صحافي «نيويوركر» رئيس مؤسسة أميركا الجديدة: «حروب الأشباح» أطلقت مارد الجهاديين من القمقم
ستيف كول الحائز جائزة بوليتزر مرتين لـ «الشرق الأوسط»: حدثت لي مطاردات بسبب الصحافة الاستقصائية.. ووجدت هذا العمل ممتعا وله قيمة في المجتمع
ستيف كول
محمد الشافعي
حصل ستيف كول رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أميركا الجديدة» مرتين على جائزة بوليتزر في المجال الصحافي، وهو المؤلف والكاتب الذي كان قد نشر كتابات موسعة في مجلة «ذا نيويوركر» عن أفغانستان، وهو أيضا مدير تحرير سابق لـ«واشنطن بوست» وحاليا يعمل في مجلة «نيويوركر» ويكتب في العديد من الصحف والمجلات الأميركية، وهو خبير إعلامي أشرف على العديد من الندوات بعضها عقد في دول عربية ناقشت طرق وأساليب تنفيذ التحقيق الصحافي من وحي الخبرات المعمول بها في «واشنطن بوست»، التي شغل مدير تحريرها لسنوات. ويرسم ستيف كول في كتابه «أسرة بن لادن» صورا متعددة لأسرة بن لادن، تبدأ مع محمد بن لادن وتنتهي مع أسامة الذي ينتقل إليه الكاتب بشكل رئيسي في الفصل الأخير من هذا الكتاب. ويوضح ستيف كول بكثير من الأمثلة المفصلة وبصورة جلية وواضحة جدا في بعض المواضع تحول هذا الابن الذي كان معجبا بأبيه إلى أمير إرهابي منبوذ، كما يحاول إيجاد منطلقات في الفترة المبكرة من شباب أسامة كان لديه فيها اتصالات مع معلمين وعقائديين إسلامويين، كما أنه يضع أسامة باستمرار في موضع النقيض لإخوته ذوي الميول الغربية أو الأميركية. ومن أبرز كتب كول أيضا «حروب الأشباح»، الذي كتبه قبل هجمات سبتمبر (أيلول) وفيه يرسم عالما مدهشا يختلط فيه تاريخ الحروب الفاصل مثل حرب أفغانستان بأعمال المخابرات، وبتكوين واحدة من أخطر شبكات الإرهاب في أرجاء العالم، وبالتكوين الوظيفي لرجل المخابرات الأميركي وعلاقته بالساسة الأميركيين وأصحاب القرار فيها. لكن أهم ما يتتبعه الكتاب في الحقيقة هو الدور الجوهري الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية من خلال المخابرات في دفع ودعم وزيادة نفوذ القوى الإسلامية في أفغانستان على مدى عشر سنوات.. وهو ما كان هدفا استراتيجيا ملحا لتأثيره القوي في ميزان القوى بين الولايات المتحدة والقوى العظمى المنافسة آنذاك، الاتحاد السوفياتي. فقد أطلقت الولايات المتحدة المارد من القمقم، ثم فقدت السيطرة عليه، والآن، تحاول الولايات المتحدة بشتى الطرق علاج ما أفسدته.. عن طريق الكثير من الاستراتيجيات سواء ما بدأ في أفغانستان أو ما حدث في العراق لاحقا وما تحاول فعله الآن في منطقة الشرق الأوسط من إصلاحات سياسية وتبني الديمقراطية التي أدى قمعها إلى تنامي وتصاعد قوى الإسلام السياسي في العالم العربي بشكل كبير خلال العقد الأخير. ويبدو من التفاصيل التي تناولها الكتاب أن أميركا كانت تدرك أنها تلعب بالنار، لكنها لم تقدر حجم اللهب، وعندما انتبهت كانت الأمور قد أصبحت خارج السيطرة.
وعندما أرسلت «الشرق الأوسط» إلى ستيف كول طلبا لإجراء حوار صحافي معه لملحق الإعلام عبر البريد الإلكتروني، سأل أولا عن الميعاد المطلب «الديد لاين»، وكانت الأجوبة جاهزة ومرسلة في أقل من 24 ساعة مع عدد من الصور الخاصة. وجاء الحوار معه على النحو التالي:
* ما أول شيء جذبك للعمل في مجال الصحافة الاستقصائية؟
- كنت محظوظا عقب الدراسة الجامعية، لأني عثرت على وظيفة ضمن مجموعة صحافة تحقيقية تعمل مع التلفزيون العام داخل لوس أنجليس. وعلمني الصحافيون الاستقصائيون بها كيفية استخدام السجلات العامة وسجلات الأراضي وإجراء المقابلة من أجل تناول عمليات الاحتيال التجارية المعقدة والعجز الحكومي الذي يلحق ضررا بالمواطنين العاديين. وقمنا بتحقيقات حول بنوك ومؤسسات وإدارات حكومية في قضايا متنوعة، وحدثت لي مطاردات. وقد وجدت هذا العمل ممتعا وله قيمة.
* هل لك أن تخبرنا شيئا عن عملك داخل مؤسسة أميركا الجديدة؟
- مؤسسة «أميركا الجديدة» عبارة عن مؤسسة بحثية مستقلة، وأنا ضمن عدد من الصحافيين يعملون بها. وعلى ضوء الضغوط المالية على الصحف، نرغب في بناء أشكال جديدة من المؤسسات البحثية من أجل تنفيذ عمل جاد. ومع بيتر بيرغن وزملاء آخرين أجري عمليات بحث بمؤسسة أميركا الجديدة حول سياسات مكافحة الإرهاب الأميركية والحرب الدائرة داخل أفغانستان وباكستان ومواضيع أخرى عملت عليها على مدار أعوام.
* الكثير من كتبك التي حازت على جوائز تتناول مساحة كبيرة من العناوين المختلفة وتركز على مواقع جغرافية مختلفة. كيف تتعامل مع هذه العناوين، وما هي العقبات التي تواجهها خلال سعيك إلى تجميع المعلومات اللازمة؟
- أبحث بالأساس عن مواضيع هامة صعبة التناول، بالإضافة إلى مواضيع تميل إلى التقارير المتعمقة وأسلوب السرد القصصي. كما أهتم بالمشروعات التي تتناول مواضيع معقدة، التي قد تساعدني فيها خبراتي المتعلقة بمناطق النزاع والقضايا المالية والسياسات الحكومية والاستخباراتية لأكتب شيئا له قيمة. وقد تبدو المواضيع التي أكتب عنها متنوعة، ولكنها دائما ما تشتمل على عنصر المال والسلطة بصورة أو بأخرى. وبالنسبة إلى التحديات، فإنه لسبب ما يتراءى لي أني اختار مواضيع يصعب فيها كسب تعاون الأفراد أو المؤسسات التي أكتب عنها. وفي مرحلة، لن أمانع اختيار موضوع أجد فيها تعاونا من الأطراف ذات الصلة.
* أي من أعمالك التحقيقية أو من بين كتبك تعتبر أن لها أثرا كبيرا، سواء عليك أو على قرائك؟ وأيهم وجدت تحديا في كتابته؟
- ربما يكون كتاب «حروب الأشباح» هو ما جذب أكبر عدد من القراء بمختلف أنحاء العالم. وقد أشبع هذا الكتاب رغباتي لأني قضيت وقتا طويلا من قبل خلال حياتي المهنية أتناول مشكلة الجهاديين داخل باكستان وأفغانستان ولكن من دون أن يحظى هذا باهتمام كبير خارج إطار المتخصصين في مثل هذه القضايا. ولكن حتى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم أتوقع أن يجد الكتاب مثل هذا الجمهور الكبير - وقد أدهشني ذلك لأن الكتاب كانت به الكثير من التفاصيل، وكان طويلا.
* الكتب التي بدأت بها تتناول مواضيع اقتصادية، ما الذي دفعك للتحول إلى العلاقات الدولية والأمن؟
- بدأت العمل كصحافي تحقيقات يتناول قضايا مالية وقانونية وأخرى متعلقة بعمليات الاحتيال. وبعد ذلك تمكنت من العمل بصحيفة «واشنطن بوست»، وأردت أن أصبح مراسلا أجنبيا، وذهبت بالفعل إلى الهند وبعد ذلك إلى لندن، وهناك بدأت تغطية مواضيع أمنية ودولية. والآن أتناول كافة الجوانب في كتبي، كما فعلت في كتاب «عائلة بن لادن». وفي الوقت الحالي أؤلف كتابا عن النفط والسياسة الأجنبية الأميركية ويشمل مزيجا من العمل الصحافي التحقيقي حيث يتناول قضايا مالية وأخرى مرتبطة بالأمن القومي.
* هل توجد منطقة محددة أو موضوع بعينه ترغب بصورة شخصية في تناوله؟ أم يعتمد ذلك على المكان الذي يوجد فيه الموضوع؟
- لا تزال جنوب آسيا - وأعني تحديدا الهند وباكستان وأفغانستان - محل اهتمامي، فبعد مرور عشرين عاما على رحيلي من هناك، أتمنى العودة للعمل داخل هذه المنطقة لأعوام مقبلة.
* لقد مارست العديد من المهن المختلفة، مثل الصحافة والكتابة والعمل كرئيس لمؤسسة أميركا الجديدة، ولكن أي من هذه الأعمال جذبتك؟ ولماذا؟
- أرى نفسي بالأساس صحافيا، وقد كنت محظوظا لأني توليت مناصب قيادية داخل صحيفة «واشنطن بوست» ومؤسسة «أميركا الجديدة». وأستمتع بتحدي مساعدة الصحافيين الآخرين والباحثين ليقوموا بأعمالهم داخل بيئة ناجحة تساعد على الابتكار. ولكني أحب حياة السفر والتقارير والكتابة في مشروعات خاصة بي وأتمنى القيام بذلك لأعوام.
* قطعت ويكيليكس خطوات كبيرة في مجال حرية التعبير والمعلومات، هل تعتقد أن المعلومات التي نشرت ربما تمثل تهديدا للأمن القومي؟ وما المعلومات التي يجب أن تكون متاحة أمام الرأي العام؟
- بصورة عامة أعتقد أن الشفافية والقدرة على الحصول على المعلومات داخل أي دولة ديمقراطية شيء صحي ويجب التشجيع على القيام بذلك. وتعد «ويكيليكس» تجربة مثيرة، وقد اتسم بعض العمل فيها بالمسؤولية، فيما كان البعض الآخر غير مسؤول، في رأيي. وبصورة عامة لدى «ويكيليكس» الإمكانات التي تؤهلها لتقديم مساهمات إيجابية إذا كانت راغبة في العمل في إطار القانون. لدى الحكومات أسرار مشروعة، وهي تلك الأسرار التي يجب الحفاظ عليها من أجل المحافظة على أمن المواطنين أو المدافعة عن مصالح وطنية مشروعة، مما يعني رفاهية المواطنين العاديين. ولكن تتجه الحكومات إلى الإبقاء على كمية من المعلومات في إطار السرية أكثر مما ينبغي من أجل تحقيق أهداف معينة. ويفترض أن دور الصحافيين والمواطنين محاسبة الحكومات على جميع قراراتهم.
* على ضوء الاستخدام الواسع للإنترنت، هل تعتقد أن الصحف المطبوعة والكتب تواجه تهديدا؟ وما رأيك في مقترح فرض رسوم مقابل الإطلاع على المحتوى الخبري على شبكة الإنترنت بدلا من ترك المعلومات متاحة مجانا؟
- قال صديق لي في إحدى المرات مازحا: «تريد المعلومات أن تكون مجانية، ولكن يريد الصحافيون الحصول على رواتب». وهذا أمر حقيقي. ومن الواضح أن الثورة في مجال النشر والتي تسببت فيها التكنولوجيا الرقمية لم تنته بعد. ويبدو أن المنتجات المطبوعة التي تعتمد على الإعلانات ستواجه أوقاتا عصيبة خلال العقد المقبل - وليس الصحف وحدها، فهناك المجلات أيضا. وعلى ضوء هوسي بجهاز آي باد، أتمنى أن يساعد انتشار الأجهزة اللوحية الإلكترونية على التغلب على بعض من هذه التحديات ويجعل من السهل على المزيد من الصحافيين الجادين كسب قوت يومهم من خلال عملهم.
* في رأيك ما مدى أهمية الحصول على درجة علمية، ولا سيما أن الزيادة في الرسوم ستؤدي إلى عدد أقل من الراغبين في الحصول على هذه المؤهلات، وما هي السمات الأخرى التي يجب توافرها في الشخص كي يكون صحافيا؟
- من المهم تعلم كيفية القراءة والتفكير والكتابة، ويعني ذلك داخل أميركا الحصول على الأقل على درجة جامعية. لم أدرس يوما الصحافة بشكل رسمي - فقد كانت دراستي الجامعية للأدب الإنجليزي والتاريخ - وأقدر أني منحاز في تفكيري إلى اعتبار الدرجات الصحافية غير ضرورية دوما. ويحتاج الصحافيون إلى تعلم الكثير من المهارات خلال العمل، ولكن الكثير من أفضل الصحافيين الذين عرفتهم مارسوا عملهم بعد دراسة جادة للشؤون السياسية والأدب والتاريخ، وما إلى ذلك، وهو ما ساعدهم على التفكير بصورة جادة حول الأشياء التي لها أهمية كبيرة وسبب ذلك.
* هل ترغب في توجيه نصيحة أخيرة إلى الصحافيين العرب الطموحين؟
- أعتقد أن الحكومات والمجتمعات العربية تشهد تغيرات وانفتاحا هاما خلال الأعوام العشرة أو العشرين المقبلة، حيث يظهر جيل جديد من الشباب ويطرحون تساؤلات حول تعزيز مجتمعاتهم. وقد رأينا هذا التغير يحدث في أجزاء من العالم - آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا. وعندما يتم، سيكون هناك دور محوري للصحافيين في طرح التساؤلات وتناول المشكلات الصعبة. وأتمنى أن أرى الصحافة العربية تلعب دورا هاما خلال الأعوام المقبلة.
* ستيف كول في سطور
* يشغل ستيف كول منصب رئيس مؤسسة «أميركا الجديدة» ويساهم بكتاباته في مجلة «نيويوركر». وقضى 20 عاما مراسلا للشؤون الخارجية ومحررا بارزا بصحيفة «واشنطن بوست»، وشغل منصب مدير التحرير بالصحيفة في الفترة من 1998 حتى 2004. وألف كول ستة كتب، من بينها «صفقة القرن: انهيار إيه تي آند تي» عام 1986 وكتاب «الحصول على جيتي أويل» عام 1987 و«نسر في الشارع» الذي يعتمد على تقرير فائز بجائزة بوليتزر لمعركة لجنة البورصة الأميركية مع وول ستريت (مع ديفيد فايز عام 1991) و«رحلة في جنوب آسيا» عام 1994 وكتاب «حروب الأشباح: التاريخ السري لوكالة الاستخبارات المركزية وأفغانستان وبن لادن من الغزو السوفياتي حتى 10 سبتمبر 2001» عام 2004. و«عائلة بن لادن: عائلة عربية في القرن الأميركي» عام 2008.
وحصل كول على جوائز مهنية من بينها جائزة بوليتزر مرتين. وحصل على الأولى لتميزه في الصحافة الاستقصائية عام 1998 ولسلسلته مع ديفيد فايز عن لجنة البورصة الأميركية. وحصل على الثانية عام 2005 كتابه «حروب الأشباح»، الذي حصل أيضا على جائزة آرثر روس التابعة لمجلس العلاقات الخارجية وجائزة نادي الصحافة في الخارج وجائزة ليونل غلبر لأفضل كتاب نشر عن الشؤون الخارجية خلال 2004.
ومن الجوائز الأخرى التي حصل عليها جائزة ليفينغستون عام 1992 لأبرز تقرير خارجي وجائزة روبرت كيندي التذكارية عام 2000 لتغطيته الحرب الأهلية داخل سيراليون وجائزة أخرى تابعة لنادي الصحافة في الخارج للكتابة داخل مجلة دولية. ويعيش داخل واشنطن دي سي ونيويورك.
وهو أول صحافي استقصائي يهتم بالشؤون الدولية بصحيفة «واشنطن بوست» من لندن، وقضى عددا من الأعوام كمراسل في جنوب آسيا. وفي 1990 حصل على جائزة بوليتزر بالمشاركة مع ديفيد فايز لسلسلة من المقالات عن لجنة البورصة الأميركية.
ولد ستيف كول في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 1958 داخل واشنطن دي سي. وهو كاتب وصحافي أميركي حصل على جائزة بوليتزر. وأصبح رئيسا لمؤسسة «أميركا الجديدة» في 17 سبتمبر 2007. وعمل محررا مشاركا بصحيفة «واشنطن بوست» في الفترة من نهاية 2004 حتى أغسطس 2005. ولديه مدونة على موقع «نيويوركر» الإلكتروني تحت عنوان «Think Tank»، ويكتب عليها بالأساس قضايا مرتبطة بالسياسة الخارجية والعامة والأمن القومي الأميركي.
وقد بدأ كول حياته المهنية كصحافي في مجلة «كاليفورنيا»، حيث أصبح في النهاية محررا مساهما. وبدأ العمل داخل «واشنطن بوست» في التحقيقات عام 1985 في ملحق «الأناقة»، وسرعان ما ترقى ليصبح مراسلا اقتصاديا داخل نيويورك عام 1987. وبعد ذلك انتقل إلى نيودلهي عام 1989، ليصبح رئيس مكتب صحيفة «واشنطن بوست» داخل جنوب آسيا. وفي الفترة من 1995 - 1998 عمل لدى مجلة «واشنطن بوست»، وعمل كناشر في 1996. وفي 23 يوليو (تموز) 2007 اختير كول رئيسا لمؤسسة «أميركا الجديدة»، وهي مؤسسة غير ربحية غير حزبية مقرها داخل واشنطن دي سي. ونقل عنه في مقال نشر داخل صحيفة «نيويورك تايمز»: «يجب أن تملأ المؤسسات غير الربحية بعضا من المساحة التي تتركها الصحف حتما وراءها» مع التغيرات داخل القطاع. ودخل كتابه «عائلة بن لادن» المرحلة الأخيرة في مسابقة الفوز بجائزة «ناشونال بوك كريتكس سيركل» عام 2008.