ادب مترجم
كرستينا روزيتي (1830-1894)
الدكتور عادل صالح الزبيدي
ولدت الشاعرة البريطانية كرستينا جورجينا روزيتي في لندن عام 1830 من أبوين ايطاليين وكان والدها قد ترك مدينته نابولي طالبا اللجوء السياسي في بريطانيا. تلقت تعليمها على يد والدتها التي كانت شقيقة جون وليم بوليدوري الطبيب وصديق الشاعر الرومانسي الكبير اللورد بايرون. عانت في طفولتها الكثير بسبب مرض والدها الجسدي والعقلي وعندما بلغت الرابعة عشر من عمرها أصيبت هي الأخرى بانهيار عصبي عقبته نوبات من الكآبة والاعتلال النفسي. خلال هذه الفترة انغمست انغماسا جديا هي ووالدتها وشقيقتها في الحركة الأنكلوكاثوليكية التي كانت جزء من الكنيسة الانكليزية، وكان لورعها الديني الذي لازمها من طفولتها الأثر البالغ على شعرها وفكرها وحياتها الشخصية بحيث رفضت الزواج من شخص أحبته وآخر تقدم لطلب يدها بسبب عدم توافقهما الديني مع معتقدها الأنكلوكاثوليكي. كانت تتميز بجمال شاحب وذي مسحة جدية جعل شقيقها الشاعر والرسام دانتي غابرييل روزيتي أن يتخذها موديلا أثيرا لرسم لوحاته التي تصور مريم العذراء. عقدت صداقات أدبية عديدة في محيط مدينة لندن وشملت صداقاتها حتى الحيوانات بحيث كانت تجد بعدا رمزيا وأخلاقيا في كل شيء كائنا كان أم جمادا حتى في كسر الزجاج وشظايا الحصى. أصبحت أكثر ميلا للوعض الديني في شعرها المتأخر وأصيب في أخريات حياتها بسرطان أودى بحياتها.
بدأت روزيتي كتابة الشعر في السابعة من عمرها الا أنها لم تنشر أشعارها إلا بعد بلوغها سن الواحدة والثلاثين حينما نشرت أولى أعمالها بعنوان سوق العفاريت وقصائد أخرى عام 1862 (ظهرت لها قبل ذلك خمس قصائد في مجلة ذي جيرم، لسان حال حركة ماقبل الروفائيليين، عام 1850 تحت اسم مستعار هو "ألن الين" وقصيدتان في مجلة مكميلان عام 1961) . لقيت مجموعتها الأولى ترحيبا نقديا كبيرا يصفه جان مارش بقوله: (( وفاة اليزابث باريت براوننغ الذي حدث بعد شهرين أدى إلى الترحيب بروزيتي بوصفها خلفها الطبيعي لمنصب "شاعرة البلاط")).
يقول عنها الناقد آرثر سيمونز في كتابه دراسات في أدبين(1897، ص 139) ما يأتي:
قدرة على رؤية واضحة تتجاوز مديات المألوف؛ ذلك، بعبارة قصيرة، هو ما يميزعبقريــة روزيتي، ترافقــها قدرة...بارعة على التعبير عن تصورات وأفكار بارعة...وتظهر هذه القدرة في كل جزء من شعرها؛ في الســحر الغريب لقصــائدها التي تتناول ما هو خارق للطبيعة، في التسامي الروحي لقصائدها عن الورع الديني، في غنائية قصائدها عن الأطفال والطيور...، في التنوع الاستثنائي والبراعة غير الاعتيادية لقصائدها العاطفية والتأملية.
إما عن العلاقة بين الفن والمعتقد في شعر روزيتي فهي علاقة تحققها الشاعرة، كما يقول الناقد ليونيل جونسون ((من خلال خلق توافق بين جميع عناصر التفوق الفني وبين المعتقد المسيحي))، فهي تمزج بين الإحساس بتحقق حالة الإيمان الروحي أو السعي لبلوغها وبين الإحساس بوجود واقع مطلق. فالصور التي تستقيها من تجربتها الروحية ((تصبح بالنسبة إلينا حقيقية ومرئية ومحسوسة كمذبح الكنيسة على الأرض))(مجلة أكاديمي، 25 تموز 1896، ص ص 59:50)
قد لا تكون القصيدتان اللتان قمنا بترجمتهما هنا من أفضل قصائد روزيتي، وخصوصا إذا ما قورنتا بقصيدتها الشهيرة ((سوق العفاريت)) التي يكاد يجمع النقاد على أنها أفضل ما كتبت، إلا إنهما تمثلان أسلوبها واهتماماتها وموضوعاتها الأثيرة التي نجدها في أغلب قصائدها. فنجد فيهما عاطفة الحب التي تتخللها مسحة شفيفة من الحزن والسوداوية، فضلا عن ميلها الدائم إلى خلق عوالم شفقية تقع بين حدي الموت والحياة.
صدى
تعال إلي بصمت الليل
تعال بصمت الحلم الناطق
بوجنات ممتلئة غضة
وعيون تبرق مثل ضياء الشمس على سطح الماء
عد لي بعيون باكية
يا ذكرى يا أمل ويا عشق سنين راحت
يا حلم كم حلو أنت
حلو جدا، حلو مر جدا
كان حريا أن أستيقظ منه على جنة
تحيى فيها الأرواح الملأى بالحب وتتواصل
وحيث عيون ظمأى تواقة
ترقب بابا ينفتح ببطء كي يدخل من لا يخرج ثانية منه
ومع ذلك فأنا أدعوك لتأتيني في الأحلام
لكي أحيى ثانية ذات حياتي
و لو في برد الموت
عد لي في الأحلام لكي أمنحك
مقابل نبضك نبضا، ومقابل نفسك نفسا
كلمني همسا وانحن لي
كما في الماضي الغابر، يا حبي، وما أبعده من ماض!
----------------
أغنية
عندما أموت يا حبيبي
لا تشدُ لي أغنيةً حزينة
أو تزرع الورد على رأسي
ولا شجيرة وارفة الظلال.
كن أنت لي مخضوضر العشب على جسمي
وكن رذاذا وقطرات من ندىً نديّ
وان تشأ ذكراي فاذكرني
وانسني إن شئت أن تنسى.
فلن أرى الظلال
لن أحس بالمطر
لن أسمع البلبل
يشدو شدوة الألم
وبينما أحلم في غياهب النسيان
قد أتذكر صدفة
أو صدفة أنسى.
النص الأصلي:
Christina Rossetti (1830-1894)
Echo
Come to me in the silence of the night;
Come in the speaking silence of a dream;
Come with soft rounded cheeks and eyes as bright
As sunlight on a stream;
Come back in tears,
O memory, hope, love of finished years.
O dream how sweet, too sweet, too bitter sweet,
Whose wakening should have been in Paradise,
Where souls brimfull of love abide and meet;
Where thirsting longing eyes
Watch the slow door
That opening, letting in, lets out no more.
Yet come to me in dreams, that I may live
My very life again though cold in death:
Come back to me in dreams, that I may give
Pulse for pulse, breath for breath:
Speak low, lean low
As long ago, my love, how long ago.
Song
When I am dead, my dearest,
Sing no sad songs for me;
Plant thou no roses at my head,
Nor shady cypress tree:
Be the green grass above me
With showers and dewdrops wet;
And if thou wilt, remember,
And if thou wilt, forget.
I shall not see the shadows,
I shall not feel the rain;
I shall not hear the nightingale
Sing on, as if in pain:
And dreaming through the twilight
That doth not rise nor set,
Haply I may remember,
And haply may forget.
الدكتور عادل صالح الزبيدي