كأن المعلومة من حق المبصرين فقط: إهمال القنوات العربية لذوي الإعاقات البصرية
محطات التلفزة العالمية تستخدم توجهاتها بالاعتناء بالمعاق بصرياً وسمعياً في الترويج لصورتها المتحضّرة.
بقلم: إقبال التميمي
حان الوقت للاهتمام بهم
لم أستطع تخطي شعوري بالخيبة وأنا أتابع النسخة العربية من مسابقة "ذي بيبولز كويز" أو "مسابقة الجماهير" التي عرضت على قناة إم بي سي الفضائية. إذ في الجزء الذي يتم فيه إتاحة الفرصة للمشاهدين المشاركة بالرد على سؤال، يقوم مقدم البرنامج في كل حلقة بذكر نصف المعلومة، بينما نصفها الآخر، كان يأتي مكتوباً على الشاشة دون ذكر المعلومة صوتياً بحيث يتمكن منْ يعانون من إعاقات بصرية المشاركة أو الاستمتاع أو حتى الاستفادة مما يعرضه البرنامج من معلومات ثقافية عامة. كذلك الأمر تكرر ذات الأمر حين إذاعة أسماء الفائزين بالرد على السؤال، بحيث لا يذكر اسم الفائز والدولة التي فاز منها المشاهد بالإجابة الصحيحة بل يتم كتابة ذلك على الشاشة فقط رغم إذاعة نصف الخبر صوتياً. وكأن المعلومة من حق المبصرين فقط.
منذ عام 2005 وحينما كنت أعمل في القناتين الشقيقتين، قناة العربية وقناة إم بي سي وبعد المشاركة بتقديم دراسة حول الإشكاليات المتعلقة بصورة المعاق في الدراما العربية أثناء مؤتمر المنال المتخصص بالسينما والإعاقة الذي عقد بين 22-24 من مايو في معهد الشارقة للفنون المسرحية في الإمارات العربية المتحدة، قدمت طلباً لرئيس قناة العربية، الأستاذ عبدالرحمن الراشد، لاستبدال شريط المعلومات المتعلق بمواعيد بث البرامج، واستخدام الكتابة بدل النطق في كثير من البرامج حتى يتسنى للمعاقين بصرياً متابعة ما يجري.
جاء هذا المطلب بناء على طلب من مجموعة من الزملاء الصحفيين والباحثين من ذوي الإعاقات البصرية الذين شاركوا بفعاليات المؤتمر الذي عقد تحت رعاية الشيخة جميلة القاسمي التي سخرت جهودها منذ سنوات للاهتمام بذوي الإعاقات. أذكر بالذات ممن طلبوا مني إيصال أصواتهم، كل من الزميل الباحث السعودي ماجد عسيري وصحفي زميل عامل في مجلة الأمن في شرطة دبي وكلاهما معاقان بصرياً إضافة إلى الزملاء الإعلاميين العرب الذين شاركوا بدراسات في المؤتمر وعلى سبيل المثال لا الحصر، خولة الحديد، نواف الجناحي، روحي عبدات، سعيد رمضان، حميد عقبي، عماد حمودة، محمود جمال، سليم صابر، علي صابر، ومحمود أيوب.
حينها رد علي طلبي مدير القناة الأستاذ عبد لرحمن الراشد بالبريد الالكتروني، مشجعاً لهذه الفكرة وواعداً بأخذ محتواها في عين الاعتبار. لكن وبعد ستة أعوام، ما زال الحال على ما كان عليه. والمعاق بصرياً ما زال مهمشاً وفي عداد من لا يؤخذون بعين الاعتبار ولا يعتبرون أهلاً بالاهتمام. فهم مقصيون عن المشاركة مبتورون عن الأحداث الثقافية، رغم أن المعاقون بصرياً كانوا مادة لتقرير إعلامي على قناة العربية منذ شهرين تقريباً.
لا للإقصاء مهما كان السبب
من جهة أخرى، محطات التلفزة الحكومية مثل قناة التلفزيون الأردني، وقناة الشارقة الفضائية، كانتا رغم قلة مواردهما، من أولى الفضائيات التي اهتمت بذوي الإعاقات السمعية والبصرية، وكان هناك قارئ للغة الإشارة لبرنامج الأخبار وبعض البرامج. فضائيات حكومية أخرى تأخرت جداً على شمل المعاقين بعطفها. على سبيل المثال بدأ التلفزيون العماني إدخال إشارة الصم في فبراير من عام 2009 بينما التلفزيون البحريني أدخل لغة الإشارة في نشرات الأخبار الرئيسية اعتباراً من يوم الاثنين الموافق 17 يناير 2011 فقط.
للأسف الشديد، القنوات الخاصة التي تنعم بموارد مالية وميزانيات ضخمة، تخلّت عن المعاق لأن سياساتها متعلقة بالربح المادي والجذب الدعائي. فبالنسبة لها لا يشكل الضرير نسبة مستهدفة في حقل التسويق الدعائي لأن الضرير لن يشتري سيارة ولا يهتم بصيحات الموضة ولا بألوان الطلاء.
إن محطات التلفزة العالمية مثل سكاي نيوز، استخدمت في الترويج لصورتها المتحضّرة، توجهاتها بالاعتناء بالمعاق بصرياً وسمعياً من خلال نوعية وأسلوب بث البرامج واحتضان التقنيات التي تجعل من حياة المعاق أكثر ثراء من خلال استمتاعه بجودة الصوت. إضافة إلى أن استخدام التقنيات التي تساهم في تفاعل الصم مع الإعلام المرئي أصبحت ملزمة قانونياً في بعض الدول. مثلاً ينص القانون الأميركي على ضرورة إضافة قطعة "كلوزد كابشننغ" لتيسّر مشاركة المعاق وتكون ملزمة قانونياً في أجهزة التلفاز التي يكون قطرها 13 أنش فما فوق.
على الذين يديرون السياسات الإعلامية في الوطن العربي أن يتذكروا، أن كثيراً من الأشخاص المعاقين لم يولدوا معاقين، وأنه قد ينضم أي منا إلى زمرة المعاقين في أي وقت كان، نتيجة لحادث عارض أو مرض أو نتيجة تقادم السن. لذلك علينا أن نهيئ الساحة الإعلامية للقبول بنا كجزء مثقف مشارك في هذا المجتمع، وأن لا نعمل على إقصاء أنفسنا بأنفسنا.