تعديلات الدستور..
لماذا لم تمس الصلاحيات "الإلهية" للحاكم؟
القاهرة: مع بدء العد التنازلي للاستفتاء على التعديلات الدستورية المقرر السبت المقبل الموافق 19 مارس/آذار، تباينت الآراء ما بين المؤيد والمعارض لاجراء ذلك الاستفتاء .
وحاولت شبكة الاعلام العربية "محيط" استطلاع آراء القوى والأحزاب السياسية حول هذا الموضوع.
ومن جانبها ، انتقدت القيادية في حزب "الوفد" مارجريت عازر التعديلات الدستورية، مشيرة الى أن هذه التعديلات لم تلب تطلعات الجماهير التي نزلت في ثورة 25 يناير.
وقالت عازر: "موقفنا أعلناه بأننا لا نوافق على تلك التعديلات وأن أعضاء حزب الوفد سينزلون للتصويت السبت ليقولوا لا لهذه التعديلات".
وطالبت عازر بوضع دستور جديد، مشيرة الى أن هذا الدستور سقط برحيل رأس النظام وأن أي ترقيع فيه هو أمر غير جائز دستوريا.
ومن جانبه، أكد المحامي المعروف وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد بهاء أبوشقة على أن هذه التعديلات لم تمس صلاحيات الرئيس "الإلهية" التي منحه أياها دستور 1971، مطالبا جموع الشباب الذين نزلوا الى ميدان التحرير واعتصموا فيه ليحققوا الديمقراطية بالتصويت بكثافة ضد هذه التعديلات.
ودعا أبو شقة المجلس العسكري الى تحمل أمانته التاريخية التي حمَلها له الشعب في ثورة 25 يناير، مشدد على أن الصلاحيات التي أبقت عليها لجنة التعديلات تعطي الرئيس الفرصة للتحايل على ثورة 25 يناير وتشكيل لجنة لوضع دستور جديد يتماشى مع هواه.
ولفت أبوشقة الى أن البلاد تحتاج الى دستور جديد قبل أن يعتلي رئيس جديد الحكم على أن يقلص الدستور الجديد من صلاحيات الرئيس القادم وان تتحول مصر الى نموذج رئاسي برلماني على غرار فرنسا يمنح الرئيس صلاحيات محددة ويعطي الفرصة للشعب لاختيار حكومة تكون مسئولة أمام الناخبين.
وطالب أبوشقة بضرورة إصدار مراسيم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحمل صفة القانون تتعلق بممارسة الحقوق السياسية وحرية الإعلام وتحديد صلاحية المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية التي يجب أن تستمر لمدة أكثر من 6 أشهر التي حددها المجلس.
صلاحيات إلهية
ولم يختلف رأي حزب التجمع في التعديلات الدستورية عن رأي حزب الوفد ، حيث أكد نبيل ذكي المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع على رفض الحزب لهذه التعديلات، مشيرا الى أن ثورة 25 يناير اندلعت للمطالبة بالدمقراطية وهذه التعديلات لم تلبي هذه المطالب.
ولفت ذكي الى أن دستور 71 سقط باندلاع الثورة ، مشيرا الى أن وضع دستور جديد للبلاد مرتهن بمشيئة الحكومة ونصف أعضاء مجلس الشعب بعد دعوة رئيس الجمهورية عقب انتخابه وذلك وفقا للتعديلات على المادة "89 مقرر".
وأضاف: "هذه المادة من شأنها أن تفقد الدستور المزمع وضعُه عقب انتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان الجديد تطلعات الشارع حيث لا يوجد أي ضمانات للتخلص من المواد الأربعين التي تعطي الرئيس صلاحيات "إلهية" وهو ما ينظر بكارثة و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت"".
وكشف ذكي عن وجود تعهدات من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصياغة لجنة لوضع دستور جديد للبلاد في حالة جاء التصويت على التعديلات بـ"لا"، مطالبا الشارع المصري التمسك بمطالبه بالانتقال الى جمهورية مدنية ديمقراطية من خلال دستور جديد يلبي تطلعات الجماهير.
وانتقد ذكي موقف جماعة الإخوان المسلمين الداعمة لهذه التعديلات، متهما الجماعة بأن مطالب الثورة المتمثلة في تحقيق دمقراطية فعلية ليس من أولاوياتها.
وتابع: "الجماعة تسعى لتحقيق أكبر مكاسب والذهاب الى انتخابات رئاسية وبرلمانية لفرض إرادتها وبرامجها على الجميع في وقت الأحزاب غير مستعدة لإجراء الانتخابات، مشيرا الى أن الإخوان المسلمين لديهم استعداد لعقد صفقات مع أي طرف لتحقيق مكاسب خاصة للجماعة ولو كانت على حساب باقي القوى السياسية".
تمديد الفترة الانتقالية
ضياء رشوان
ووصف أحمد حسن الأمين العام للحزب الناصري التعديلات الدستورية بغير الكاملة، مشيرا الى أن هناك توجه عام في البلاد لرفضها.
ولفت حسن الى أن هذه التعديلات مطلوبة منذ فترة إلا أنها جاءت متأخرة مع ارتفاع صقف مطالب الشارع، موضحا أن هناك تخوف لدى عموم المصريين من بقاء صلاحيات الرئيس التي تمكنه من الانقلاب على أي عملية سياسية ديمقراطية.
وانتقد ضياء رشوان الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هذه التعديلات، مشيرا الى أن هذه التعديلات لا تحقق أي من مطالب الثوار.
وقال رشوان: "هذه التعديلات تُفضي الى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بغرفتي البرلمان مجلس الشعب والشورى الى جانب الاستفتاء وهو ذات السيناريو الذي ستعيش فيه مصر بعد وضع دستور جديد"، متسائلاً : "فلماذا نعيد الكارة مرتين!؟".
وأضاف رشوان: "إذا كان الجميع متفق على احتياج مصر لدستور جديد والخروج من سياسة الترقيع التي أربكت الحياة السياسية المصرية فلماذا ندور في دائرة مفرغة ولماذا لا نذهب الى الغرض مباشرة".
وتابع: "إقرار تلك التعديلات يعني أننا سنحتاج الى شهر ونصف لإجراء انتخابات مجلس الشعب حيث أنها ستجرى على ثلاثة مراحل فنحن لدينا 16 ألف قاضي بمن فيهم أعضاء بعض الهيئات التي يرفض العديد من القوى السياسية مشاركتهم في العملية الانتخابية ولدينا 46 ألف لجنة انتخابية بسبب التصويت بالرقم القومي وهو ما رفع الذين يحق لهم التصويت الى 46 مليون ناخب".
وأضاف: "بعملية حسابية بسيطة يثبت أن التعديلات لا يمكن إجرائها على أقل من ثلاثة مراحل حيث أن التعديلات الجديد تفرض قاضي لكل صندوق لضمان نزاهة الانتخابات"، مشيرا الى أن نفس العملية ستتقرر مع انتخابات مجلس الشورى والانتخابات الرئاسية ونذهب الى دستور جديد ثم نعيد نفس الانتخابات الثلاثة الماضية وهذا الأمر يزيد الحياة السياسية ارتباكا على ارتباكها الراهن.
كما انتقد رشوان المقترح الخاص بأن تتم الانتخابات الكترونية، مشيرا الى أن نحو 40 في المائة من الشعب المصري أمي وهو ما يتعارض مع فكرة الانتخابات الالكترونية التي لا تحتاج فقط الى مستوى من التعليم وإنما يحتاج أيضا دراية بأجهزة الحاسب الآلي.
واقترح الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تمديد الفترة الانتقالية الى ما بين عام وأربعة أشهر وعام ونصف، على أن يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالدعوة الى تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يتم بعد إقراره إجراء الانتخابات مرة واحدة بدلا من مرتين.
وأكد رشوان على ضرورة أن تصدر مراسيم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بـ4 قوانين على الأقل هي قانون "حرية العمل السياسي يضمن إنشاء الأحزاب بالإخطار وقانون حرية الإعلام يضمن حرية وسائل الإعلام وقانون النقابات يضمن العمل الناقبي دون استثناء لأحد"، مشيرا الى أن هذه الفترة كافية كي تتمكن الأحزاب من عرض برامجها والذهاب الى انتخابات حرة غير مشوش على الناخب فيها.
نزاهة الانتخابات
ومن جانبه، رأى يسري العزباوي الخبير في مركز الأهرام للدراسات أن هذه التعديلات جيدة في حد ذاتها للانتقال بمصر الى مرحلة انتقالية مستقرة تحقق الأمن للمواطن ونقل السلطة للمدنيين يتم بعدها تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد.
وأعرب العزباوي عن مخاوفه من استمرار العسكريين في السلطة، مشيرا الى أن ثورة يوليو أكدت على ضرورة إعادة السلطة للمدنيين وإطالة الفترة الانتقالية أسفر عن كارثة مارس 1954 التي مكنت العسكريين من الاحتفاظ بالسلطة وما تبعها من فساد في الحياة السياسية على مدى 58 عاما.
واكد العزباوي أن تداول السلطة بين المدنيين يأهل لحياة ديمقراطية في مصر مع بقاء العسكريين كمراقب للوضع، مشيرا الى أن وضع دستور في وجود سلطة مدنية يختلف جذريا عن وضعه في سلطة عسكرية ممسكة بالبلاد.
وفي هذا السياق ،أفاد المحامي وعضو لجنة التعديلات الدستورية صبحي صالح أن التعديلات التي قامت بها اللجنة هدفت في المقام الأول لضمان نزاهة أي انتخابات قادمة وتمهيد البلاد لوضع دستور جديد بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
واستشهد صالح بعبارة رئيس اللجنة طارق البشري في المضبطة التي جاء فيها: "هذه فرصة مصر الوحيدة لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتتمثل في أن الرئيس غير موجود الآن وعليكم أن تُسارعوا للحد من هذه الصلاحيات قبل أن يأتي رئيس جديد ويدور حوله المبخرين ويقولوا له اجلس يا خير من جلس"، مشيرا صبحي الى أن أي رئيس قادم لا يبقى في السلطة أكثر من 8 أعوام وفي حالة فشله في النجاح في المرة الثانية لا يحق له إعادة ترشيح نفسه.
وشدد صالح على أن تلك التعديلات لا تمهد للإخوان كما يدعي البعض، لافتا الى أن الإخوان لن يشاركوا بأكثر من الثلث ولن يكون للجماعة مرشح للانتخابات الرئاسية، مؤكدا على أن المجلس العسكري نفسه يريد التخلص من السلطة وأن الحكم في مصر ليست مطمع وأن من سيدخل ليحمل هذه المسئولية هو فدائي.