التـربية مـــاشــي بالــعـصــا...
مثلما تمسك المغاربة بمبدأ "العصا لمن يعصى" فإن تطورات حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية جعلتهم يخلصون إلى أن العصا لا تربي أو على الأقل إلى كونها تسيء للطفل أكثر مما تنفعه.
مريم جراف
يردد المغاربة تعبيرا كثير الدلالة وهو خلاصة التجربة الحياتية والاجتماعية والتطورات التي عاشوها مفاده أن الطفل سرعان ما "لحمو كيقساح على العصا" ويصبح الضرب غير نافع في أي شيء وبالتالي فهو لا يربي بالمرة.
وما فتئت الدراسات تبرهن على أن العقوبة الجسدية وحتى المعنوية (الصراخ،السب، الشتم، التحقير...) تمثل عوامل هدم وتشويه لشخصية الطفل، وتؤدي به إلى فقدان الثقة بالذات وانعدام المسؤولية، وتعمل على تعطيل طاقات العقل والتفكير والإبداع لديه.
المغاربة مازالو يضربون
جميل كل هذا الكلام النظري الذي ينادي به اختصاصيو التربية والعلاج النفسي لدى الأطفال، وتؤكده الدراسات حول الموضوع لكن دراسة ميدانية أجريت في المغرب وصدرت نتائجها عام 2007 كشفت أن 64% من المغاربة مازالوا يلجأون إلى العقاب البدني في تنشئة أطفالهم، أي باختصار إلى الضرب، كأسلوب في التربية الرقم مهول مقارنة بالتطور الذي نعتقد أنه حصل على مستوى العقليات، وربما كانت مشاهد الآباء العصريين الذين يتفانون خدمة لأطفالهم وإكرامات لهم، و"ينصاعون" في الكثير من الأحيان تلبية لرغباتهم ودلالهم مؤشرا كاذبا أو مخطئا على حقيقة منظور المغاربة للتربية لتصدق مقولة أن "المظاهر كثيرا ما تخدع".
لكن مهلا، فما رفع الرقم أكثر هو البوادي حيث إن الدراسة التي شملت عينه الأطفال بين 2 و14 سنة خلصت إلى أن العقاب الجسدي ينتشر في البوادي أكثر من المدن، أي أن أطفال البوادي يتعرضون للضرب أكثر من أقرانهم في المجال الحضري.
وهكذا ترتفع نسبة اللجوء للضرب في القرى لتصل إلى 71% من الأطفال مقابل 64% في المدن، أما الضرب المبرح فيمارس بنسبة 30% في البوادي مقابل 20% فقط بالمدن حسب الدراسة التي أنجزتها كل من وزارة الصحة واليونيسيف والبرنامج العربي لصحة الأسرة.
الظروف الاقتصادية أيضا تلعب دورا هاما فكلما تدني المستوى الاقتصادي كان اللجوء إلى الضرب أعلى نسبة، بحيث إن 74% من الأطفال المنتمين لعائلات جد فقيرة يتعرضون للضر ب، مقابل 12%فقط من أطفال العائلات الميسورة، المفارقة واضحة ومنطقية أيضا، فالعائلات الميسورة هي أيضا عائلات أكثر وعيا اجتماعيا وبالتالي أقل ممارسة للعقاب الجسدي والعكس صحيح من منظور علم الاجتماع.
الأب برلمان والأم حكومة"
في أحد التحاليل النفسية للمجلة المتخصصة في علم النفس "بسكولوجي" قال أحد المحللين بأن الأب يمثل البرلمان، والأم تمثل الحكومة هو يشرع القوانين للبيت وهي تسهر على تنفيذها.
ومثلما هو حال الدول، تخوض البرلمانات حروب التشريع التي تكون قاسية أحيانا لكن أياديها تبقى نظيفة من ويلات وانزلاقات تطبيق تلك القوانين والحرص على ضمان الامتثال للنظام العام.
نفس المنطق تقريبا ينطبق على الأسرة ، فما يحدث في قلب هذه الأخيرة أن الأم تقضي وقتا أطول مع الأبناء، سواء كانت تعمل خارج البيت أم لا، بينما الأب يبقى بعيدا عن أطفاله مدة أطول بسبب عمله، لكن خصوصا بسبب احتكاكه الأكبر بالفضاء العام، لا سيما المقهى ونتيجة لهذا الوضع، يحدث أن تضطر الأم لمواجهة الأبناء والاحتكاك بهم أكثر وهو وضع لا يزال ينفلت من كل دعوات "إعادة تقسيم الأدوار والمسؤوليات الأسرية والمنزلية" التي ما فتئت ترفعها التيارات النسائية العصرية والنظريات الاجتماعية الحديثة وعلى رأسها مقاربة النوع الاجتماعي.
الوضع الذي تعيشه الأم مع أطفالها يمكن أن يكون سلاحا ذو حدين، يمنح الأم فرصة عظيمة لتكون بجانب فلذات أكبادها، هي التي تحركها غريزة الأمومة أكثر مما تتحكم الأبوة في الأب، لكنه أيضا يعرضها أكثر من شريك حياتها لتدبير شقاوة أطفالها، تمردهم فلتاتهم المرتبطة بنموهم بتبلور شخصياتهم ومشاكل حياتهم اليومية.
قضاء وقت أطول مع طفلتيها جعل سناء (أم شابة ومستخدمة) تحيي تجربة فريدة مع طفلتيها (7 و4 سنوات)فهي منذ زواجها، وخاصة منذ حملها بطفلتها البكر حرصت باستمرار على أن تقرأ كثيرا وتطلع على كتب وبرامج تلفزيونية خاصة بالتربية والمشاكل التربوية "ولات عندي نظريات فالتربية، لكن الواقع اليومي كيخليني كنتعصب بعض المرات وكنسى كل ما قريتو" تعلق سناء على لجوئها أحيانا لأسلوب عنيف مع طفلتيها لاسيما الصغرة "الصغيرة قبيحة بزاف وربما جات في وقت ولى فيه صبري قليل لقباحة الدراري" تضيف سناء.
الطفل :حقل اختبار لوالديه
التجربة تؤكد أن اللجوء للعنف سواء كان ضربا أو شتما وصراخا أو تقليلا من شأن الطفل إنما هو مشكل لدى الكبار أكثر منه لدى الأطفال ذلك ما تشعر به سناء كلما انفلت منها عقال نفسها، وتخلت عن كل هدوئها في التعامل مع طفلتيها، عموما، يشكل الطفل حقل اختبار لوالدية، فمهما تلقوا من القواعد والأفكار النظرية حول التربية والأسلوب الأنجع فيها، إلا أن تجربة تربية طفلهم على أرض الواقع تبقى لها خصوصيات انزلاقات وقد يرتكبون أثناء تربيته أخطاء من حين لآخر، غير أن المطلوب من هؤلاء هو الوعي بخصائص شخصية الطفل الأساسية حتى لا يخطئوا مسارهم مع الطفل.
ويكاد يجمع علماء النفس والتربية على التأثير الحاسم للتربية في السنوات الأولى من عمر الطفل، بل يذهب بعضهم للقول بأن سمات وخصائص الشخصية تتحدد في السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل.
لهذه الأسباب صار لزاما على الآباء اكتساب وعي بمجموعة من المعطيات وبالفعل فقد صار عدد من الآباء والأمهات العصريين لا يترددون في عرض أطفالهم ما يدخل في خانة المشاكل سواء المرتبطة بالتربية أو الحالة النفسية للطفل.
وفي هذا الإطار دأبت العديد من المدارس الخاصة على برمجة زيارة أسبوعية للمختص النفساني الخاص بالأطفال من أجل الوقوف على المشاكل التي قد يعاني منها الأطفال من أجل الوقوف على المشاكل التي قد يعاني منها الأطفال وإعلام أبائهم بذلك بشكل مبكر... ويختار بعض الآباء قطع الرحلة نحو المختص النفساني بشكل منفرد منذ البداية أو بعد أن يتم تنبيههم إلى مشاكل أطفالهم وهي كلها سلوكات محمودة تسم الآباء العصريين لاسيما المنتمين لفئات اجتماعية متوسطة أو ميسورة.
قبل شهور، أخذ عبد اللطيف على عاتقه مسؤولية متابعة حالة طفلة بنفسه ومرافقته كل أربعاء إلى المختص النفساني من |أجل حل بعض مشاكل الانغلاق والتقوقع على النفس، بعدما نبهته المدرسة إلى ذلك ويؤكد عبد اللطيف أن الإقبال كان كثيفا على المختص النفساني، لاسيما الأربعاء بعد الزوال طالما أنه يظل الفرصة شبه الوحيدة للآباء من أجل حل مشاكل أطفالهم وهذا يبين مدى التحول الذي وقع على عقليات الآباء المغاربة (آباء تشمل الأمهات أيضا) العصريين، لكن ماذا يحدث في المقابل؟ وهل تخلى هؤلاء تماما عن العنف؟
كل طفل هو حقل اختبار لوالديه، كما أن لكل طفل شخصيته ولكل زوجين ووالدين طباعهما التي يعكسانها على أطفالهما من خلال التربية، كذلك فإن التربية لا تتوقف عند ما نحاول تلقينه بشكل مباشر للطفل، بل يشمل كل سلوكاتنا أمام الأطفال لا يمكن أن يمسك الأب طوال الوقت بسيجارة ويتحدث إلى الطفل عن ضرورة اجتناب التدخين إذ ليس معقولا أن يكون هو خائر القوى أمام أسوأ عاداته اللعينة وينتظر من الطفل أن لا ينطبع به، وأن يسلك الطريق السوي.
العقوبات البديلة في البيت
"ماغاديش تمشي معايا لعند موك لالاك" تعي الأم جيدا وطأة هذا التهديد وأحيانا ومن أجل بعث مزيد من الروح فيه وتأكيده تنطقه وهي تقسم بالله أن لن تأخذ ابنتها معها إلى بيت جدتها، والمناسبة كانت عيدا والأهم في زيارة الجدة هو لقاء أبناء الخالات القريبين جدا لقلبها.
تعي سعاد (أم لثلاثة أطفال) أن ذلك هو الأسلوب الأنجع للتعامل مع ابنتها التي صار عمرها 9سنوات، ولم يعد مجديا أن تضربها أو أن تعنفها عموما كما أنها تضمن بهذه العقوبة التي تتوعد ابنتها بها أن تحصل منها على ما تريد.
الحرمان من شيء محبوب أصبح أسلوبا دارجا، ويدخل ضمن أهم العقوبات البديلة المتعارف عليها اليوم بين الآباء العصريين الحرمان من النزهة الحرمان مما يجب واللائحة تطول.
ويختار بعض الآباء أسلوب الثواب بدل العقاب فإن اجتهد الطفل في عمله المطلوب منه، أو امتنع عن ارتكاب أية شقاوة فسوف يحصل على وجبة بأحد المطاعم التي يحب أو تحضر له والدته وجبة يحبها كالمعجنات أو تصنع له الحلوى...
في المقابل تعود أبناء تورية وحميد زوجان شابان على أسلوب المقاطعة فالاثنان تعودا على عدم مخاطبة الابن أو الابنة في حال ارتكاب أحدهما لخطأ كبير أو حبس أحدهما في الغرفة أي أن العقوبة لا بد أن تكون انفرادية ولا رجعية، وغالبا ما تدوم فترة يشعر فيها الطفل بالملل وبإحساس تعرضه فعلا للعقاب.
الأب يمعن أكثر من الأم في مقاطعة أحد أبنائه الذي ارتكب خطأ وهو بذلك يكون أكثر قساوة فغضبه من ابنه أو ابنته يدوم أحيانا لأيام، دون تراجع بينما تفضل الأم الحبس في الغرفة أكثر وأحيانا تنتهي مهزومة بعد أن ينام طفلها أو طفلتها من شدة الملل أو التعب بعد البكاء الشديد دون تراجع منها، فهي بدورها تمارس قسوة على قدر أمومتها وقد تكون شدة من الأب، طالما أنها مصدر الحنان الكبير الذي يصعب على أحد طفليها تصور صدور القسوة منه. تؤكد الدراسات التربوية التي أجريت أن 90 في المائة من الحالات التي يتعرض فيها الطفل للضرب تكون ناجمة عن انفعال ينتاب الأب أو الأم ورغبة في التنفيس عن الغضب، وليست نتاجا لتقديرات هادئة وحسابات تستهدف تحقيق هدف تربوي معين، وهو ما يرجح كفة العقوبات البديلة، فلا بأس من أخذ بعض الوقت للتفكير بترو فيما من شأنه أن يؤثر في الطفل دون أن يولد لديه أي حقد أو إحساس بالغبن.
يكفي تأكيد حقيقة مفادها أن الطفل خاصة خلال السنوات التسع الأولى، لا يمكن أبدا أن يدرك العلاقة بين أي خطأ قد يقترفه وبين الإيلام البدني الذي بقع عليه، وبالتالي فلن يتحقق فيه أي هدف تربوي من خلال الضرب.
إن أغلب الآباء ليست لديهم المعلومات الكافية والصحيحة عن كيفية تربية الأولاد جلهم يتعامل عند التربية من المنطلق الذي انتهى عنده والداه في تربيته هو شخصيا فمن نشأ على الضرب من والديه يتشبث غالبا بضرب أبنائه عند تربيتهم ويتعلل بأن هذا الأسلوب جعل منه رجلا محترما أو امرأة محترمة، والواقع أن هذا الأب أو الأم قد نسيا، بمرور الوقت، حقيقة شعوره بالقهر والخوف والذل، عندما كان صغيرا كان من أشد المعترضين على هذا الأسلوب في التربية.
لا يمكن للتربية أن تقوم على العنف لأن في كل عنف إلغاء لشيء ما ، لشعور ما، لعلاقة ما، لجزء من محبة، لجزء من شخصية الطفل، لإبداع كان سيتفتح من دون خوف ورجفة وأخطاء... في كل عنف إلغاء.
العقاب البدني يؤثر على ذكاء الأطفال
أكد بحث علمي أن العقاب البدني يجعل الأطفال أكثر عدوانية ويؤثر على نموهم الذهني وقدراتهم الإدراكية، وأظهرت الدراسة أن الضرب قد يجعلهم أكثر انعزالية وأن أولئك الذين تعرضوا للعقاب البدني في عمر سنة واحدة أصبحوا أكثر شراسة وتراجع نمو قدراتهم الإدراكية مقارنة بمن يتم تقريعهم شفاهة فقط.
وأظهرت النتائج أن تعريض الأطفال لمزيد من الضرب في عمر سنة واحدة يجعل تصرفاتهم أكثر عدوانية عند بلوغ الثانية وتدنت درجاتهم في اختبارات مهارات التفكير عند بلوغ الثالثة.
كيف نعلم أطفالنا السلوك المرغوب فيه
لكي تجعل من أخطاء أطفالنا وسيلة للتعلم والإبداع علينا الآتي:
إعادة الثقة للطفل بعد الخطأ فالثقة دائما هي العلاج الذي يبني حاجزا متينا بينه وبين تكرار الخطأ.
تعليمه الطريقة الصحيحة للتعامل مع الموقف.
تعويده على تحمل المسؤولية عن أخطائه ليكتسب مهارة التحكم في ذاته، فالطفل الذي يحدث منه كسر كوب الماء لا تواجهه بالانفعال، بل كم هادئا واطلب منه أن يقوم بتنظيف المكان وكافئه لفظيا، ومن ثم وجهه للطريقة الصحيحة لحمل الأكواب.
ابتسم وأنت تقنعه بخطئه وتشعره به.
كون عند الطفل المعايير السليمة التي من خلالها يتعرف على الخطأ.
أنصت إليه بتمعن واهتمام لتفهم أصل الخطأ
لاتجعله يفع فريسة للخوف من الفشل.
لا تيأس من طفل مهما تكرر خطأه، تأكد أن الحب والتسامح مع الأطفال أقوى وأنفع من الغضب والانفعال، ولنكن قدوة لأطفالنا في كل أمور الحياة.
فحاول بقدر ما تستطيع أن تنشئ علاقة ود وصداقة مع أطفالك كي يتعلموا منك الصواب وكي تساعدهم على تكراره.
أساليب وعقوبات بديلة
التوازن في تربية الطفل أمر مطلوب واللين والرأفة هي الأصل في التعامل مع الطفل حيث إن العقاب يبقى أحد العناصر الأساسية التي تقوم عليها التربية، وفي هذا الصدد، نعرض لبعض الأساليب والعقوبات البديلة التي يمكن التعامل بها مع الأطفال عدا الضرب مثل"
لغة الحوار مع الطفل: اجعله يميز بين الصواب والخطأ بأسلوب مرن ولا تظن أن الطفل بسيط الفهم بل أطفالنا أذكى مما نتصور.
تعزيز ثقته بنفسه وجعله صديقا: تعزيز ثقته بنفسه وإشعاره بأنه صديقك منذ طفولته حتى يكبر على ذلك كأن تخاطبيه وكأنه رجل حتى يحبك أكثر وأكثر لأنك قدوته في الحياة ويتمنى أن يكبر ليصبح مثلك، فهو يقلد مشيتك وينتعل حذاءك ويجلس مكانك ويقود السيارة إذا نزلت من مكان القيادة.
أسلوب الترغيب والتهديد: إن كنت قدوته وجعلته يحبك فإنه لابد أن يخاف من أن تغضب منه.
لعبة الحرمان: يمكن أن يؤدي حرمانه من النزهة آخر الأسبوع أو عدم شراء اللعبة التي وعدته بها أو حرمانه من جزء من مصروفه أو عدم التحدث إليه ومخاطبته لمدة يوم كامل أن يدخل أيضا في جملة العقوبات المقترحة.[center]