حاشية الحاكم
توفيق بوعشرين
هناك تقليد عربي غير موجود في أية ثقافة أخرى، يحاول إلصاق كل عيوب الحاكم ومساوئ حكمه بحاشيته وعائلته ومستشاريه، الذين يقدمون على أنهم دائرة شريرة تخدم مصالحها وتحجب المعلومات عن القائد، وتعزله عن شعبه، وتشوه الحقائق أمام عينيه، وتقف في وجه عجلة الإصلاح.
لما سقط بنعلي في تونس قالوا إن زوجته ليلى الطرابلسي كانت السبب الأول لخلعه من كرسي جلس عليه 23 سنة، وإن علي السرياتي، رئيس الحرس الرئاسي، وعبد الوهاب عبد الله، مهندس السياسة الإعلامية، هما المسؤولان عن عزله عما يجري في البلاد. ولما سقط حسني بمبارك قالوا إن ابنه جمال مبارك وأحمد عز وفتحي سرور وحبيب العدلي، وكلهم من الحزب الوطني الحاكم، هم الذين ضللوا الرئيس وزينوا له فكرة التوريث، وأقنعوه بضرورة التمديد...
توفيق بوعشرين
والآن هناك نفس الاسطوانة تشتغل لتبرير سلوكات حكام آخرين يواجهون غضب شعوبهم.. فساد الحاشية. وإذا أردنا أن نحفر في أساس هذه الاسطوانة ونطرح الأسئلة التالية فنقول: من يختار للحاكم العربي مستشاريه؟ وما هي سلطة المستشار على صاحب السلطة؟ وكيف يختار الحاكم فريق عمله؟ وما هي مصادر معلومات الحاكم عن شعبه وأحوال بلده؟ ولماذا لا يغير الحكام العرب، إلا نادرا، مستشاريهم؟
أسئلة كثيرة سينتهي جوابها إلى أن الحاكم هو المسؤول الأول عن قراراته، وأن أسلوبه في الحكم هو الذي يوجه اختياره لمستشاريه، وأن الحاكم العربي يميل، ثقافة وطبعا وسيكولوجية، إلى سماع ما يعجبه من محيطه، وينفر، للأسباب ذاتها، من الآراء التي لا تعجبه أو لا تخدم استفراده بالسلطة. عندما يقضي الزعيم العربي سنوات طويلة فوق كرسي الحكم دون معارضة ولا اعتراض على قراراته، وعندما يقضي فترة طويلة من عمره لا يسمع إلا قصائد المدح ومعلقات الدعاية... يصدق أنه زعيم قوي حكيم عبقري، لا يوجد على وجه الأرض من يفوقه خبرة ودهاء.
المستشارون أنواع وأشكال في العالم العربي، فيهم الحكيم الذي يقول رأيه بصراحة، وهذا النوع لا يعمر طويلا، ليس فقط لأن الحاكم يتضايق منه، ولكن لأن آلة الوشاية من زملائه المتملقين تنصب له ألف فخ حتى يغضب منه ولي الأمر، فيطرده إن لم يقتله. ووسط المستشارين هناك المتملق الفاسد الذي يقضي كل عمره وهو يُسمع الحاكم ما يريد سماعه، وكل همه أن يظل إلى جانب الحاكم، لأن القرب هنا يدر على صاحبه منافع عديدة ويقيه مصاعب كثيرة. ووسط المستشارين هناك العاقل الذي تخونه الشجاعة ويدفعه الجبن إلى إغلاق فمه فلا يتحدث إلا في العموميات، ولا يشير برأي يُغضب منه الحاكم وحاشيته. ووسط المستشارين من ينفذ الأوامر كالخدم، ومنهم من يلعب دور المؤنس كالبهلوان...
عندما يخنق الحاكم العربي أصوات الصحافة والإعلام، فتتحول إلى «مرايا» متشابهة تعكس صورة واحدة، كيف سيعرف صاحب القرار ما يدور حوله؟ وعندما ينكمش دور الأحزاب والنقابات والعلماء والمثقفين إلى رقعة ضيقة، فكيف يستطيع الحاكم أن يرى أبعد من أسوار قصره؟
يقول المثل الإنجليزي إن أكثر الكذب يحدث في القصر وأثناء الحرب وبعد رحلة صيد. ويقول الأمريكيون إن القادة من الطراز الأول يختارون مستشارين من الطراز الثاني، أما إذا كان القادة من الطراز الثاني فإنهم يختارون مستشارين من الطراز العاشر.