الوجه الآخر لملك المغرب ، هكذا يعيش محمد السادس داخل إقامته
من يكون الإنسان الذي يقف وراء شخصية محمد السادس؟ وما الفرق بين الملك الحاكم والملك الإنسان؟ ماذا يحدث حينما يتزاحم الوجهان في المعادلة أمام المرآة؟ ومتى ينتصر البعد الإنساني والعائلي على القانوني أو العكس لدى الملك؟ متى يتصادمان؟ ومتى يتصالحان؟ كيف يدير الشؤون الداخلية للأسرة العلوية حينما تبرز قضايا تمشي فيها قضايا أفراد الأسرة الملكية والقضايا العامة التي تتحول إلى قضية رأي عام جنبا إلى جنب, لا سيما وأن قضايا الأسرة الصغيرة والممتدة ليست يومياتها أقل تعقيدا من يوميات الأسرة الكبيرة للملك؟
رنٌ الهاتف, طار صاحب المكالمة فرحا بمجرد ما علم بطبيعة المتحدث وفحوى الرسالة الصوتية: "إنه والدي صاحب الجلالة..."
على الفور, غيٌر ولي العهد مولاي الحسن ملابسه, السعادة تتطاير من عينيه اللتين تشعان ذكاء, وهو يستعد للانتقال حيث يتابع والده الملك بعضا من أبرز الأوراش التي تفخر بها المملكة.
عليه أن يركب الطائرة على وجه السرعة, وأن يعود في نفس اليوم إلى الإقامة الملكية بدار السلام في العاصمة الرباط كي يتابع برنامجه الدراسي في اليوم الموالي بالمدرسة المولوية.
جرت العادة أن يتكرر مثل هذا الموعد الاستثنائي بين ابن وأبيه, وأن يسرق الجالس على العرش لحظات –مهما كانت قصيرة- مع ولي عهده حينما يتكثف برنامجه الماراطوني السياسي والاقتصادي والاجتماعي على حد سواء.
إنها لحظة حنان وحب أبوي, وهي في نفس الآن تمرين بالنسبة للأمير مولاي الحسن للاحتكاك بعمل القرب والتدريب على ممارسة الحكم, وفرصة تتجدد فيها عند كل مناسبة آليات التأطير والتوجيه الملكي, الذي يحتاج إليه ولي العهد.
فالملك محمد السادس لم يتخل عن تقليد الملوك والعلويين الذين ظلوا يحكمون من على صهوة جيادهم, كما سبق وأن أكد حينما طرحت عليه مجلة "باري ماتش" السؤال التالي:
* نسمع في بعض الأحيان أن الملك لم يعد يتواجد أبدا في الرباط...
** ولكن الملك لم يكن يتواجد في الرباط وحدها, وإنني أتذكر عندما كنت صغيرا أن والديٌ لم يقضيا بالرباط خلال إحدى السنوات سوى 18 يوما من أصل 365 يوما. لقد كان والدي رحمه الله يقول دائما إن عرش العلويين على صهوات جيادهم, وأنا لا أنوي التخلي عن هذا التقليد, وبالإضافة إلى ذلك فأنا أريد أن أطلع على الأمور ميدانيا بنفسي وأن أقف عل واقع بلادي (باري ماتش فاتح نونبر 2001).
يحلو للملك حينما يكون في العاصمة الرباط أن يستمتع بلحظات أبوة خاصة مع ولي العهد وابنته للا خديجة وهما يتناولان وجبة الفطور, قبل أن يشرع في برنامج عادة ما يكون حافلا بالمواعيد, إنها لحظات أشبه بتلك التي كان قد افتقدها الحسن الثاني كثيرا, وكان يتلذذ بقضائها مع حفيدته للا سكينة, قبل أن يبدأ برنامجه اليومي.
ويحكى أن محمدا السادس يستمتع بمداعبة ابنته المدللة للا خديجة وهو يخاطبها بالقول: "أنت الشمشية ديالي", وعادة ما ترد عليه: "لا أنت هو الشمسية ديالي"
محمد السادس عائلي
الملك ليس ملكا فقط. الملك إنسان أيضا. له أحاسيس ومشاعر تحتل فيها العائلة حيزا مهما في الفؤاد.
للملك شجرة عائلية, لها جذوع وفروع متشعبة وأفراد, يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم, شأنه في ذلك شأن باقي أفراد العائلات, كما سبق وأكد في حواره مع لوفيغارو. (أنظر الإطار أسفله)
هو أب لولي عهده مولاي الحسن ووالد لابنته للا خديجة وابن لأمه للا لطيفة, وزوج لأميرة منحها الكثير من الصلاحيات, وشقيق للابنة البكر للحسن الثاني التي تجمعه بها علاقة أخوية خاصة, هو أيضا خال للحسناء المدللة للا سكينة التي للا سكينة التي كانت تتربع على فؤاد الحسن الثاني, وشقيق للأميرة الصامتة للا أسماء التي ينادونها في البلاط بحكيمة الحسن الثاني والتي تصر على التواري خلف الظل, وهي الأميرة التي تجمعها علاقة صداقة قوية مع زوجة أخيها للا سلمى, وشقيق أيضا لأصغر الحسن الثاني التي تحمل جمعيتها اسم أخيها الملك....
هو أيضا ابن عم الأمير مولاي إسماعيل شقيق الأمير مولاي هشام الذي راكم علاقات متوترة مع البلاط, من على عهد الحسن الثاني, وخال أكثر من مرة, ويلعب دور ابن الأخ فتحيط به عماته الأميرات اللواتي يحملن صفة شقيقات الحسن الثاني وبنات محمد الخامس... أما لائحة فروع الشجرة العلوية التي التحمت منذ ما يزيد عن عقد حول وريث الحسن الثاني فطويلة.
فما هي الصورة التي يكون عليها الملك الإنسان؟ ومن يكون الإنسان الذي يقف وراء شخصية محمد السادس؟ وما الفرق بين الملك الحاكم والملك الإنسان؟ ماذا يحدث حينما يتزاحم الوجهان في المعادلة أمام المرآة؟
ومتى ينتصر البعد الإنساني والعائلي عن القانوني أو العكس لدى الملك؟ متى يتصادمان؟ ومتى يتصالحان؟ وفي أية ظروف برزت صورة الملك الإنسان واحتكت المصالح الخاصة؟ كيف يدير الشؤون الداخلية للأسرة العلوية حينما تبرز قضايا تمشي فيها قضايا أفراد الأسرة الملكية والقضايا العامة التي تتحول إلى قضية رأي عام جنبا إلى جنب, لاسيما وأن قضايا الأسرة الصغيرة والممتدة ليست يومياتها أقل تعقيدا من يوميات الأسرة الكبيرة للملك (الأمة)؟ كيف ينصف الجميع, بمن فيهم أفراد عائلته والشعب في نفس الآن في عملية لا تخلو من تعقيد وقد لا تكون محسومة دائما؟
متى يكلف أفراد عائلته بمهمة؟ وكيف يتتبع مستوى تنفيذها؟ وكيف يوزع الأدوار فيما بينهم؟ ومتى يغضب منهم؟ ولماذا؟....
قبل أن تفارق الأميرة للا أمينة, شقيقة الملك الراحل محمد الخامس, الحياة صبيحة يوم الاثنين 23 فبراير 2009, كان للزيارة العائلية التي أصر الملك محمد السادس أن يطمئن من خلالها على صحة إحدى الوجوه الملائكية التي ظلت تربطه بجده محمد الخامس, طابع زلزال سيعصف بالجنرال عرشان الذي ظل يتربع على عرش الطب العسكري. وظل يسود ويحكم بهيئة الأطباء ذات التنظيم واللحمة الفولاذية.
ولو لم تتسرب حكاية الغضبة الملكية التي كانت وراء زعزعة عروش الجنرال عرشان من المستشفى العسكري, والتي كتبت الصحف حينها أن سرٌها قد لا يخرج عن الإهمال الذي وجد عليه الملك المستشفى العسكري, في إشارة إلى جهاز "السكانير" الذي لم يجد طريقه إلى الإصلاح بعد طول عطالة, لما علم المغاربة عن طريق الصحف أن الملك قطع برنامجه الملكي لزيارة شقيقة جده المريضة, وأنه يظل على صلة وطيدة بأفراد عائلته من جيل جده, وأنه يخصهم بعناية دقيقة, ويحرص على أن يتتبع وضعيتهم بشكل شخصي, حتى في عز انشغالاته الملكية.
وليست هذه المحطة الوحيدة التي اكتشف من خلالها المغاربة الوجه الإنساني والعائلي للملك.
ففي فبراير 2008 ظهر محمد السادس في رحلة عائلية رفقة زوجته للا سلمى وولي العهد مولاي الحسن وشقيقته للا خديجة في باريس, حيث تحدثت الصحافة المغربية والفرنسية عن جولته الترفيهية إلى "ديزني لاند" التي يحدث أن يلتقي محمد السادس مع أحد المساهمين في رأسمالها بباريس, وهو والحالة هاته الأمير الوليد بن طلال.
وفي أكثر من مرة دعا عماته وكل أميرات القصر لمرافقته في أسفار أخذت طابعا عائليا, وهو النبأ الذي جرت العادة أن يتصدر الصفحات الأولى للصحافة المغربية.
الملك الأخ
أن ينتقل محمد السادس شخصيا إلى باريس رفقة شقيقاته للاطمئنان على شقيقهم الأصغر الأمير مولاي رشيد, وأن يحظوا باستقبال الرئيس الفرنسي بمناسبة خروج أمير الظل من الوعكة الصحية معافى وف يده طمأنة الأطباء إلى أن وضعه الصحي لا يدعو للقلق, وهو النبأ الذي كان موضوع بلاغ من الديوان الملكي, سبقه بلاغ أعلن إلى الشعب المغربي أن الأمير مولاي رشيد أصيب بوعكة صحية وهو ينتقل في رحلة جوية من المغرب إلى باريس, تلاه بلاغ ثان مطمئن عن الحالة الصحية لشقيق الملك, وأن يقطع أعلى سلطة في البلاد برنامجه الملكي ليسرق سويعات إلى جانب شقيقه وهو في فترة النقاهة...., وأن تصدر ثلاثة بلاغات حول الحدث نفسه, لابد أن تكون وراء ذلك رغبة ملكية لتمرير أكثر من رسالة عن لحظة أخوية مؤثرة تختزل الحجم الذي يوليه الملك للشؤون العائلية وللرجل الثالث في النظام بعده وبعد ولي العهد.
كرسي العرش لا يجمد مشاعر الأخوة, والملك لا يحنط حنان الأمومة والذكريات العائلية, والسلطة لا تبلد المشاعر, لكن بالنسبة للحياد هذه قصة أخرى.
خضع محمد السادس إلى أكثر من امتحان في ملفات كان أحد أفراد العائلة الملكية طرفا فيها وتحولت إلى قضايا رأي عام, بحيث تجدون في قضية خالته حفصة أمحزون نموذجا لقضية مرت من عدة منعرجات وكان لصدى آل أمحزون الصوت الحاسم فيها قبل أن يرتفع ويعلو صوت آخر, وفي قضية حسن اليعقوبي التي تظل مفتوحة طالما لم يضع الشرطي المتضرر شكاية ضد مصيبه بالرصاص, وهو والحالة هاته زوج عمة الملك, وفي إحالة قضية تعرض للا لطيفة إلى النصب في مراكش عنوانا بارزا على لجوء أعلى سلطة في البلاد إلى القضاء حينما تضررت والدته, وفي أكثر من مثال ثمة رسائل وجهها العهد الجديد إلى الشعب المغربي في الكثير من حوادث السير التي تزاحم فيها الشخصي مع قضايا الشأن العام.
الصورة عنوان انفتاح عائلي
لم يقفل قط محمد السادس باب العائلة الملكية في وجه المغاربة. انفتح منذ جلوسه على العرش على شعبه, قدم عقيلته للعموم, وفي أكثر من فرصة قدم أفراد أسرته الممتدة إلى الشعب المغربي في صور عائلية حميمية, أبرزها الصورة العائلية التي أذن لعدسة مجلة "باري ماتش" أن تلتقطها بمناسبة الذكرى الخمسين لعودة أب الاستقلال من المنفى, بالإضافة إلى الصورة العائلية التي التقطت للعائلة الملكية مرة أخرى بمناسبة زفاف الأمير مولاي إسماعيل.
وتوالت الإشارات.
فمنذ جلوس محمد السادس على العرش, شرحت الصورة العائلية الملكية كل شيء.
فباستثناء حادثة السير اليتيمة التي ارتبطت بصورة أم الملك, ظلت الصورة عنوان انفتاح في قلب الأسرة الملكية على الشعب المغربي, ولا يسعنا المجال هنا لسرد العدد الهائل من الصور التي تطلع من خلالها المغاربة على ملكهم وعلى أفراد عائلته في ظرف إحدى عشر سنة: تسرب الصور الخاصة للملك في بداية جلوسه على العرش وهو يستمتع بهوايته "الجيتسكي", صورة محمد السادس وهو يحمل كمردته للا خديجة في عيد ميلاها الثاني, صورته العائلية في عيد ميلاد ولي العهد لسنة 2010 ومولاي الحسن يطفئ شمعته السابعة, مع ما تحمله الصورة من رسائل مفعمة بالحب والحس العائلي, حضور أخوات الملك وعماته خلال تخرج ولي العهد, كما تؤكد ذلك الصورة التي عممتها "لاماب", صوره مع بنات شقيقاته, تارة مع ابنة شقيقته للا حسنا, وتارة أخرى مع ابنة أخته للا أسماء, في هذه الصورة ارتدت بنات شقيقاته "التكشيطة" المخزنية وفي أخرى وضع وابنة شقيقته للا أسماء طاقية متمردة عللا البرتوكول, وبدا فيها متخلصا من الزي الرسمي وهو يضع "البروطيل"...
ولم تمر صورة توشيح محمد السادس بالأوسمة الملكية لعماته للا مليكة, للا عائشة, للا فاطمة الزهراء وللا أمينة وكذلك زوجة عمه لمياء الصلح بمناسبة عيد العرش لسنة 2007, دون أن تسلط المزيد من الأضواء عن ملك ينصت إلى نبض أميرات بعضهن خبرن قساوة المنفى ويستمع إلى إيقاع نساء يحملن الكثير من القيم وحب الانخراط في العمل الاجتماعي, بما في ذلك حاملة الأهداف النبيلة للصليب الأحمر, ومتبنية قضية الصم والبكم ورافعة راية رياضات المعاقين والمنخرطة في حماية نسل الفرس المغربي والعربي....
أليست هذه جميعا صور تؤكد أن للأميرات العمات أو الشقيقات وزن في البلاط ولهن كلمة في دار المخزن؟
الصورة مرة أخرى انفتاح, وإطلالة على ما يجري خلف أسوار القصر, وحمالة رسائل متعددة, وتكفي قراءتها لفهم الملك الإنسان, وهذا ما تؤكده مرة أخرى صورة الملك محمد السادس في باريس, حيث بدا فيها متخلصا من ثقل البرتوكول وهو يرتدي الحذاء الرياضي والجاكيت الجلدي, وإلى جانبه ابن عمته مولاي يوسف وخلفه ابن عمه الأمير مولاي إسماعيل.
فكثيرا ما يرافقه في أسفاره الخاصة مولاي يوسف ومولاي عبد الله ابنا عمته للا فاطمة الزهراء ويلحق به شقيقه الأمير مولاي رشيد وابن عمه الأمير مولاي إسماعيل ومولاي إدريس ابن لا أمينة شقيقة محمد الخامس, مثلما جرت العادة أن يصطحب معه في مهام رسمية أو خاصة ابن عمته مولاي عمر ذا التكوين العسكري.
صورته أيضا وهو يمارس لعبة التزلج على الجليد رفقة شقيقته للا حسناء, وصوره المتعددة في بداية حكمه وهو يعانق بنات شقيقاته للا أميمة وللا علية للا نهيلة.
فإذا كان الحسن الثاني يفضل أن يقضي بعضا من أوقاته الخاصة محاطا ببعض وزرائه وبعض من أقرب خدامه, فإن محمد السادس –وإن كانت تجمعه علاقات صداقة متينة مع بعض من رفاق دراسته القدامى ويكن لهم احتراما وتقديرا خاصين- يميل إلى العائلة, ويفضل التصرف –خارج الإطار الرسمي- كإنسان, وهذا ما يبدو أكثر من مرة في تحركاته العفوية, بما في ذلك ظهوره المتواتر وهو يقود سيارته بنفسه.
أن يأذن بجلوس أبناء عماته غير بعيد عن الزربية التي يجلس عليها أمير المؤمنين, وأن تلتقطهم عدسات الكاميرا, كل ذلك ليس محض صدفة. باختصار, محمد السادس عائلي بطبعه ويعرف متى وكيف يشرك أفراد الأسرة العلوية الممتدة في حمل الرسائل الدينية وتكليفهم بمهام تختلف باختلاف الظروف, كالسهر على مهرجان الفروسية مثلا, وهذا حال مولاي عبد الله, أو لعب أدوار سياسية أو عسكرية, الشيء الذي ينطبق على مولاي عمر الذي كثيرا ما يظهر خلفه في بعض المناسبات الرسمية....
للصورة دلالاتها مرة أخرى.
بين العائلة والعرش
ثمة من يعتقد أنه كانت للملك يد في إعادة الدفء بين آل الفيلالي وآل العلوي, وجسر بعض الخلافات البسيطة بين العائلتين, وأن محمد السادس شديد الاهتمام بللا سكينة ابنة شقيقته للا مريم وكذلك بابنها مولاي إدريس, وأنه يصر على ألا يترك الفراغ في أي بيت علوي مهما امتدت فروعه وأغصانه...
هناك سلط استثنائية ومطلقة يمارسها الملك الخال أو الملك الشقيق, وهكذا دواليك كل حسب طبيعة العلاقة العائلية التي تجمع بينه وبين الملك, بعد أن كان يجسدها سلفه الحسن الثاني.
محمد السادس –حسب بعض المقربين من شقيقاته وشقيقه- لم يغيره الملك كثيرا, قد يكون الملك وكرسي العرش أثقل كاهله بالمسؤوليات وجعله أكثر حزما وصرامة تجاه مسؤولياته, لكنه لا زال يحافظ داخل العائلة على تقليد معاينة إخوانه, لا ينسى هداياهم في عيد ميلادهم وأعياد ميلاد أبنائهم, ويشركهم في ما فيه مصلحة للشأن العام, ويحرص باستمرار على أن يتصل بأمه وشقيقاته ويطمئن عليهن بانتظام وعلى أن يلتقي بهن كلما سمحت له ظروف عمله, بل يحدث –حسب نفس المصادر- أن يقوم بزيارات مفاجئة إلى بيت شقيقه وشقيقاته تماما مثلما كان يفعل عندما كان وليا للعهد, وكما عودهم على ذلك في لحظات خاصة يشعر خلالها أنه في حاجة إليهم أو هم في حاجة إليه.
مر الملك في ظرف إحدى عشرة سنة من ولي للعهد إلى ملك وزوج وأب لولي العهد وأب للمرة الثانية بعد ولادة للا خديجة ورئيس للعائلة المتعددة الفروع والأغصان, وكان لابد من الوقت لتختمر الوصفة التي سينهجها العاهل المغربي في تدبيره للقضايا العائلية خلال ما يزيد عن عقد من الزمان, وهي الوصفة التي لا يمكنها إلا أن تتأثر بأسلوبه, أليس الرجل هو الأسلوب؟
الجمع بين الحنان العائلي الذي يغدقه على أفراد أسرته, وبين الحزم والصرامة والصراحة التي تعوٌد أن يخاطب بها شعبه, والثقة والصلابة والاطمئنان من الداخل التي يملكها أي حاكم لا ينحاز لأية جهة ويكون بالضرورة خادما للجميع دون أن يكون عبدا لأحد, إنها الوصفة التي أصرٌ أكثر من مرة على بسطها أمام أسئلة الصحافيين الأجانب التي كانت لا تنتهي (أنظر أسفله)
ولفهم هذه المعادلة, لا بد من العودة إلى الوراء: جمعت بين محمد السادس وبين معظم أفراد عائلته حينما كان وليا للعهد العديد من الذكريات, فوجد في بعضهم الصديق والسند ورباط الأخوة والأنيس والجليس, فبالإضافة إلى مهامه السياسية, وانخراطه في عمله بكل جوارحه, لديه حساسية كبيرة أيضا تجاه أفراد عائلته, يعطف عليهم ويهتم بهم أكثر مما كان يفعل سلفه الحسن الثاني, لكنه في نفس الآن يحرص على ألا يأتي اهتمامه بعائلته على حساب العائلة الكبيرة (الأمة).
قال ابن خلدون إن السلطة مفسدة, والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة, وإن كلمة عمر بن الخطاب التي قالها حينما بويع أميرا للمؤمنين, تظل قاطعة وكأنها صدر عن سياف ديمقراطي: "إن رأيتم في اعوجاجا فقوموني بحد السيف في ما لم أسمع". فالكل يعرف قصة القبطي الذي تسابق مع ابن عمرو بن العاص عندما كان واليا على مصر, وكيف أن ابن عمرو بن العاص ضرب القبطي بالسوط, لأنه غلبه في السباق, فاشتكى القبطي إلى الفاروق عمر بن الخطاب وأرسل الفاروق في طلبه مع ابنه وعندما حضر عمرو بن العاص مع ولده قال الفاروق للقبطي "اضرب ابن عمرو بن العاص كما ضربك" وعندما انتهى منه قال للقبطي "اضرب عمرو بن العاص" فرد القبطي: "لا يا أمير المؤمنين أنا اضرب فقط الذي ضربني" وقال عمر بن الخطاب جملته المشهورة: "يا عاص يا ابن العاص متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
والذين يعرفون محمد السادس في أجواء عائلية وخبروه في لحظات الشدة يؤكدون أن سلاحه في الضغوطات العائلية نزاهته, وعتاده حينما تتعارض المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة التبصر وضبط النفس, وأنه يمقت الكليشيه القائل: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما", وقد مر محمد السادس م الكثير من الامتحانات العائلية وخرج من أغلبها مرفوع الرأس.
إنه يعي لعبة السلطة وشراهة الحكم وإكراهات الأطراف المتداخلة والمعقدة أحيانا, وأنه ملك للجميع, هذا ما شرحه محمد السادس لشعبه وهو يرد على سِؤال الحكم وثقله على كاهل من يحمله:
* هل يخيفكم الحكم؟
** لا أقول إنه يخيفني لكن عبء المسؤوليات ثقيل. والمهم هو المحافظة على ثقة الآخرين لأن من لم يحظ بمثل هذه الثقة فليس لديه ما يخسره, وعندما يحظى بها فالصعوبة التي يواجهها هي المحافظة عليها. إن الأولوية بالنسبة لي هي الحفاظ على ثقة شعبي. وإنني أعرف أن تطلعاتهم كبيرة. إن الملك هو الخديم الأول للشعب… وبالتالي فإنني رهن إشارة كل المغاربة. قد قيل عني إنني ملك الفقراء فليكن, ولكنني أولا وقبل كل شيء ملك الجميع… ملك الشباب وملك الشيوخ وملك الأغنياء أيضا. لا أقول لشعبي إنني لن أرتكب أخطاء لكني أعده ببذل كل ما في وسعي من جهد".
(لوفيغارو الفرنسية باريس: الثلاثاء 4 شتنبر 2001)
إن وراء صمت الملك محمد السادس شيئا بل أشياء كثيرة تستحق الاهتمام. قد يكون ظنين الكلام موجز العبارات. إن له مكانته اللائقة به وسط العائلة, وقد لا يحتاج دائما إلى الكلام, نظرة أو إشارة تكفي لإعادة الأمور إلى نصابها.
يراجع خطبهم ويتتبع خطواتهم, وعادة ما يكلفهم بمهام يتداخل فيها السياسي مع الاقتصادي والدبلوماسي مع الاجتماعي, فصفاتهم تجعل منهم سفراء للمملكة يشكلون امتدادا للذات الملكية, وفي الكثير من الأحيان قد تكون صفاتهم مسهلة وميسرة لمهام قد يقف الشنآن السياسي والحسابات الصغيرة عائقا دون تنفيذها.
يرسم الملك المثير من الحدود والخطوط الأفقية والعمودية في علاقته بأفراد عائلته, كما يخط بدقة حدود علاقة العائلة الملكية بالآخرين, ولا يترك أي تفصيل من التفاصيل المرتبطة بهم وليد الصدفة أو المناسبات, بما في ذلك هامش تحركهم, والأخذ بعين الاعتبار تداخل القطاعات التي ينشطون فيها وعدم اصطدام أي من تحركاتهم مع بعضهم البعض, أو ترجيح كفة أحدهم على حساب الآخر. في دار المخزن هناك تقاليد لابد م احترامها, فحتى الصفقات المالية التي يكون أحد أفراد العائلة طرفا فيها, بما في ذلك الفروع وفروع الفروع من العائلة الملكية الممتدة, لا تمر دون موافقة الملك, ويرسم مرة أخرى حدودها رب الأسرة ورئيسها.
الخلافات وسط العائلة
قد تحدث خلافات داخل الأسرة الملكية, وهذا ما لم تنفه للا حسناء في حوارها لمجلة سيدتي (انظر أسفله), لكن الخلافات حسب الملك تحل داخل العائلة, وهذا بالضبط ما أكده محمد السادس حينما سألته جريدة لوفيغارو الفرنسية بتاريخ 4 شتنبر 2001 عن ابن عمه الأمير مولاي هشام:
"لكن الجميع لا يشاطركم هذه النظرة للأشياء ما دام ابن عمكم الأمير مولاي هشام لا يوافق على بعض اختياراتكم السياسية.
أفضل أن تحل مشاكل العائلة –إن وجدت- داخل العائلة, وهذا أيضا جزء من أخلاقياتي".
بعد مرور أزيد من عقد على جلوسه على العرش, محمد السادس أشاع جوا من الثقة العائلية في البلاط, وبصم الفرق بينه وبين والده.
الحسن الثاني كان شخصية معقدة. بقدر ما كان عصريا منخرطا في قيم الحداثة ومنفتحا على لغة العصر وسباقا إليها ضمن زعماء الدول العربية, كان غارقا في المحافظة, لدرجة حكي الكثير عن حرصه على اختيار أزواج شقيقاته وبناته بنفسه وتضييق هامش حريتهن واختيارهن.
لكن مع وريثه, ثمة قناعة ترسخت من الصورة التي كونها الرأي العام المغربي عن الملك محمد السادس, مؤداها أنه حينما فسخت للا سكينة خطوبتها من الشاب هشام لخميري كانت هي التي اختارت ذلك, ولذلك لم تجد في البلاط من يفرض عليها رأيا غير ذلك الذي اقتنعت به والذي يعبر عن رغبتها وسعادتها.
هل هذا معناه أن محمد السادس ملك أكثر حداثة من والده, أم أن الظروف العائلية ورياح التغيير هي التي تجعل الابن يختلف عن الأب؟
تجمعهم الكثير من القواسم المشتركة, الدماء التي تجري في عروقهم, ذكريات الأمس وأشرطة بعضها حلو وبعضها الآخر مر, يتقاطعون في ممارستهم لبعض الهوايات من الكولف إلى التزلج على الجليد زمن كرة القدم إلى السباحة, يستهلكون نوعا من السينما الجيدة التي تعمل على توسيع المدارك وإغناء المعلومات, تجمعهم وجبات الطعام والمناسبات العائلية…
في البلاط يمكن القول إن ثمة سلطة الملك التي يتربع السلطان على عرشها, وهي سلطة مطلقة, لكن هناك أيضا سلطة القصر, وهي سلطة يفرضها المكان والفضاء وكل الطقوس المخزنية التي تشيع نوعا من الهالة والهبة المرتبطتين بالملك, وقد ظلت سلطة الحاشية على امتداد التاريخ محط الكثير من التوجسات, خشية أن تكون الرحى التي تحرك الدسائس, إن وجدت, وقد تتمركز سلطة الحاشية لدى كل المستشارين الملكيين والمكلفين مهمة والضباط الذين تعهد إليهم حماية القصر وأكثر المسؤولين الأمنيين والسياسيين قربا من المربع الذهبي للملك إن شئتم, وهو مربع يتسع ويضيق بالنظر إلى السياق والظروف…., ولكن ثمة سلطة العائلة الملكية وأفرادها الذين كانت لهم دائما كلمة في دار المخزن, وظلوا في كل الملكيات العريقة متكلمين أساسيين في أذن الجالس على العرش, وسلطتهم العائلية وقربهم من السلطان يجعلهم دائما في قلب السلطة.
وبين سلطة الحاشية وسلطة العائلة وباق السلط تظل سلطة رئيس العائلة جامعة لكل السلط.
محمد السادس, عائلي, لكنه صارم في رسم الحدود الواضحة بين سلطة فروع الأسرة الملكية وبين استغلال الملك العام,وحريص على أن تكون سلطتهم الاعتبارية والتقديرية ونسبهم العلوي قدوة لا العكس, وإذا كان يشركهم في جزء من تدبير الشأن العام, ولا يمنعهم من الدخول في مشاريع داخل المغرب لاستثمار وتوظيف ثرواتهم, فإنه يتتبع عن كثب مرور كل ذلك في إطار لا تصطدم فيه كرامتهم المصونة مع حقوق الآخرين.
هذه الملامح العائلية لملك في قلب الأسرة الملكية, وهو يتمسك بنصيحة الأب الحسن الثاني بأن يكون ملكا للجميع وليس ملكا لعائلته.
أريد عائلة كبيرة مغربية متوسطية مثل والدي
* تنحدرون من عائلة مكونة من خمسة أبناء, ألديكم الرغبة في إعادة إنتاج هذا النموذج.؟
** عائلة كبيرة. مغربية متوسطية, نعم. إنها مصدر عميق للتوازن, أخواتي الثلاث, أخي وأنا كنا نسكن في منزل كبير دائم الحركة, يعمه الدفء ولا يخلو قط من الناس, الدادات, الأصدقاء الذين كانوا يشاركوننا وجبات الغذاء والعشاء, كنا نلعب جميعا, ننظم أمسيات لمشاهدة الأفلام السينمائية ونقوم بجولات والدراجات الهوائية,
كان هناك العديد من الحيوانات, الكلاب, الخيل... كل هذا يساهم كثيرا في تفتح الطفل.
(حوار محمد السادس *باري ماتش 2004*)
النفاخات, الحلوى.. تهييئ عيد ميلاد ولي العهد أعترف أن هذا يؤثر في شخصيتي
"أعتقد أن عدم الاكتراث يختفي في سن معين ويفسح المكان لصفاء يجعلك صلبا في مواجهة الأحداث ويمنحك فرصة الاهتمام بأشياء قد تبدو لك غير ذات قيمة كالتهييئ لعيد ميلاد ولي العهد: النفاخات, الحلوى, المكان الذي يفترض أن يوضع فيه "البيفي"... كل هذا يدخل في إطار متعة وجودية, أعترف بأن هذا يغير في من الداخل ويؤثر في شخصي, وفي نفس الوقت هذا الصفاء ا ينسيك أبدا مسؤولياتك المهنية فتفكر فيها طوال الوقت. ليس لدي توقيت ولا يوم عطلة قار بل حتى العطل المبرمجة والمخطط لها مسبقا, ولعل هذا صلب مهام مهنة الملك."
(حوار محمد السادس *باري ماتش 2004*)
أحاول أن أعيش حياة عادية نسبيا خاصة مع عائلتي
* هل تغير موقف الآخرين بعد جلوسكم على العرش...؟
** لا إطلاقا... بطيعة الحال كان لبعض أصدقائي رد فعل متحفظ, وأنا بدوري كان لي نفس رد الفعل, لكن الأمور سرعان ما عادت إلى مجراها الطبيعي, فقد احتفظت بنفس الأصدقاء وبنفس العادات, وأحاول أن أعيش حياة عادية نسبيا خاصة مع عائلتي, فأنا شديدي الارتباط بوالدتي وشقيقي وشقيقاتي الثلاث. فنحن على اتصال دائم عبر الهاتف, وتتميز علاقاتنا بالصراحة التامة وأحيانا قد يغضب أحدنا من الآخر, وباختصار فإن عائلتي هي كجميع العائلات.
(حوار محمد السادس *لوفيغارو* الثلاثاء 4 شتنبر 2001)
يجب أن أعترف أنني أكلف زوجتي بالكثير من الأشغال
* أي دور تلعبه زوجتكم إلى جانبكم؟
** يجب أن أعترف بأنه لم يكن لديها الكثير من الوقت لتتنفس الصعداء, في ظرف سنة انتقلت من وضعية الشابة العازبة إلى الأميرة المتزوجة ثم أصبحت أما! إني أحييها بحرارة وأعترف بأنني أكلفها بالكثير من الأشغال.
* ملك, مصلح, أميرة عصرية, مسؤوليات كبير, ثقل التاريخ.... هل يفسح كل ذلك مجالا للحياة العائلية لتقاسم المشاعر والأحاسيس؟
** إنها حديقتنا السرية, كما قلت لكم لدي عملي وبالنسبة لسلمى فهي لا زالت مترددة في اختيار الحقل الذي تتمنى أن تعمل فيه, هناك الكثير من الأشياء التي يجب عملها.
(حوار مع محمد السادس *باري ماتش 2004*)
وجدنا عزاءنا الأكبر بعد فقدان الحسن الثاني في شقيقنا الملك محمد السادس
* أنت اليوم شقيقة الملك محمد السادس, فكيف هي علاقتكن بالملك كشقيق أولا وكملك للبلاد ثانيا؟
** الأخوة رابطة ثابتة لا تغير بتغير موقع الأخ في المسؤولية, ثم إن مسؤوليات الملك شيء وآصرة الأخوة شيء آخر, ولكل مقام مقال, وشقيقنا الملك محمد السادس, حفظه الله وأيده, عودنا دائما على عطفه الجميل وحسن رعايته لنا نحن أشقاءه, ونحن الآن نشعر أنه يهتم بنا تماما كما كان حاله معنا وهو ولي العهد إن لم يكن أكثر, ونحن نجد فيه الآن عزاءنا الأكبر بعد فقدان والدنا الراحل الملك الحسن الثاني, طيب الله ثراه, هذا من جهة, أما من جهة ثانية فنحن مطمئنون ومتفائلون جدا بحسن قيادته لمسيرة الأمة بحكمة وثبات وشجاعة ودراية تامة بأوضاع البلد وطموحات شعبه, لذلك فنحن نضع أنفسنا رهن إشارته في كل أمر يرى ضرورة مساهمتنا لإنجاحه خدمة للصالح العام.
(حوار للا مريم *مجلة سيدتي أبريل 2000)
أعمل لدى وأحرص على أن أكون رهن إشارة جلالته
"إنني أعمل لدى الملك, وأحرص قبل أي شيء أن أكون رهن إشارة جلالته في كل وقت للقيام بالعمل أو بالمهمة التي يكلفني بها, على الوجه الأمثل, فهذه هي مسؤوليتي الأساسية, وما يتبقى من كل الانشغالات والأنشطة الأخرى إنما يأتي بطبيعة الحال من صميم هذا الموقف المسؤول."
(حوار مولاي رشيد *مجلة الرجل يوليوز 2001*)
معجبة بشقيقي محمد السادس ألف في المائة
علاقتي بالملك لم تتغير فمنذ أن نشأنا صغارا ونحن متحابان
* كيف ترين شقيقك الملك محمد السادس بعيون الأخت؟
** هذا سؤال يحتاج مني لجواب طويل جدا, وعلي أولا أن أحكي عن شقيقي كملك, فلدي إعجاب خاص بنسبة ألف في المائة بالملك الذي قدم الكثير للمرأة المغربية بعد إقرار تغيير قانون الأسرة, ولن تسعن هنا كل العبارات لتقديم الشكر والامتنان له على هذا الإنجاز العظيم, أما عن علاقتي بد كأخت فلم تتغير, فمنذ أن نشأنا صغارا ونحن متحابان, علاقتي به كانت مبنية دائما على الاحترام كأخ أكبر, وهذا يعني أني أحترم في نفس الوقت أخي الأمير مولاي رشيد, الأمر الذي تغير هو انشغالاته الكثيرة التي تجعل وقته ليس ملكه, إلا أنني أستغل كل فرصة لألتقي به أينما كان, لأستشيره ونتحاور في كل أمور الحياة.
* وكيف هي علاقتك بباقي أشقائك الأمراء والأميرات؟
** نحن مثل أصابع اليد الخمسة, كل واحد منا يختلف عن الآخر وإذا نقص أصبع فإن اليد لا تعمل, هذه الصورة هي التي ألخص بها هذه العلاقة القائمة على الحب والاحترام, نحن يد واحدة, قد نختلف ككل الإخوة في العالم لكننا متلاحمون جدا.
(حوار للا حسناء *مجلة سيدتي نونبر 2005*)
حينما قال الحسن الثاني إن الملك ملك الجميع وليس ملكا لأسرته
حين طرحت فرانس أنطير السِؤال على الحسن الثاني على الشكل التالي: هل أنتم لينو الطبع؟
قال بالحرف: "إني ورثت الطيبوبة عن والدي, وإني أضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار, ولا أسمح لأي كان بأن يخادعني أو يحاول المس بمقدسات البلاد".
محمد السادس بدوره ورث الطيبوبة عن جده عبر الجينات أولا, ولأنه سمع الكثير من أبيه عن جده وعن طيبوبته وعن التزاماته الدولية والعائلية ثانيا, ولأنه ثالثا تربى في بيئة كان للطيبوبة فيها معنى واحد…
وحينما سألت مجلة "جور دو فرانس" الحسن الثاني: "ما هي صفة ملك؟", قال بالحرف: "أو بالأحرى كيف ينبغي أن تكون صفاته؟ أولا عليه أن يكون مثل سائر الناس, فله نقط ضعفه ونقط قوته, فهو لم يخلق من خلية صنعها الله في أزله ثم وضعها في ثلاجة ريثما يحين وقت ولادته, فعليه أن يكون طيبا, وأكرر أنه لا ينبغي له أبدا أن يتخلى عن الأساسي, وهو أنه خادم للجميع وليس ملكا لأحد, وخلاف هذا يكون حكم الحجاب والبطانة, فهو ليس ملكا حتى لأسرته, فعليه أن يكون تام الحرية, فلا يمكنه أن يتورط في أدنى شيء, وعليه –كما على كل رئيس دولة- أن يكون قادرا على أن ينظر في عيون من يشاء ويقول له –عند الاقتضاء- الكلمة التي قالها الجنرال كامرون.
أن يكون طيبا, وملكا للجميع وليس ملكا لأحد في نفس الآن, بما في ذلك أسرته, لعلها المعادلة الصعبة.
لعل ما أراد الحسن الثاني أن يقوله في 14 مارس 1987 هو ألا يكون رهينة بين يد أي سلطة مهما كانت طبيعتها, بما في ذلك المصلحة العائلية.
سئل الحسن الثاني هذه المرة عن تنشئة الملك الحاني حينما كان ولي العهد بالقول:كيف تهيئون اليوم ولي العهد لتولي الملك؟ فكان جوابه: "في الحقيقة نهيئه لكل شيء وخاصة ليكون دائم النشاط, ألا تكون له روح مطلبية داخلية, وألا تكون له نزعة نقابية, وألا ينتظر دائما العطل المؤدى عنها, وأن يكون دوما في خدمة الجميع, وأهيئه أيضا وبصفة خاصة لشيء مهم, وأتذكر قولة وزير داخلية فرنسي وأظنه السيد جول موك سنة 1984 أثناء الإضرابات الكبرى في فرنسا "الحكم لا يعني الإرضاء", ويقال إن الحكم هو التوقع, وأنا أقول: إن الحكم لا يعني الإرضاء, فالحكم ليس دائما متعة, يجب أن يتعود المرء على أن يجعل من الأشياء المرة أشياء ذات طعم".
ومرة أخرى طرح نفس السؤال على الحسن الثاني من طرف مجلة "كلاس" الإيطالية في 31 مارس 1987, فكان رده:
س: ما هي التعاليم التي تلقنونها لابنكم الأكبر ولي العهد سيدس محمد إعدادا له كي يكون ملكا جيدا؟
ج: للأسف ليس الأمر مثل ما هو عليه فن الطهي, ففي هاته المسألة ليست ثمة طريقة للإعداد المطبخي لأن الناس يتغيرون, وطبائعهم شتى, فطريقة جدي ليست طريقة أبي, وطريقة أبي ليست طريقتي, وطريقتي ليست طريقة ابني.
المهم أن يلقن عددا من المبادئ, قبل كل شيء الاستقامة الخلقية وألا كذب أبدا. أن يكون خادما لكل واحد دون أن يكون عبدا لأحد, وأكرر: الملك يجب أن يكون خادما للجميع دون أن يكون عبدا لأي كان, وإلا وقعنا كليا في مأساة الملكيات, حيث يكون الحجاب أو الوزراء الأولون أو الكاردينالات هم الملوك الحقيقيون الذين يحكمون عوضا عنهم".
فلم كل هذا الحرص الدائم في أجوبة الحسن الثاني, وفي أكثر من سياق على الإشارة إلى أن الملك ملك للجميع وليس ملكا لأحد؟ ألأنه شعر في محيط والده محمد الخامس ومحيطه بعد توليه العرش أن مغناطيس السلطة أخاذ وأنه يلمع كبريق الماس فيستقطب إليه الكثير من السلط والأسماء وأن الاحتزاز واجب, وأن الملك مهنة حقيقية وأن ميزانها ثقيل, ولهذا وجب ألا ينحاز فيه لهذه الجهة أو تلك؟