خيباتنا المتلاحقة!
جميل السلحوت
ترددت كثيرا قبل كتابة هذا الموضوع لكن الخوف من الفتنة التي تشتعل نيرانها هو من أملى عليّ ضرورة الكتابة، ففي الوقت الذي يقبع أكثر من سبعة آلاف أسير فلسطيني وعربي في سجون الاحتلال، بينهم أطفال ونساء ومرضى، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها لا تصلح لعيش البشر، نجد مع الأسف معتقلين سياسيين في سجون السلطة في الضفة الغربية، وفي سجون"إمارة" حماس في قطاع غزة، وهذا آخر ما يتوقعه أيّ فلسطيني شريف، أن تكون هناك اعتقالات سياسية على أيد فلسطينية وفي سجون فلسطينية!!.
واذا كان الانشقاق، ولا يزال وسيبقى، لعنة في التاريخ الفلسطيني، فإن الاعتقالات السياسية على خلفية الرأي تشكل لعنات متلاحقة، لكن المحزن أنه بدل تكريس الحملات الإعلامية والسياسية والجماهيرية للتضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال، والعمل على إطلاق سراحهم، فإن الإعلام الفلسطيني في سجال محزن حول المعتقلين في السجون الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وما يتعرضون له من تعذيب يبالغ الإعلام في وصفه لدرجة تجعل من شعبنا مجرما بحق نفسه.
فهل يُعقل أن يتحول الضحية إلى جلاد لنفسه؟ فشعبنا ضحية للاحتلال وممارساته واستمراريته، هذا الاحتلال الذي أهلك البشر والشجر والحجر.. فهل يكفينا ذلك؟ وهل تتوحد الجهود للخلاص من هذا الاحتلال وشروره؟ لكن وللأسف فإن الصراع على سلطة تحت الاحتلال قاد إلى انشقاق خطير على الساحة الفلسطينية، وقاد إلى إراقة دماء فلسطينية بأيد فلسطينية، وقاد إلى اعتقالات لا مبرر لها.
وصاحب ذلك حملات إعلامية لتزيد نار الفتنة.. فهل يتقي الإعلاميون ربهم في شعبهم ووطنهم؟ وهل يرحمنا إخوتنا في الخارج، فلسطينيون وعربا، "من هذا الحبّ القاسي" بانجرارهم إلى تغذية الانشقاق وتوابعه من خلال معلوماتهم غير الصحيحة عما يجري على الساحة الفلسطينية؟!.
ولعل شرارة الفتنة الداخلية ابتدأت بانقلاب حماس في قطاع غزة على الشرعية الفلسطينية في حزيران 2006، وما أعقب ذلك من ويلات حلت بقضيتنا وشعبنا خصوصا في قطاع غزة، ولا تزال جهود الوساطة لإعادة اللحمة متعثرة تنفيذا لأجندة إقليمية، والمستفيد من ذلك هو الاحتلال الذي يرسخ أقدامه بالمزيد من مصادرة الأراضي والاستيطان في الضفة الغربية وجوهرتها القدس الشريف.
والإعلام الفلسطيني بدلا من أن يكرس طاقاته لفضح ممارسات الاحتلال بحق شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، فإنه منشق على نفسه، ويبالغ في وصف خيباتنا وهزائمنا بانحيازه إلى أحد طرفي الانشقاق، ومن المحزن استشهاد شاب فلسطيني قبل يومين برصاص جنود الاحتلال دون سبب، وقبله بيوم تستشهد امرأة بالغاز السام الذي يطلقه جنود الاحتلال على المظاهرات السلمية، ولا يحظيان بتغطية إعلامية لائقة، لأن إعلامنا مشغول بالمعتقلين في السجون الفلسطينية.. ومهاجمة بعضهما البعض.