إنتبه !! أنت في صفحة من صفحات المخابرات العربية
نعمة حسين الحباشنة
في صباح هذا اليوم وبينما كنت أتجول في أروقة موقع من مواقع التعارف الالكترونية الشهيرة دخلت وبالصدفة الى صفحة أطلق عليها اسم ( المخابرات ... ) كان موقع مديرية المخابرات العامة في احدى الدول العربية بارك الله فيها ...
الهدف المعلن للصفحة كان الحفاظ على الأمن والهوية القومية ومحاربة الارهاب , هذا ما كتب على تلك الصفحة ولطبيعتي الفضولية قررت أن أتتبع كل الروابط الموجودة هناك وحتى التعليقات من ( المعجبين فيها ) وما أكثرهم في زمن الفقر والجوع والظلم والضياع الذي تعيشه أمتنا العربية في هذا الزمن الأغر ....
لن أطيل عليكم بالسرد سادتي ولكن ما رئيته بين ثنايا تلك الصفحة الالكترونية هو ما أفلت لساني من عقاله وأنا من كنت قد حلفت أغلظ الأيمان أن لا أقترب من السياسة مرة أخرى .... كان ذلك الرابط لفيلم وثائقي وضعه المسئول عن الصفحة وعباراته المنمقه المتوجة بالتهديد المبطن لمن يجيد القراءة بين السطور والتي زين بها رابطه هو ما استفزني للحديث ؛ هو يطلب من المنتسبين لتلك الصفحة شكر النعمة التي هم فيها ويقارن بين ما يحدث هنا من تصرفات لرجال المخابرات وما يحدث هناك في تلك الدولة ويطلب منهم أن يدلي كل منهم بدلوه بعدها لمعرفة رأيهم بما يحدث ؟؟؟
لتنهال عليه بالتمجيد والحمد والشكر على النِعمْ تعليقات كل المعجبين ؛ رابط لفيلم وثائقي بسيط لا تتجاوز مدته الدقيقتان يظهر فذ من أفذاذ مخابرات دولة عربية أخرى أو كما يحلو لمن يعيشون وهم الوحدة العربية مثلي تسميتها دولة شقيقة ، الفيلم يظهر رجل المخابرات البطل الهمام وهو يأمر مواطن بخلع ملابسه كلها وفي الطريق العام أما المواطن الخائف أو لنقل الخائب لأنه لم يعرف كيف يحافظ على حقه وسط الطغيان فلقد كان يمارس مهنة التعري بهدوء تام وكأنه في حمام بيتهم وحتى آخر قطعة غير آبه لمكان وجوده ولا يشغل تفكيره الا تنفيذ الأوامر؛ ليعاود وبعد انتهاء المهمة وبهدوء تام ارتداء ملابسه وصوت رجل المخابرات مازال يهدده وسط صخب صوت ضحكة الانتصار ...
مشهد ذكرني بالديموقراطية العارية المغتصبة في عالمنا العربي ؛ وبأصنام اللات والعزى التي يقدسها البعض وبسجد لها آخرين يقولون أنها هي من ستعيد للعرب أمجادهم بينما أولئك يلقون بها في قاع المستنقع يربطونها بحبال من مسد على باب مسلخ الطاعة لولي الأمر بالقوة مرة وبشيوخ للافتاء يمجدون السادة مرة ويلعنون من يقترب منهم وبأحاديث مسندة مرة أخرى ؛ والأدهى من ذلك أنه ذكرني بخيبة أمل كبيرة وحلم غاضب من أجل الوحدة العربية الممزقة تحت أقدام دوائر مخابراتها التي تحارب بعضها البعض وتساهم بنشر الكراهية بين العرب تحت عنوان (أعطني رئيك بما يحدث ) ...
مسكينة زوجة ذلك الرجل لابد أنه الآن يمارس ضدها كل قوانين العيب والعار وبطولات سي السيد ليثبت لها ولكل من شاهد الفيلم أنه رجل لا يهز له غبار وحامي الديار عنترة المغوار ؛ أو ربما هو يرقد الآن تحت تراب أرض العروبة بعد أن مات كمدآ وقهرآ نادبآ حظه وباكيآ على زمن استبيحت فيه كل المحرمات ؛ وربما هو الآن موظف في المخابرات العامة بعد أن خدمته الواسطة لينتقم من جماهير الشعب العربي البغيضة التي تركته وحيدآ مع مصيبته وهو يرقص عاريآ على قارعة الطريق ؛ أو ربما هو الآن شيخ من شيوخ القاعدة يرتدي الحزام الناسف ويجهز للانتقام ممن ظلمه بقتل شيخ طاعن بالسن أو أرملة غريبة أو طفل رضيع أو وحيد لأمه وأبيه مناديآ بديموقراطية (الموت للجميع )
أينما يكن فلم يعد شيء بالنسبة له يهم في زمن عربي بغيض عنوانه ( ما عاد شيء مهم ) ؛ وظلم يرتدي ثياب الحفاظ على المقدسات يقول وهو يهز العصى رقصني يا جدع على رفات نفوسكم المنكسرة ؛ لتضيع الهوية والأمن والقومية ويعشش الارهاب على أعتابه.
نعمة الحباشنة / عمان / الأردن / 16/6/2010 ( هرطقات من زمن الهروب )