الحج فيه وفيه.. الفخفخة للأغنياء والحريك للفقراء
الحج الذي قرنه اله سبحانه وتعالى بعبارة "من استطاع إليه سبيلا"، هو كليف للقادر فقط، ويكفيه منه مرة واحدة. ومع هذا فقد ظهرت في أيامنا هذه عجائب في مواسم الحج... بين أغنياء وسياسيين وفنانين يتسابقون للحج كل عام تقريبا، للوجاهة الاجتماعية، وبين فقراء يهربون في مواسم العمرة ويختفون ثم يظهرون في أيام الحج، ويحجون هروبا من التكاليف الباهظة التي لا يقدرون عليها في موسم الحج...
حج الفقير وحج الغني
بين هؤلاء وأولئك، يفقد الحج معناه ومغزاه الجميل، وهو الشعيرة الإسلامية السامية التي يتمثل فيها التوجه إلى الله، ووقوف البشر سواسية، فقيرهم وغنيهم، بين يدي المولى سبحانه وتعالى يتضرعون إليه أن يغفر لهم ويستجيب لدعواتهم... فالغني أو صاحب الجاه يبرر ما يفعله بأن هذا من الدين قائلا: "إنه لا مانع شرعا من الحج عدة مرات، ولا حرج من أن يتمتع بأمواله في التخفيف عن نفسه بالحج ال"خمس نجوم" أو باصطحاب الحارس الخاص به لحمايته"!
والفقير يبرر فعله أيضا بكون تصرفه هذا هو من أجل دينه، ويبرر هروبه داخل السعودية ومخالفته لكل ضوابطه لكل ضوابط العمرة والحج وضربه للوائح والنظم الخاصة بموسم الحج وأعداد الحجيج عرض الحائط بحجة "أنه هرب إلى الله، لا إلى وظيفة أو عمل، وأنه فقير لا يقدر على تكاليف الحج!"
"الحريك" نحو بيت الله
من الظواهر الغريبة التي بدأت تنتشر في موسم الحج بسبب الفقر، هروب وتخلف المعتمرين الفقراء من عدة دول، والبقاء حتى موسم الحج بغرض "اقتناص" حج رخيص الثمن... بعدما بلغت تكالي الحج أرقاما خيالية زيادة على نظام القرعة، ومع أن هذه ظاهرة قديمة ولم يكن يلتفت لها كثيرا، فقد بدأت تأخذ طابعا غير عادي مع ارتفاع أسعار الحج، وفي الوقت نفسه تتزايد نسبة الفقر والفقراء ممن يطمعون في الحج. وعلى سبيل المثال، شهد شهر رمضان الماضي حالتي هروب لمعتمرين مغاربة داخل الأراضي السعودية بغرض البقاء للحج بلا أوراق هوية. ولأن الهاربين بينهم رجال ونساء وكبار سن، هدفهم هو الحج فقط لعدم قدرتهم على سداد تكاليفه الباهظة، فقد دعا العلماء وسائل الإعلام لتعريف المعتمرين بأن هروبهم وتخلفهم عن العودة انتظارا لقضاء فريضة الحج حرام شرعا.
معتمرون ومغاربة يشاركون في الهروب الجماعي
وشارك مؤخرا حوالي 15 معتمرا مغربيا، في عملية فرار جماعية نفذها أكثر من ألفي موقوف من مختلف الجنسيات العربية والآسيوية، من مقر إدارة الترحيل بجدة بالمملكة العربية السعودية، حيث كانوا يخططون، قبل توقيفهم، للاختباء في انتظار أداء مناسك الحج.
وذكر معتمرون مغاربة، شهود عيان أثناء حدوث عملية الفرار الجماعية، أن الموقوفين عمدوا إلى تسلق جدران المركز والتسلل إلى الشارع الرئيسي ب"الشرقية" بمدينة جدة، عن طريق تقطيع أغطية واستعمالها كحبال تداول عليها العشرات من الموقوفين لتسلق الجدران التي وصفت بالعالية نسبيا، حيث تفرق مباشرة بعد عملية الفرار، الأجانب الموقوفون في مختلف الاتجاهات، مما صعب عملية مطاردة أفراد الشرطة والحرس السعودي للفارين.
كما نقل شهود عيان أن حملة التوقيفات التي جرت وسط المعتمرين الهاربين والعمال غير الشرعيين بالمملكة العربية السعودية، انطلقت نهاية شتنبر الفائت وأسفرت عن تحرير الآلاف من المحاضر ضد الموقوفين من مختلف الجنسيات، من بينهم مغاربة، يتواجدون على الأراضي السعودية على فترات مختلفة. وكان مغاربة معتمرون ينحدرون من الجهة الشرقية، أفلتوا من قبضة مصالح الأمن السعودية في إطار حملة الترحيل ضد المتخلفين القادمين لأداء العمرة في المواسم الفارطة، قد اتصلوا بأهاليهم في المغرب لطمأنتهم عن أحوالهم، كما أن البعض منهم حمل أخبارا عن توقيف مغاربة قدموا أسماء مزيفة أو حملوا بطاقات هوية مزورة تعود لأفراد من جاليات عربية أخرى.
إلحاق الضرر بضيوف الرحمان
دفع هذا الأمر المشين عددامن العلماء إلى إصدار فتوى تحرم هروب المعتمرين وتخلفهم عن موعد عودتهم إلى ديارهم وبقائهم في الأراضي السعودية حتى موسم الحج، على اعتبار أن هؤلاء المتخلفين يلحقون الضرر بضيوف الرحمان في موسم الحج من حيث لا يحتسبون. وقالوا: "إن الهروب من العمرة للحج يضيع ثوابهما، وإن كل متخلف يعد ساعيا إلى إحداث الضرر بضيوف الرحمان ومشاركا في إيذائهم، وهو متسبب بتخلفه هذا مع غيره من بقية المتخلفين في حدوث الأضرار والاختناقات والوفيات التي تحدث من جراء تدافع الأعداد الضخمة للحجاج". وإن المعتمر المتخلف يتعرض للمتاعب في حال ترحيله، بعد دفع الغرامة المقررة عن كل يوم تخلف، والترحيل يعرضه للإيذاء والمذلة، والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه". وإذا كان هروب المعتمرين يواجه بالنقد باعتبار أنهم يزاحمون باقي الحجيج، فإنه يقابل أيضا بنوع من التعاطف على اعتبار أن هؤلاء الهاربين فقراء هدفهم هو الحج فقط دون إيذاء أحد.
الكاردكور حتى في بيت الله الحرام
هناك نوع آخر من الحجاج من طائفة "الناس المهمة" يذهبون إل بيت الله الحرام في صورة من الوجاهة الاجتماعية كي يحظوا بلقب "حاج"، والكثير منهم لا يستفيد من حجه، ويستمر في نفس أعماله أو سلوكاته المنحرفة، حتى أصبحت أفلام السينما تضع نوعيات من هؤلاء ي قوالب ساخرة تحت اسم "الحاج"، وأصبحت الكلمة لا تحظ بالاحترام الواجب لصاحبها، ومن هؤلاء من يذهبون بطاقم الحراسة الخاص بهم، مثل الوزراء والفنانين والإعلاميين، من الذين لا يريدون أن يتنازلوا عن ألقابهم أو وجاهتهم أو شهرتهم السياسية أو الفنية أو الأدبية، ويصطحبون جزءا من حراستهم أثناء أدائهم فريضة الحج، كنوع من الوجاهة الاجتماعية... حتى وهم في بيت الله الحرام...!!
حج "الهاي كلاص"
إن الحج فرض على المسلم القادر العاقل، حيث قال الله عز وجل: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا إيم الله في أيام معلومات.." (سورة الحج). ومعنى ذلك أن الحج ليس فريضة لتحقيق الأهواء والرغبات، وبالتالي فإن حرص البعض على الحج الفاخر "الهاي كلاص" يمكن أن يكون خيرا لو كان وسيلة لفتح صفحة جديدة مع الله عز وجل. ولكن للأسف الشديد، فإن بعضهم يعودون من الحج ويواصلون معاصيهم التي كانوا يرتكبونها قبل الحج. وهذه دلالة ظاهرة على أن الحج لم يتقبل منهم، لأنه لم يظهر عليهم أي أثر للتقوى، وحالهم كأنهم في رحلة سياحية لا يفيدون منها سوى ضياع الوقت، وإنفاق المال سدى.
"الحاجات" مستهدفات من المتطرفين
من أجل تفادي الوقوع في مفتيي "الأشكاك" المتواجدين في مختلف المدن السعودية خاصة بمكة، المدينة المنورة، وجدة، سيما وأن فتواهم تختلف من كشك إلى آخر. هل فكرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدعوة الحجاج المغاربة إلى ضرورة "توخي الحذر" من الاحتكاك والتأثر بالتيار السلفي المتطرف بالبقاع المقدسة؟! مانعة في ذات السياق استيراد مطوياتهم وكتبهم أو أشرطتهم وتوزيعها بالمغرب. والحيطة والحذر من تسريب المطويات والكتب الدينية إلى صفوف الحجاج، والتي لا تتماشى مع المذهب المالكي السائد في المجتمع المغربي. أي ضرورة حماية الحجاج من الأفكار التي تشتت إيمانهم وعقيدتهم. وكذلك تحذير الحجاج المغاربة من الخوض في الجدال الذي يلاقونه أثناء تأديتهم مناسك الحج، وبتجنيبهم هذا الأمر خاصة ممن "يبثون السموم في وسط حجاجنا، الذين عادة ما يستعملون النساء لهذا الأمر"، وهو ما يستوجب على المرشدات الدينيات التفطن لهذا الأمر، بمنعهن للدخيلات من توزيع الوثائق والكتب.
المشعل