اليمين يقود التمرد ويدعو إلى إطلاق النار على الجنود
إنقلاب الحاخامات على المؤسسة العسكرية ينذر بحرب في إسرائيل
محمد نعيم من القاهرة
تفاقمت أزمة العلاقة بين اليمين الإسرائيلي المتطرف والمؤسسة العسكرية، ودعا أقطاب الفريق الأول إلى اطلاق النار على جنود الجيش الإسرائيلي، حال تنفيذهم لقرارات سياسية توصي بها حكومة تل أبيب، وأوشت هذه المعطيات إقبال الدول العبرية على حرب أهليّة، قد يكون عرب 48 طرفاً اصيلاً فيها ضد الجيش.
احتدم النزاع بين اليمين الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية، وبات تنفيذ الجيش الإسرائيلي توجيهات القيادة السياسية نقطة خلاف حادة، عصفت باستقرار الوضع الأمني، وربما الجماهيري داخل الدولة العبرية، وزاد من حدة الموقف دعوة اليمين المتطرف إلى مجابهة جنود الجيش، خاصة عند إخلاء النقاط الاستيطانية العشوائية، وكان في صدارة المعسكر اليميني الحاخام "شالوم دب وولفا"، الذي دعا في حديث نقلته عنه صحيفة هاآرتس العبرية إلى إطلاق النار على الجنود الإسرائيليين، لدى محاولتهم قمع اعتراض جمهور المستوطنين على إزالة النقاط الاستيطانية، التي يتم بناؤها على أراضي الضفة الغربية.
حرب أهلية
وفي تقرير مطول بثته شبكة "موريشت" التابعة لإذاعة صوت إسرائيل باللغة العبرية، قال الحاخام وولفا "ان تعامل الجيش الإسرائيلي مع جمهور المستوطنين، سيقود الى خلق اجواء من الحرب الاهلية بين الشرائح الاستيطانية كافة".
وأضاف "مثلما يتعامل الجيش مع المناهضين لهدم النقاط الاستيطانية غير المشروعة عن طريق القنابل المسيّلة للدموع والرصاص المطاطي، ينبغي اطلاق الذخيرة الحية على جنود الجيش الإسرائيلي، للحيلولة دون تنفيذ القرارات السياسية". جاءت تصريحات الحاخام وولفا رداً على هجوم الجيش الإسرائيلي على المتظاهرين في مستوطنة "مزرعة جلعاد"، الذين اعترضوا الاسبوع الماضي على هدم منازل في نقاط استيطانية غير مشروعة.
وفي تبرير لاعتراضه على ما وصفه بقمع المتظاهرين، قال قطب اليمين الإسرائيلي المتطرف "ان العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمستوطنين، ستودي - لا محالة – الى حرب أهلية". وأضاف إن "الجيش قرر خوض الحرب ضد المستوطنين، وشعب إسرائيل".
لم يكن الحاخام وولفا مجرد صوت يميني متطرف يدعو إلى مجابهة الجيش الإسرائيلي، وإنما تؤكد سيرته الذاتية نفوذه القوي في توجيه الرأي العام الإسرائيلي، وربما يقود ذلك الى تعزيز التوجهات الجماهيرية، الرامية الى إجراء اصلاحات شاملة داخل الدولة العبرية على نسق ما يجري في بعض الدول العربية.
وتشير معطيات وولفا المهنية ونشاطه العام الى معارضته التامة كل القرارات السياسية، التي اتخذتها الحكومات الإسرائيلية على مسار حل النزاع العربي الإسرائيلي، ففي عام 1979 صدر كتابه "رأي التوراة"، الذي رفض فيه حصول الفلسطينيين او العرب بشكل عام على أراض سبق واحتلتها إسرائيل عام 1948 وحتى عام 1967، وفي الوقت الذي كانت تخلي فيه إسرائيل مستوطنة "ياميت" في شبه جزيرة سيناء المصرية، توجه وولفا الى مقر المستوطنة، ورفض مغادرتها الا بعد استخدام الجيش الإسرائيلي القوة ضده وضد المستوطنين الذين كانوا يعارضون قرار الإخلاء.
وفي عام 1982 اصدر الحاخام اليميني المتطرف كتاب "سلام سلام ولا يوجد سلام"، ادعى فيه استحالة التوصل الى سلام بين إسرائيل والعالم العربي، كما وولفا من اقوى المعارضين لخطة "فك الارتباط"، التي افضت الى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
قومية يهودية
ينتمي الحاخام وولفا الى حركة "كاخ" الإسرائيلية، وهى حركة يمينية راديكالية اقامها الحاخام "مئير كهانا"، وتهدف الى تحويل إسرائيل الى دولة ذات قومية يهودية، ومن اهم مبادئها طرد العرب من نطاق ما تصفه بالاراضي الإسرائيلية، بدعوى ان كل من هو غير يهودي لا ينبغي حصوله على حقوق داخل الدولة العبرية.
وفي عام 1988 منعت تل ابيب تلك الحركة من خوض انتخابات البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، وفي عام 1994 تم إدراج الحركة على قائمة المنظمات الراعية للإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وكندا ودولاً أخرى، الا ان الحاخام وولفا قرر الخروج من عباءة حركة كاخ بشكل معلن، بينما تمكن من خلال تشكيله حزب جديد عام 2008 "إسرائيل ارضنا" دخول الحقل السياسي الإسرائيلي، ولكن من الباب الخلفي، وبعد اعلان الحزب خاض من خلاله وباجندة حركة كاخ نفسها انتخابات الكنيست عام 2009 في اطار قائمة كتلة "الاتحاد الوطني".
على صعيد ذي صلة، تفاقمت الازمة بين المؤسسة العسكرية وعرب إسرائيل الى درجة كبيرة، عندما رفع عدد من جنود الإسرائيلي دعوى قضائية ضد المخرج السينمائي محمد بكري، الذي ينتمي الى عرب 48، اعتراضاً على فيلمه "جنين جنين" الذي تطرق فيه الى تعامل جنود الجيش الإسرائيلي مع عرب إسرائيل بشكل عنصري، ووفقا لتقرير مطول نشره موقع "NFC" العبري، شهدت باحة محكمة العدل الإسرائيلية العليا سجالاً بين الجنود الإسرائيليين مقدمي الدعوى وبين بكري، واتهموه بالوقوف وراء حمله من خلال فيلمه يدين فيها جنود الدولة العبرية بارتكاب "جرائم حرب ضد العرب".
وعلى الرغم من ان انتاج الفيلم يعود الى عام 2002، الا ان الجنود رأوا ان هذا العمل السينمائي كان سبباً مباشراً في حالة الاحتقان، التي سادت الاوسط العربية ضد الجيش الإسرائيلي، التي لاقت ارضاً خصبة حالياً في ظل ما وصفوه بعدوى التمرد، التي قد تنتقل من الدول العربية الى إسرائيل، وتصيب المؤسسة العسكرية في مقتل.
من جانبه قال بكري في حديث مع إذاعة "جالي تساهل" العبرية "لست نادماً على فيلم "جنين جنين"، وانه يجب على الجيش الإسرائيلي الاعتذار على ما اقترفه من "جرائم" ضد الانسانية". وفي رد على سؤال حول ملاحقة جنود إسرائيليين له قضائياً، قال بكري إن "هؤلاء صورة للحكومة الإسرائيلية وجهاز الامن العام الإسرائيلي الـ "شاباك"، ان العمل الفني اصبح سلاحاً يجابه اسلحة جنود الجيش الإسرائيلي ضد عرب إسرائيل، وربما ضد اليهود انفسهم، في كثير من الاحيان".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد اجرى عددًا ليس بالقليل من الاصلاحات الاقتصادية، تفادياً لإضراب عن العمل في المرافق الاقتصادية كافة، كانت منظمة العمل الإسرائيلية "الهستدروت" قد هددت به، اعتراضاً على ضعف رواتب العمل، وما ان بدت لتانياهو تلك الازمة، الا وتفاقمت حدة الموقف، عندما طالب الشارع الإسرائيلي بتقليص زيادة اسعار المياه والكهرباء، فضلاً عن المطالبة بتوفير خطوط جديدة لوسائل المواصلات العامة، وتخفيض اسعار تعريفتها، الامر الذي اضطر نتانياهو الى ادخال تعديلات كبيرة على الموازنة العامة للدولة، وقرر تقليص ميزانية العديد من حقائب حكومته، على الرغم من تحذيرات محافظ بنك إسرائيل من الاقدام على تلك الخطوة.
وفي وقت تجاوز فيه نتانياهو تلك الازمة، الا ان تردي العلاقة بين المؤسسة العسكرية واليمين الإسرائيلي المتطرف بات إشكالية كبيرة، ربما يصعب على نتانياهو تجاوزها في المستقبل القريب، بحسب صحيفة هاآرتس.