الرصاصة الثانية..!!

الرصاصة الثانية..!!

تحسين ياسين

على ما يبدو أن الخلاف الفتحاوي- الفتحاوي بدأ يظهر جليا في الأيام الأخيرة بعد الخلاف الذي دب بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد دحلان، واتخاذ عباس بعض الإجراءات العقابية بحق دحلان تمثلت بإقصاء الأخير من عدة مواقع كان يشغلها، وسحب الحراسة عن بيته في رام الله وإغلاق قناته "الغد" الفضائية التي كان من المقرر أن تبدأ عملها في الوقت القريب، والإيعاز إلى اللجنة المركزية لحركة "فتح" بالمباشرة بتكليف مفوض جديد للإعلام في اللجنة المركزية للحركة، وتقديم دحلان إلى لجنة تحقيق مكونة من أبو ماهر غنيم وعزام الأحمد وعثمان أبو غربية للتحقيق بتجاوزاته ومصدر ثروته، واستدعاء عدد من الضباط في جهاز الأمن الوقائي من المحافظات الشمالية والتحقيق معهم حول ارتباطهم بدحلان وتشكيل مليشيات وشراء اسلحة ومن ثم تسريحهم.

لعل تعنت الرئيس عباس ورفضه وساطة عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" أبو ماهر غنيم لرأب الصدع بين الرجلين، دليل على الهوة الكبيرة التي أحدثها دحلان بحق الرئيس والقيادة الفلسطنية، حيث دار الحديث بين أوساط فلسطينية عن ظهور بعض التسجيلات لدحلان يظهر فيها تطاوله على الرئيس ونعته بالضعيف، واهتمامه بمصالح أبنائه الاقتصادية، وأيضا التحريض عليه بين أوساط دبلوماسية أوروبية.

من كل ما يتقدم تطفُو على السطح عدة أسئلة، لماذا لم يحقق الرئيس من قبل في تجاوزات دحلان ومصدر ثروته؟ ولماذا عندما تعلق الأمر بشخصه "الرئيس" والكواليس التي تحدث بالخفاء ضده اتخذ هذه الإجراءات؟ وهل فقط دحلان الوحيد الذي لديه تجاوزات من رجالات السلطة؟

في مطلع هذا العام الذي شارف على الانتهاء، أطلق فهمي شبانة الضابط في جهاز المخابرات الفلسطنية رصاصات من العيار الثقيل على السلطة، حين كشف تجاوزات بعض المسؤولين فيها تتعلق بسرقة أموال وفضائح جنسية طفا على سطحها شريط يظهر فيه رئيس ديوان الرئاسة رفيق الحسيني بصحبة سيدتين في شقة بمدينة القدس كان قد حاول ابتزازا إحداهما جنسيا، وأيضا تطاوله على شخصي الرئيس عباس والراحل أبو عمار ونعتهم ببعض الصفات النابية.

لقد أطلق دحلان النار على الفلسطينين مرتين، الأولى عندما كان يتربع على عرش رئاسة الأمن الوقائي في قطاع غزة، فتجاوزاته الكثيرة بحق المواطنين هناك قادت إلى الاشتباك مع "حماس"، وانتهى بإستيلاء الأخيرة على مقرات السلطة في القطاع وطرده مع قيادات "فتح" إلى الضفة، والمرة الثانية عندما كان يسعى إلى تتويج مكانته في حركة "فتح" بتشكيل مليشيات مسلحة تحت مسميات كثيرة قادت إلى انفلات أمني روعت مواطني الضفة، وفيما بعد تم دمجهم في مؤسسات السلطة.

وبإعتراف بعض الضباط في أجهزة الأمن الوقائي وعن علاقتهم بدحلان ودعمه لهم وشراء أسلحة يضع الموقف على المحك في تطلعات الأخير ومساعيه إلى أبعد من تكريس مكانة يتمتع بها كثير من الشخصيات الفلسطنية داخل "فتح" أو أجهزة السلطة. فإشارة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قبل شهرين إلى تخطيط دحلان مع بعض قيادات السلطة، من بينهم جبريل الرجوب وناصر القدوة والأسير مروان البرغوثي، لاستبدال الرئيس بناصر القدوة يكون بذلك أعلن طلاقه البائن بينونة كبرى من حركة "فتح".

خطوتا الرئيس عباس في هذا العام بإقالة رفيق الحسيني من منصبه والتضييق على دحلان ورفضه التساهل معه، تستحق التثمين ليس من قبيل الحفاظ على سمعة السلطة ومكانتها المهزوزة، بل هي بداية لوضع العصي في دواليب الذين يركبون عرباتهم دون فرامل وسط زحمة من الناس غير آبهين بأرواحهم وهمُهم الوحيد الوصول إلى المحطة التي يريدونها.

باعتقادي أن هناك الكثير من المسؤولين داخل السلطة غارقين من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم بالتجاوزات بحق الرئيس وبحق الشعب، ولا نعرف في الأيام القادمة على من سيُطلق الرصاص؟!.