الإعلان يستمد قوته من منصب صاحبه
دلالات موقف البابا من تبرئته اليهود من دم المسيح
عبدالاله مجيد
يؤكد مراقبون أن موقف تبرئة اليهود من قتل المسيح يستمد قوته من شخصيه معلنه، الا وهو البابا بنديكتوس السادس عشر، والذي تُدرَس كل كلمة يتفوه بها كمؤشر إلى عقيدة كنسية.
برأ البابا بنديكتوس السادس عشر اليهود من المسؤولية عن صلب المسيح وسجل حكمه هذا في كتاب سيصدر في 10 آذار/مارس. ويرى مراقبون ان اعلان براءة اليهود من دم المسيح كتابةً ليس مهما بقدر أهمية صاحب الاعلان لا سيما وأن تأكيد براءة الشعب اليهودي عمومًا رأي قديم في الكنيسة الكاثوليكية الحديثة.
وفي هذا الشأن تنقل مجلة تايم عن جوزيف سيفرز استاذ التاريخ اليهودي في المعهد البابوي لدراسة الكتاب المقدس في روما أن المهم هو الكاتب الذي "يجمع وعيًا بالقضايا في النصوص نفسها مع تاريخ الطريقة التي جرى بها تأويل هذه النصوص خلال الألفي سنة الماضية".
وكانت الكنيسة الكاثوليكية برأت الشعب اليهودي من المسؤولية عن قتل المسيح منذ عام 1965 عندما كتب مجلس الفاتيكان الثاني "ان المراجع اليهودية واتباعها في الوقت الذي طالبت بموت المسيح فان ما حدث في عذاباته لا يمكن ان يُنسب الى اليهود كافة من دون تمييز، سواء الذين كانوا احياء وقتذاك أو يهود اليوم".
الفارق هذه المرة أن هذا الرأي بدلاً من أن يكون مدفونًا في وثيقة ذات نص مكثف حيث يمكن إغفاله أو تجاهله بسهولة، يطرحه رجل تُدرَس كل كلمة يتفوه بها كمؤشر إلى عقيدة كنسية. وقال الحاخام ديفيد روزن مدير شؤون الأديان في اللجنة اليهودية الاميركية في نيويورك أن غالبية الكاثوليك لا يقرؤون وثائق الكنسية وأن دائرة قراء البابا ستكون أوسع بكثير.
وكان كتاب بنديكتوس الأخير بعنوان "المسيح الناصري" من اكثر الكتب مبيعاً حين نُشر عام 2007. وسترد الفقرة المتعلقة بصلب المسيح في جزء متمم بعنوان "المسيح الناصري: اسبوع مقدس: من دخول القدس إلى الانبعاث".
في مقتطفات وضعت في متناول الاعلام يأخذ الباب قارئ كتابه عبر نصوص من الكتاب المقدس لاستكشاف مَنْ تعرض المسيح لسهام اتهاماتهم. فان انجيل يوحنا يصف هؤلاء باليهود، ولكن الباب بنديكتوس يسارع الى القول إن يوحنا بالتأكيد لم يكن يعني كل سكان اسرائيل.
ويلاحظ أن يوحنا نفسه كان يهودياً مثلما كان المسيح واتباعه. ويخلص البابا الى أن "هذا التعبير ذو معنى دقيق ومحدَّد بصرامة" هو "ارستقراطية المعبد".
اما انجيل مرقص فانه يوسع دائرة المتهمين لتشمل "الجماهير"، التي يقول البابا انهم انصار المارق باراباس الذي اختارته الجمهرة للافراج عنه بدلاً من المسيح.
ويولي البابا في كتابه اهتمامًا خاصًا بمقطع من انجيل متي كثيرًا ما يُستل لإذكاء معاداة السامية. وفي هذا المقطع يغسل الحاكم الروماني بونتيس بيلاتس يديه، ويعلن براءته من دم المسيح. "ثم رد الناس أجمعين أن دمه علينا وعلى اطفالنا".
ويجادل بنديكتوس بالقول إن عبارة "الناس أجمعين" عبارة لا تاريخية. ويتساءل كيف تسنى للسكان كافة أن يكونوا حاضرين في تلك اللحظة ليطالبوا بقتل المسيح؟ ويضيف أن دم المسيح ينبغي ألا يُعد دعوة إلى الثأر بل أُهرق باسم المصالحة: "ليس لعنة بل رحمة، وخلاص".
لاقت اقوال البابا ترحيباً واسعاً من المنظمات اليهودية. وقال ابراهام فوكسمان مدير رابطة مكافحة التشهير في الولايات المتحدة إن البابا بندكتوس "رفض التعاليم والتحريفات السابقة التي ساعدت على تشجيع وتكريس معاداة السامية عبر القرون".
ودعا رئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد لودر الى أن يتخذ البابا خطوة أخرى يعزز بها ما كتبه في رسالة رسمية أو تعميم رسمي. وقال لورد "ان كثيرين في العالم الكاثوليكي ظلوا يعتنقون الأفكار القائلة بذنب اليهود. أن تفنيد محاجاتهم الباطلة في كتاب شخصي إذ يكون صحيحا فانه على الأرجح ليس كافيًا. بل يجب أن يصبح هذا عقيدة كنسية رسمية، من القمة إلى القاعدة".