/
متاحف المومياوات تحكي تاريخ البشر
صلاح سليمان
زيورخ من صلاح سليمان: كثيرة هي تلك المومياوات التي تم العثور عليها عبر الأزمنة المختلفة والتي إحتفظت بكافة تفاصيلها لتتفتح أمام العلماء كثير من الآفاق العلمية لفهم الحضارت القديمة، أشهر تلك المومياوات علي الإطلاق هي ملوك فراعنة مصر القديمة التي مازالت محفوظة بشكل جيد.لكن ما لايعرفه البعض ان هناك العديد من المومياوت التي تم إكتشافها في اماكن كثيرة أخري من العالم نالت الكثير من الشهرة لدي العلماء والناس العاديين علي حد السواء.
أحد أشهر المومياوات التي أكتشفت أخيرا في أوروبا هي مومياء أوتزي وهي مومياء طبيعية جدا إكتشفها الزوجيين الألمانيين التي أيريكا وهلموت سيمون عن طريق الصدفة في أعالي احدي قمم جبال الالب في عام 1991 وتحديدا في منطقة هاوسلابيوخ علي الحدود الفاصلة بين النمسا وإيطاليا، وكان لإكتشاف هذه المومياء الفضل في إزاحة الكثير من غموض تلك الفترة التي عاشت فيها،وهي وفق العلماء 3400 سنة قبل الميلاد، وهكذا بقيت محفوظة بفضل الجو الثلجي القاسي في اعلي جبال الألب دون أن تصاب بتلف كبير، ولازالت محتفظة بالكثير من تفاصيل الوجه والجسم، وهذه المومياء التي يزورها آلاف السياح ترقد الآن في متحف جنوب تيرول للآثار في بولزانو في إيطاليا، في غرفة تنخفض حرارتها إلى ست درجات تحت الصفر، ويصل معدّل الرطوبة فيها 98% وهي تعتبر أقدم مومياء بشرية عثر عليها بهذه الحالة الجيدة.
هناك أيضا مومياء حيوان الماموث الشهير الذي عثر عليه في صحراء سيبريا في عام 1798،والماموث هو نوع من الثدييات الفيلية الضخمة المنقرضة وكان يعيش في أوروبا الوسطي قبل مليون سنة، وقد عاصر إنسان ما قبل التاريخ، وقد أكتشف في منطقة عند مصب نهر لينا شمالي سيبيريا، والمومياء كانت مدفونة تحت طبقة من الجليد الذي حفظها سليمة تماما منذ آلاف السنين.
سرداب الموتي الشهير
مكان أخر هام جدا يعرفه كل السياح الذين يقصدون جزيرة صقلية للسياحة، إنه سرداب الموتي أو Catacombe die Cappuccini وفيه العديد من المومياوت التي يمكن وصفها نسبيا بالحديثة وهو يحكي تاريخ جزء من البشرية، لكن أكثر شئ مثير في هذا السرداب هو مومياء تلك الطفلة الصغيرة التي ترقد في تابوت زجاجي ولازالت تحتفظ بجمالها ورونقها وكل تفاصيلها الدقيقة رغم مرور 90 عاما علي وفاتها.
قصة هذه المومياء الجميلة حيرت العلماء لفترة من الزمن فهي لطفلة لم تتعدي الثالثة من العمر ومن يراها للمرةة الاولي لا يثاوره الشك في انها طفلة نائمة في سلام خاصة وأنها مازالت ترتدي ملابسها كاملة التي دفنت بها فالفستان الصفر الذي ترتديه وشريط الشعر اصفر اللون الذي مازال يزين شعرها الأشقر الذ يحتفظ بلونه ولمعانه رغم مرور كل هذه السنوات وهو أمر يثير دهشة السياح الذين لا يتوقف ترددهم علي سرداب الموتي بصفة خاصة لرؤية مومياء تلك الفتاة الجميلة رزليا لومباردو.
مومياء الجميلة النائمة
ظلت مومياء الطفلة محفوظة في سرداب الموتي في كنيسة في الجزيرة وظل الأمر مجهولا لكثيرين، إذ ان سرداب الموتي كان مخصصاً فقط لرجال الدين.غير أن قصة روزليا ترجع الي مطلع القرن الماضي عندما ضربت الإنفلونزا الأسبانية العالم ومات بسببها حوالي 50 مليون شخص، لم تكن جزيرة صقلية بعيدة عن ذلك الوباء المتفشي الذي ضربها هي الأخري وكان من ضحاياه تلك الطفلة الجميلة التي لم تبلغ الثالثة من العمر بعد، توفيت روزليا متأثرة بالإلتهاب الرؤي الحاد الذي اصابها في 6 ديسمبر سنة 1920، حزنت الأسرة علي موت روزليا بشكل كبير وكان والدها الجنرال ماريو لومباردو الأكثر حزنا وألماً، وظل لايتقبل فكرة موت إبنته الجميلة.
وبدأ يفكر في كيفية حفظ جثتها بنفس التفاصيل الجميلة التي كانت عليها، لم يكن أمام الأب المكلوم إلا اللجوء الي صديق للعائلة يعمل في مجال التحنيط وله ابحاث متقدمة في هذا المجال وهو الطبيب الفيردو سلافيا وأفضي الأب إليه برغبته في حفظ جثمان ابنته،غير أن سلافيا لم يكن قد مر بتجربة مماثلة من قبل وأمام توسلات الأب رضخ سلافيا الذي راح يضع خطة محكمة للإحتفاظ بالجسم بشكل صحيح، وعندئذ إستطاع الإستعانة بفريق عمل عاونه قي عملية التحنيط التي تمت بعناية شديدة جدا وبعد إنجاز هذا العمل بثلاثة عشر سنة توفي سلافيا وظل سر تحنيط المومياء لغزا محيرا والسؤال المطروح علي الدوام كيف فعل ذلك؟
تواري جسد الصغيرة عن أعين الناس سنوات طويلة وظل سرها غير معروف،فوالدها كان قد أراد لها أيضا ان تدفن في سرداب موتي الرهبان في صقلية، وهو الأمر الذي لم يكن مسموحاً به لغير الرهبان، لكن مساعي الأب نجحت في الحصول علي موافقة الرهبان علي دفن ابنته في ذلك السرداب المقدس علي أن يكون ذلك استثنائيا من أجل الطفلة ذات الوجه الملائكي ، وبعد دخولها هذا المكان لم يتمكن الأب بعد ذلك من زيارة ابنته ولا مرة واحدة بالنظر الي إغلاقه حتي لا يتسبب دخول الناس في إتلاف المومياوات.
كشف سر التحنيط
وبعد مرور 75 عاما علي وفاة الطفلة روزليا استطاع عالم الانثروبولوجيا الايطالي داريو بوجينو ماسكلاي من جامعة باليرمو من اكتشاف تابوت الطفلة في سرداب الرهبان ولفت نظره أهمية الكشف وكيف استطاعت المومياء بعد مرور كل هذه السنوات من الإحتفاظ بمعالمها بهذا الشكل الجيد، وحاول ماسكلاي فك لغز التحنيط ومعرفة كيف تم ذلك؟
بعدإجراء عدة تحاليل معملية استطاع أن يتوصل الي ان التحنيط استخدمت فيه مواد كيميائية، وتعرف علي كافة المواد والصبغات الكيميائية التي استخدمت في التحنيط، وكتب في تقريره بعد أن أتم المهمة أن المواد التي استخدمت في عملية التحنيط هي الفورمالدهايد وكبريتات الزنك والجلسرين والفورمالين ثم مخلوط من الكحول الممزوج بالجلسرين، وبعد ذلك تم العثور علي مخطوط لسلافيا ذكر فيه طريقة التحنيط و المواد التي استخدمها وكانت فكرته كما قال تقوم علي إستبدال دم الفتاة بالفورمالين لقتل البكتريا،أما الكحول فقد أستخدم لتجفيف الجسم والجلسرين لمنع الجفاف الزائد وحمض السلسليك لقتل الفطريات أما استخدام املاح الزنك فكان لإكساب الجسم الليونة اللازمة ثم كان استخدام مذيب شمع لحقنه تحت الجلد ليعيد الشكل الطبيعي للجسم.