مثقفون وكُتّاب سعوديون انتقدوا سعيهم إلى التغطية على إخفاقاتهم
لماذا لا تُسمع أصوات المسؤولين الحكوميين إلا بعد تقاعدهم؟
غادة محمد
انتقد عدد من المثقفين والكتاب السعوديين مسؤولين حكوميين في بلادهم، وقالوا إنهم يؤكدون بتصريحاتهم المتأخرة أن مناصبهم التي تقلدوها كانت تشريفاً لا تكليفاً، يأتي ذلك بعد مجموعة من التصريحات والاقتراحات "التحديثية" التي أطلقها مسؤولون سابقون في مواقع حكومية عدة.
عبد الله النعيم
جدة: في حين انتقد الكثيرون تصريحات المسؤولين السابقين، قائلين إنهم يغطون على إخفاقاتهم السابقة حين كانوا لا يحسنون التصرف والتخطيط لأن هالة المكانة الاجتماعية أعمتهم عن الرؤى، وحين ذهبت أضواء الشهرة للغير رغبوا في استعادتها بعد التقاعد، فطالبوا بإصلاح أخطاء بدأت أو كانت منذ أن كانوا هم الآمرين الناهين وقتها... رأى آخرون أن ظهورهم ومحاولة الإصلاح بعد ترك المنصب أمراً إيجابياً لأنه يضخّ المياه في عقل بشري يفتقر إلى الفكر المتجدد.
عضو مجلس الشورى السابق الشيخ محمد آل زلفة انتقد الأمين العام السابق لمدينة الرياض ومدير المعهد العربي لإنماء المدن عبد الله النعيم بعدما نقلت صحيفة الحياة عن الأخير طلبه إزالة الحواجز بين الرجال والنساء في إحدى الدورات التخصصية للأسرة، وأضافت الصحيفة نقلاً عن النعيم أنه قال إن "الاختلاط في كل مكان، في المسجد الحرام، والأسواق"، معلناً عن تذمره من التشديد في الفصل بين النساء والرجال في القاعة، ووضع مداخل خاصة لكل جنس.
ووجه آل زلفة سؤاله قائلاً "ما دام يرى بأن الاختلاط جائز ولا بأس فيه، فأين كان حديثه هذا حين خطط لبعض مناطق الرياض فجعلها مفصولة عن كلا الجنسين في ظل قلة عددها". وأضاف "نحن نحتاج المرونة أكثر من التخطيط وإعادة الجدولة"، وختم حديثه قائلاً "ما يصرح به مسؤولون سابقون الآن غير صحي ولا منطقي لأننا في الرياض على سبيل المثال ندفع ثمن أخطاء النعيم ومن جاوره حينها".
أما الكاتب المثير للجدل محمد السحيمي فتحدث لـ"إيلاف" مشبهاً المسؤولين الذين باتوا يطالبون بإعادة الهيكلة والتخطيط بعدما فقدوا مناصبهم بـ الأخوياء (جمع الخوي، وهو الشخص الملازم لرجل أكبر منه مكانة ومالاً ووجاهة) فقال "لولا خوفي من التعميم لقلت جميع المسؤولين كذلك، عدا غازي القصيبي رحمه الله".
محمد الرشيد
وأضاف "من المؤلم أن يتخيل أحدهم أنه يجب أن يكون على مزاج وراحة المسؤول الذي عيّنه، ويرى أن المسؤول شرفه لا كلفه، وهذا خطأ فادح.
وعن تكرار السيناريو يتوارثه مسؤولين ما بعد ترك المنصب، أوضح أن ذلك سيستمر باختلاف الأبطال، وما دام فكرهم واحد وإصرارهم على أن المنصب إكراماً لشخصه لا لأجل خدمة المواطن".
وشدد السحيمي على أن "هذا هو قمة الفساد الإداري، فالأهم لديهم هو لبس "البشت" والوقوف بثقة والابتسام لعدسة الكاميرا بوجاهة وهيبة، لو فتحنا تاريخ المسؤولين السابقين لوجدناه عبارة عن دشن، رعى وحضر، وللأسف فإنه قد يكون كارثة البلد الحقيقية، وما أصاب جدة كان ثمرة لهذا الفساد".
ورفض الكاتب السعودي خالد الغنامي أن يحكم على هذه الفئة من المسؤولين بالسوء، حيث رأى أن تصريحات مسؤولين سابقين خرجت للتو، سواء كانت آراء صائبة أو خاطئة، هي أمر إيجابي، وفي حديثه لإيلاف قال "فليخرجوا وليتحدثوا لأن خروج الرأي ونفض الغبار عن معلومات غابت عن الجمهور في ظل الفقر ألمعلوماتي الذي يميز تاريخنا المؤسساتي، لأننا بحاجة إلى تدوين هذه التجارب والخبرات".
وقال الغنامي "قد تكون هناك ضغوط شخصية تجبرهم على الصمت، لكنهم أنجزوا وقدموا أفكارًا واقتراحات، وأحسنوا التخطيط، ولا نستطيع أن ننكر ذلك على الإطلاق". وأوضح أن "الكثير يجهل أن السياسة فن مُمكن، ونحن بشر، نرتكب العديد من الحماقات والتصرفات غير اللائقة، فلا إنسان ناصع البياض، وآخر شديد السواد، فاللونان يتوحدان، وأحدهما يغلب".
يذكر أن هناك عددًا من التصريحات المثيرة التي خرجت بما يشبه التراجعات، وكان أبرزها إضافة إلى عبدالله النعيم، تصريحات تحديثية أطلقها وزير التربية والتعليم السابق محمد الرشيد تتعلق بالمناهج الدراسية.