إلى ذلك، يجب أن نأخذ على محمل الجد قضية الارتفاع الحاد في عدد الشباب اليهود الذين يعملون كل ما في وسعهم من أجل التخلص من الخدمة العسكرية، وتحذير قائد هيئة الأركان العامة، الجنرال غابي أشكنازي، من تفاقم هذه الظاهرة وتداعياتها، وقوله إنّ هذه القضية باتت تُشكّل خطرا إستراتيجيا على إسرائيل، وهناك عامل لا يقل أهمية عن التي ذكرناها، والذي أشار إليه البروفيسور أفي بن تسفي من جامعة حيفا في كتابه الجديد عن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، حول ابتعاد يهود أمريكا عن الدولة العبرية وتراجع اهتمامهم بها، وللتدليل على ذلك يكفي الإشارة في هذا السياق إلى توقف استجلاب اليهود من جميع أصقاع العالم إلى إسرائيل، خلافا لسنوات خلت. وليس سرا أنّ المجتمع اليهودي في هذه البلاد بات يخشى قبضة العالم السفلي وقبضة المافيا، التي تتحكم في مناحي عديدة من الحياة اليومية، بحيث تفيد الإحصائيات الرسميّة بأنّ نسبة الجريمة والجريمة المنظمة في ارتفاع مقلقٍ للغاية، ناهيك عن الفساد السلطوي الذي برز في أقبح صوره، عندما أدانت المحكمة الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف، بعدة مخالفات جنسية، أخطرها الاغتصاب. وهناك نقــــطة مهمة للغـــاية تؤكد أنّ التعصب الأعمى ما زال ينخر في صميم المجتمع اليهودي، فمن غير المعقول أنّه بعد 62 عاما من إقامة الدولة على حساب الشعب الفلسطيني، ما زالت هناك حركة دينية أصولية تحصل على أكثر من 10 مقاعد في الكنيست الإسرائيلي، والقصد حركة شاس، وهي حركة اليهود من أصول شرقية، وهذا مسمار آخر في نعش الأمّة الإسرائيليّة الجديدة، التي تكلّم عنها أيديولوجيو الصهيونيّة.
اقتصاديا: وهناك نقطة أخرى تتعلق بتداخل الاقتصادي مع السياسي لتحديد العسكري، فعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضها المجتمع الدولي، ممثلا بمجلس الأمن على الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية بسبب مواصلتها تطوير برنامجها النووي، تدل الدراسات والأبحاث الرسمية على أنّ حجم التبادل التجاريّ بين طهران والدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية في ارتفاع مستمر، الأمر الذي يقطع الشك باليقين بأنّ هذه العقوبات معدّة للاستهلاك المحليّ ولإرضاء الدولة العبرية، التي تزعم أنّ برنامج طهران النووي هو السبب الرئيسي في عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وكما تعلمنا من التاريخ، فإنّ الغرب هو كيان استعماري إمبريالي وكولونيالي، قائم على مبدأ الربح والخسارة، فتقوية اقتصاده عن طريق نهب ثروات الشعوب الأخرى، يؤدي بطبيعة الحال إلى تقوية قدرته العسكرية، ونهب الثروات بدأ منذ الحروب الصليبية عندما بدأت الأزمة الاقتصادية في فينيسيا الإيطاليّة، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وهذه الدول التي لم تتورع عن غزو العراق وتخريبه وقتل سكانه من أجل نفطه، لن يردعها رادع من أجل تحقيق المكاسب، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه العجالة: هل الدول الغربيّة الاستعماريّة على استعداد لوقف التبادل التجاريّ المربح مع إيران من أجل أمن إسرائيل؟ الجواب باعتقادنا المتواضع سلبي، فدول أوروبا وأيضا أمريكا تستغل محنة إيران لجني الأرباح الطائلة والسريعة، وهذا هو التفسير المنطقي لارتفاع نسبة التصدير إلى طهران، على الرغم من العقوبات الدوليّة المفروضة على الجمهورية الإسلاميّة. من هنا، يمكن القول الفصل إنّ الاقتصاد والأرباح الماليّة بالنسبة لأوروبا من إيران، أهم بكثير من أمن إسرائيل. بموازاة ذلك، الإيرانيون على علم وعلى دراية بأنّ الغرب على استعداد للتضحية بإسرائيل وبأمنها مقابل حفنات كبيرة من الدولارات، وبالتالي فإنّهم يستغلون هذا الأمر، وهم الذين يملكون خزينة ضخمة من العملات الصعبة لإغراء الغرب ورفع حجم التبادل التجاري معه، وانتعاش التصدير الغربيّ لإيران فاق كل التوقعات، خصوصا أنّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت قبل حوالي السنتين جعلت التربة خصبة للغاية في لعب الاقتصاد دورا مركزيا في تحديد الأجندات السياسيّة والأمنيّة.
' كاتب فلسطيني من أسرة 'القدس العربي'