د. زغلول النجار: الرئيس التونسي حارب الإسلام.. وإحراق الإنسان لنفسه خطأ كبير وانتحار
قال لـ «الشرق الأوسط» : مشايخ لا صلة لهم بالعلم وعلمانيون وحساد أعداء الإعجاز العلمي بالقرآن
اتهم الدكتور زغلول النجار، أستاذ علوم الأرض وزميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم ورئيس لجنة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، جهات ثلاثا معادية لمبدأ الإعجاز العلمي بالقرآن الكريم، لخصهم بمشايخ لا صلة لهم بالعلم ويتخيلون أن العلم بمجمله فروض ونظريات، وعلمانيين وشيوعيين لا يرغبون بانتصار الدين للعلم، وصنف يحزنه نجاح الآخرين غيرة وحسدا، مؤكدا أن تفسيره للإعجاز العلمي لا يكون ألبتة من خلال ليِّ عنق الآيات واحترامه لجميع الضوابط التي كان قد حددها سابقا في أحد مؤلفاته.
من جهة أخرى، كشف الدكتور النجار، في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، عن تربيته ونشأته على مدرسة الإخوان المسلمين، مضيفا: «أدين لمدرسة الإخوان بالفضل وأشعر أنها تمثل الدعوة الإسلامية الوسطية التي تأخذ بالكتاب والسنة مع معايشة العصر، وهذه ميزة لا تتوافر في كثير من الدعوات الأخرى، إلا أنني أنتمي للجميع: للسلفيين والإخوان وغيرهما».
وقال الدكتور النجار، بشأن ظاهرة محاولة حرق البعض أنفسهم في الوطن العربي إثر ما أحدثه حرق بوعزيزي التونسي لنفسه من تغييرات في تونس: إنه «خطأ كبير»، والإنسان لا يملك روحه ولا يجوز أن يتصرف فيها بالإحراق أو الإغراق أو التسمم، وأن ينتحر الإنسان من دون أسباب ومبررات حقيقية يموت على الكفر، منوها بأن من بين هذه المبررات كأن يكون «فقد عقله ووعيه أو معاناته أزمة نفسية شديدة، أو أن تكون الطرق قد سُدت أمامه بالكامل، وفي النهاية يكون الحكم لله»..
* باعتبارك أستاذا لعلوم الأرض ومتخصصا في مجال الجيولوجيا، ما الذي دفعك إلى الاتجاه صوب تفسير الإعجاز العلمي في القرآن، مع كثرة الفقهاء والعلماء؟ ألسنا بحاجة إلى علماء في الجوانب العلمية؟
- أنا لم أترك على الرغم من ذلك الجانب العلمي؛ فقد قمت بالتدريس في عشرات الجامعات على مدى 50 عاما، كما خرَّجت المئات من حملة الدكتوراه في مجال علوم الأرض، وما زلت حتى الآن أقوم بأعمال استشارية في السعودية وغيرها في مجال تخصصي، لكنني أؤمن بشمولية المعرفة، فالمبالغة في التخصص أضرت بالإنسان في زماننا ضررا كبيرا، وهذه المبالغة في التخصص مرض انتقل إلى الوطن العربي، على الرغم من فائدتها في الجوانب العلمية والتقدم التقني، إلا أنها حجبت عن الإنسان إنسانيته وفهمه لرسالته في الحياة، الإنسان إنسان بإنسانيته وليس على مقدرته بكسب المال.
* لكن نحن نرى أن عددا من الأثرياء الغربيين كثيرا ما تكون لهم إسهامات إنسانية واجتماعية، على عكس ما نشاهده في مجتمعاتنا الشرقية؟
- تكون حالات فردية، والحكم بالتعميم غير دقيق، وأغلب من يدفعون تبرعات في العمل الخيري إنما غرضهم التهرب من دفع الضرائب وليس حبا في الخدمة الإنسانية.
* تشهد الساحة الإسلامية ظهور عدد كبير من العلماء والدعاة.. ألا تتفق مع ضرورة التخصص؟
- المعرفة الإنسانية لها طبيعة كلية وشمولية؛ فمن يفسر القرآن باللغة وحدها يفشل تماما في الوصول إلى الإشارات العلمية في القرآن الكريم أو أحاديث الرسول الكريم؛ فالدور الذي أقوم به مهم جدا في إعادة تفسير الإشارات الكونية في كتاب الله وسنة رسوله من خلال اللغة، إضافة إلى العلم، فمن فسروا باللغة وحدها في القديم أصابوا وأخطأوا، من المهم جدا أن يدخل العلم في تفسير الإشارات العلمية، ومن فسروا في القديم بذلوا جهدا بما كان متاحا لهم ولا أنتقدهم أو أقلل من شأنهم، لكن ونحن حاليا في زمن العلم علينا تفسير الإشارات الكونية في كتاب الله وسنة رسوله باللغة أولا، ثم بالعلم.
* كيف ترد على منتقدي تفسير الإعجاز العلمي في القرآن، واعتباره بمثابة موضة جديدة؟
- لا، ليس موضة، وإنما ضرورة من ضرورات العصر؛ فنحن نعيش في عصر العلم، الذي يقتضي توظيف العلم لفهم الآيات، وذلك لعرض الإسلام على أهل عصرنا باللغة التي يفهمونها.
* شهدت مسيرتك نحو تفسير الإعجاز العلمي بالقرآن انتقادات من قبل البعض في مناسبات مختلفة، وسعي المتحدثين عن الإعجاز العلمي إلى لي أعناق المفردات لتوظيفها كما يشاءون، ماذا تقول في هذا الأمر؟
- أبدا لم أسعَ إلى لي عنق المفردات من أجل التسويق لأي نظرية علمية، وإنما على العكس فقد ألفت كتابا بشأن الضوابط التي تجب مراعاتها في هذا الأمر، ووضعت 20 ضابطا لضمان عدم لي عنق الآيات القرآنية، إن هاجمني البعض فالآلاف امتدحوا العمل والبحث في هذا المجال.
* كيف تفسر الهجمة الحالية على القائمين في مجال الإعجاز العلمي بالقرآن؟
- أقسم الأمر إلى ثلاث جهات أو أصناف، الأول: المشايخ الذين لا صلة لهم بالعلم ويتخيلون أن العلم بمجمله فروض ونظريات، وحرصا على القرآن فهم يستنكرون تفسيرا ثابتا بنظرية قابلة للانهيار وكيف نفسر الثابت بالمتغير؟ وهم لا يدركون أنه لا يوظف في الإعجاز العلمي إن كان في القرآن أو السنة إلا القطعي أو الثابت من الحقائق العلمية، بحسب رأي أهل العلم، لا رجعة فيه، والعلم إذا وصل إلى مقام الحقيقة أو القانون أو المعادلة الرياضية الصحيحة لا ينقلب على ذاته ولا يتغير، على الرغم من إمكانية التوسع فيه والإضافة إليه.
* ماذا عن الصنفين الآخرين؟
- الثاني هم من أعداء الدين الشيوعيين والعلمانيين والدهريين ممن أقاموا ادعاءهم على وجود تعارض بين الدين والعلم، فعندما وجدوا أن العلم ينتصر للقرآن والسنة أزعجهم ذلك وهم كثر، والمجموعة الثالثة هم من يكرهون النجاح وينزعجون لرؤية إقبال الآخرين على شخص ما، فشخصيا ألقي المحاضرة ويشهدها الآلاف من الأشخاص وهناك من لا يسعد برؤية هذا حسدا وغيرة.
* من خلال الحديث عن الإعجاز العمي للقرآن وبذل الجهد في إثباته، هل نسعى إلى تأكيد حقيقة كونه وحيا من لدن الخالق، سبحانه وتعالى؟
- القرآن لا يحتاجني أو يحتاجك، وهو حق بذاته، لكن نحن مطالبون بالدعوة لهذا الدين، وغالب العالم في الوقت الحالي لم يعد يقبل الدين وإنما يبحث عن الأدلة المادية الملموسة.. من أجل ذلك أبقى الله، سبحانه وتعالى، هذا الكم الهائل من الشواهد الكونية حتى تكون شاهدة للقرآن في زمن العلم.
* دعنا ننتقل إلى زاوية أخرى في حديثنا معك، وأسألك: هل تعتبر نفسك ضمن الإخوان المسلمين؟
- تربيت في مدرسة الإخوان المسلمين، لكن أشعر حاليا أنني للمسلمين كافة ولست محصورا على طائفة معينة، وأدين لمدرسة الإخوان بالفضل وأشعر أنها تمثل الدعوة الإسلامية الوسطية التي تأخذ بالكتاب والسنة مع معايشة العصر، وهذه ميزة لا تتوافر في كثير من الدعوات الأخرى، إلا أنني للجميع: للسلفيين والإخوان وغيرهما.
* ما موقفك من الجانب السياسي، سواء أكان لحركة حماس أم الإخوان في مصر؟
- أؤيد حركة حماس قلبا وقالبا؛ لأنني أشعر أنها الطائفة الفلسطينية الوحيدة التي تمسكت بحقها في الأرض والدفاع عن ملكيتها لأرض فلسطين، أما المنظمة فهم باعوا الأرض بدراهم بخسة، كما أظهرت 1600 وثيقة تدين هؤلاء ببيع الأرض لليهود.
* بشأن الاحتقان الطائفي في مصر، كيف ترى المشهد؟
- الاحتقان الطائفي في مصر له دوافعه الخارجية؛ فالنصارى عاشوا مع المسلمين 1400 سنة يأخذون حقوقهم كاملة، وفي السنوات الأخيرة بدأوا يتنمرون بصورة واضحة، وكلما أعطوا حقا من الحقوق طالبوا بالمزيد ولا يرضيهم شيء على الإطلاق، مما يؤكد وجود قوى خارجية تحرضهم.. في المقابل ظلمهم أو قتلهم أو عدم إعطائهم حقوقهم.. ذلك كله أمر محرم في الشريعة الإسلامية، والرسول الكريم حرم إيذاء الذميين، فحق المواطنة مضمون لهم، إلا أن القوى الخارجية، إسرائيل والمخابرات الأميركية والأوروبية، تسعى إلى تفتيت العالم الإسلامي.
* كان هناك إعلان مصري رسمي عن دور جماعة «جيش الإسلام» في غزة في تفجير الكنيسة في مصر، ما رأيك بهذا الاتهام؟
- هذا كلام غير صحيح؛ فغزة مشغولة بهمومها، و2.5 مليون مسلم محاصرون لا يجدون قوتهم اليومي غير متفرغين للتدخل بالشأن المصري؛ لذلك فيجب البحث عن المخابرات الأميركية والإسرائيلية اللتين لهما هدف في إثارة الفتن عوضا عن توجيه الاتهام إلى عناصر من داخل فلسطين.
* ما رأيك بشأن الأحداث الأخيرة التي وقعت في تونس والانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي؟
- لقد هاجمت الرئيس التونسي السابق «زين العابدين بن علي» منذ أكثر من 3 أعوام في أحد برامجي «البينة» بسبب منعه من تعمير المساجد وإغلاقها وإعطاء المواطنين كروتا ممغنطة للدخول إلى المساجد، ومحاربة الإسلام وحجاب المرأة وجميع المظاهر الدينية، وقلت كل ذلك علنا، ولطالما حذرته من مغبة تصرفاته وإثمه وعقوبته التي ستقع عليه من الله تعالى، فقد أعطى للجميع دورا في حكم البلد عدا الإسلاميين وكأنه شيطان يحكم البلد، على الرغم من أن نسبة المسلمين في تونس 100% ولا توجد ملل أخرى.
* ماذا تقول بظهور حالات مختلفة نهجت ذات طريقة التونسي بوعزيزي بإشعال النيران في نفسه قبل أن تنفجر الانتفاضة الشعبية في تونس، كما حدث في الجزائر ومصر وغيرهما؟
- الانتحار محرم شرعا والله سبحانه وتعالى وحده يحكم بشأنهم، ولا نستطيع أن نصدر أحكاما عليهم، لكن الانتفاضة أتت بعد أن فاض الكيل بالناس.
* ماذا بشأن إحراق الآخرين أنفسهم؟
- هذا خطأ كبير، والإنسان لا يملك روحه ولا يجوز أن يتصرف فيها بالإحراق أو الإغراق أو التسمم، وأن ينتحر الإنسان من دون أسباب ومبررات حقيقية فهو يموت على الكفر.
* ماذا تقصد بالأسباب الحقيقية ومبررات الانتحار؟
- كأن يكون قد فقد عقله ووعيه أو معاناته أزمة نفسية شديدة، أو أن تكون الطرق قد سُدت أمامه بالكامل، وفي النهاية يكون الحكم لله، ومع ذلك لا يجوز للمسلم أن ينتحر إطلاقا.
* ما رأيك بما يسمى الدعاة الجدد؟
- بالطبع أي شخص يدعو إلى الإسلام فأنا أؤيده بشرط الالتزام بالكتاب والسنة، وعدم الابتداع، والتغيير في الأسلوب وارد حتى يلقى القبول في الأجيال الجديدة، إلا أن الأصول ثابتة.
* باعتباركم من العلماء المخضرمين، هل تخشون من مزاحمة الدعاة الشباب لكم؟
- على العكس تماما، نرحب بذلك؛ فالشباب بحاجة لمن هم من عمرهم ليتمكنوا من التواصل والتخاطب معهم، ويصلون إلى كادر من الشباب قد يصعب علينا الوصول إليهم.
* لكن ألا ترون أنكم كجيل مخضرم أكثر حكمة واتزانا، وبالأخص في مجال الفتيا؟
- بلا شك، والفتيا يجب ألا تكون عبر شاشات التلفاز وإنما في غرف مغلقة يجتمع فيها علماء المسلمين ولا يخرجون سوى برأي محدد، أما الفتيا عبر الشاشات فهي مخاطرة كبيرة جدا.
* كان لديك برنامج في قناة «الرسالة» تناولت فيه الإفتاء في قضايا اجتماعية.
- أبدا لم أخُض في الفتيا، وإنما تكلمت عن الإعجاز الاجتماعي في الإسلام، أما شأن الفتيا فهو أمر خطر جدا لا يحتاج فقط إلى العلم وإنما إلى التدريب، ومعايشة عملية الإفتاء منذ الصغر لتعلم روح الإفتاء.
* من جهة أخرى هناك الكثير من الإسلاميين من عارض حصر الفتيا وتقييدها بجهات معينة..
- على العكس، فأنا أرى الخطورة في طرح الفتيا من قبل أي فرد عبر شاشة التلفاز بغض النظر عن مدى تأهيله، الأمر الذي سيتسبب تبعا في إضعاف روح الدين.
* كان للشيخ يوسف القرضاوي في حديث سابق مع «الشرق الأوسط» تخوف بشأن تنامي التبشير للتشيع، هل تؤيده في مثل هذا التخوف؟
- الدكتور يوسف القرضاوي هو مفتي العصر وأعلم علماء المسلمين ورأيه محترم لديَّ جدا، وفوق كل اعتبار، إلا أنني لا أريد أن ينشغل المسلمون بفتح المعركة مع الطائفة الشيعية؛ لأن ملف المخابرات الأميركية قائم على إثارة المشكلات في المنطقة ومن أخطرها إثارة الخلافات السنية والشيعية، وعلى الطائفتين الالتقاء والتحاور من قبل علمائهما، كما نجح الشيخ يوسف القرضاوي في احتواء عدد من علماء الشيعة في اتحاد علماء المسلمين حتى يبعد من خلال هذه اللقاءات الجفاء بين الطرفين.
* التكسب من باب الدعوة، ماذا تقول بشأنه؟
- المطربون والمغنيات والراقصون جميعهم يتكسبون ويتقاضون الملايين، لماذا يحاسب الداعية على بعض الدراهم؟ والتكسب بالحلال أمر لا بأس فيه، فالداعية يتقاضى أجرا على جهده، هل على الداعية أن يعيش فقيرا؟ أما بالنسبة لي فأنا لا أتقاضى أي مبلغ سواء أكان من خلال محاضراتي أم برامجي التلفزيونية؛ حيث أغناني الله تعالى، وقد يكون حال بعض الدعاة مختلفا عني، باعتبار عملهم هو المصدر الرئيسي للتكسب.
* تحدث الكثيرون عن قرب نهاية العالم باصطدام مذنب في الأرض.. ما مدى صحة هذا الحديث؟
- هذا الحديث غير صحيح ألبتة، الغرب، لعدم إيمانهم بالله، فكل المفاجآت الكونية ترعبهم، ومن بضع سنوات أكد عالم فلكي اسمه شوماخر وجود مذنب سيضرب الأرض، مما دفع الكثير إلى الانتحار، ونحن كمسلمين نؤمن أن الله تعالى لن ينهي هذا الوجود إلا بإرادته وليس بمذنب يضرب الأرض، وعبر التاريخ الطويل لم يثبت أن هناك أي مذنب قد اصطدم بالأرض.
* ماذا تقول بشأن الإعجاز الرقمي ومحاولة البعض التفسير به؟
- أنا أتفق مع وجود إعجاز رقمي في القرآن الكريم، إلا أن بناء استنتاجات مستقبلية على أساس من الأرقام مخاطرة كبيرة جدا، وإذا اختلف هذا في المستقبل أكون قد كذبت القرآن الكريم، وكل من يفعل ذلك فهو يلجأ إلى حساب (الجمل) وهذا حساب يهودي يعطي لكل حرف هجائي قيمة، ليس له أي قاعدة رياضية وحساب باطل، والانتصار للقرآن بحساب يهودي مخاطرة كبيرة جدا.