في خضم الأحداث التي تشهدها مدن سورية...
تشتت كبير قد يعرقل وصول المعارضة إلى الغاية
بهية مارديني
أجمع مثقفون ونشطاء سوريون على أن المعارضة التي تقود موجة الاحتجاجات في سوريا متفقة على الغاية وهي إسقاط نظام الطوارئ، والقضاء على الفساد واستعادة الحريات، لكنهم اشاروا الى التشتت الكبير الذي تعانيه المعارضة، حيث تتعدد المصالح والبرامج.
في ظل ما يجري في سوريا من مظاهرات وغليان متصاعد وإراقة دماء العشرات، تطرح تساؤلات حول المعارضة السورية. من هي؟ ما هويتها؟ وما هو دورها؟ هل هي معارضة نائبي الرئيس السوري السابقين عبد الحليم خدام ورفعت الأسد، أم إنها معارضة المثقفين والمجتمع المدني غير المرخص لهم؟... أم تراها معارضة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا؟ هل هناك ما يجمع هذه التيارات؟ أم إن حالهم لا يختلف عن حال المعارضات العربية الأخرى المشتتة، والتي لا يجمعها برنامج موحد ومطالب واضحة؟.
يقول أيمن عبد النور رئيس تحرير موقع "كلنا شركاء" في تصريح خاص لـ"ايلاف" إن كل السوريين هم معارضة. وأضاف "حتى إن أجهزة النظام تقول إن الرئيس هو المعارض الأول".
وأكد "أنّ كل السوريين ضد الفساد المستشري والمنظم، وضد سوء اختيار القيادات الادارية بهدف تقزيم المؤسسات وشخصنتها، وضد احتكار الاقتصاد من قبل شخصين واقتصار إدارته على شخص واحد، وضد وجود معتقلين في السجون بسبب آرائهم، وضد الأجهزة الامنية التي تفشل في إدارة أمن المواطن فتلفق له التهم بشكل مفضوح ومضحك. وضد الإدعاء بأن سوريا ليس فيها مشاكل، وأن الشعب سعيد بسبب مواقف سوريا الخارجية".
بدوره، يقول المحامي رجاء الناصر، وهو من قياديي حزب الاتحاد العربي الاشتراكي الديمقراطي المعارض، إنّ "المعارضة السورية ليست موحدة، وهي تتألف من مجموعة من القوى والهيئات والتيارات، هناك اولاً المعارضة التقليدية، والتي ظهرت منذ بدايات استلام حزب البعث السلطة، وتتشكل أساسًا من أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي، وفي مقدمتها حزب الاتحاد العربي الاشتراكي الديمقراطي، وهي أحزاب خاضت نضالاً طويلاً تحت شعارات ومطالب التغيير الوطني الديمقراطي، الا أنّها تعرضت للضغط الطويل ولملاحقات أضحت منهكة، وتمثل شريحة معظمها من الاجيال السابقة غير الشبابية. أما القوى الثانية فهي التيار الاسلامي بفصائله المتعددة، وهي بعد ضرب قوته الاساسية حزب الاخوان المسلمين ولجوء عناصره للخارج باتت قوى هلامية".
واعتبر الناصر في تصريح خاص لـ"ايلاف" أن "القوى الثالثة هي التيار الليبرالي الجديد، ويتشكل معظمه من مثقفين ومنشقين عن أحزاب يسارية سابقة، متأثرين بموجة التجديد التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي، وتتمظهر حاليًا ببعض ناشطي فايسبوك، وهي ايضًا قوى غير متحددة المعالم اليوم، وهناك مجموعات قليلة لرفعت او خدام في بعض المناطق وهي منشقة عن السلطة، الا انها ضعيفة التأثير في الشارع".
وقال "إن المعارضة السورية بشكل عام تتألف وفق برنامجين من تيارين أساسيين، تيار معارضة الداخل وتغلب عليه المطالب الاصلاحية على طريق التغيير التدريجي السلمي مع التأكيد على البعد الوطني لسوريا، أي إنها تقف الى يسار النظام، على عكس المعارضة الخارجية التي بمعظمها تركز على الوضع الداخلي من دون النظر الى القضايا الوطنية والقومية، وتعتبر بشكل عام على يمين النظام، الا ان العامل المشترك بين الجميع هو برنامج مطلبي يقوم على الغاء حالة الطوارئ وانفراد حزب البعث بالسلطة، واطلاق الحريات العامة وطي ملفات المفقودين، والغاء منع السفر، وهو برنامج اصلاحي بامتياز".
مظاهرات مؤيدة للاسد في دمشق
الا ان الدكتور عمار قربي رئيس مجلس ادارة المنظمة الوطنية لحقوق الانسان اعتبر في تصريح خاص لـ"ايلاف " ان محاولة الفصل بين معارضة داخلية وخارجية "هي محاولة قسرية للتمييز بينهما، علماً ان هدفهما واحد، ألا وهو النضال ضد الاستبداد.
وقال "علينا أن نستذكر أنّ من هم في الخارج كانوا معارضين في الداخل اولاً، ودفعتهم السلطات إلى السفر خارج البلاد مثل الدكتور عبد الرزاق عيد ومأمون الحمصي والدكتور رضوان زيادة ومحمد العبد الله وأنور أصفري والعشرات، فهؤلاء كانوا لفترة قريبة داخل سوريا، ودفعوا أثمانًا باهظة لقاء نضالهم ضد الاستبداد.
فمأمون الحمصي على سبيل المثال اعتقل لمدة خمس سنوات، وهو عضو في البرلمان، تم سحب الحصانة منه لمجرد أنه طالب بالاصلاح. أما محمد العبد الله فقد دخل المعتقل مرتين، وهو لم يتعد الثلاثين. أما والده فأصبح يتنقل بين السجون، إضافة الى أخيه عمر. أما الدكتور عيد فقد حورب في رزقه، واُخرج من الجامعة، وضيّقت عليه السلطات حتى اضطر إلى السفر".
واعتبر قربي "ان هناك نوعين من المعارضة، المعارضة العلنية ويمثلها أشخاص ورموز من مناضلين وكتاب وسياسيين معظمهم قضى سنوات طوال في السجون. أما الباقي فتعرض للاضطهاد والمضايقة والمراقبة اللصيقة".
وأضاف "أنه لا يمكن أن نتحدث عن معارضة حزبية منظمة في سوريا، والسبب ليس ذاتيًا، وانما هو استجابة موضوعية لحالة القمع والتذرير الذي مارسته السلطات السورية منذ 48 عامًا عمر حزب البعث، وعمر قانون الطوارئ في سوريا".
ورأى "أن النوع الثاني من المعارضة هي المعارضة الأشمل، فهي المعارضة الصامتة أو بالأحرى المعارضة التي كانت صامتة منذ أسبوع مضى لأنها مع هذه التظاهرات، خرجت من الصمت الى الفعل. هذه المعارضة تضم الغالبية العظمى من الشعب السوري".
واعتبر قربي "أنّ المعارضة السورية تتفق على الهدف، وهو الحرية والديمقراطية، وتختلف على التفاصيل"، وهو، برأيه، ما يثري العمل المعارض.
المعارض السوري أسامة المنجد قال لـ"ايلاف" إن ما يحصل في سوريا اليوم ليس له علاقة لا بخدام ولا برفعت ولا بالإخوان ولا بغيرهم.. هذه ثورة الشباب السوري من داخل سوريا، ولا يحق لأحد من الخارج أن يقول إن له علاقة فيها، وطالب ان تكون الجهود الآن منصبّة على كشف المجازر التي ترتكب بحق المدنيين العزل في سوريا.
اما الدكتور نجيب الغضبان أستاذ في جامعة اركنسا الاميركية فقد اعتبر "أن المعارضة السورية تضم التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشبابية، كما إن اعلان دمشق موجود، وكان هناك لقاء لحوالي 160 شخصًا". وأكد "هناك بعض الشخصيات الوطنية السورية مثل غسان النجار وجودت سعيد والمحامي هيثم المالح والحركة الكردية "، معبّرًا عن تفاؤله بالمعارضة والمرحلة المقبلة.
الكاتب والناشط السوري عبد اللطيف المنير المقيم في الولايات المتحدة الاميركية إعتبر في تصريح خاص لـ"ايلاف" أن المعارضة، هي التي تحمل "مشروعاّ سياسياً واقتصادياً يلبّي طموحات وآمال الشعب. وسمعنا على مدى عقدين أو أكثر عن شيء اسمه معارضة، لكن شهدنا فشل المشاريع السياسية لهذه المعارضات، والتي تمثلت بين التيارات الإسلامية، والشيوعية أو اليسارية، وبين القومي المتعصب والناصرية.
وفي غياب منظومة الديمقراطية بينها والتي توازنت مع اللا ديمقراطية التي مارسها النظام في سوريا أثناء وما بعد ثورة البعث في الثامن من آذار، برزت طبقة مهمشة هي الشريحة الأكبر في المجتمع السوري، والتي لم يعر لها بالاً أحد من هذه الأحزاب الآنفة، وحتى من الحزب الحاكم، وهي الطبقة المستقلة المثقفة التي لا تنتمي إلى أي من هؤلاء، والبعيدة عن الاصطفافات المذهبية والفئوية والحزبية. هذه الطبقة التي تم تغييبها وعزلها، وأحياناً تم تهجيرها قسراً، ثم زجّها في دوامة العبثية الفكرية كأفكار البعث العقائدية كالوحدة والحرية والإشتراكية، والتي سقطت شعاراً ولم تُشاهد تطبيقاً أو واقعا ملموسا".
وأكد المنير "أن هذه الطبقة المستقلة والمثقفة هي علامة سياسية مسجلة، وهي الحاملة رياح التغيير والمالك الحصري للثوره الحديثة التي تشهدها سوريا، والدول العربية الأخرى، وهي المعارضة الحقيقية التي تخطت العرف السائد بأن محرك الثورات هم سياسيّو تلك الأحزاب التي كنا نسمع عنها".
أمّا بالنسبة لعبد الحليم خدام، فقال "سأعود وأقول ما قلته في صحيفة أميركية بعد زيارتي له في باريس، ورداً على سؤال: كيف رأيت عبد الحليم خدام؟ قلت إن هذا الشخص هو منتقم، وليس معارض، وأنه يريد العودة إلى السلطة بعد سحب الصلاحيات والميزات التي كان يتمتع بها، وبدليل أنه لم يعارض النظام السوري إلا بعدما أحيل إلى التقاعد وفصل من حزب البعث الحاكم، وبنيت هذا الجواب، بعد رفضه رأيي بأن يأتي هو إلى المعارضة لا كما يريد (أي خدام)، بأن تأتي المعارضة إليه. وهناك فرق كبير بين الإثنتين. لانه في الثانية يريد ممارسة ذات الديكتاتورية التي كان يمارسها أثناء منصبه عندما كان في منظومة الحكم سابقا. أما في الأولى فإنه يعبّر عن مصداقيته إن وجدت في الفعل المعارض".
أمّا عن رفعت الأسد، فأجاب المنير "لقد فتحت نقاشات مع فريقه السياسي، وقمت بزيارة لباريس لهم في اطار توحيد الصف المعارض، لكن وجدت أن لديهم أجندة خاصة بهم، وحالهم حال عبد الحليم خدام، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين. حيث قلت للأخيرة حرفيًا: نحن مددنا أيدينا لكم للمصافحة، فهل أنتم مادّون أيدكم إلينا؟".
وأكد أنه "في النهاية، ثمة قاسم مشترك لهؤلاء أنهم يريدون المعارضة أن تأتي إليهم، وأنهم كلٌ على حدة يظن أنه هو الحامل الوحيد للمعارضة السورية، وهذا مناف ومعاكس للعمل المعارض. ولا ننسى أن موقف جماعة الإخوان الذي اتخذته بتعليق نشاطها المعارض ما زال سارياً في هذه اللحظة التاريخية الملحة، وكذلك مواقف الأحزاب الكردية السورية التي لزمت الصمت حيال ما يجري في سوريا الآن".
واعتبر أنه "في ظل ما يجري على الساحة العربية من حراك شعبي نحو الثورات العربية الحديثة، وفي ظل المظلة الدولية والمنظمات الأهلية التي تقف وتمنع العنف ضد الشعوب، فلا نفع لهذه الأحزاب والجماعات إن لم تتحرك الآن وتساند أهلها في الشارع السوري".
بالنتيجة اليوم، بحسب المنير، ان "هذه المعارضات آن لها أن تقف جانباً وترتاح، وتفسح المجال لطبقة المثقفين الشباب غير المنتمين إلى أي من هذه التيارات والأحزاب، لان هذه المعارضة الكلاسيكية قد أصابها الترهل، ولم تتعلم من حركة الشعوب التي تتطلع نحو الحرية ومستقبل ديمقراطي يصونه القانون. وهنا أضاف" ستبقى هذه الأحزاب والتيارات تحت ما سميته الأحزاب والتيارات لمُريديها، والوطن للجميع لأنها تشكل دوائر صغيرة في المجتمع، وستزول بالتقادم أو ستكون في إطار الإعتقاد الشخصي لا أكثر".