جودت سعيد:
الإسلام دين اللاعنف
الكاتب السوري جودت سعيد من الأسماء المعروفة في سياق الحركة الإسلامية المعاصرة، فكتبه لا تزال تطبع وتباع رغم قدم بعضها، وأفكاره مثيرة للجدل خصوصا في أوساط الإسلاميين. بشار حميض يعرفنا بهذا المفكر
جودت سعيد: كفاح من أجل اللاعنف في الإسلام
إن جودت سعيد يدعو منذ 40 عاما إلى فكرة "اللاعنف الإسلامي" وتلقى أفكاره انتشارا متزايدا رغم أو بالأحرى بسبب العنف الذي يسيطر على الحياة السياسية في كثير من أنحاء العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن مضى.
بداياته
ولد جودت سعيد عام 1931 في قرية بير عجم السورية ثم توجه في شبابه إلى مصر للدراسة في الأزهر حيث أنهى هناك دراسة اللغة العربية وانخرط في الحياة الثقافية المصرية مقتربا من الحركة الإسلامية المتمثلة بالإخوان المسلمين.
إلا أنه بقي مراقبا ناقدا لمسار هذه الحركة ونشر في عام 1966 كتابه "مذهب ابن آدم الأول: مشكلة العنف في العالم الإسلامي". الذي جاء ردا على اتجاه الإخوان المسلمين نحو ممارسة العنف السياسي.
إن أهمية هذا الكتاب تكمن في أنه أول محاولة لصياغة مفهوم لاعنفي إسلامي في التاريخ المعاصر، وفي أنه أول رد مباشر على كتابات سيد قطب (توفي عام 1966) التي شكلت الأساس الفكري لحركات العنف الإسلامي.
ورغم أن كتابا إسلاميين آخرين ردوا على سيد قطب، مثل حسن الهضيبي المرشد السابق للإخوان المسلمين، في كتابه "دعاة لا قضاة" (1969)، إلا أن رد سعيد كان أكثر جذرية وتطور فيما بعد إلى مفهوم متكامل.
مفهوم اللاعنف عند جودت سعيد
ينتمي سعيد إلى المدرسة الإصلاحية الإسلامية المتمثلة بأسماء مثل عبد الرحمن الكواكبي ومحمد إقبال. كذلك يكثر في كتبه ذكر الكاتب الجزائري، مالك بن نبي، الذي طور مفهوم "القابلية للاستعمار" وركز على ضرورة الإصلاح الداخلي في المجتمعات الإسلامية بدلا من تحميل الاستعمار وزر جميع المشكلات التي تعاني منها هذه المجتمعات.
حاول سعيد مخاطبة الشباب المسلم من خلال مجموعة من الكتب الإرشادية التي نشرها في سلسلة بعنوان "سنن تغيير النفس والمجتمع" تعالج الحياة الشخصية والاجتماعية مع التركيز على أن اللاعنف هو سبيل إسلامي أصيل لا بديل عنه.
ولإثبات فكرة اللاعنف الإسلامي يرجع سعيد إلى نصوص القرآن وخصوصا الآية 27 من سورة المائدة التي تبين أن إبن آدم الأول، هابيل، رفض أن يدافع عن نفسه أمام قابيل حيث قال له: "لإن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين".
ويرى سعيد أن ذكر هذه القصة في القرآن دليل على أن الأصل في الإسلام هو عدم ممارسة العنف حتى في حالة الدفاع عن النفس، وأن "مذهب إبن آدم الأول" هو المذهب الأصيل الواجب اتباعه من قبل المسلمين وغيرهم.
إلا أن السؤال الذي يجب طرحه هنا هو: كيف يفسر سعيد الآيات والأحاديث التي تسمح للمسلمين بالقتال؟
يرى سعيد أن الإسلام وضع شروطا للقتال أهمها:
أولا: أن يخل الخصم بمبدأ "لا إكراه في الدين"، أي أن لا يسمح بحرية الفكر والتعبير. أما إذا كان الخصم يطبق هذا المبدأ فلا يجوز قتاله.
ثانيا: أن يكون الطرف الذي يعلن القتال ملتزما بمبدأ "لا إكراه في الدين".
مفهوم جديد لتفسير القرآن
بهذه الشروط أراد سعيد أن يصعّب على الحركات الإسلامية ممارسة العنف ضد الدولة والمجتمع. ولكن يبدو أنه أحس لاحقا بضرورة إعادة النظر بشكل أعمق لهذه المسألة، وربما كان هذا السبب في نشر كتابه "إقرأ وربك الأكرم" عام 1988.
ففي هذا الكتاب طور جودت سعيد مفهوما جديدا لتفسير القرآن مكنه من تدعيم فكرة اللاعنف الإسلامي بشكل أفضل. يركز الكتاب على أن التفسيرات المختلفة للنصوص القرآنية كانت تشكل تحديا حتى للرعيل الأول من الصحابة. فموضوع تفسير النصوص كان أمرا مركزيا في الخلاف الذي وقع بين الخليفة الرابع، علي إبن أبي طالب، والخوارج.
وفي هذا السياق يعيد جودت سعيد إكتشاف مجموعة من الأفكار التراثية المهمة لفهم النص القرآني مثل قول الغزالي: "من طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك".
ويخلص جودت سعيد في كتابه إلى أن القرآن لا يطلب من المؤمنين البحث عن المعرفة في صفحاته وإنما في الوجود المادي. لذا يركز جودت سعيد على فكرة "السير في الأرض" والنظر فيها، وهي فكرة تكررت في القرآن 13 مرة. كما يركز على الأمر القرآني بالقراءة ويوضح أهميتها في معرفة تاريخ المجتمعات وأسباب تقدمها وتأخرها.
تجاوز مرحلة سفك الدماء
إن لدى جودت سعيد فهما فريدا لآيات القرآن يختلف بشكل جذري عن التفسيرات المتداولة. فهو يرى أن الله يريد في القرآن أن يبعد الإنسان عن الفكر الغيبي ويجعله معتمدا على النظر العقلي في الكون من أجل التوصل إلى السعادة.
من أهم الأدلة التي يكررها سعيد لاستدلال على ذلك قصة الحوار الذي ورد في القرآن بين الملائكة والله بخصوص استخلاف آدم في الأرض. فعند اعتراض الملائكة على استخلاف آدم في الآية 30 من سورة البقرة بقولهم "أتجعل فيها من يسفد فيها ويسفك الدماء"، تأتي إجابة الله بتعليم آدم "الأسماء كلها".
حسب نظر سعيد فإن الله وهب الإنسان القدرة على تسمية الأشياء، وهو الأمر الأساسي الذي بدونه لا يمكن للإنسان أن يفكر، من أجل أن يتجاوز الإنسان مرحلة سفك الدماء وإفساد الأرض. ومع اعتراف سعيد بأن الإنسان لم يتجاوز إلى الآن هذه المرحلة، إلا أنه على يقين بأن العلوم الاجتماعية والمادية ستشق طريقها نحو تحقيق السلم والرفاه للإنسان.
إن جودت سعيد يركز على استخدام التراث ولغته في التوصل إلى أهدافه إلا أنه فتح بأفكاره بابا واسعا لتفسير معاصر للنص القرآني يخرجه من التفسير اللغوي البحت ويدخله في سياقات جديدة بعيدة عن الفكر الأصولي.
بقلم بشار حميض
حقوق الطبع قنطرة 2006
بشار حميض صحفي أردني مقيم في ألمانيا
هذا المقال جزء من دراسة ماجستير في العلوم السياسية حول "العنف واللاعنف في الحركات الإسلامية المعاصرة" قدمها الكاتب في جامعة إرلانغن-نورينبيرغ الألماني