2011.. انطلاقة غير مسبوقة لصناعة التمويل الإسلامي
طوى عام 2010 مع آخر أيامه صفحة نجاح لصناعة التمويل الإسلامي التي قاربت أصول مؤسساتها 700 مليار دولار محققة نمواً يشي بمؤشرات نجاح في عام 2011.
وباستطلاع توقعات الخبراء بالنسبة للتمويل الإسلامي في 2011 فإنه من المنتظر أن تقود المصرفية الإسلامية قاطرة النمو الذي يرى المراقبون أنه سيكون نمواً ضخماً خلال الخمس سنوات القادمة. أما الأصول المطابقة للشريعة فإنه ينتظر أن تصل إلى 2.5 في المئة من حجم الأصول المصرفية العالمية في عام 2011. مع ارتفاع ملحوظ في عدد وحجم الصناديق الإسلامية والصكوك بمعدلات نمو غير مسبوقة. ولا يختلف الحال بالنسبة للتأمين التعاوني.
ومن المنتظر أن يشهد العام الجديد دخول لاعبين جدد في صناعة التمويل الإسلامي، سواء أكانت دولاً تدخل غمار تلك الصناعة للمرة الأولى، أم دولاً كانت تشارك على استحياء إلا أن النمو المتسارع شجعها على الدخول بثقلها.
يرى الخبراء المصرفيون أن الخط البياني لصناعة التمويل الإسلامي سيواصل صعوده، ولا سيما بعد النتائج المبشرة التي تحققت في 2010. وقد أسفر حصاد العام المنصرم عن وجود أكثر من 300 مؤسسة مالية إسلامية منتشرة في أكثر من 75 بلداً. وارتفعت أصول المؤسسات المالية الإسلامية من 822 مليار دولار في عام 2009 إلى 895 مليار دولار في عام 2010 بنسبة 8.85 في المئة ، فيما أشارت بعض الدراسات إلى أن معدل النمو السنوي المركب CAGR للمؤسسات المالية الإسلامية وصل إلى 23.46 في المئة خلال الفترة بين عامي 2006 و2010.
توجه خليجي نحو الصناديق الآسيوية
فيما يخص الصناديق الإسلامية فإن حساب معدل النمو السنوي المركب للفترة بين 2010 و2013 يتوقع أن يصل إلى 25 في المئة ؛ حيث بلغ عدد الصناديق التي تم إطلاقها 83 في عام 2010 صندوقاً ينتظر أن تزداد ليصل عددها إلى 96 في عام 2011. وتواصل ارتفاعها المتوقع إلى 110 و170 في عامي 2012 و2013 على الترتيب. وتجدر الإشارة إلى أن السعودية تحتل المركز الأول من حيث حجم الأموال التي تديرها حيث تحوز 147 صندوقا، تدير نحو 18 مليار دولار، في حين أن ماليزيا لديها 194 صندوقا تدير أكثر من 8.6 مليار دولار طبقاً لما أورده تقرير صدر عن مؤسسة "ليبر" للأبحاث. ومن المرجح أن يشهد عام 2011 توجه المستثمر الخليجي إلى الصناديق الآسيوية التي يتوقع أن تزيد مع زيادة إقبال المستثمرين على هذه الأداة المالية بحسب تأكيد رافع حنيف الرئيس التنفيذي الجديد لبنك HSBC أمانة الماليزي.
وأكد أن السوق الآسيوية ستشهد مزيداً من صناديق الاستثمار العقاري المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في أوائل عام 2011 مع زيادة إقبال المستثمرين على هذه الأداة المالية. وأشار إلى أن صندوق "سابانا" أول صندوق إسلامي سنغافوري للاستثمار العقاري، وتم إدراجه في البورصة أخيرا، نجح في اجتذاب مزيج من المستثمرين ربعهم من الشرق الأوسط. وقال إن صناديق الاستثمار العقاري المتوافقة مع الشريعة تضمن استثمارات عالية الجودة لأن عملية الرقابة تشمل الأصل الأساسي، واستخدام هذا الأصل. ولا تسمح بالمضاربة أو باستثمارات تنطوي على مخاطرة كبيرة. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن بنك دبي الإسلامي أطلق في نوفمبر الماضي أول صندوق استثمار عقاري إسلامي في الإمارة ضمن مشروع مشترك مع شركة إيفل مانجمنت العقارية الفرنسية. ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز نمو القطاع العقاري الإماراتي الذي يواجه صعوبات.
طفرة في الصكوك السعودية 2011
وفيما يتعلق بالصكوك فيتوقع أن يشهد العام الجديد زيادة حصة ماليزيا من 56 في المئة إلى 60 في المئة من حجم الإصدارات، بينما تشهد إصدارات دول مجلس التعاون انخفاضاً من 32 في المئة في 2010 إلى 27 في المئة. وتتوزع نسبة 13 في المئة على بقية الإصدارات من غير هذين المركزين، مقابل 12 في المئة في العام الماضي.
وقد شهد عام 2010 إصدار 60 صكاً جدداً يتوقع أن يزداد هذا العدد ليصل إلى 80 في المئة خلال العام الحالي بنمو قدره 33 في المئة. ويأتي هذا الارتفاع بعد أداء ضعيف خلال عامي 2008 و2009 حيث بلغ عدد الإصدارات الجديدة في الأول 15 وفي الثاني 24 وهو ما مثل انخفاضاً نسبته ـــ 14.3 في المئة عما كانت عليه في 2007.
ويتوقع الخبراء أن تتفوق المملكة السعودية على ماليزيا في إصدار الصكوك في 2011 بعد الإعلان عن خطة تتضمن إصدارات تربو قيمتها على 1.44 تريليون ريال، وهو ما يوازي 384 مليار دولار. وقد أعلنت الشركة السعودية للكهرباء ـــ صاحبة أكبر قيمة سوقية في العالم ـــ عن تمويل مشروعات تقدر قيمتها بأكثر من 30 مليار ريال (8 مليارات دولار). كما أعلنت الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات منذ أيام عن طرح ملياري ريال خلال الربع الأول من العام الجاري. وقد بلغت قيمة الصكوك في السعودية التي تعد الاقتصاد الأقوى بين الدول العربية 2.3 مليار دولار بنهاية 2010، مقارنة بـ 7.3 مليار رينجت ـــ العملة المحلية ـــ في ماليزيا. ويرى طارق الرفاعي ـــ الخبير في "داوجونز" ـــ أن السعودية يمكنها بسهولة أن تتصدر قائمة مصدري الصكوك. ويرجع ذلك إلى أن الإصدارات السعودية هي الأضخم.
وقد تصدرت شركة الكهرباء السعودية مع شركة دار الأركان للعقارات مبيعات الصكوك في منطقة الخليج خلال عام 2010، فقد باعت "الكهرباء" صكوكاً مدتها 20 سنة تقدر قيمتها بـ 7 مليارات ريال، فيما باعت "دار الأركان" صكوكاً بـ 450 مليون دولار. وينتظر أن يطرح البنك التجاري الوطني أول إصدار من الصكوك في الربع الثاني من العام الحالي. ويصف تقرير لصحيفة "بلومبرج" الشركات السعودية بأنها في وضع متفرد في زيادة رأس المال لدرجة تنافسية بصورة أكثر من أية دولة خليجية. ويرجع ذلك إلى انخفاض المخاطر في المملكة ـــ بحسب جون سفاكيانكس الاقتصادي البارز في البنك السعودي الفرنسي بالرياض. وأعرب عن تفاؤله بأن عام 2011 سيكون عاماً مميزاً لنمو القطاع الخاص في السعودية ، حيث يشهد توطيد أقدام القطاع في سوق الصكوك.
ومن المرتقب أن يبلغ النمو الاقتصادي في المملكة 4.5 في المئة في العام الحالي بعد أن كان 3.4 في المئة في عام 2010 ـــ كما أوردت أرقام صندوق النقد الدولي. وصنفت وكالة موديز المملكة Aa3، فيما جاء تصنيف "ستاندرد آند بورز" ـــ AA.
من جانبها خرجت مبادرة ماليزيا المقررة لمدة عشر سنوات لمشاريع القطاع الخاص بدءاً من إنشاء مفاعل نووي سلمي إلى شبكة مترو أنفاق. وهو الأمر الذي يتطلب مزيدا من مبيعات الصكوك المطابقة للشريعة خلال الفترة المقبلة ـــ بحسب ما يشير Sharifatul Hanizah ـــ المسؤول في بنك RHB الماليزي. ويوضح Naji Nabaa ـــ مدير مبيعات بشركة إكزوتكس ـــ أن هناك إقبالا كبيرا على الصكوك المحلية بين الماليزيين بصورة أكبر مما هي عليه في الخليج. ولهذا يجزم بأن العام الجديد سيشهد مواصلة ماليزيا تصدر أسواق الصكوك.
ويرجح خبير ماليزي زيادة إصدارات الصكوك العالمية في الربع الأول من 2011 مع احتمال سعي مستثمري الشرق الأوسط إلى إصدار صكوك بالرينجت الماليزي لإشباع شهية الشركات والكيانات المرتبطة بالدولة.
وعلى صعيد متصل، ذكرت مصادر أن دبي تعتزم إصدار صكوك سيادية بقيمة نحو 1.5 مليار دولار في ماليزيا، مع سعي الإمارة لطرق أبواب أكبر سوق للصكوك الإسلامية في العالم بهدف تنويع مصادر التمويل.
ولكن هناك من يرى أن صكوك الريال هي التي ستكون لها اليد الطولي في الفترة المقبلة. ويوضح الدكتور عبد الوهاب السعدون ـــ الأمين العام للاتحاد الخليجي لمصنعي البتروكيماويات والكيماويات "جيبكا" ـــ أن قطاع البتروكيماويات سيشهد استثمارات تقدر بنحو 50 مليار دولار بحلول 2015 تنتج خلالها 154 مليون طن. وأشار إلى أن الشركات السعودية الحكومية، والشركات الأصغر ستوجه أنظارها صوب صكوك الريال نظراً لأن الحاجة المحلية تكمن فيه.
فرص واعدة أمام التكافل
أما التأمين التعاوني "التكافل" فيتوقع أن يصل حجمه إلى 15 مليار دولار. ولا يختلف ترتيب الدول بحسب حجم التكافل فيها: ففي المرتبة الأولى تتربع إيران بنسبة 31 في المئة، تليها ماليزيا بنسبة 30 في المئة ثم دول الخليج بنسبة 25 في المئة وتأتي بعد ذلك بقية الأسواق بنصيب 14 في المئة. وبهذه التقديرات يثبت معدل الإصدارات الإيرانية منذ 2009، بينما تتحقق زيادة طفيفة في نسبة الصكوك الماليزية إذ كانت 26 في المئة فقط في عام 2009. وفي ذلك العام مثلت الصكوك الإماراتية 13 في المئة، والسعودية 10 في المئة، والبحرينية 5 في المئة، والقطرية 4 في المئة. بينما تساوت تونس وإندونيسا بنسبة 5 في المئة من الإصدارات.
ويحمل عام 2011 فرصاً كبيرة أمام التأمين التعاوني الذي يقدم نفسه كصيغة بديلة للادخار، ويزيد من تلك الفرص التوقعات التي تشير إلى أن هذا القطاع ـــ الذي يمثل 1 في المئة من الحجم العالمي ـــ سيشهد نمواً يتراوح بين 15 و20 في المئة سنوياً خلال السنوات الثلاث المقبلة.
بداية قوية للاعبين الجدد
يشير تقرير لبنك Maybank الماليزي إلى أن المستقبل يبشر بوجود لاعبين جدد في صناعة التمويل الإسلامي إلا أن هذا لن يغير من التوزيع التقليدي الذي يضم منطقة الخليج وشرق آسيا، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويرجع هذا إلى النمو الاقتصادي القوي في دول تلك المناطق، والكثافة السكانية للمسلمين فيها، وتوافر السيولة التي تأتي في المقام الأول من عائدات النفط. يضاف إلى تلك العوامل مساندة حكومات تلك الدول لقطاع التمويل الإسلامي، إضافة إلى وجود إطار تنظيمي مرن يسمح ـــ بل يدعم ـــ ممارسة المعاملات الموافقة للشريعة. ولهذا لا يكون مستغرباً أن تبقى الدول ذات الأغلبية المسلمة هي الأسواق الطبيعية لتلك الصناعة.وتتوقع المؤشرات ارتفاع معدلات النمو في كافة المناطق خلال عام 2011.
ففي دول مجلس التعاون والشرق الأوسط من المنتظر أن تصل نسبة النمو إلى 10 في المئة مقارنة بـ 8.3 في المئة في عام 2009. وفي منطقة آسيا والمحيط الهادي تصل معدلات النمو إلى 33 في المئة بعد أن كانت 31.2 في المئة قبل عامين. أما ماليزيا فهي صاحبة أعلى ارتفاع في معدل النمو (4 في المئة) حيث يتوقع أن يصل النمو إلى 25 في المئة في 2011 مقارنة بـ 21 في المئة في 2009.
ومن أبرز الأسواق الناشئة التي يتوقع بزوغها في المستقبل القريب في هذا المجال: الإمارات، ومصر، وتركيا، والجزائر، والصين، وباكستان، وسريلانكا، وإندونيسيا، وبنجلاديش. ويرى الخبراء أن القطاعات الأنسب لتلك الاسواق هي بنوك التجزئة، وإدارة الصناديق والثروات، والمشروعات الصغيرة. أما المراكز المالية العالمية التي يتوقع لها فرص نمو كبيرة فيبرز منها: البحرين، ولندن، وطوكيو، وهونج كونج، وسنغافورة، ونيويورك، وسويسرا، وسيدني. وهذه الأسواق لديها فرص كبيرة في مجال الصكوك، وصناديق الملكية الخاصة.
ويتوقع آفاق خان ـــ المدير التنفيذي في بنك ستاندرد تشارترد ـــ أن تكون القارة السمراء هي وجهة الاستثمارات المتفقة مع الشريعة الإسلامية. ويرى أن الفرص التي تتوافر في إفريقيا لا يمكن تفويتها في هذه السوق البكر. ويتوقع أن يتنامى الاهتمام بالقارة، وأن تزداد المبادرات التي تقوم بها البنوك الإسلامية والتي لا تزال محاولات خجولة لا تفي باحتياجات السكان في دول إفريقيا. ويشير إلى الجهود التي تقوم بها البنوك المركزية في عديد من دول القارة السمراء، وعلى رأسها نيجيريا وجنوب إفريقيا وكينيا في نشر صناعة التمويل الإسلامي بتقديم قوانين جديدة لتنظيم هذا القطاع. ويطالب بأن يدعم كبار اللاعبين في تلك الصناعة مثل تلك المبادرات التي تقوم بها البنوك المركزية هناك.