نفى علاقته بموجة التطرف الديني الاخيرة وأعلن رغبته في التنظم سياسيّا
"حزب التحرير" يثير مخاوف علمانيّي تونس من المد السّلفي
مجدي الورفلي من تونس
تعالت الأصوات في تونس مجددا لتحذر من خطر انتشار الفكر السلفي خلال المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد والتي تمثل حسب بعض الملاحظين أرضية ملائمة لتغوّل ما يصفونه بالفكر الأصولي المتشدد التي تتوالى المؤشرات على تزايد حضوره.
جانب من أحدى تظاهرات حزب التحرير الاسلامي في تونس
تونس: شهدت تونس في الفترة التي تلت 14جانفي/كانون الثاني موجة من المسيرات والتجمعات نظمها إسلاميون رفعت فيها شعارات مطالبة بإقامة خلافة إسلامية في تونس.
ومؤخرا تظاهر إسلاميون متشددون أمام كنيس يهودي وسط العاصمة ورفعوا شعارات معادية لليهود منها "خيبر خيبر يا يهود ،جيش محمد سيعود" وأكدت بعض الأطراف بأنهم منتمون لحزب التحرير الإسلامي الذي تكثف نشاطه بعد الثورة.
كما أغلق عدد من المواخير المرخص لها من طرف الدولة في بعض المحافظات التونسية على إثر مسيرات مناهضة "للبغاء العلني" كما وصفها المشاركون في هذه الاحتجاجات وقالوا أن "لا مكان لبيوت الدعارة في بلد مسلم".
وجدت أحدث هذه المظاهرات في العاصمة حيث أطلق الجيش التونسي الرصاص في الهواء على إسلاميين هددوا بإحراق الماخور الأشهر والمعروف باسم (عبدالله قشّ) مما أدى إلى جرح 3 متظاهرين حسب بعض وكالات الأنباء وإغلاق الماخور من طرف السلط التونسية.
واعتبرت هذه احتجاجات للمطالبة بغلق بيوت الدعارة أقوى إشارة حتى الآن على تزايد نفوذ هذه الجماعات الإسلامية وخاصة حزب التحرير التي كانت غائبة تماما عن المشهد السياسي في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وخلال لقاء مع (إيلاف) قال عبد المجيد الحبيبي رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير الإسلامي في تونس: "نحن نرفض هذه الاتهامات التي تؤكد وقوفنا وراء هذه المظاهرات المنادية بإغلاق المواخير وموجة التطرف الديني عموما ومن لديه إثبات لهذه الاتهامات فليتقدم به وبالنسبة للتوقف لمدة دقيقتين أمام الكنيس اليهودي خلال مسيرة نحو سفارة مصر نعتبره خطأ وقع فيه البعض من شباب حزبنا ونحن كقيادة نؤكد أن لأصحاب الديانات الأخرى الحق في المواطنة ومن الشرع حمايتهم ولكن لا يجب تحميلنا كامل مسؤولية هذه الحادثة التي شارك فيها عدد كبير من المواطنين غير المنتمين للتحرير".
وأضاف الحبيبي "حزبنا قائم على الدين الإسلامي ولا نعتمده كشعار مثل البعض، فالإسلام يحتوي عديد التفاصيل الغائبة على كثير من الناس فهو نظام حياة يشمل كل نواحيها دون استثناء ونحن لا نتكلم باسم الله أو الإسلام فلا وصاية لنا على أحد والهدف الأساسي لحزب التحرير هو النهوض بالأمة لا السيطرة عليها وإقامة دولة بشرية وليس دينية كما يروج".
وفي نفس السياق قال نبيل المناعي عضو المكتب السياسي لحزب التحرير لـ(إيلاف):" نحن الأرقى من حيث تعاملنا مع الناس ولا نلجأ للكذب لإقناعهم ونحن نريد أن نثبت لهم مواطن الفساد والخلل من ثم نقترح عليهم البديل ولدينا طرح يشمل جميع المستويات من اقتصادية وسياسية، والشارع التونسي من سيقرر مدى استجابة مشروعنا وطرحنا لتطلعاته ولكن يجب التأكيد على أننا ننطق بما هو حياتي من علاقات اجتماعية وغيره نستنبطها من الإسلام ولا نتدخل بالممارسات أي العلاقة بين الخالق وعبده فهذا نعتبره كحزب أمر شخصي لا دخل لنا به".
وقال صالح الزغيدي القيادي في الجمعية التونسية للدفاع عن العلمانية لـ(إيلاف)"ما يحدث في الأيام الأخيرة في تونس في هذا المضمار لا ينبغي أن ننفخ فيه ولا كذلك أن نحّد من خطورته، هو أمر جديد في كل الحالات، ويعبر عن تطورات مرفوضة من جانب العدد الكبير من الجماهير وهي تطورات سلبية تساهم في خلق مناخ من الحيرة وعدم الاطمئنان، وهي مرتبطة ارتباطا جذريا بما شهدته الساحة التونسية والعربية من صعود متناهي للحركة الأصولية بالخصوص".
وتابع الزغيدي "الإسلام السياسي، بمختلف تلويناته يتحمل مسؤولية كبيرة، تتمثل في خلق المناخ الملائم لعناصر السلفيين، إن الإسلام السياسي يعرف حق المعرفة، أن المهم لدى المراهق المجاهد ليس السلاح الذي سيقتل به، بل هو العقل الذي يحكمه ويحكم كل تحركاته، ذلك العقل الذي حشرت فيه كل "المسلّمات" الداعية للكراهية والحقد تجاه الأخر..قضاء على ظاهرة الإرهاب بجميع أشكاله يمر حتما، عبر تحمل الجميع لمسؤوليتهم ، ووضع حد للتكفير وهتك أعراض الشرفاء، والكف النهائي عن استعمال وسائل الإعلام لتصعيد التباغض وتغذية التباغض الديني....كل هذه السموم المقدمة كل يوم على قنوات البترول الخليجية هي التي تساهم بصفة فعلية في "صقل" عقول شبان سرعان ما يتصورون أنهم أصبحوا ممثلي الله على الأرض، ينهون ويأمرون و يعاقبون".
وأكد القيادي في الجمعية التونسية للدفاع عن العلمانية على ضرورة تحمل الحكومة لمسؤوليتها في ضمان أمن تونس إضافة إلى منظمات المجتمع المدني لدحض الفكر الديني و مواجهة كل التيارات التي تريد أن تتحول إلى حاكم شرعي على البلاد والعباد، على حدّ تعبيره.
مسيرة تدافع عن العلمانية في تونس
ووفق بعض التقارير فقد بعث حزب التحرير بتونس في جانفي/كانون الثاني 1983 وفي عهد الرئيس بورقيبة حيث عقد عدد من الإسلاميين المؤمنين بفكر الحزب الاجتماع التأسيسي الأول لهم، وأعلنوا عن تأسيس الفرع التونسي للتحرير، وأصدروا في أعقاب ذلك دورية سرية أطلقوا عليها اسم "الخلافة" ووزعوها داخل المساجد للتعريف بأفكارهم.
وتقول التقارير التي تناولت هذه الفترة إن المجموعة التي مثلت اللبنة الأولى للتحرير في تونس خططت للاستيلاء على السلطة بالقوة، بهدف تأسيس دولة إسلامية، وذلك بعدما نجحت في استقطاب عشرات من ضباط الجيش، الذين أمدوهم بالذخائر الحربية والأسلحة الخفيفة استعدادا لقلب نظام الحكم، إلا أن السلطات تمكنت من الوصول إليهم وتصفية مخططهم في وقت مبكر.
وقد تمّ اعتقال وملاحقة معظم قياديي الحزب وبينهم عدد من العسكريين، في النصف الثاني من عام 1983 بتهمة تشكيل جمعية سياسية، والانتساب إليها، وحضور اجتماعاتها، وتحريض عسكريين على الانتساب إلى هذه الجمعية. ومثل آنذاك أمام المحكمة العسكرية ثلاثون من القادة والكوادر.
قانونية الحزب
يؤكد الفصل الثالث من قانون الأحزاب التونسي على" أنه لا يجوز لأي حزب سياسي أن يستند أساسا في مستوى مبادئه أو أهدافه أو نشاطه أو برامجه على دين أو لغة أو عنصر أو جنس أو جهة".
كما ينص الفصل 19 من نفس القانون على أنه "يمكن لوزير الداخلية أن يتقدم بطلب للمحكمة الابتدائية بتونس قصد حل حزب سياسي في صورة إذا ثبت انه تلقى بصفة مباشرة أو غير مباشرة إعانة مادية من أية جهة أجنبية".
وقال رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير في هذا السياق "سنتقدم بطلب تأشيرة من وزارة الداخلية وأشير إلى أن الحكومة المؤقتة ارتكبت خطأ عندما أعلنت تمكين جميع الأحزاب من التأشيرة وأهملت إلغاء قانون الأحزاب باعتباره من بقايا نظام بن علي ونحن حاليا نعيش مرحلة انتقالية تهدف للقطع كليا مع الماضي والانتظام خلالها حتمي في انتظار صياغة قوانين جديدة تتماشى وتطلعات التونسيين".
وتأسس حزب التحرير عام 1953 في مدينة القدس الشرقية (تحت الحكم الأردني) على يد القاضي الفلسطيني، تقي الدين النبهاني، بعد تأثره بأحوال العالم الإسلامي آنذاك إثر سقوط الخلافة العثمانية في تركيا عام 1924. فهو يرى أن نكبة فلسطين، ما كانت لتحصل لو كانت دولة الخلافة الإسلامية قائمة وشرع الله مطبق.
وكان النبهاني ـ الذي توفي عام 1979 في بيروت ـ على علاقة جيدة بعدد من قادة ومفكري حركة الإخوان المسلمين في مصر إلا أنه لم ينضم إلى إليهم.
وينتشر حزب التحرير في مختلف بلدان العالم تقريبا، وينشط بين الأقليات المسلمة في الدول الأجنبية، لكن محظورا ومطاردا من قبل معظم أنظمة الحكم في البلدان العربية والإسلامية.
تونس علمانية
وتظاهر أواخر الأسبوع الماضي أكثر من ألفي شخص "علماني" في شارع الحبيب بورقيبة أكبر شوارع العاصمة التونسية، ضد ما أسموه "التطرف" وطالبوا بإرساء نظام علماني في تونس.
ورددوا شعارات من قبيل "جمهورية لائكيه ضمان للحرية الفردية" كما رفعوا لافتات كتب عليها "تونس علمانية" و"تونس تقدمية" و"الدين لله والوطن للجميع" و"تونس حرة والإرهاب على برّه" و"أوقفوا الممارسات المتطرفة" و"العلمانية: حرية وتسامح" و"العلمانية تساوي حرية المعتقد".
وتأتي المظاهرة _ التي تخللتها مشادات مع إسلاميين على خلفية مهاجمة من يصفونهم "بالمتطرفين" لبيوت الدعارة المقننة وإغلاقها والمطالبة بإقامة خلافة إسلامية في تونس.
وقال السينمائي خميس الخياطي وأحد المشاركين في هذه المسيرة لـ(إيلاف)"نحن نرد على المطالبين بإقامة دولة دينية، إضافة للتدليل على أن العلمانية ليست قضية بعض أفراد النخبة يريدون ترفا، بل هي قضية مصيرية لمجموعة من شرائح المجتمع التونسي المعاصر الذي تعلم مبادئ الحرية في جوانبها المتعددة منها حرية المعتقد ولا يريد التفريط فيها... أعتقد أن العلمانية، كونها تحيّد الدين وتصونه من التجاذبات السياسية المتشنجة في هذه الظروف، فهي الحل الأمثل لنظام ديمقراطي في جانبيه الرئاسي كما البرلماني".
وأضاف الخياطي "ليس لأي طرف اجتماعي لا يملك شرعية قانونية في إقامة أفعال لم يكلفه بها أحد كإغلاق المواخير وغدا الحانات (كما يحدث في بعض الأماكن الآن) وبعد غد التمثيليات الأجنبية ولن تنتهي بالمكتبات التي تعرض كتبا لا تتماشى وأهواء بعض التيارات السياسية ذات طابع ديني أو غيره، الاستجابة للقانون هو الذي يجب أن تتحلى به أي حركة أو تيار فكري وسياسي في هذه الانتفاضة التي بدأت تطل ما قد نسميه بـ"الفوضى الخناقة".
ومن جانبه قال عبد المجيد الحبيبي رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير "العلمانية كفكرة غير موجودة إلا في فرنسا وتركيا وتونس وحتى الولايات المتحدة لا تؤيد هذا الفكر لأن العلمانية خروج عن مسار الديمقراطية وتكرس الإقصاء الديني وخاصة الممارساتي منه و نحن مستعدون لنقاش فكري مع علمانيين أو ليبراليين إن أرادوا".