مغاربة أمريكا
شوارع واشنطن، وعلى عكس ضجيج نيويورك، هادئة، أبنيتها متراصة في انتظام تام، ساحتها الجميلة، وفضاؤها الطبيعي الذي تزينه السناجيب المتناثرة بكثرة في الحدائق يعطي الانطباع أنك أمام لوحة تشكيلية عملاقة تتنفس وتتحرك وتدب فيها الحياة… وحده نبيل يعكر صفو السناجيب ويبعثر جمالية اللوحة، فهذا الشاب الذي دخل قبل سبغع سنوات لأمريكا للدراسة لم يتمم تعليمه العالي بسب قلة السيولة المالية ولم يعد لبلده، بل إنه فضل البقاء في أمريكا على العودة إلى وطنه ليعيش الحلم الأمريكي كما أراده…
الطائرة العملاقة بوينغ 767 تجتاح طريقها بلا هوادة في اتجاه مطار نيويورك … الرحلة طويلة وشاقة، أكثر من ثماني ساعات داخل سفينة ضخمة معلقة في الجو، سكون رهيب يجتاح الطائرة التي بدأت تهتز بفعل السحب الماطرة الكثيفة المنتشرة في سماء المحيط الأطلسي الفاصل بين إفريقيا وأمريكا … سكون لا يكسره بين الفينة والأخرى سوى هدير محرك الطائرة وصوت "إيفن"، سيدة أمريكية سمينة في عقدها الخامس كانت تجلس بجانبي، وأتذكر أنها قالت لي بأنها صدمت حين كانت تتجول وسط مدينة الدار البيضاء، وعلمت بأن الرجل الذي كان يقود سيارته لوحده وسط المواطنين، ويتنقل دون خفر، هو ملك البلاد:" صدمت حقا، كان الملك وحيدا أنيقا يقود سيارته بنفسه ويلوح للشعب، لم أر دراجات نارية ولا سيارات تتبعه، لم أسمع ضجيج طائرات الهليكوبتر، إنه شيء جميل وانطباع طيب رجعت به من المغرب".
… كان ذلك اخر شيء سمعته من الثرثارة "إيفن" بعد أن استسلمت لنوم خفيف لم يخطفني منه سوى الإعلان عن ربط الأحزمة استعدادا لنزول الطائرة بمطار "جون كينيدي" في نيويورك … ذابت "إيفن" وسط الزحام برشاقة بينما كنت منهمكا في خلع حذائي ومعطفي وحزام سروالي وخلع كل ما يمكن أن يخلع في انتظار الإذن بالمرور عبر جهاز الكشف وبعدها ولوج بوابة بلاد العم سام…
البسطيلة وعباس…
وجدت صعوبة في أمريكا لأشرح للأمريكيين من أين أتحدر؟ فكان علي في كل مرة أقول فيها بأنني من المغرب أن أضيف عبارة إفريقيا:"أيام فروم مروكو… أفريكا"، فالأمريكيون عموما لا يعرفون المغرب، والمغرب حتى بالنسبة للذين يعرفونه قليلا هو مرادف " القص" أي " الأكل" و "البسطيلة" و "الطجين" معروفان في أمريكا أكثر من عباس الفاسي والفاسي الفهري، ولو أن كثيرا من الذين صادفتهم يعرفون المغرب بفيلم " كازابلانكا" الشهير … المغاربة في أمريكا قليلون مقارنة مع دول عربية وخليجية أخرى… وتتضارب الأرقام حول العدد الحقيقي للمغاربة المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي الوقت الذي تشير فيه الأرقام الرسمية إن أن عددهم يتعدى بقليل 150 ألفا، تشير أرقام أخرى لمغاربة نشيطين في التراب الأمريكي إلى أن عددهم يتعدى سقف 200 ألف، ويوجد أكبر تجمع لهم بولاية فلوريدا وفيرجينيا ونيويورك وبوسطن … يقول كمال، مغربي من فرجينيا:" المغاربة موجودون في أمريكا لكنهم متفرقون ومشتتون في العديد من الولايات، قد تجدهم في أوهايو وتكساس، وميري لاند، كما يمكن أن تجدهم في ميشيغن وفلوريدا وكاليفورنيا، والمغاربة عكس مواطني الدول العربية والخليجية لا يعيشون في تكتلات كبيرة، هم متفرقون في أرض الأحلام الواسعة، كما أنهم لا يجمعهم إطار قوي، يقوي حظوظهم وفرصهم داخل المجتمع الأمريكي"، وأردف عزيز قائلا:" المغاربة عموما في أمريكا لا يسجلون أسماءهم لدى القنصلية المغربية في واشنطن إلا عند الضرورة، عندما يحتاجون إلى وثيقة رسمية أو إلى حل مشكل قانوني مرتبط بالحياة في المغرب، أضف إلى ذلك أن هناك كثيرا من المغاربة يقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية بطرق غير قانونية، وبالتالي فهم خارج دائرة الإحصاء الوطني الأمريكي،كما أن بلدهم الأصل لا يعرف عنهم وعن نشاطهم أي شيء". وعلى أنين وتر مغاير عزف صديقه محمد الذي يتحدر من الرباط والذي جاء للولايات المتحدة الأمريكية قبل خمس سنوات عن طريق القرعة السنوية:" لدينا الكثير من المشاكل، كما أن الموكل له حل مشاكلنا غائب تماما، وأسجل هنا الغياب التام للسفارة المغربية في واشنطن، إنها صعوبة في لقاء السفير، إنك قد تحلم بلقاء هيلاري كلينتون أو براك أوباما حتى وقد تحقق حلمك، لكن لا يمكن إطلاقا أن تحلم بلقاء السفير رغم أن دوره هو استقبال الرعايا المغاربة في الولايات المتحدة الأمريكية وتذيل الصعاب و العراقيل أمامهم وحل مشاكلهم"، ولحسن الرغوني، رئيس النادي المغربي الأمريكي بواشنطن، الذي قضى أكثر من 40 سنة في أمريكا ويعتبر من بين
أقدم المهاجرين المغاربة في بلاد العم سام، رأي مغاير:" شخصيا أعتبر بأن السفارة والقنصلية في الولايات المتحدة الأمريكية تقومان بدورهما، ونحن في إطار النادي نعمل على حل العديد من المشاكل العالقة للجالية المغربية في أمريكا، لنا مقر رئيسي هنا في واشنطن، كما لنا فروع في العديد من الولايات الأخرى، ونعمل يوميا على الاتصال بفروعنا خدمة لقضايا المهاجرين المغاربة، وقد قمنا في مارس الماضي في إطار الاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس الجمعية بتنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية، كما أحيينا ليالي الموسيقى الحسانية و "الكدرة" للتعريف بقضية الصحراء المغربية وإبراز جزء من تراثها وتاريخها الذي هو تاريخ وتراث المغرب الحبيب".
كلومبوس المغربي…
يعرض المتحف العربي في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان قصة أول مهاجر عربي وطأت قدماه الولايات المتحدة الأمريكية، ويدعى ميستر أو السيد " إسطفان الزموري"، وهو مواطن مغربي يتحدر من مدينة أزمور، وتحكي قصته أنه وقع أسيرا لدى سفينة لقراصنة وأمضى أكثر من عشر سنوات أسيرا، وفي سنة1527م نقل ضمن بعثة استكشافية إسبانية قادها المستكشف الإسباني فراماركوس دينيز إلى أمريكا، وقد عرفت عن الزموري مداواته للأمراض المستعصية بطرق تقليدية، كما كان مكلفا بإعداد وصفات الدواء للبحارة المرضي، ويحكي التاريخ أنه أول عربي تطأ قدماه بلاد العم سام، وقد قتل سنة 1539 في نيوميكسيكو بسهم أحد الهنود الحمر … أعيدت هذا القصة عشرات المرات على مسامع الأمريكيين الذين التقيتهم وأردفت بنشوة وفخر أن المغرب أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، كما عرجت مرارا على لقاء أنفا التاريخي بين محمد الخامس وترشل وروزفلت … الأمريكيون مستمعون جيدون ينصتون لك بكل جوارحهم ويدققون في التفاصيل الصغيرة…
… شوراع واشنطن، وعلى عكس ضجيج نيويورك، هادئة، أبنيتها متراصة في انتظام تام، ساحتها الجميلة، وفضاؤها الطبيعي الذي تزينه السناجيب المتناثرة بكثرة في الحدائق يعطي الانطباع أنك أمام لوحة تشكيلية عملاقة تتنفس وتتحرك وتدب فيها الحياة… وحده نبيل يعكر صفو السناجيب ويبعثر جمالية اللوحة. فهذا الشاب الذي دخل قبل سبع سنوات لأمريكا للدراسة لم يتمم تعليمه العالي بسبب قلة السيولة المالية ولم يعد لبلده، بل إنه فضل البقاء في أمريكا على العودة إلى وطنه:" لا أريد أن أعود قبل أن أسوي وضعيتي القانونية، أحببت الحياة الأمريكية، ولست مستعدا للعودة إلى دروب الحي المحمدي حيث رائحة الفقر والموت البطيء، أفضل الموت هنا في شوارع واشنطن على أن أعود للموت في اليوم الواحد عشرات المرات في الحي المحمدي بالدار البيضاء، نعم أحب بلدي لكنني أريد أن أعيش في وسط أحببته، اندمجت داخل نمط العيش الأمريكي، وكما ترى فقد أصبحت أمريكيا لكن بلا أوراق تثبت ذلك، أعيش في احترم تام لقوانين البلد ونظامه ولهذا فأنا ما زلت أتحرك بحرية بعيدا عن أعين الأمن وشرطة الهجرة"، وأردف نبيل بعد أن أشار إلى السناجيب التي كانت تقفز حولنا في حركات بهلوانية في حديقة "ديبون سايركل" في ضاحية " ديبون" بواشنطن:" أنظر إلى تلك السناجسي، لقد أكلت منها الكثير ، فعندما وصلت إلى ميري لاند للدراسة، كانت تغطي لي مصاريف الدراسة والكراء… اكتريت شقة أنا وصديقي اخر مغربي، وكنا نترك نوافذ المنزل مفتوحة في الصباح عند المغادرة، بعد أن نبعثر الخبز داخل الشقة كطعم للسناجيب، وبعد العودة في المساء، نتسلل بهدوء حتى لا نثير انتباهها لإغلاق النوافذ من الخارج، ثم تهجم عليها بشراسة ومتعة ونذبحها ونتلذذ بلحومها، فقد كانت غذائنا الرئيسي من بروتينات اللحم لمواجهة البرد القارس، وبغض النظر إن كان أكلها حلالا أم حراما إلا أننا كنا صراحة نأكلها بنهم و "نكدد" عظامها الصغيرة، الله يسمح لينا"… وعن كيف يدبر أموره الآن رغم أنه مقيم بشكل غير قانوني قال نبيل: " أعيش حاليا مع أمريكية من أصل مكسيكي، امرأة مطلقة تكبرني بأكثر من 15 سنة، لا تجمعني معها أية مشاعر لكنها تؤمن لي مكانا للنوم، والثمن طبعا معروف، علي أن أوفر لها الدفء المفقود في الفراش، عرضت عليها الزواج لكنها رفضت، ربما لأنها تعرف انني أبحث فقط عن تأمين أوراق الإقامة وتسوية وضعيتي القانونية، أو ربما لأنها سمعت عن قصص الكثير من المغاربة الذين ذابوا في أرض أمريكا الواسعة بحثا عن تحقيق أحلامهم بمجرد حصولهم على البطاقة السحرية"… وفي نفس سياق تدبير أمور المهاجرين غير الشرعيين المغاربة في أمريكا قبل أكثر من عشر سنوات بعقد عمل للاشتغال في الرواق المغربي في عالم ديزني: " عشت كمهاجر سري في أمريكا أكثر من ست سنوات، لكنني لم يسبق أن استوقفتني الشرطة ولا حرس الهجرة لأنني كنت أحترم نفسي وأحترم البلد الذي أعيش فيه، تزوجت من أمريكية سوداء من أصل كاميروني رقت لحالي ولم تأخذ مني سوى 8 الاف دولار لتدفعها كمصاريف للدراسة في جامعتها، عشت معها ثلاث سنوات، وبعد أن سويت وضعيتي القانونية وقع الطلاق وراح كل منا لحال سبيله، وقد تزوجت السنة الماضية في المغرب وأستعد الان لاستقبال زوجتي المغربية هنا في واشنطن".
…
كثيرون يلجأون أحيانا إلى دفع الاف الدولارات لزوجات أمريكيات مزيفات يوافقن على مساعدتهم للحصول على الإقامة والجنسية مقابل مبالغ مادية ورغم الجدل الذي يثيره هذا الزوج في الأوساط القانونية والاجتماعية فإن المغاربة يعتبرونه الطريقة الأكثر أمانا لتحقيق حلمهم الأمريكي للحصول على الوثائق… الشروط واضحة في هذا الزواج، فهو زواج صوري على الورق فقط، ويلتزم كل طرف بتنفيذ ما عليه… يتم دفع المبلغ على دفعتين، الدفعة الأولى عند القيام بإبرام عقد الزواج، والثانية بعد الحصول على وثائق الإقامة، وبعدها يأتي الانفصال … يقول عزيز:" تزوجت زواجا أبيض بأمريكية من أصل بوليفي، وقد اشترطت أن تحصل على 25 ألف دولار مقابل تسوية وضعيتي عبر الزواج منها، عشرة الاف تحصل عليها بعد إبرام عقد الزواج، وعشرة أخرى لحظات قليلة قبل تسليمي الأوراق، وخمسة الاف لتحقيق شرط الطلاق … وقد وافقت على ذلك، وتمت الأمور في احترام تام للعقد الشفهي المبرم بيننا، وطبعا كانت دائما في موقع قوة لأنها يمكن لها في أي لحظة أن تلغي كل شيء، وأن تتهمني بالغش والتضليل والزواج من أجل الأوراق، وهذا ما يسقط فيه الكثيرون، لذلك فالزواج الأبيض في أمريكا مثل القمار، قد تخطئ فيه وقد تصيب" … منير واحد من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أصابوا … بدا منير متدينا وهو يسمح جبهته مغادرا مسجد الجامع في واشنطن بعد أداء صلاة العصر، صوفيا على نحو ما،بعيدا عن التزمات والتعصب الأعمى، يمارس شعائره الدينية على هواه، النهار للعمل والليل لرب العالمين على حد قوله، هو الان في أواسط الأربعينات من عمره، يبدأ حكايته من حيث أراد بالقول :" أنا ضد الزواج المدفوع الثمن لتسوية الوضعية القانونية، لأن ما بني على باطل فهو باطل، تزوجت من سيدة أمريكية مسلمة جمعني بها أحد الإخوة بمسجد في مدينة بالتيمور بولاية ميري لاند، لي منها الان خمسة أبناء، وأنا سعيد بهذا الزواج، وأنا أنصح الشباب بأن يمتنع عن هذه الطرق، فالحمد لله توجد في العديد من المساجد الأمريكية أمريكيات محصنات يبحثن عن الشباب المسلم الملتزم بدينه، وهن يفضلن العرب حسب ما سمعته، فقط لا يجب أن نقنط من رحمة الله بالبحث عن الحلول التي تغضب رب العزة".
عسل بلادات الناس
في مقهى غير بعيد عن ساحة " كروند زيرو" التي شهدت أحداث 11 شتنبر الأليمة في نيويورك،كانت أوراق الأشجار على الرصيف، تبدو خلف نافذة المقهى، تتطاير مثل عصافير خائفة… الظروف الاقتصادية في أمريكا أصبحت جد صعبة، تتميز بتصاعد معدل البطالة وعجز عميق في الميزانية … الجالية المغربية كذلك تأثرت بالأزمة، يقول حسن: " أصبحت حياتنا في أمريكا جحيما … أمريكا مثل سينماها، هوليود كبيرة … تغريك بأضوائها وناطحات سحابها الشاهقة وسيارتها الفارهة لكن عندما تدخلها تنبهر فتأخذك لحظات الانبهار، بعدها تبتلعك بلعا في أحشائها حتى إنك تجد صعوبة في الخروج، إنها حوت كبير…"، يضيف حسن، صاحب عربة مجرورة لبيع سندويشات "هوت دوك" و "تشيكن" في شوارع نيويورك الذي رفض أن نأخذ له صورة معللا ذلك بأنه لم يخبر أهله بأنه يبيع" الكاسكروتات" في " كروسة" في نيويورك :" أحصل على مال وفير، لكني لم أخبر أهلي بحقيقة عملي في أمريكا، رغم أن دخلي يفوق دخل موظف بسلم عشرة في الوظيفة العمومية، وصلت عن طريق القرعة، وأوضاعي هنا عموما أحسن بكثير من المغرب، في نظري الأزمة لم تؤثر على المغاربة بشكل كبير لأن أغلبهم يشتغلون في مهن ثانوية كبائعين متجولين أو مستخدمين في المحلات التجارية الكبرى أو سائقي " تاكسي"، وحتى إن فقد أحدهم وظيفته فمن السهل جدا أن يجد لأخرى أحسن في اليوم الموالي". حسن حصل على الإجازة في القانون قبل ست سنوات وقضى أربع سنوات في شوارع الرباط مطالبا بوظيفته، " لا أحد ينظر إليك هنا، كما لا أحد يعرفك، أقول لنفسي دونما إحساس بالغربة، هي ذي مدينة محايدة، غير فضولية ولا تهتم بالاخر، هل هو حياد المدينة أم الناس؟". تساءل حسن بمرارة…
حكاية كوثر تختلف… وهي تروي تتنهد وتشرق ببريق الدمع يكوي القهر والإذلال جوانحها … تضغط على جبهتها بكف وبالاخر تمسح عباراتها … فتاة في جبة امرأة لا حول ولا قوة لها، امرأة أخرجت من المدرسة في وقت مبكر، تزوجت عن حب خارج رغبة أهلها، لكن تحول حبها وزواجها إلى سراب واقعة ورقة طلاق بتنازلات كبيرة… هروبا من ألسن وأعين الناس، وغسلا ونسيانا للفضيحة في نظرها، هاجرت إلى أمريكا لزيارة أختها فأعجبت بالحياة الأمريكية، أرغمتها أختها على العودة بعد انقضاء فترة التأشيرة لكنها هربت وفضلت البقاء والمبيت في شوارع نيويورك على العودة .." بعد توالي الصدمات والمفاجات والغوص في الأوحال اليومية وأكوام التفاهات، تكتشف بأنك شيء فائض ومستهلك في هذا العالم"، تقول مريم التي بدت على حافة الانفجار بالبكاء وهي تروي قصتها:" بت في العراء وأدمنت المخدرات والكحول، أقبلت على عالم الدعارة لأتدبر مصاريفي اليومية، ففي أمريكا لا يجب أن تنتظر الرحمة من أحد، تزوجت من مغربي جاء عبر القرعة السنوية، كان مفلسا، طلب مني عشرين ألف دولار، لكنني دفعت له 13 ألف دولار، حصلت على أوراق الإقامة وتحسنت أوضاعي، لكنني أصبحت أؤمن بالمثل القائل " قطران بلادي ولا عسل بلادات الناس".
مليكة، ليلى، نهاد وأخريات، مغربيات وسرب من الفتيات اللواتي عبرن المحيط الاطلسي لأرض الحلم الامريكي بحثا عن " عسل بلادات الناس"، واستطعت أن يطوعن القلوب والجيوب بروائحهن وأنفاسهن وأجسادهن الحريرية ونهودهن البارزة وبعيونهن اللامعة التي يتعقبنبها الزبناء الأثرياء الأمريكيين في ساحة " تايم سكواير" وسط نيويورك…. بائعات للهوى بالدولار،" ليلى" إحداهن وتشتغل كعارضة " ستريبتير" في نادي " جانتل مان" الشهير بمنهاتن، تقول: " الكثير من المغربيات هنا يتعاطين الدعارة لكن ليس بشكل فج كفتيات الخليج، الدعارة هنا فن وحرفة، وليس من السهل اقتحام الميدان الذي يدر أموالا طائلة، هناك فتيات مغربيات كثيرات يشتغلن في نوادي " سيكمس ماساج"، وهذه النوادي المتخصصة في التدليك الجنسي توظف المغربيات والعربيات بشكل عام برواتب كبيرة نظرا لقوة الطلب على العربيات من طرف الزبناء"، وأضافت ليلى:" بيني وبينك أخويا شحال من وحدة ضبرات على راسها ولقات لي يسترها ويصيب ليها لوراق غير بهاد الخدمة، راه الميريكان أخويا هادي، الدريات كايجيو توريست كايدوخو، كيبركو، خصهم المصروف، خاصهم إصوفيو راسهم، أحنا بغينا غير لوراق ومن بعد غادي نتوبو ونطلبو الله يسمح لينا وصافي، وزايدون علاه بحال وراق المريكان بحال الطاليان"،تبتسم بمكر وتنصرف.
عن الأيام