أين فلسطين في الثورة المصرية؟

أين فلسطين في الثورة المصرية؟
خليل قطاطو



أطاح المصريون بمبارك، ولكن هل أطاحوا بنظامه فعلا؟ ليس بعد، فوزارة أحمد شفيق التي شكلها مبارك قبل رحيله ما زالت تصرف الاعمال، والمجلس الاعلى للقوات المسلحة يدير البلاد، ربما كما أراد مبارك له، ولم ينقلب عليه كما يتخيل البعض.
قبل أن يؤدي الناطق العسكري التحية العسكرية للشهداء قدم لمبارك التقدير لما قدمه لمصر 'حربا وسلما'، فاذا كنا نقدر ما قدم فلم تم خلعه؟ وسقط المئات شهداء والاف الجرحى والمعتقلين.
الناطق العسكري أكد احترام مصر لكل المعاهدات الاقليمية والدولية، لماذا لا يقول صراحة انه يقصد اتفاقية كامب ديفيد، واتفاقية معبر رفح مع السلطة واسرائيل، أي أن السلام مع اسرائيل مستمر لأنه مهم لاستقرار المنطقة والعالم، وسيبقى معبر رفح مغلقا لسجن مليون ونصف المليون فلسطيني في غزة.
محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يعرف كيف يهاتف ايهود باراك قبل أن يهاتف شباب الثورة، ويتحاور معهم، وكيف سيلبي مطالبهم بصفته رئيسا مؤقتا للانتقال بمصر الى دولة مدنية ديمقراطية ذات مؤسسات.
لماذا لم يقم هذا المجلس العسكري بعد باطلاق سراح معتقلي الثورة وما قبلها، ولماذا لم يلغ بعد احكام الطوارئ العسكرية، ونظام منع التجول واقالة أحمد شفيق ووزارته، واقالة المدير العام للاذاعة والتلفزيون ورؤساء تحرير الصحف الحكومية التي ضللت المصريين وشوهت صورة الثوار ومطالبهم العادلة.
ألف سؤال في الاذهان، ولا اجابة، فنحن نثـــــق بالشباب والشعب المصري، ونتـــــوجس من الجيــــش ونواياه، اذ ان قراراته الاولى لا تبشر بخير.
أبدع الشباب المصري في انتاح واخراج هذه الثورة المذهلة، ولا نشك في نواياهم، فقلوبهم ممتلئة بحب مصر من أجل مستقبل مزهر لهم ولأولادهم، ولا أحد يلومهم في تركيزهم على الشأن المحلي، عدالة، وحرية، وضمان صحي واجتماعي وحياة أفضل تليق بمصر والمصريين، خالية من الفساد والرشوة والفقر والبطالة والقمع، ولكن لا يليق بهذه الثورة أن تغرق في محليتها وتنسى وضع مصر الاقليمي ودورها القومي المهم في دعم حركات التحرر، وخاصة فلسطين، كما كانت مصر الرائدة في دعم ثورة الجزائر في الخمسينات من القرن الماضي.
قيادات الجيش المصري الحالية هي القيادات التي كانت موالية لمبارك، ولها قنوات مفتوحة مع الامريكيين واسرائيل، وهي حريصة كما يبدو على إبقاء هذه القنوات ساخنة، والا فما معنى أن تطيح الثورة بمبارك الحليف القوي لاسرائيل، ولا تزال سفارة اسرائيل مفتوحة وسفيرها يعيش في القاهرة، وكأن شيئا لم يكن.
سمعنا عن فلسطين في ثورة تونس، أكثر مما سمعنا عنها من ثورة مصر، ربما يتذكر المصريون فلسطين بعد أن يفرغوا من شأنهم المحلي، وما يطمئننا أن الشباب صاحين والثورة مستمرة، لأنهم ربما يتوجسون من الجيش كما نتوجس.
الجيش المصري لم يقم بالثورة، صحيح انه قام بحمايتها.
ولكن شباب الثورة ومجلس الامناء المرتقب ان يعين مجلس حكم من خمسة (عسكري واربعة مدنيين) وحكومة مؤقتة من التكنوقراط (كما يقترح الثوار) وليذهب العساكر، طنطاوي ومجلسه العسكري الى ثكناتهم، وليخلوا الساحة للشعب ليختار حكومته ونوابه ورئيسه بديمقراطية حقيقية.
في التاريخ العربي الحديث، لم يتخل اي عسكري عن كرسي السلطة اطلاقا ـ ما عدا سوار الذهب السوداني ـ فاحذروا من العسكر ان يسرقوا الثورة، خاصة ان هؤلاء العساكر من المرضي عنهم من امريكا واسرائيل.
الفلسطينيون ينظرون الى هذه الثورات العربية الجديدة في تونس ومصر كطوق نجاة للحصول على حقوقهم المشروعة في الارض والعودة، لان الانظمة الحالية كانت في صف اسرائيل اكثر منها مع الحقوق الفلسطينية. الثورة المصرية ـ نظريا ـ ستغير مشكل التحالفات في المنطقة، ولا نتمنى ابدا ان تراوح مصر مكانها في جبهة الاعتدال العربي، عندها تكون الثورة قد بهتت او صودرت.
اتمنى ان اكون مخطئا في كل هذه التهيؤات، والاشهر القليلة القادمة ستوضح الصورة المبهمة الآن.
هنيئا للمصريين بثورتهم، ودعاؤنا لهم بان يحققوا كل مطالبهم، وان لا يكتفوا باسقاط مبارك، بل اسقاط نظامه ورجالاته، وليستمر ميدان التحرير ـ ساحة الشهداء ـ شعلة لهذه الثورة حتى لا يلعب الجيش بذيله.

' كاتب فلسطيني يقيم في امريكا