مبارك والجيش.. توافق أم تنافر؟
الجيش يقف متفرجا على ما يجري (الفرنسية)
محمد المختار
بعدما عين الرئيس المصري حسني مبارك مدير المخابرات العامة الجنرال عمر سليمان نائبا له والفريق أحمد شفيق رئيسا للوزراء واحتفظ المشير طنطاوي بموقعه وزيرا للدفاع، بات واضحا لقطاع عريض من المراقبين أن المؤسسة العسكرية المصرية ما تزال الممسكة بزمام الأمور سلطة وشارعا.
وظلت التصريحات التي تطلق من جانب المؤسسة العسكرية مطمئنة كأنها ترد الجميل للسياسيين والمواطنين الذين يحيّون الجيش ويعتبرونه المؤسسة الوطنية الحامية للوطن والمواطن، لا المعبرة بالضرورة عن توجه جديد.
وطوال أيام الاحتجاجات, وقبل خطاب مبارك الليلة الماضية، بدا الجيش -على الأقل- محايدا رغم صمته عن بعض الأمور المستغربة، كمجازر السجون التي كان يقف قريبا منها دون تدخل.
واتجهت الاتهامات من أول يوم إلى قوات الشرطة وأمن الدولة بإشاعة النهب والسلب والفوضى، واستبعد الناس أي دور للجيش في ذلك.
طنطاوي يتفقد القوات المصرية المرابطة
داخل القاهرة (رويترز)
التحول الظاهر
لكن خطاب مبارك والثقة التي أشيعت في الناس بعيد إلقائه، وتدخل الجيش عبر الناطق الرسمي باسمه لاحقا ليطلب من الناس العودة إلى منازلهم وإنهاء الاحتجاجات، أظهر أن الجيش ربما ينتقل من حال المحايد الحريص على حريات المواطنين ظاهرا إلى المنحاز إلى خيارات مبارك.
وما زاد المخاوف في السياق انطلاقُ مارد قوات الأمن المدمرة التي دخلت ميدان التحرير بملابس مدنية مرتدية الدروع وممتطية الخيول والبغال والجمال ومتسلحة بالأسلحة البيضاء ضربا في المحتجين وترويعا للمتظاهرين.
وكان دخولهم -حسب شهود العيان والصور المنقولة مباشرة- من جهة المتحف الوطني حيث يوجد الجيش، ولم يستطيعوا الدخول من الجهات الأخرى، مما يشير إلى إمكانية تسهيل القوات الموجودة هناك لذلك وتغاضيها عنه.
الأغرب أن الجيش الذي تعهد بحماية المحتجين وطلب منهم الحفاظ على الممتلكات الخاصة والعامة فالتزموا، وقف موقف الحياد من الاعتداءات، بل إنه انسحب لاحقا من نقاط التماس وكأنه يتفرج على المعركة.
كما أشاع روحا من التفاؤل بإعلانه تخفيض ساعات حظر التجول، وكأن دواعي ذلك خفت في حين ما زال آلاف المتظاهرين يملؤون ميدان التحرير والميادين المشابهة في الإسكندرية وغيرها من كبريات المدن المصرية.
فهل لدى الجيش أو بعض قياداته الميدانية توجه لفتح معركة بين الأمن -تحت مسمى مؤيدي مبارك- وبين المحتجين، ليضطر الناس للانسحاب إلى بيوتهم، ويتحقق لمبارك ما طالب به في خطاب البارحة؟
"
لا يستبعد أن يقوم الجيش بدور في السيطرة على الأمور بواسطة انقلاب تقليدي، سواء كان انقلاب قصر أو انقلابا من مجموعة متنفذين عسكريين تخرج على سلطة قادتها الممسكين بزمام المؤسسة
"
مكاسب السلطة
بالعودة إلى الوراء ندرك أن الاحتجاجات الحالية تهز موقع الجيش المصري، فالجيش يحكم مصر منذ ثورة يوليو/تموز 1952، ومن حينها توالى العسكر على حكم الدولة التي يمسكون فيها -فضلا عن الأجهزة الأمنية والعسكرية- مناصب المحافظين ومؤسسات عامة كبيرة ومناصب سياسية متعددة.
وكان العارفون ببواطن الأمور يستبعدون أن ينجح مبارك في توريث ولده لا لأنه غير أهل لذلك ولا يستحقه قانونا حسب المعارضة، بل لأن الجيش لا يقبل أن تنتقل السلطة منه إلى مدني وإن كان عسكري ورّثها إياه.
وبعيد انطلاق الاحتجاجات نشر موقع مقرب من الاستخبارات الإسرائيلية أن المشير طنطاوي موجود في واشنطن للتباحث معها حول الحل الممكن ولطلب عونها في دعم نظام مبارك.
وحينها أعلن أيضا عن قطع قائد الجيش المصري الفريق سامي عنان زيارته لواشنطن، وتحدث المراقبون عن حل عسكري بالتوافق بين الجيش والأميركيين.
ظلت تصريحات الأميركيين تدور حول حل يهدف إلى انتقال السلطة تجلى في تعيين نائب الرئيس ورئيس الوزراء ومدير الاستخبارات، ولم تتضح بقية الخطوات إلا مع خطاب مبارك البارحة، وهي الخطوات التي رفضتها المعارضة وكان موقف الجيش الظاهر منها ما تبدى اليوم.
وقبيل الخطاب قالت وكالة الاستخبارات الأميركية إن مبارك قرر عدم الترشح للانتخابات المقبلة، وفقاً لما ذكره مصدر أميركي رفيع المستوى مطلع على مباحثات إدارة الرئيس باراك أوباما حول مصر.
وقال المصدر إن البيت الأبيض أوضح "وعلى أعلى المستويات" أنه يريد من مبارك أن يعلن أنه "لا هو ولا ابنه جمال سيكونان مرشحين رئاسيين في الانتخابات المقبلة" التي ستجرى في سبتمبر/أيلول المقبل, وأن ذلك سيكون بمثابة "خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح".
وكان ذلك ما أعلن في الخطاب صريحا في ما يخص مبارك على الأقل، وهو ما يشير إلى احتمالات التوافق بين الجيش والأميركيين ومبارك كما تردد.
ويحيل كل ذلك إلى سؤالين رئيسيين:
- هل ما جرى اليوم سيكون بداية تخلي الجيش عن حماية حق المواطنين في التظاهر، وبالتالي انحيازه الصريح إلى مبارك؟
- وهل ستتخلى المعارضة عن الرهان على حيادية الجيش وتدخل في صدام معه لا تدرى نتائجه؟
لا يستبعد مع ذلك أن يقوم الجيش بدور في السيطرة على الأمور بواسطة انقلاب تقليدي، سواء كان انقلاب قصر كما كانت تتجه إليه الأنظار في الأيام الأولى، أو كان انقلابا من مجموعة متنفذين عسكريين تخرج على سلطة قادتها الممسكين بزمام المؤسسة.. كل ذلك ستكشف عن احتمالاته الأيام المقبلة.