أمينة ودود وإمامة المرأة:
التسامح والمساواة في ممارسة الدين
كتبت صحف عربية عن الصلاة في صفحاتها الرئيسية ووصفت السيدة أمينة ودود بـ"المرأة المجنونة" التي تشارك كفار الغرب في الاساءة للإسلام.
الجدل حول أمينة ودود، أستاذة الدراسات الإسلامية، التي قامت مؤخرا بإمامة المصلين في صلاة الجمعة في نيويورك مستمر. ردود الفعل من مختلف أنحاء العالم الإسلامي تذكر المرء بقضية رواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي. تعليق الباحث الأندونيسي لطفي السيوكاني.
انتقد الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي زميلته بأنها تجاهلت التقاليد الإسلامية ذات التاريخ الذي امتد أربعة عشر قرنا من الزمان. وانتقدها أيضا المفتي العام (في المملكة العربية السعودية) عبد العزيز آل الشيخ - كما ذكرت وكالة أنباء أسوشيتس برس بتاريخ 19 مارس/آذار هذا العام - بوصفها بـ"عدو الإسلام"، الذي "يتجاوز حدود الله".
وتصدرت الصحف المصرية والسعودية تقارير عن الصلاة في صفحاتها الرئيسية ووصفت السيدة أمينة ودود بـ"المرأة المجنونة" التي تشارك كفار الغرب في الاساءة للإسلام.
وردود الفعل هذه مثيرة للقلق جدا، وتبين أن المسلمين لا يطيقون التغيير وردود فعلهم تكون جنونية إذا كان التغيير يمس إقامة الشعائر الدينية التقليدية. وأحيانا تكون ردود الفعل متطرفة للغاية، فعلاوة على الإحتقار والنقد - كما ذكرت وكالة أنباء ديلي تايمز في 23 مارس/آذار - وجدت أمينة ودود نفسها تواجه تهديدات بالقتل لأنها – كما يقال – "أساءت إلى الإسلام".
المغالاة في ردود الافعال
وبينما يتجادل علماء المسلمين حول الحجاب وعدم شرعية فوائد البنوك والزواج من غير المسلمين، تجرأت أمينة ودود – كأول إمرأة - على إيجاد حل عملي لمشكلة معقدة في الشريعة الإسلامية، واستطاعت بذلك الحصول على أكثر مما كان من الممكن أن تأتي به الحوارات.
إن المغالاة في ردود فعل علماء المسلمين والمثقفين تؤكد على استيائهم المطلق للاستفادة من التاريخ. وبمثل هذه العقلية كاد علماء المسلمين في أوائل القرن العشرين أن يحكموا باسم الدين بالكفر على فوائد البنوك وعمل المرأة وتحديد النسل وبعض الإنجازات التقنية.
إن التطور التاريخي لا بد وأن يتخطى مثل هذه العقلية المتصلبة التي تقف حائلا أمام كل تغيير، وما هي إلا مسألة وقت حتى يتقبل المسلمون "المرأة الإمام" التي تؤم الصلاة.
ولما أجاز المصلح الديني الإمام محمد عبده آنذاك بحل فوائد البنوك واجه نقدا من رجال الدين المصريين، كما واجه الشيخ علي عبد الرازق النقد أيضا عندما قال بأن الخلافة ليست إسلامية. ومع ذلك فإن تلك الآراء المثيرة للجدل أصبحت مقبولة لدى كثير من المسلمين.
المجتمع الذكوري
وبعض رجال الدين المسلمين والمثقفين يرون اليوم أن عدم تقلد النساء الوظائف الدينية يرجع إلى طبيعة المجتمع العربي الذي يسيطر عليه الرجال، وبعبارة أخرى إن ما يكمن وراء ذلك ليس حكم إلهي ولكن تركيبة ثقافية اجتماعية.
وحتى الدكتور خالد أبو الفضل أستاذ الشريعة بجامعة كاليفورنيا يرى أن القرآن لا يحرم - ضمنيا - إمامة المرأة للرجال في الصلاة. وفي إندونيسيا يرى الشيخ حسين محمد، من مدينة سيربون، أن المرأة يجوز لها فعلا أن تؤم الصلاة الجماعية من الرجال والنساء، وأن الفصل بين الرجال والنساء أثناء الصلاة لا أساس له من الصحة طالما أن هذا الأمر لا يحدث في أقدس بقعة في العالم الإسلامي، أي في المسجد الحرام بمكة.
ومما يمكن تعلمه من قضية أمينة ودود هو أن المسلمين بالكاد يتقبلون وجهات النظر المختلفة، وخاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بالدين. وصحيح أن أمينة ودود استطاعت أن تؤم صلاة الجمعة لأنها تعيش في أمريكا، كما أنه لم يكن من السهل وجود مكان للصلاة بسبب التهديدات التي جاءت من الدوائر الأصولية.
وأخيرا اضطروا للصلاة في الكنيسة الانغليكانية، حيث كانت قوات الأمن تحمي المصلين. ولو كان الأمر في بلد مسلم لما حدث ذلك على وجه الإطلاق. ويبدو أنه من السهل على المسلمين أن يفكروا في استعمال العنف أو التهديد به للتعبير عن عقيدتهم الدينية. والجمع بين عدم التسامح والتعصب لن يمكن السكوت عنه طويلا.
الحاجة للتسامح
إن السيدة أمينة ودود تستحق مساندتنا، إذ أن الأمر لا يتعلق أولا وأخيرا بالمساواة بين الجنسين أو بشكل إقامة الشعائر الدينية، ولكن يتعلق أساسا بالتسامح في الأشياء الدينية. ولكي يحظى المسلمون بشيء من الحرية والديمقراطية، فإنه لزاما عليهم أن يرضوا بأن بعض الآراء والتفسيرات المتعلقة بالدين من الممكن أن تتغير بمرور الوقت وأن ممارسة الدين ليست من الأشياء الثابتة غير المتحركة.
بقلم لطفي السيوكاني
ترجمة عبد اللطيف شعيب