رام إيمانويل يخوض انتخابات أصعب ولايات أميركا
وصف بالعقل السياسي المدبر.. وساهم في استحواذ الديمقراطيين على الكونغرس
بقلم بولا ميجيا
كان مثيرا للجدل ومشاكسا وطموحا، إنه رام إيمانويل الذي لمع اسمه على الساحة السياسية الديمقراطية كمستشار للرئيس، وعضو في مجلس النواب، ورئيس موظفي البيت الأبيض. وهو يأمل الآن في أن يحل محل «عمدة شيكاغو» في الانتخابات التي تجري في العام الحالي. ولكن يظل من غير الممكن التنبؤ بتأثير غياب أقوى رئيس لموظفي البيت الأبيض منذ عهد جيمس بيكر على البيت الرئاسي.
في يوم الجمعة الماضي، أعلن رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض، استقالته، تاركا موقعه المؤثر في إدارة أوباما من أجل الترشح لمنصب عمدة شيكاغو. وبعد كثير من التكهنات حول نواياه في الترشح للمقعد الذي يحتله طوال 20 عاما مضت العمدة الحالي ريتشارد دالي، يشير قرار إيمانويل في الاستقالة إلى منحنى آخر في الحياة العملية الطويلة والناجحة التي خاضها ابن شيكاغو. و كان إيمانويل عضو مجلس النواب السابق ورئيس المجمع الانتخابي الديمقراطي، زعيما ذا أهمية في الحزب الديمقراطي لفترة ما.
ولكن يتسم الإعجاب الشعبي برام إيمانويل بالتعقيد. في حين كان إيمانويل يقف في مقدمة كثير من الانتصارات الأكثر أهمية في الحزب الديمقراطي في الأعوام الأخيرة، إلا أنه شخصية غير محبوبة. بل على النقيض، يتسم إيمانويل بإثارة الجدل في نجاحاته بالإضافة إلى تسوياته. وانتقده الديمقراطيون لتقديمه كثيرا للغاية أثناء مناقشة إصلاح قانون الرعاية الصحية، بينما لامه الجمهوريون بسبب وقوفه في طريق التعاون بين الحزبين. ناهيك عن أن «رامبو»، كما تشير إليه وسائل الإعلام، يتبنى أسلوبا معينا ولا يخشى إظهاره.
ما بين إرساله سمكة ميتة إلى أحد منظمي استطلاعات الرأي الذي اتهمه بالتسبب في خسارة مرشحه إلى غرز سكين في منضدة أثناء ذكر الأشخاص الذين خانوا بيل كلينتون، يتصف إيمانويل بسمات درامية. ولكن ميوله المشاكسة واستخدامه للغة السب، جعلت منه قوة توضع في الحسبان السياسي. وبصفته كبيرا لموظفي البيت الأبيض، كان إيمانويل مشتركا في جميع عمليات تطوير السياسات في البيت الأبيض، بدءا من خطة التحفيز الاقتصادي إلى الأمن القومي. وكان إتقانه لشؤون البيت الأبيض والسياسة الأميركية سبب اختياره لهذا المنصب.
وقد وصفه أوباما بـ«الباقة الكاملة»، بفضل خبرته في الكونغرس وفي فريق موظفي البيت الأبيض تحت رئاسة بيل كلينتون، على الرغم من أن تجربته الثانية مرت بمرحلة من تدني المرتبة بسبب خلاف بين إيمانويل والسيدة الأولى في ذلك الوقت هيلاري كلينتون. ولكن، بسبب درايته بخبرته الناشئة في الحكم، جاء قرار أوباما بإحضار كبير موظفين على دراية جيدة وله صلات ومتحمس؛ ليسمح لمنصب إيمانويل بالتوسع ليتجاوز نطاق الوظيفة التي قام بها كثير من كبيري موظفي البيت الأبيض من قبله، ويصبح بكفاءة الذراع اليمنى للرئيس. فكان يلعب دورا مهما في تشكيل الحكومة، واشترك أيضا في اختيار جميع أفراد مجلس الوزراء، ناهيك عن دوره في التفاوض بشأن خطة التحفيز.
وعلى الرغم من الفرصة التي قدمها له منصبه الجديد، فإن رام إيمانويل كان مترددا في قبولها. وبدلا من تولي مهام منصب يتسم بالتضحية بالطموح الشخصي، كان إيمانويل يضع عينيه على هدف أن يكون أول رئيس مجلس نواب يهودي. ولكن بعد رفض عرض الرئيس، أدرك إيمانويل أنه منصب يجب عليه قبوله، على حد قول شقيقه في حوار مع «ذا نيويوركر».
ومنذ أيامه الأولى قبل التخرج في سارة لورانس، كان إيمانويل يشارك بصورة أو بأخرى في صناعة السياسة والسياسيين، وهو ما يعرف في الولايات المتحدة بجمع التبرعات. لقد كان جامع تبرعات صغيرا ومنظما ميدانيا لحملة بول سيمون الانتخابية في مجلس الشيوخ، وأصبح بعد ذلك من كبار أعضاء لجنة حملة الحزب الديمقراطي في الكونغرس. وكان مشاركا قويا في حملتين انتخابيتين لريتشارد دالي في انتخابات على منصب العمدة، وها هو حاليا يأمل في أن يحل محله.
وكانت مهارات إيمانويل الدعائية الفائقة، التي من المرجح أن تكون مفيدة له في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أيضا هي التي أبقت على بيل كلينتون في المقدمة، مما أكسبه مركز مستشار الرئيس. وفيما يبدو فإن انحرافه الوحيد عن طريق السياسة، بعيدا عن خبرته كهاو لرقص الباليه، بعد فترة عمله في إدارة كلينتون، هو تركه أثرا سحريا على القطاع المصرفي الاستثماري، حيث يقال إنه حقق ما يزيد على 20 مليون دولار في أقل من ثلاثة أعوام.
ويبدو وصفه بالعقل السياسي المدبر أقل مما يستحق لدى الإشارة إلى الشخص الذي كان مسؤولا عن الاستحواذ الديمقراطي على الكونغرس في عام 2006. وفي حين من المؤكد أن إيمانويل موهوب فيما يتعلق بصناعة الساسة، فإنه ليس من الواضح كيف ستستجيب شيكاغو لحملته، وهي المدينة التي تتسم بالسياسة القذرة (لنذكر الحاكم بلاغوفيتش الذي «تمت تبرئته» من تهمة بيع مقعد الرئيس أوباما في مجلس الشيوخ) والتقسيم العرقي المعقد. وبعد مرور أيام قليلة على إعلانه كمرشح رسمي، كما أوردت «واشنطن بوست»، تظهر طوابع تحمل إشارة مختصرة لعبارة «أي شخص إلا رام إيمانويل» في المدينة.
ولعل ما يثير المزيد من التساؤل هو كيفية تأثير الفراغ الذي سيتركه في البيت الأبيض تحت رئاسة أوباما على الانتخابات المقبلة التي ستجري في العام الحالي. وبعيدا عن تسهيل نوايا الديمقراطيين في الاحتفاظ بمجلس الشيوخ، من الممكن أن يعرض رحيل رام إيمانويل استراتيجية البيت الأبيض من أجل الحفاظ على المقاعد الديمقراطية للخطر. وعلى الرغم من أنه كان هدفا لانتقادات اليسار واليمين، من الممكن أن تسهم مغادرته للبيت الأبيض بتقديم تبرير لإنجازاته إذا لم يستطع من سيحل محله في تأدية النطاق الكبير من المسؤوليات التي أنشأها رام في فترة عامين قضاها رئيسا لموظفي البيت الأبيض.