حوار مع لويزة بيكر من مركز البحوث النسائية الإسلامية:
تقييم منفتح جديد لوضع المرأة في الإسلام
الآية 34 مثار جدل بين النساء!
كلما دار الحديث حول موقف القرآن، اتجه المسلمون – وكذلك غير المسلمين – إلى الإشارة إلى الآية 34 من سورة النساء. لهذا السبب اهتم "مركز البحوث النسائية الإسلامية" – الواقع في مدينة كولونيا بالتساؤل حول التفسير التقليدي لتلك الآية؛ مُسجلاً نتائج بحثه في كُتيب، صدر مؤخراً. حوار أجرته سوزان جواد لويزه بيكر حول هذا الموضوع.
"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً" (النساء:34).
السيدة بيكير، كيف تم الوصول إلى مثل هذه الفكرة؟ وهي الخوض في تلك الآية، وإعادة تفسيرها من جديد؟
لويزه بيكر: من النظرة الأولى للآية، يمكن للمرء أن يتصور أن النص قد يحمل تحيزاً ضد المرأة في علاقتها مع الرجل. ولذلك قام المركز بالتركيز على هذه الآية بالذات؛ ليس فقط على المستوى الإسلامي، بل أيضاً على المستويين الألماني والأوربي الغربي. فالأمر مطروح بشدة في الأوساط الغربية، ويمس النساء المسلمات على وجه الخصوص. فعندما تقرأ النساء المسلمات هذه الآية لا يعرفن ولا يدركن كيفية التعامل معها، خاصةً وأنهن يفتقدن بشدة إلى الأسس المطلوبة للتعامل بعمق مع النصوص القرآنية.
إضافةً إلى ذلك، فإن هذه الآية يتم استغلالها – بكل أسف – من قبل الرجال المسلمين الذين يرغبون دائماً في التأكيد على امتيازاتهم الممنوحة إليهم من الله، حسب اعتقادهم. كل ذلك كان مُدعاةً لنا لكي نبحث في هذا النص، ولكي نعيد تفسيره من جديد في إطار ما نعيشه من تطورات.
إلى أي جمهور يتم توجيه مثل هذا الخطاب؟
لويزه بيكر: بالطبع، يتم توجيه مثل هذا الخطاب إلى النساء المسلمات؛ ولا سيما القادمات من بلدان أخرى يغلب عليها الطابع التقليدي. هاته النساء يحاولن التمسك بعقيدتهن قدر المُستطاع؛ ويحاولن في الوقت ذاته العيش داخل المجتمع الألماني العلماني. إن جماعتنا المُستهدفة هي الأجيال المسلمة الشابة أكثر من الأجيال المهاجرة الأولى. كذلك نستهدف النساء المسلمات اللائي يجدن صعوبةً أو تناقضاً في المزج بين تقاليدهن من ناحية وحياتهن الواقعية من ناحية أخرى.
أما النساء اللائي قضين معظم حياتهن في قالب تقليدي، فهن ينظرن إلينا باعتبارنا "مُستغربين" أو "حداثيين"؛ ولا يقتنعن بوضع حياتهن السابقة محل سؤال، بل يرين أن مجرد التفكير في ذلك أمر مؤلم للغاية.
إن نشاطنا البحثي لابد وأن يقرع الجرس لدى المجتمع الألماني، مُعلماً إياه بأنه يمكن التعامل مع النص في الإسلام؛ وبأن "علم الكلام" زاخر بمثل هذا التعامل. إن التعامل مع النص القرآني ليس جديداً؛ فهو موجود منذ زمن؛ إلا أن المشكلة الحقيقية تتمثل في نسيان هذا الأمر على المدى البعيد.
إلى من تم إرسال هذا الكُتيب، وما هي الرسالة التي يبغي نقلها؟
بيكر: لقد أرسل المركز هذا الكُتيب إلى الجامعات والمساجد؛ وبالطبع إلى دور النشر التي تهتم بموضوعات المرأة. إن ما يُهمنا هو فتح باب النقاش؛ إلا أن عملنا لا يجب أن يُفهم أبداً على أساس أنه الحل الأخير أو المطلق. فنحن في النهاية عباد مُقصرون، ومن ثم لن نستطيع مطلقاً إعطاء إيجابيات نهائية.
باعتقادي أنه هناك مشكلة كبيرة تواجه المسلمين – وهي إحدى المشاكل الكبيرة في المجتمعات المسلمة؛ ألا وهي مشكلة الالتزام برأي الأغلبية تحت شعار "أن الفقيه س أو ص قد أفتى بذلك منذ مئات السنين"، مما يجعل هذه الفتوى تتحول – مع احترامي لها – إلى قانون "إلهي".
نحن نتفق كثيراً مع أسلوب العلماء المسلمين الأوائل الذين كانوا يقولون: "إنما تموت آراؤنا معنا"؛ وهذا ما قاله الإمام أبو حنيفة. إلا أن كل ذلك قد تم وضعه – حالياً – في طي النسيان، أو تم غض الطرف عنه لمصلحةٍ ما. ولذلك انصب عملنا على إبراز أجوبة العلماء الأوائل إلى جانب العلماء الحاليين؛ ومن ثم توضيح التناقض بين تلك الأجوبة والنص الأصلي، فيما يتعلق بالعدل بين الجنسين.
نحن نأمل في القضاء على ذلك الفكر التقليدي المحافظ، والعودة إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل في فجر الإسلام: فكر متفتح، يسمح بالاجتهاد والرأي، ويفسح المجال للآراء المخالفة دون اتهامها بالهرطقة أو الإلحاد أو الكفر.
كيف تتعاملون إذن مع الآية 34 في سورة النساء؟
بيكر: لقد نهى الرسول الرجال المسلمين عن ضرب نسائهم. ومن ثم، فإن كلمة "ضرب" يمكن تفسيرها في هذا الإطار بطريقة أخرى، الا وهي "اختيار طريق آخر". بمعنى آخر، أن يقوم الزوج ساعتها بالابتعاد عن بيت الزوجية.
إن هناك خطأً هائلاً – بغض النظر عن تللك الآية – يقترفه الكثير من المسلمين في التعامل مع القرآن. فهم يتجاهلون أمرين شديدي الأهمية: الأمر الأول أن هناك نصوصا قرآنية عامة، تعكس العدالة بين الجنسين. والأمر الثاني أن هناك نصوصا قرآنية خاصة، تتعلق بإطار خاص. المشكلة تتمثل في قيام التقليديين باستخلاص أحكام عامة من الأمثلة الخاصة، مما يؤدي إلى ذيوع التناقضات والفروقات التي لا يقوم أولئك التقليديون بالرد عليها.
تلك هي الإشكالية الحقيقية: أن يتم تعميم المثل التاريخي على جميع الأزمنة؛ وأن يتم تجاوز الأطر الخاصة التي أُنزلت فيها آيات معينة. وإذا ما حدث ذلك، فإن النصوص ستبدو غير مفهومة لقارئ القرآن؛ بل لن يدرك القارئ حقيقة العدالة بين الجنسين، المنصوص عليها في القرآن. إلا أنه من حسن الحظ، بدأ بعض المسلمين إدراك ذلك؛ وبدأ هذا الإدراك يتحول إلى موضوع للجدل بين العلماء. وهو الجدل الذي لابد – للأسف – أن يقوده العلماء المسلمون للخروج من هذه الإشكالية أو من هذه الأزمة.
كيف كانت ردود الأفعال المسلمة على هذا الكُتيب؟
بيكر: إن معظم ردود الأفعال جاءتنا من الأوساط غير المسلمة. ولم يأتنا من الدوائر المسلمة سوى القليل؛ لقد كانت الردود من قبل الطرف المسلم مطابقةً فعلاً للواقع. فالموضوع ما زال يحمل في طياته الكثير من المخاطر، سواءً بالنسبة للمسلمين أو المسلمات. لقد جاءني رجل مسلم قائلاً: "إن ما كتبتموه مثير بالفعل، إلا أنه يأتي للأسف مرة أخرى ضد مصلحة الرجال"؛ وحينما أوضحت له توصل عالم معروف – يعيش في الوقت الحالي – إلى نفس النتيجة التي وصلت إليها، بدأ في تغيير موقفه، وبات مستعداً لمناقشة محتوى ذلك الكُتيب.
إنها حقيقةً لمشكلة كبيرة: ألا يحصل مثل هذا العمل على الإعتراف لأن كاتبته إمرأة في حين أنه كان سيحظى بالإعتراف لو أن رجلا كتبه. الأمر الذي يلقي ضوءاً على التفكير التقليدي حيال المرأة؛ وهو ما لا يمت للإسلام بصلة.
وهذا لا ينفي حقيقة أنه وصلتنا ردود ايجابية عدة، سواءً من نساء مسلمات أو من رجال مسلمين، فضلوا مكالمتنا هاتفياُ بصورة شخصية عن الكتابة إلينا. وهو الأمر الذي يؤكد ظننا في أن الرجال خائفون من إعلان أسمائهم في مثل هذا السجال.
هل يمتلك المركز أية علاقات مع جماعات مسلمة أخرى تتبنى نفس الآراء أو التوجهات؟
بيكر: للأسف الشديد، لا توجد في أوربا كلها شبكة مُساهمة في بناء هذا المشروع. إلا أنها قيد التكوين. فحتى الآن، لم يشارك معنا سوى شخصيات فردية؛ مثل فاطمة المرنيسي وأمينة ودود ورفعت حسان. إننا نود بناء علاقات قوية مع هاتيك النساء المسلمات اللائي يعتمدن على القرآن كأساس في بحوثهن ودراساتهن، واللائي لا ينظرن إلى الإسلام باعتباره مجرد واجهة ثقافية. وأخيراُ، يجب القول إننا – حتى هذه اللحظة – نعتبر الجماعة الوحيدة التي تتعامل مع النص القرآني بمثل هذه الطريقة.
أجرت الحوار سوزان جواد
ترجمة شيرين حامد فهمي