ميقاتي لـ«الحياة»: معالجة شهود الزور ومذكرات التوقيف السورية تكون بالهدوء
بيروت - غسان شربل، وليد شقير ومحمد شقير
قال الرئيس المكلّف تأليف الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي، إنه يطلب أن يحاسَب على خطواته، وأكد أنه ملتزم بما قرره مؤتمر الحوار الوطني عام 2006 في شأن تحقيق العدالة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، لكن النقطة التي تحتاج الى معالجة هي «تداعيات القرار الاتهامي على لبنان، وهذا الأمر ليس في يدي، بل في إطار حوار وطني وبغطاء عربي وإجماع لبناني».
وأكد ميقاتي في حديث مع «الحياة» أمس، إن علاقته مع زعيم تيار «المستقبل»، رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تمرّ «بغيمة عابرة لكن لا يمكن أن نسمح لأي عاصفة بأن تهب في البيت السنّي». وأوضح أنه يشعر بارتياح مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وأن ترشيحه لرئاسة الحكومة جاء من رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط. وتحدث عن تفهم رئيس البرلمان نبيه بري «لوضعي بأنه لا يمكن لهذه الحكومة أن تكون كيدية».
وإذ كرر ميقاتي نفيه أن يكون قدم التزامات لأي من فريقي الأكثرية الجديدة أو المعارضة الجديدة، شدد على أنه ملتزم بحماية المقاومة. وقال رداً على سؤال عن موقفه من المحكمة الدولية في وقت يعتبر «حزب الله» أنها مؤامرة على المقاومة، إنه، مع التزامه بقرارات الحوار الوطني (عام 2006) في شأن العدالة والحقيقة فإن ما يبحث اليوم هو تداعيات المحكمة وآثارها على لبنان و «لذا أنادي بحوار وطني حول هذا الموضوع وأعتقد أن الرئيس الحريري كان مدركاً لهذا الأمر». وسأل: «لماذا مشى (الحريري) بالمفاوضات في س - س لو لم يكن يريد تحييد الساحة اللبنانية الداخلية عن أي آثار وتداعيات للمحكمة الدولية؟». واستعاد ميقاتي ما قاله الحريري لـ «الحياة» (في 7 كانون الثاني/ يناير) عن أن التسوية في إطار س - س أنجزت، لكنه رفض «الدخول في سجال مع أحد» حول قول الحريري إن س - س انتهت وأنه لن ينفذ من جانبه شيئاً طالما أن الفريق الآخر لم ينفذ ما التزم به.
وأكد ميقاتي أنه هو من يشكل الحكومة «وليس أحد سواي»، إلا أنه أضاف: «لكن أنا دائماً من الأشخاص المرنين».
أجاب ميقاتي على أسئلة «الحياة» كالآتي:
> لديك لقب «دولة الرئيس» من تجربة سابقة، وانت نائب ورجل أعمال ناجح وملياردير، فلماذا جازفت بقبول التكليف بهذا الظرف الصعب؟ هل تحب السلطة إلى هذه الدرجة؟
- الشق الثاني من سؤالك هو الأساس، أي الحس الذي دفعني وأعطاني حيزاً لاتخذ قراراً بالترشح إلى رئاسة الحكومة. الموضوع ليس موضوع سلطة بقدر ما هو مثل ما ذكرت، أنني رئيس سابق ونائب وأتعاطى العمل العام، وبالتالي شعرت بأن هناك واجباً على الإنسان ليقدّمه في وقت معين، حين يرى ملامح لمخاطر على المجتمع اللبناني ووحدة لبنان. كانت لدي قراءة بأن هناك مجموعة متعددة من الفتن والتصدعات داخل البيت اللبناني، ويجب أن يكون هناك موقف مسؤول، وهو أن نأخذ خياراً أولياً نحو وحدة لبنان وتماسك اللبنانيين، لا سيما أن قراءتنا تشمل المنطقة واستقرارها في شكل عام، وموازين القوى غير معروفة فيها، وبالتالي انه الوقت المناسب لأستطيع أن أقوم بأمر ما لئلا أحاسب يوماً ما على عدم قيامي بهذا الأمر بينما في استطاعتي القيام به.
غيمة عابرة مع الحريري
> ألم تشعر بشيء من القلق أن تهزِم الزعيم الأقوى للطائفة السنية في عملية الاستشارات؟
- لا أعتقد أن مفردة هزيمة موجودة في قاموس أي سياسي. السياسة يجب ان تكون فيها مرونة ومصلحة عامة. أنا أؤكد، وعبر «الحياة» بالذات، أن هدفنا، الرئيس سعد الحريري وأنا، على رغم أي غيمة تمر بيننا، هدفنا واحد على صعيدين: أولاً، على صعيد لبنان، الذي تهمنا وحدته واستقراره وبناء دولة قوية فيه. وثانياً، نحن لا يمكن أن نكون، لا الشيخ سعد ولا أنا، سبباً لأي خلاف سني – سني. هذا ما أريد أن أؤكده وأقوله لكل شخص يفكر أو يعتقد أن هذا الخلاف المرحلي يمكن أن يشكل خلافاً سنياً – سنياً. أؤكد مجدداً، نعم هناك غيمة عابرة، لكن لا يمكن أن نسمح لأي عاصفة أن تهب داخل البيت السني. أنا حريص على ذلك، ومتأكد أنه (الحريري) حريص مثلي وأكثر، وطالما أن هدفنا واحد، لا تكون هناك مشكلة داخل البيت السني بتاتاً، علماً أن هناك أموراً كثيرة تجمعنا، وهي أكثر من الأمور التي لا أقول إنها – لا سمح الله – تخلفنا. أوكد أن لا خلاف بيننا، لا على الصعيد الوطني ولا على الصعيد السني ولا على الصعيد الشخصي، وما دمنا بالتالي غير مختلفين، شخصياً أو سياسياً، فلا مجال لأي خلاف. مرحلة تمرّ وبإذن الله تعود الأمور كما كانت ممتازة.
> تقول إن هناك غيمة مع الرئيس الحريري، ولكن جزءاً من القوى التي أيدتك هدفها اقتلاع الحريرية وإقصاء سعد الحريري، والأخطر والأهم هو أن هذه الحكومة موضوعة من قبل حلفائك تحت عنوان: شطب العلاقة اللبنانية مع المحكمة الدولية؟
- أولاً، ذكرت أن حلفائي، أو من سماني، يطلب شطب الحريرية. أنا أطلب ان يحاسب نجيب ميقاتي على عمله وخطواته، وأن يأخذوا في الاعتبار تاريخه ونظرته إلى المستقبل بكل ما للكلمة من معنى، وبالتالي لكل شخص رأي، ولكن أنا في مركز المسؤولية رأيي أن لبنان هذا لا يستطيع فيه أحد أن يقتلع أحداً، ولا يستطيع أحد أن يمحو أحداً. هذا لبنان، وإذا كان هناك من لديه سياسة اقتلاع ومن يريد الآخرون اقتلاعه، ربما يقتلع هو نفسه، أما أن تقتلع فئة فئةً فهذا غير ممكن. انظر في الداخل اللبناني، حيث لدينا مقولة مفادها ان السياسي لا يموت، لذا لا أعتقد أن موضوع الاقتلاع وارد، وبخاصة إذا كان تياراً كبيراً كالتيار الذي يتزعمه الرئيس الحريري.
ثانياً، أنا في موضوع المحكمة عبّرت عن موقفي مرات عدة، وفي أمكنة مختلفة ووسائل إعلام متعددة. المحكمة ذات شقين: شق دولي، وهو متعلق بقرار مجلس الأمن الرقم 1757، وشق محلي. الشق الدولي لا علاقة لنا بمساره، وهو مسار دولي اتُّخذ فيه قرار، وليس بيدنا أي شيء نعمله في هذا الشق. آثار هذا القرار الدولي وانعكاسه على الساحة اللبنانية، حيث اعتبرت فئة من اللبنانيين أن هذا القرار الدولي طُلب من المؤسسات الدولية ومجلس الأمن، وصُنع في غفلة عن هذه الفئة، ومن دون مشاركتها فيه، واعتبرت أيضاً ان هذا القرار مرّ وأقرّ في المؤسسات الدستورية التي لم تكن مشارِكة فيها، ولم يمرّ كما يجب عبر المؤسسات الدستورية، أي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وكانت هي انسحبت من الحكومة التي قامت بهذا العمل من دون مشاركتها ووجودها، فاعتبرت أن هذا الأمر خطيئة كبرى، وأنها كان يجب ان تكون مشارِكة في القرار، لأن انعكاسه على الساحة اللبنانية غير مقبول. ما أقوله أنا هو أن (القرار) الدولي ماش، أما (معالجة) انعكاس آثاره على الساحة اللبنانية فيجب أن يكون بالتروي ضمن حوار وطني وبغطاء عربي وإجماع لبناني. هذا ما أقوله. يأتي فريق ويقول لي عليك أن تلتزم بكذا وكذا وكذا، ويأتي الفريق الآخر ويقول لي عليك أن لا تلتزم بكذا وكذا وكذا. وأنا أقول: ألتزم بما أقوله.
> ألم تلتزم بشيء لـ «حزب الله»؟
- عندما سئلت في المجلس النيابي عن الورقة المقدّمة من «تيار المستقبل» حول هذا الموضوع، كان جوابي: لم ألتزم هنا ولم ألتزم هناك، وما طلبوه لم أره تعجيزياً، لأن لهم الحق بطلبه، كما للفريق الآخر الحق بأن يطلب ما يشاء. الطرف الآخر يقول إن كل هذه الأمور حصلت مع المحكمة الدولية مع دون مشاركتنا، فإما نحن شركاء في الوطن أو لسنا كذلك. أنا أريد أن أفهم الآخرين أيضاً، وهذا لا يعني أنني أريد أن أعرقل العدالة أو أوقف العدالة الدولية. لكن في الوقت نفسه، هناك هاجس لدى فريق من اللبنانيين يقول إنها (المحكمة) أُقرت في غفلة عني، فكيف تريدني أن أعترف بها؟ أنا يهمني استقرار البلد، وآثار هذا القرار وتداعياته عليه. أحاول أن أرى كيف أتعامل معه، وأقدر عبر حوار منطقي وموضوعي أن أبقي لبنان في منأى عن أي صراع نتيجة تداعيات هذا القرار.
> ذكرت أنك التزمت بأمر واحد هو حماية المقاومة، «حزب الله» وحلفاؤه يقولون إن هذه المحكمة هدفها ضرب المقاومة. تحت عنوان التزامك حماية المقاومة، هل يعني ذلك أنك ستقف ضدّ المحكمة حماية للمقاومة إذا ما وجَّهت في القرار الظني شيئاً اعتبره «حزب الله» ضدّ المقاومة؟
- نعم أنا قلت إنني ملتزم حماية المقاومة، لأنني اعتبر أن المقاومة قامت بإنجارات كبيرة جداً، وعلينا نحن في الوقت الحالي أن نحميها، طالما أن إسرائيل لا تزال تخرق أجواءنا ومياهنا، وطالما أن هيئة الحوار الوطني لم تتخذ قراراً بالإجماع، وفيها أيضاً قرار أن سلاح المقاومة حالياً ليس الأساس في الموضوع. ومن الطبيعي ضمن هذا الوفاق اللبناني أن أقول إنني أريد حماية إنجازات المقاومة بكل معنى الكلمة. أما إذا اعتبر «حزب الله» أن القرار الاتهامي للمحكمة يستهدف ضرب المقاومة، فعندنا موضوع العدالة الذي وافقَتْ عليه عام 2006 هيئةُ الحوار الوطني بالإجماع، على أن العدالة أساس ونريد معرفة الحقيقة، وبالتالي أنا ملتزم بما قالته هيئة الحوار في 2006. اليوم النقطة التي نبحث فيها هي تداعيات المحكمة وآثارها على لبنان. والسؤال جزء من هذا الأمر. هل تعتقد أن عندي قفل ومفتاح هذه التداعيات؟ لهذا أدعو إلى حوار وطني. هل في استطاعتي أن أقوم بأي خطوة بعكس إرادة معظم اللبنانيين، أو أن أساير جزءاً من اللبنانيين ضد اللبنانيين الآخرين؟ ما أريد القيام به هو لكل لبنان. لذا أنادي بحوار وطني حقيقي حول هذا الموضوع، بغطاء عربي، لنستطيع أن نرى كيف نوقف هذه التداعيات ونجمع بين كشف الحقيقة والعدالة الحقيقية وبين عدم تسييس هذه المحكمة ووضعها جمرة دائمة بيد اللبنانيين. المطلوب هو الاستقرار. وأعتقد، لنكون واضحين، لا أريد أن أدخل في الـ «س – س» ولا بالصيغ، علماً أن هناك 5 صيغ، ولكن أعتقد أن الرئيس الحريري كان مدركاً لهذا الأمر، وما وصل إليه من مناقشات استغرقت 5 أو 6 أشهر، كان يصب في خانة كيفية تجنيب لبنان أن يكون ساحة لتصفية الحسابات أو الصراعات، لأنه كان يفصل بين العدالة وتحييد الساحة الداخلية اللبنانية. وهذا ليس خطأ أبداً، علماً أنني لا أدخل في تفاصيل الاتفاق، لأنني لست مطلعاً عليه، ولكن أعرف أن هذا كان فحواه. لماذا مشى بهذه المفاوضات لو لم يكن يريد تحييد الساحة اللبنانية الداخلية عن أي آثار وتداعيات للمحكمة الدولية؟
> ذكرت أن هناك صيغاً عدة لـ «س – س»، لكنك قلت إنكم تريدون محاولة إحياء الـ «س – س»...
- (مقاطعاً) بغطاء عربي. لا أستطيع أن أقول أين وصلت المملكة العربية السعودية وسورية. أريد أن استلم الملف وأتابعه مجدداً وأدخل مجدداً في حوار كامل، وغايتي واحدة هي استقرار البلد. ما الغاية من قيامي بأي تحرك عربي إلا الوصول إلى مرحلة الاستقرار؟
> الرئيس الحريري قال إن موضوع «س – س» لم يعد قائماً، وإنه بحِلّ من أي التزام بكل ما قيل في هذا الشأن.
- أين قال هذا الأمر؟
> في بيانات.
- وأين قال إن التسوية أنجزت؟ قالها في جريدة «الحياة». هل لجريدة «الحياة» مصداقية أم لا؟
> قالها قبل الخلاف السياسي حول تنفيذ هذه التسوية التي حصل خلاف عليها؟
- أنا لا أقول إنني أتبنى التسوية أو لا، وأتفهم الرئيس الحريري تماماً، لأنه كان يعتبر أن ثمة شيئاً في التسوية يريد رعايته. صحيح وأتفهمه تماماً. لكن، انت تسألني عن الحافز الذي دفع بالرئيس الحريري إلى السير في الموضوع ليصل إلى مرحلة فشّلتها السياسة كما ذكرت أنت. ما هو الحافز؟ الحافز هو وحدة الصف الداخلي والأمن والاستقرار في البلد.
> ولكن في جريدة «الحياة» قال (الحريري) أيضاً إذا لم ينفذ الفريق الآخر ما اتفق عليه فلست مستعداً لتنفيذ أي خطوة؟
- لا أريد أن أدخل في جدل في هذا الموضوع بتاتاً. أقول إننا متفقون على أننا نريد الاستقرار ووحدة البلد، مع المحافظة على العدالة والحقيقة. أما كيف سيحصل هذا الأمر فيجب أن يجرى حوار وطني. وأريد أن أؤكد مجدداً، أنني لا أريد أن أدخل في جدل مع أحد، وردٍّ من هنا ورد من هناك. المهم عندي، أنني أعلم تماماً ما علي من واجبات، وماذا علي أن أفعل وأقوم به، وأنا متأكد أنه عند الإنجاز سيكون اللبنانيون معي لأن ليس لي أي مصلحة شخصية سوى أن أسعى إلى استقرار هذا البلد ووحدته.
> هل مظلتك العربية في المرحلة المقبلة هي «س – س» أم «س» واحدة، أي سورية؟
- أولاً مظلتي ربّانية، ومن يعرفني في الداخل يعرف ذلك. ثانياً، بغض النظر عن الـ «س – س» والتسميات، أعتقد أن لدي خبرة في الموضوع اللبناني. هل تعتقد أن هناك لبنانياً عاقلاً يستطيع أن يعمل من دون غطاء حقيقي سوري وسعودي في لبنان؟ هل تعتقد أنني أنا العاقل، أريد سوى علاقة ممتازة مع سورية؟ ألا تعتقد أنني أنا تواق إلى علاقة ممتازة مع المملكة العربية السعودية، خصوصاً أنها أعطت لبنان في العقود الماضية، وبخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ لم يكن لبنان في حاجة إلى شيء إلا كانت السعودية إلى جانبه دائماً، ونحن في حاجة كل يوم إلى شيء، فهل يكون رد الجميل للمملكة العربية السعودية بالنكران؟ رد الجميل يكون بالوفاء للمملكة ولخادم الحرمين ولكل من هو مؤتمن على أمور المملكة. في كل لحظة من اللحظات أقول: مطلوب علاقة ممتازة مع السعودية، ومن الطبيعي ان تكون علاقة جيدة وممتازة ويتخللها الراحة والاستقرار بين لبنان وسورية.
> هل صحيح أن المشكلة تكمن في ان العلاقة بين الرئيس بشار الأسد والحريري لم ترسُ على تفاهم بل انتهت الى التنافر، وهذا ما أدى الى إسقاط الحكومة؟
- بصراحة، لست متابعاً لما حصل بين الرئيس الأسد والرئيس الحريري، لكنني من فحوى اللقاءات التي جرت بينهما، كنت دائماً أسمع ان النتائج ايجابية وكانت تسودها روح الصراحة والمحبة والابتسامات وتبادل القبلات. لم يرشح لي أنها كانت سيئة.
> موضوع المذكرات السورية ومسألة الشهود الزور بين القيادة السورية والرئيس الحريري، وقيل إن أحد أخطاء الرئيس الحريري أنه لم يطلب من الرئيس الأسد معالجة ملفي المذكرات والشهود الزور.
- هذا الموضوع أصبح، على ما أعتقد، نوعاً من التحدي بين كل الأطراف، لبنانياً – لبنانياً في مسألة الشهود الزور، ولبنانياً – سورياً في الموضوع الآخر. معالجتي لهذا الموضوع ستكون بهدوء وبعيداً من التحدي، لنرى ما هو الأنسب وما هو القانوني ونقوم به.
> وموضوع المذكرات أيضاً؟
- اليوم أُسأل سؤالاً، فأجيب سياسياً، ولست ملمّاً بتفاصيل هذا الملف. سياسياً أقول: نعم، باستطاعتي متابعة هذا الملف عندما يكون الأمر هادئاً وليس بالتحدي، لكن نستطيع تجاوز هذا الموضوع.
> الرئيس الحريري يعتبر أنه تعرض للخيانة، أنت والنائب وليد جنبلاط كنتما من حلفائه وبدّلتما موقفيكما أثناء الاستشارات، ألم تتخلوا عنه في لحظة حرجة؟
- الأخ سعد عزيز جداً جداً على قلبي، ولا تظن أنه كان قراراً سهلاً عندي. ولكن حينما وجدت أنه مفروض أن نقوم بخطوة لتحييد البلد، وجدت أن تحييد البلد ومحاولة تثبيت الاستقرار فيه أساسيةً بالنسبة إلي. حتماً الموضوع لم أره شخصياً، ولا خيانة، بل رأيته حسّاً وطنياً، وأنا حريص على العلاقة معه (الحريري) وحريص على توضيح هذا الموضوع، لأنه في وقت ما وظرف ما، علي كسياسي أن أتخذ قراراً لمحاولة إنقاذ هذا البلد. دائماً أقول محاولة، لأنني أعي دائماً قدراتي، وآمل ضمن هذه الفرصة بأن أستطيع. إن استطعت، فهذه نعمة من الله ولي أجران، وإن لم استطع فلي أجر واحد.
الوسطية تربية... وهدفي وحدة لبنان
> هل ناقشت مع الرئيس الحريري انطباعه بأنه تعرض للطعن؟
- لا، لم أناقش هذا الموضوع.
> ماذا سيبقى من وسطية الرئيس ميقاتي؟
- الوسطية هي تربية، وليست فقط سياسة، وهي أن تتصرف بموضوعية بأي أمر، طالما أنت تضع هدفاً هو وحدة لبنان ووحدة المسلمين في شكل عام، لأننا اليوم معرضون للفتنة ونرى الأمور كيف تنتقل من مكان الى آخر. هذا الأمر سأضعه في الميزان، وسطيتي، وكل مناي أن تكون حكومة لجمع شمل كل اللبنانيين.
> الذين سموك لم يساعدك أحد منهم، بل يضغطون باتجاه حكومة مواجهة وصراع مع 14 آذار، كيف ستوفق بين هذا وطرحك، ومن هم حلفاؤك؟
-حلفائي اليوم الأكثرية الصامتة، وكل مواطن يسعى إلى استقرار البلد هو حليفي. في السياسة، شعرت بحالة من الارتياح مع رئيس الجمهورية (ميشال سليمان)، نتيجة اجتماعاتنا، فهناك نقاط مشتركة كثيرة بيننا، وأهمها الحفاظ على لبنان والاستقرار فيه ووجوب إعطائه فرصة وان نقوم بأمور أساسية والتعاطي بحلول متطورة مع أمور صعبة كثيرة، ووجوب إعادة النظر في تركيبة الوزارات. هناك أمور عدة أشعر أنني أصبحت في اتفاق مع الرئيس حولها. وهناك كثر يمكن ان أتفق معهم. وبصراحة، شعرت أن هناك أموراً كثيرة تجمعني مع النائب وليد جنبلاط، وكذلك الرئيس (نبيه) بري وتجاوبه وتفهمه لوضعي، وتفهمه إلى أنه لا يمكن ان تكون هناك حكومة كيدية أو مواجهة. أحيِّيه على هذا الأمر، وأقول إن الرئيس بري خير مساعد في هذه المرحلة.
> مَن أول من طرح اسمك للتكليف؟ كيف ظهر اسمك، داخل الحدود او خارجها؟ في أي معسكر؟
- الإشارة الأولى أتتني من وليد جنبلاط، وطلب مني أن أؤدي هذا الدور، وان يكون دوري وطنياً في هذه المرحلة الصعبة، ودوراً استنهاضياً لكل المرحلة، وتابعنا الموضوع.
> والرئيس بري؟
- الرئيس بري تحدث قبل ذلك، وأنا حينها كنت رافضاً تماماً، وكنت أقول هذه المرحلة هي مرحلة سعد الحريري. الرئيس بري تكلم معي قبل 10 أيام من الوزير جنبلاط، لكنني كنت رافضاً نهائياً لكن حين أصبحت الأمور جدية تحدث معي وليد جنبلاط.
> الكل من المعارضة السابقة يتحدث عن حكومة اللون الواحد، حكومة المواجهة؟
- مع احترامي لكل من سماني وشكري لهم، أؤكد مجدداً أن من يقترح تأليف الحكومة هو رئيس الحكومة المكلف، ومن يوقع هذا المرسوم دستورياً هو رئيس الجمهورية وأنا، وبالتالي كل ما يقال لن أرد عليه، لأن كل شخص يتحدث بسياسته، وفي النهاية أتمنى أن تسود سياسة الحكمة وسياسة الهدوء في هذه المرحلة.
> أليس لديك شعور بأن منصب رئاسة مجلس الوزراء أصبح مستضعَفاً، مثل رئيس الجمهورية؟
- حسب الممارسة. مثلاً، اجتمعت بالعماد ميشال عون، وكان اجتماعاً إيجابياً جداً، دخلنا نوعاً ما بتفصيل الوزارات. فكان سؤاله، ما هي الحقائب حصتنا لأعطيك التسميات، فكان جوابي: رجاء، أنت تتمتع بعدد كبير من النخب والقدرات، تعطيني الأسماء مع مواصفاتهم وأنا اختار لكل مرشح، بحسب مواصفاته، الحقيبةَ المناسبة له لكي يكون الشخص المناسب في المكان المناسب. أنا أريد أن يمثل «التيار الوطني الحر»، لكن لا يفرض علي شيء. أنا رئيس الحكومة المكلف بتشكيل فريق عمل أتعاون معه في سبيل نهضة البلد. أنا لا أقبل بأي شكل من الأشكال أن يفرض علي لا أسماء ولا حقائب، وفي الوقت نفسه أنا واقعي. أريد الكل ان يشارك، يعطونني الأسماء وأنا أرى في توزيع الحقائب. تقول لي مستهدفة، أقول لك مستهدفة، لكن أنا أقول لك كيف كان الرد، أنا أشكل وليس احد سواي. أنا نجيب ميقاتي مكلف بموجب كل الأمور الديموقراطية الدستورية. أتشاور معكم، وأريد أن تشاركوا، أعطوني أسماء، أعطوني النخبة لديكم مع مواصفاتها لأرى الشخص المناسب في المكان المناسب.
> هل وضعت احتمال الاعتذار إذا ضُغط عليك ولم يسلَّم بأسلوبك؟
- مثلما أخذت قرار الترشح، يكون في أي لحظة هناك قرار الاعتذار وقرار الاستقالة، هل هي لمصلحة لبنان؟ هذا الأمر آخذه في الاعتبار، هل هي للمصلحة العامة؟ أنا أقول إنني سأسعى جاهداً لتكون حكومة مقبولة لدى كل اللبنانيين.
> نرى أن هناك استهدافاً لرئيس الجمهورية، وهناك مطالبة بأن لا يعطى شيئاً؟
- هناك خلط بين الثوابت والخيارات، وهذا الخلط في السياسة اللبنانية بين الثوابت والخيارات أثر في الطائف والدستور أيضاً. هناك ثابتة أساسية، هي أن رئيس الجمهورية موجود وهو رأس كل السلطات. هذه ثابتة، وأنت حر بخياراتك. كفى خلطاً، كل واحد يخلط خياراته بالثوابت.
> هناك فريق يعتبر أن ميزان القوى في البلاد تغير، وكذلك ميزان القوى الإقليمي...
- (مقاطعاً) ولكن وبالتالي وأنا أكيد يبقى لبنان بتنوعه كما كان منذ التاريخ. ماذا تغير منذ 200 سنة الى اليوم؟ العثمانيون، الانتداب، الاستقلال وبعدها في كل ميزان قوى يتغير، هل تغير لبنان؟ لم يتغير لبنان أبداً.
> هل ظهر شكل الحكومة في حصيلة الاتصالات والمشاورات التي أجريتها؟
- نعم، في ذهني ظهر، ولكن أنا دائماً من الأشخاص المرنين وإذا كان لدى أي شخص فكرة ليحسن الصورة التي لدي، في تظهيرها أنا معه وهذا لا يعني أنني عنيد وأنا لدي صورتي فقط.
> هل الكمأ الذي أطعمته للعماد عون، آت من سورية؟
- لا أعرف مصدرها، سورية أو العراق، لكنه أحبها كثيراً.
> هل لديك شعور بأن الوعود بتسهيل مهمتك تلاشت مع رفع سقف المطالب التوزيرية؟
- عايشتم تشكيل الحكومات كثيراً. ماذا يحصل؟ بداية من التكليف، ثم بعده كل واحد يعلي سقف مطالبه، ثم تتألف الحكومة وبعد 24 ساعة هناك أناس يقبلون وهناك أناس يرفضون وهناك أناس يستقيلون وهناك أناس يعودون عن استقالتهم ثم تمشي الحكومة وتذهب الى البيان الوزاري فجلسة الثقة. بعدها الحكم على الحكومة يكون بأدائها وتصرفها وكيف تكون موجودة ومتابعة. اليوم نعم هناك مطالب، ولكن هل نحن في حاجة الى مجلس وزراء بديل عن مجلس نواب؟ لسنا في حاجة الى هذا الأمر، مجلس النواب يأخذ دوره ومجلس الوزراء يأخذ دوره وهناك فصل سلطات. لا يجوز أن نستبدل مجلس النواب بمجلس الوزراء، الكل يريد أن يتمثل مستحيل. لدينا 22 حقيبة علينا توزيعها.
لم أفقد الأمل في مشاركة «14 آذار»
> لا مكان لـ 14 آذار؟
- إذا قرر 14 آذار الدخول. الأساس هو أن يقرر.
> هل فقدت الأمل من اشتراكهم؟
- لا.
> هم يسألون عن ضمانات، كالثلث الضامن، وانت ترفض ذلك؟
- لنتحدث منطقياً. هل أفضل للمرء أن يكون في الداخل أم في الخارج؟ الأفضل لنا جميعاً أن نكون جميعاً على الطاولة، ورجاء عدم شخصنة أي أمر. لدينا حرية التصرف كما نشاء، وندائي أن الوقت حان لنتعاون جميعاً من أجل هذا الوطن لما فيه الخير، لا أن يتجاذب كل شخص ويشد الأمر إليه أكثر. إذا بقينا نشد كل باتجاهه فسيتمزق هذا النسيج اللبناني، وأياكم أن يمزق هذا النسيج اللبناني. ندائي أن مكان 14 آذار محفوظ وأن يكونوا موجودين. ليس لأنهم 14 وهناك 8، بل لأننا في حاجة لكل شخص لنهضة هذا البلد.
> ثمة من يقول إنك تريدهم «ماكياج»؟
- حين تطرح مسألة على طاولة مجلس الوزراء، هل يكون الرأي بالدستور أو بالأوزان؟ بالأوزان.
> انت صديق للرئيس الأسد، هل حصلت على وعد بالتسهيل يبدأ بمعالجة المذكرات مثلاً؟ هل هناك هدية سورية؟
- صدقاً، لم يحصل أي حديث بيني وبين الرئيس الأسد الذي التقيته قبل استقالة الوزراء الـ 11. لم التقه منذ ما قبل رأس السنة، وبالتالي لا أستطيع أن أقول لك إن هناك وعداً لدي، لكن حتماً نريد أن نبني علاقة ثقة مع سورية وان تكون هناك مقاربة جديدة. العلاقات الديبلوماسية عامل صحي جداً وأهم مؤشر للاعتراف بسيادة لبنان واستقلاله، ولكن علينا ان نتعظ من الماضي ونستخلص منه العبر. لا احد لم يخطئ في هذه العلاقة، نحن أخطأنا والسوري أخطأ، وبالتالي علينا ان نتعظ من الماضي ونأخذ العبر ونبدأ ببناء علاقة صحية بين دولتين بكل ما للكلمة من معنى. أنا لا أعتقد أن لسورية أطماعاً بلبنان، وأكيد أن لا لبناني يريد التآمر على سورية. هذه إذا استطعنا تركيبها معاً نكون نجحنا.
> هل انت قلق على الوضع في المنطقة؟ وما تأثيره علينا؟
- حتى الآن القراءة لمصر، هناك أفكار متعددة عما يجرى هناك. أولاً ما من شخص إلا وينحني لإرادة الشعب المصري وهو أدرى بنفسه، ولكن مصر أم الدنيا، ونعرف أن لها دوراً كبيراً في العالم العربي والإسلامي، وتغيبها عن المنطقة سيكون انعكاسه كبيراً وسلبياً. نتمنى أن يحصل نوع من استقرار في أسرع وقت لتعود الى أداء دورها الطبيعي ضمن العالم العربي والعالم الإسلامي. من يكون؟ هذا شأن مصري بحت ونحن لا نتدخل في شؤون غيرنا وتكفينا شؤوننا وهمومنا ونشكر كل الذين يساعدوننا في استقرار هذا البلد، لأننا في حاجة الى كل شخص من اجل الاستقرار.