صحافي أميركي يلتقي مخلوف وشعبان خلال ساعات قضاها في سوريا
تصريحات رامي مخلوف في " نيويورك تايمز " تثير ردود فعل سلبية
بهية مارديني
أجرى الصحافي الأميركي ذو الأصول اللبنانية انطوني شديد لقاءين مع مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، ومع رجل الأعمال السوري رامي مخلوف في صحيفة "نيويورك تايمز " خلال ساعات قليلة ُسمح له بقضائها في سوريا، لتفرز تصريحات المسؤولين السوريين ردود فعل متعددة داخليا وخارجيا في حين اعتبرت السفارة السورية في واشنطن أنّ تصريحات مخلوف لا تعكس رأي الحكومة السورية.
مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان
إجتمعت آراء تيارات سورّية مختلفة على ردود فعل سلبية على تصريحات رامي مخلوف رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السوري رغم ارسال مخلوف تعميما لمواقع الانترنت السورية بأن تصريحاته " نشرتها وسائل الاعلام العالمية كمقتطفات من لقاء أجراه مع صحيفة "نيويورك تايمز " ، وتضمن التعميم المنشور بيانا بالمحاور التي تحدث عنها مخلوف في اللقاء، خصوصا " كما قالت المواقع " وأن بعض تلك وسائل الاعلام العالمية انتقت عبارات محددة ومجتزئة من كلامه" .
وكان لافتا أن تنشر السفارة السورية في واشنطن في جريدة نيويورك تايمز تعقيباً على اللقاء الذي أجرته الأخيرة مع رامي مخلوف وأكدت السفارة "أن السيد مخلوف هو مواطن سوري ولا يشغل اي منصب حكومي والاراء التي عبر عنها في اللقاء آراء شخصية لا تعبر ابداً عن مواقف الحكومة السورية".
و في تصريح خاص لـ"ايلاف" قال تمام البرازي الصحافي السوري المقيم في واشنطن" إنّ الصحافي الأميركي ذو الأصول اللبنانية انطوني شديد الذي أجرى اللقاءين مع مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان ومع رامي مخلوف، " انطلق كمتدرب في "اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز " تلك اللجنة التي تبرع لها الوليد بن طلال بستة مليون دولار بعد اجتماعه مع الرئيس السوري بشار الأسد ، وجاء التبرع كمقر في حي جورج تاون الراقي في واشنطن ، ويرأس اللجنة كمدير مالي واحد من رجال الاعمال السوريين في الولايات المتحدة الاميركية وهو أسعد جبارة ، وهو مليونير سوري كان يتبرع للجنة باستمرار" ، وأشار البرازي الى "أن هذه اللجنة هي اللوبي الرئيسي لسوريا في واشنطن ، والتي تدأب بثينة شعبان على حضور مؤتمراتها سنويا لذلك وافقوا على اجراء لقاءات مع انطوني شديد بتوصية من السيناتور السابق جيمس ابو رزق مؤسس اللجنة والذي يجتمع مع الرئيس بشار الأسد باستمرار"، ولفت البرازي الى "أن انطوني شديد عمل مراسلا في العراق وفجأة ترك صحيفة "الواشنطن بوست" التي كان يعمل بها ثم عمل في صحيفة " نيويورك تايمز" و جال في العالم العربي، وأفاد "فوجئت بأنه استدعي لسوريا لاجراء اللقاءات في هذه الفترة رغم قربه من النظام ورغم قربه من السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى".
ولكن البرازي اعتبر " أن المهم ان انطوني شديد موضع ثقة لدى النظام السوري الا أن الصحافي الاميركي ذو الأصول اللبنانية لم يضرب مصداقيته ، ولم يجامل النظام على حساب الحقيقة ، وَنشَر انطوني شديد الموضوع (لقاءه مع مخلوف) بشكل جميل ومهني ومنصف" .
ورأى البرازي "أنّ تصريحات رامي كشفت أنه مثل سيف الاسلام "، مشددا " لقد أثبت أنه سقط أكثر من الآخرين ، وكشّر عن أنيابه وعشقه للمال ، كما كشف أين موقع الأجندة السورية في مفصل حديثه أن استقرار سوريا من استقرار اسرائيل كمتلازمتين حتميتين" .
وأفاد البرازي " أنّ مخلوف في تصريحاته لنيويورك تايمز أثبت كلام المعارضين في أن هذا النظام ليس لديه ممانعة الا ضد شعبه، وكشف نفسه مهددا أنه اذا لم تسمحوا لنا " في مص دم الأمة اقتصاديا سندمركم ".
بدوره وفي تصريح خاص لـ"ايلاف" قال المعارض السوري ورجل الأعمال السوري أكثم بركات "قرأت اللقاء باللغة الانكليزية، ولم أرَ تناقضا مع المقاطع المأخوذة والمترجمة منه ، حالنا عندما نرى شخصا أو طفلا يقتل في درعا، وحالنا كمشاهدة القناصة على أسطح المنازل ، فهي لغة واحدة لا تؤثر على ترجمتها الى أية لغة في العالم".
واعتبر أنّ "الفكرة واضحة ، ففي قلب مظاهرة سلمية يحدث اطلاق نار مباشر" ، مؤكدا" أنّ اللقاء واضح وصريح في أن السيد رامي مخلوف هو ليس مقرب فقط من النظام بل هو الجزء الأساسي في النظام كما والده الذي كان ولا زال كذلك، وهذا ما يؤكد عليه ليس فقط الشعب السوري ولا الطائفة العلوية بل حتى عائلة الأسد أنفسهم "، لافتا الى أنّ "الحساسية الموجودة تجاه رامي مخلوف تزيد كلما اقتربنا من الدائرة الضيقة الأولى" .
تشييع القتلى الذين سقطوا خلال التظاهرات
والنقطة الثانية التي تحدث عنها بركات تتلخص في أنّ " التهديدات التي أطلقها رامي مخلوف حول موضوع الأمن هي ذات التهديدات المتداولة من النظام للشعب السوري والشعوب الأخرى في الوطن الكبير وخارجه ، حيث أّن العنف وعدم الاستقرار سوف يهدد كل الجوار ، وسوف يمتد الى أماكن واسعة في حال حصل شيئا للنظام السوري" لاسمح الله كما قال مخلوف ".
وأكد بركات أنّ "هذا الكلام هو أدوات التهديد نفسها التي سمعناها من الزائل القذافي وكل الزائلين من القيادات اللئيمة الاستعمارية والخائنة التي ابتلينا بها في هذا الوطن الكبير بعد الحرب العالمية الثانية وظهور اسرائيل، وهو ما يؤكد أنّ كل الحكومات العربية لم توجد الا للحفاظ على ولادة اسرائيل ، وقد لاحظنا ذلك من خلال الحروب الثلاثة حرب الخلق 48 ، وحرب التمدد 67 ، وحرب تثبيت الحدود 73 ".
ورأى " أنّ مجرد خروج رامي مخلوف الى العلن يؤكد أنّ هناك مشكلة كبيرة داخل الدائرة الأولى"، وقال" وقد يكون لدي تكهنات حول هذا الموضوع لا أود أن أقولها ولا أحب أن أتطرق عليها؟؟" .
واستطرد قائلا" بل يمكن أن أجزم أنها ليست تكهنات" ، وأضاف" ان الرجل (مخلوف) يتحدث عن اصلاحات اقتصادية لكنه نسي أننا لم نسمع بهذه المطالبات خلال المظاهرات في سوريا ، وأنّ المطلب الاساسي كان وما يزال هو تحقيق شرط الموازنة في الكرامة والحرية في بلدنا سوريا ، وطبعا هذا ما نفتقر اليه خلال عقود أربعة مضت".
وشدد على أنّ "رامي مخلوف لايحق له أن يتكلم باسم الطائفة العلوية ولا باسم التجار، ويمكن أن يتكلم فقط من موقعه كشريك في الدائرة الاولى للسرقات ونهب الاقتصاد السوري علما أنّ علاقته مع بعض َمن في الدائرة الاولى علاقات غير جيدة ، وهناك حساسية ضده من كل المشاركين في سرقة ونهب هذا الاقتصاد"، مؤكدا" أن شرط اسقاط النظام في المظاهرات كشعار ُرفع بالدرجة الأولى ليس لأسباب اقتصادية".
ولفت الى "أن تعامل الدائرة الأولى مع الدوائر الأدنى هو تعامل متعال وفوقي يمكن أن تؤكد عليه ضمائر كل من يتعامل معهم ويتلقون أوامرهم من أدوات سياسية ومؤسسات عسكرية" ، مكررا " يجب أن يقف الجيش السوري على مسافة واحدة "، ورأى أن "هذا ما سيحدث في القريب العاجل" .
وأكد " ليس هناك سلفيين أو مندسين أو مجموعات ارهابية مسلحة وأجندة خارجية في سوريا بل هناك شعب يريد الحياة ، و سوف يعينه الله على هذا تحقيق الهدف السامي".
فتاة تشارك في تظاهرة ضد النظام السوري في لندن
من جانبه وفي تصريح خاص لـ"ايلاف" رأى الدكتور عزو محمد ناجي دكتوراه في العلاقات الدولية والنظام السياسي "أنّ تصريحات رامي مخلوف تظهر أنّ له رأي في صنع القرار السياسي في سوريا وأنه من المستفيدين الرئيسيين من وجود هذا النظام ، حيث كشف عن أن انهيار النظام السوري سيؤثر على أمن واستقرار إسرائيل ، وهذا يؤكد أنّ ما سمي بدولة الممانعة الرئيسية وهي سوريا ليست سوى حام لاستقرار إسرائيل واستمرار حالة اللاسلم واللاحرب ، حيث استفاد النظامين من توقف المفاوضات حول عملية السلام في المنطقة العربية ، وبالتالي سمح للنظام السوري بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية وما سمي بالصراع العربي الإسرائيلي واللعب على هذا الوتر مع استمرار قمع الشعب السوري وإبعاده عن أي تطور ديمقراطي ، والإستمرار في وجود الدولة التسلطية المعتمدة على أجهزة القمع والجيش في استمرارها ، وسمح لإسرائيل بالإستمرار في بناء المستوطنات في الضفة الغربية ، والعمل على تهويد القدس الشرقية "، ورأى ناجي "أنه "من هذا المنطلق يدعو رامي مخلوف إسرائيل إلى ضرورة دعم هذا النظام على المستوى الدولي وضرورة استمراره بما لإسرائيل من علاقات مع دول الغرب ، وبما للمنظمات اليهودية في العالم والتي لها علاقة بإسرائيل من تأثير على هذه الدول ، وتاتي هذه التصريحات بعد دعوة الرئيس الأسد لرئيس الجالية السورية اليهودية في الولايات المتحدة لزيارة سوريا".
وأضاف " أن تصريحات رامي مخلوف تحمل في طياتها أنّ الغرب هو من يضغط على النظام السوري ، وهو الذي يزيد من تفاقم الوضع في سوريا ، وأن حليفهم الرئيسي في المنطقة هو إسرائيل ، حيث ستتعرض هذه الأخيرة للخطر الإسلامي ، فيما لو سقط النظام في سوريا ، حيث أن الإسلاميين سيحكمونها بسقوط نظام الأسد ، وهذا ما سيشكل تهديداً لإستقرار إسرائيل ، لكن يرد على هذا القول بأن الإسلاميين في سوريا لم يحصلوا خلال فترة الديمقراطيات السورية ما قبل حكم البعث على أكثر من مقعدين في البرلمان السوري ، وهذا يعني أن التعددية الحزبية في سوريا لن تتيح وجود أحزاب يمينية أو يسارية حاكمة بالمطلق أو بالأغلبية الساحقة ، ففي معظم المراحل التي مرت على سوريا كان التيارالعلماني المعتدل هو الذي يفوز بالإنتخابات ، حيث كان حزب الشعب في حلب أو الحزب الوطني في دمشق يحصلان على أكثرية مقاعد البرلمان ، مع وجود أحزاب لا تأثير لها بشكل رئيس مثل الأخوان والبعث والشيوعي ، كما كان للمستقلين دور كبير في البرلمان والحكومة ، وهذا يدحض آراءه حول فوز الإسلاميين بالسلطة في سوريا".
ورأى حول قرار مخلوف أن النظام قرر أنه سيحارب حتى النهاية ، فانّ "هذا يؤكد أن النظام ليس سوى كتلة من المستفيدين على المستوى الإقتصادي أو السياسي أو الإداري في الدولة فسقوط النظام يعني انتهاء امتيازاتهم في الدولة لذلك فهم مستعدين أن يشعلوها حرباً على الشعب السوري حتى النهاية ، ورغم ادعائه أن الكلمة الأولى والأخيرة للرئيس بشار الأسد إلا أن هذا يناقض الواقع فبشار الأسد رغم ادعاءه أنه أصدر أوامره بعدم إطلاق النار على المتظاهرين إلا أن الأجهزة الأمنية والعسكرية استمرت في إطلاق النار على المتظاهرين السلميين ، كما أنه لو أن الرئيس بشار له القرار الأخير لما سمح لإبن خاله رامي مخلوف أن يتكلم بإسم النظام السوري".
وحول أن العقوبات الأوروبية التي شملت مخلوف مع أقطاب النظام السوري ، رآها مخلوف بسبب قرابته العائلية من الرئيس ، وبسبب أنه يعمل على تشغيل أموال العائلة الحاكمة ، اعتبر ناجي " انّ هذا دليل إدانة له وللعائلة الحاكمة ، فهذه الثروات هي ملك للشعب السوري الذي يعاني الفقر والبطالة وقلة التعليم ونقص المستشفيات وغير ذلك "، متسائلا " كيف يستطيع النظام السوري أن يقوم بإصلاحات اقتصادية حسب رأي رامي مخلوف من أن ذلك أولوية ، رغم امتلاك هذا الأخير لللمليارات ولحسابات مصرفية في الخارج ، وهذا ما أثار الشارع السوري ضد النظام ، ويذكر رامي مخلوف كسارق للأموال السورية وناهم للقمة العيش في سوريا ، ورغم ادعاءه أن الشعب السوري سيقاوم التغيير والمتظاهرين ، فحجم التظاهرات والاحتجاجات يثبت بما ليس فيه مجال للشك أن الشعب بمعظمه ضد هذا النظام ، رغم وجود أغلبية صامتة حتى الآن".
هذا ورأى ناشطون في تصريحات متفرقة لـ"ايلاف"" أنّ مخلوف في تصريحاته" صدم الشعب السوري الذي كان يعيش على حلم الممانعة ونشيد الصمود والتصدي" .
وأكدوا "أن تصريحات مخلوف تكشف مدى الورطة التي وصل اليها النظام والطبقة الحاكمة في سوريا حيث كان متخبطا عندما أعطى تصريحات ثم كأنه تراجع عنها في مواقع الانترنت السورية وليس في صحيفة نيويورك تايمز وكأن هناك رسالتين من ذات الشخصية احداها للخارج والثانية للداخل ".
واعتبروا "أن مخلوف حاول نفي خلاف النخبة الحاكمة على خلفية القمع والقتل وازدواجية وجهات النظر في النظام عندما قال ان صلات النخبة توثقت اكثر مع الأزمة ."
وكان أنطوني شديد قد قال أن تصريحات مخلوف، الذي تربطه صداقة منذ نعومة أظفاره مع الرئيس بشار الأسد، لفتت الى أن النخبة الحاكمة – التي يعمل فيها أقارب الأسد وأشخاص معاصرون – قد توثقت العلاقات بينها خلال الأزمة. وأضاف "رغم أن الرئيس بشار هو من يمتلك القول الفصل، فإن السياسات تُصاغ على أنها قرار مشترك. نعرف أنه لن تكون هناك استمرارية من دون وحدة وطنية. وكشخص، كلنا يعرف أن الوحدة هي سبيلنا للاستمرار".
وقال مخلوف إن النخبة الحاكمة في سوريا، والحلقة الضيقة التي في السلطة، سوف تقاتل حتى النهاية في معركة يمكن أن تلقي بالشرق الأوسط في اضطرابات وفي فوضى.
ونقل عن مخلوف "وإن كان للسيد الرئيس الكلمة النهائية، إلا أنه وبحسب مخلوف فالسياسات تصاغ عبر ما أسماه "قرار مشترك" .
انطوني شديد الذي أجرى مع مخلوف حواراً مطولاً يوم الاثنين الماضي في دمشق، وصف أحاديثه وتعليقاته بأنها فرصة نادرة للتبصر في كيفية تفكير حكم غير شفاف.
ولفته تعليق لمخلوف يقول فيه: "إن غاب الاستقرار لدينا هنا، فلا مجال لوجود إستقرار في اسرائيل".
وبسؤاله عن سر إستهدافه بالعقوبات، قال مخلوف "لأن هناك ثمة صلة قرابة بيني وبين الرئيس. وهذا هو السبب فحسب. وأرى أن الغضب الموجه إليّ ناجم من الغيرة والشكوك القائمة منذ فترة طويلة بأنه يعمل باعتباري المصرفي الخاص بالأسرة الحاكمة. قد يكونوا قلقين من استخدامي تلك الأموال في دعم النظام. أنا لا أعرف. قد يكون ذلك هو السبب. لكن النظام يمتلك الحكومة بأسرها، وهم ليسوا في حاجة إليّ".
كما رأى مخلوف أن الأولوية للاصلاح الاقتصادي وليس للاصلاح السياسي ، ووصف انطوني شديد مخلوف بأنه ليس مجرد رمز للغضب، بل يمثل أيضاً التغييرات الواسعة التي جرت في السنوات الأخيرة في سورية. فبعد أن ساد تحالف قديم بين التجار من المسلمين السنة وبين الضباط من الطائفة العلوية، يعطي مخلوف اليوم وسيلة لأحفاد هؤلاء الضباط للاستفادة من الصفقات المربحة بفضل إصلاحات اقتصادية تفكك القطاع العام، حسب وصف الصحيفة.
ورأى الكاتب من خلال حديثه مع مخلوف أيضاً أن التهديد الذي يواجه دمشق من النتائج الاقتصادية للاحتجاجات ومن العزلة التي تفرض عليها، وهروب رؤوس الأموال، يفوق التهديد الذي واجه الحكومة من الاحتجاجات نفسها.