على أمل فرض الهيمنة وإضعاف الثورة لإنقاذ الرئيس مبارك
السّلطات المصريّة استخدمت نقاط ضعف البنية التحتيّة للإنترنت
أشرف أبو جلالة
بعد انتصار إرادة الشعب المصري ونجاح المظاهرات التي انطلقت أواخر الشهر الماضي في ميدان التحرير وعدد من المحافظات في الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك، بدأ الجميع يؤكد الآن على أن القوة التي تتميز بها شبكة الإنترنت في ما يتعلق بتعبئة الأفراد كانت واحدة من أقوى الأسلحة التي ترتكز عليها المعارضة المصرية.
على الرّغم المحاولات التي بذلها النظام المصري السابق من أجل إعاقة تواصل المتظاهرين عبر شبكة الإنترنت، على أمل إضعاف الثورة، وإقدامه على قطع خدمة الإنترنت بعد دقائق معدودة من منتصف ليل يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، في ما اُعتُبِرت خطوة مستحيلة في عصر التواصل العالمي، إلا أن ذلك لم يساهم في إنقاذ مبارك وإبقائه في السلطة.
هذا وقد رأت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية في تقرير لها اليوم أن ذلك قد تسبب في إبهار المجتمع التقني حول العالم وأثار مخاوف من أنه وفي الوقت الذي تتواصل فيه الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، فإن حكومات استبدادية أخرى – معروف أن كثيرًا منها يتدخل بالفعل ويقوم بترشيح بعض مواقع الإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني – ربما يكون بحوزتها أيضًا ما يعتبر تحولاً قاتلاً بالنسبة إلى الإنترنت.
ونظرًا لأن قوة الإنترنت الأسطورية وقدرتها على تفادي العقبات يعتبران جزءًا من تصميمها الأساسي، فإن مهندسي أشهر الشبكات والاتصالات في العالم قد وقعوا في حيرة من أمرهم، سواء إن كانت حكومة مبارك قد نجحت في إتمام تلك المناورة أم لا. لكن الآن، ومع بدء المهندسين المصريين في تقييم الأدلة المجزأة ومعرفتهم الخاصة ببنية شبكة الإنترنت المصرية، بدؤوا يدركون ما الذي أضر بهم في واقع الأمر.
فمن خلال مقابلات أجريت مع عدد كبير من هؤلاء المهندسين، وكذلك من خلال فحص أجرى للبيانات التي تم تجميعها حول العالم خلال الفترة التي انقطعت فيها خدمة الإنترنت عن مصر، تبين أن الحكومة استغلت مزيجًا مدمّرًا من نقاط الضعف في البنية التحتية الوطنية. واتضح أيضًا أن السلطات المصرية تمتلك وسائل قوية تستعين بها في أعمال المراقبة وفرض السيطرة: فهناك بحوزتها خطوط الأنابيب التي تقوم بنقل المعلومات في جميع أنحاء البلاد وفي الخارج إلى مختلف أنحاء العالم.
وقال خبراء معنيون بالإنترنت إن ترتيبات مماثلة تكون أكثر شيوعًا في الدول الاستبدادية عما هو معترف به عمومًا. ففي سوريا على سبيل المثل، تقوم مؤسسة الاتصالات السورية بفرض هيمنتها على البنية التحتية، ويتدفق الجزء الأكبر من حركة المرور الدولي من خلال خط أنابيب واحد إلى قبرص. وتمتلك الأردن وقطر وعمان والسعودية ودول شرق أوسطية أخرى النوع نفسه من الناقل الحكومي المهيمن.
وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، بدأ يتحدث ناشطون في البحرين وإيران عن أن لديهم أدلة قوية على تعرض الإنترنت هناك لبطء شديد في ظل استمرار الاحتجاجات الجارية هنا وهناك. هذا وتتزايد احتمالات قطع خدمة الإنترنت في دول الشمال الإفريقي على وجه الخصوص، لأن معظمها يعتمد على عدد صغير من خطوط الألياف البصرية بالنسبة إلى الجزء الأكبر من حركة الإنترنت الدولية الخاصة بها.
ونقلت الصحيفة عن مهندسين تأكيدهم أن الهجوم الذي تعرضت له خدمة الإنترنت في مصر خلال الأيام الأولى لثورة الشباب اعتمد على ضربتين قاصيتين مزدوجتين. فكما هي الحال في كثير من الدول الاستبدادية، يجب أن تتصل خدمة الإنترنت في مصر بالعالم الخارجي عبر عدد صغير من البوابات الدولية التي تقع بإحكام في قبضة الحكومة. وقد قام فنيون في البداية بقطع كل الحركة الدولية تقريبًا عبر تلك البوابات.
ومن الناحية النظرية، كان لا بد للإنترنت الداخلي أن ينجو من هذا الهجوم. لكن قطع الخدمة كشف أيضًا عن الطريقة التي تعتمد من خلالها شبكات مصر الداخلية على لحظية وصول المعلومات من أنظمة توجد فقط خارج البلاد – بما في ذلك خدمة البريد الإلكتروني في شركات مثل "غوغل"، و"مايكروسوفت"، و"ياهو"؛ ومراكز البيانات في الولايات المتحدة؛ ودلائل الإنترنت التي يطلق عليها ملقمات اسم المجال، التي يمكنها أن تكون موجودة في أي مكان حول العالم من استراليا إلى ألمانيا.
ولم يتسبّب الهجوم الذي شنته الحكومة في ترك مصر معزولة عن العالم الخارجي فحسب، بل ظلت أنظمتها الداخلية أيضًا في نوع من أنواع حالات السبات. ونقلت الصحيفة عن جيم كوي، رئيس قسم التكنولوجيا في شركة Renesys المتخصصة في إدارة الشبكات ومقرها في نيو هامبشاير وتعني بمراقبة حركة الإنترنت من مصر عن قرب، قوله :" لقد حفروا بشكل غير متوقع على امتداد الطريق وصولاً إلى الطبقة السفلية للإنترنت وأوقفوا التدفق الخاص بحركة المرور. وبالنظر إلى نطاق إغلاقهم للخدمة وعدد مستخدمي الإنترنت، يمكن القول إنها حادثة غير مسبوقة".
وأشار المهندسون إلى أن إحدى نقاط الهجوم المحورية كانت على مبنى في 26 شارع رمسيس بالقاهرة، على بعد ميلين ونصف فقط من ميدان التحرير الذي كان مركزًا للاحتجاجات. وقال وائل أمين، رئيس شركة ITWorx المتخصّصة في تطوير البرمجيات ويوجد مقرها في القاهرة: "تعتبر الاتصالات المادية والمنطقية الفعلية في مصر ببقية دول العالم قليلة، ويتم ترخيصها من جانب الحكومة وتخضع لرقابة مشددة".