البرلمان العراقي استجوب نائب رئيس الوزراء ووزير الكهرباء
الشهرستاني وشلال يتبرآن من فساد بعقود 1.7 مليار دولار"الوهمية"
أسامة مهدي من لندن
دافع نائب رئيس الوزراء العراقي حسين الشهرستاني ووزير الكهرباء المستقيل رعد شلال عن دورهما في عقود "وهمية" مع شركتين ألمانية وكندية لتنفيذ مشاريع كهرباء بقيمة 1.7 مليار دولار بالتأكيد على أنهما بادرا بالغائها، ولم تدفع الحكومة أي دولار من هذا المبلغ، وأن دعاوى قضائية ضد الشركتين قد أقيمت في العراق وألمانيا وكندا بتهمة الاحتلال، لكن نوابًا قالوا انهم غير مقتنعين بهذه التوضيحات، وانهم سيطلبون استدعاء الشهرستاني من جديد بعد عطلة العيد.
جاءت توضيحات رئيس الوزراء العراقي حسين الشهرستاني ووزير الكهرباء المستقيل رعد شلال لدى مثولهما امام مجلس النواب اليوم واجابتهم عن اسئلة رئيسي لجنتي النفط والطاقة عدنان الجنابي والنزاهة بهاء الاعرجي، اللذين اشارا الى انه تأكد عدم وجود ممارسات فساد مالي في العقود الموقعة مع الشركتين الالمانية والكندية، ولكنها مخالفات ادارية وقانونية، تتعلق بعدم التأكد من حقيقة وجود الشركتين، وانهما مصنعتان وقادرتان على تنفيذ العقود التي وقعت معهما، والتي بلغت قيمتها مليار و700 مليون دولار.
الشهرستاني
وقد اوضح الشهرستاني الآلية التي تم بموجبها التعاقد مع هاتين الشركتين والكيفية التي حصلت بموجبها على العقود، وقال ان لجنة الطاقة الوزارية التي يترأسها ليست لديها الصلاحيات المالية للتعاقد، وانما مهمتها فنية تتلخص برفع التوصيات الى مجلس الوزراء، مؤكدا ان مبالغ التعاقدات قد وافق عليها مجلس الوزراء.
واضاف ان لجنة الطاقة كانت طلبت من وزارة الكهرباء اعداد خطة طوارئ لتأمين الكهرباء خلال عامي 2011 و2012 من خلال التعاقد مع شركات قادة على النصب السريع لمحطات الطاقة، فطلبت الوزارة في اذار (مارس) الماضي التعاقد مع شركات لتامين تنفيذ هذه الخطة، فهيأت في 27 من الشهر نفسه من مجلس الوزراء الموافقة على توقيع عقود مع شركات اجنبية، لان صلاحياتها تقف عند صرف مبلغ مائة مليون دولار وما فوق ذلك من صلاحيات المجلس، الذي وافق عليها في 29 من الشهر نفسه.
واكد الشهرستاني انه سجل رفضه لموافقة مجلس الوزراء على العقود، ولم يوقع على محضر الموافقة، لكن وزارة الكهرباء وقعت على العقدين مع الشركتين الكندية والالمانية في السادس من نيسان (ابريل) الماضي، وبكلفة مليار و700 مليون دولار.
واضاف انه بعد رفضه الموافقة على العقود، كلف المغتش العام في وزارة الكهرباء التحري عن الشركتين وحقيقة وضعهما وامكانياتهما في تنفيذ العقود الموقعة، فتبين ان الشركة الكندية وهمية، حيث لا مقر لها ولا مصانع ولا امكانات لها، وانها ادعت تمويل بنك اميركي لعقودها، وعند سؤال البنك اكد انه لا يعرف هذه الشركة، ولا علاقة له معها، فتم الطلب من وزارة الكهرباء الغاء العقد معها، فتم ذلك من دون دفع اي دولار لها.
اما بالنسبة إلى الشركة الالمانية فقد اوضح الشهرستاني انه قد تبين انها كانت قامت بتصفية اعمالها في اواخر العام الماضي، ولا يحق لها قانونًا توقيع اي عقود تتعلق بمهامها، وبعد توقيع عقدها مع وزارة الكهرباء حاولت التسجيل من جديد، وباسمها القديم، ثم قدمت معلومات كاذبة عن وضعها، فتم ايضًا الغاء العقد معها من دون تسديد اي مبلغ لها. واشار الشهرستاني الى انه بعد الغاء العقدين من الشركتين فقد رفعت وزارة الكهرباء دعاوى قضائية ضدهما في المحاكم العراقية والكندية والالمانية بتهمة الاحتيال.
شلال
من جهته اكد وزير الكهرباء المستقيل ان العراق لم يدفع اي مبلغ لهاتين الشركتين الالمانية والكندية جراء تعاقد الوزارة معهما بعد الغاء العقدين المبرمين معهما، كما تم الغاء عقود اربع شركات اخرى للسبب نفسه، مشددا على ان هذه العقود تم الغاؤها قبل صرف اية مبالغ لهذه الشركات.
وقد ايّد شلال العرض الذي قدمه الشهرستاني حول موضوع العقدين مع الشركتين، مستغربا من الحملة الاعلامية المضادة التي رافقت هذه القضية، ملمحًا الى دور سياسي فيها يدخل ضمن الاتهامات المتبادلة بين الكتل السياسية.
واشار الى أنه قد قدم استقالته من منصبه، لكنه طلب الحضور الى مجلس النواب لتوضيح موقفه وتأكيد براءته من اي تهم بفساد مالي. واضاف "انا آت للدفاع عن سمعتي، وليس عن وظيفتي كوزير ولأوضح لأولادي بأن أباهم بريء، ويداه نظيفتان، ويرفض المال الحرام".
واكد انه مصرّ على استقالته، لأنه لا يرضى العمل مع مرؤوس لايرغب في استمراره في منصبه، في اشارة الى اقالة رئيس الوزراء نوري المالكي له خلال الاسبوع الماضي. واشار شلال الى انه متألم من الضجة الاعلامية والسياسية ضد قضية العقدين، هذا في الوقت الذي كانت وزارة الكهرباء وقعت في عام 2008 عقدًا مع شركة بريطانية بمبلغ 10 ملايين دولار لانشاء محطات كهربائية، ثم كانت النتيجة انها صدرت الى العراق العاب اطفال، فخسر العراق المبلغ، ولم يثر احد هذه الفضيحة.
وعزا وزير الكهرباء رعد شلال قرار اقالته من منصبه الى "تضرر جهات (لم يسمّها) من محاربته للفساد في وزارة الكهرباء"، مستغربا من "عدم محاسبة المفسدين في زمن الوزارة السابقة". ونقل مصدر نيابي لوكالة كل العراق (أين) اليوم الاربعاء عن وزير الكهرباء رعد شلال قوله خلال كلمته في مجلس النواب ان "قرار اقالتي والضجة الاعلامية تتعدى صفقة العقود الوهمية، وان القضية اكبر من ذلك بكثير، لان هناك شركات وجهات تضررت من اجراءاتي في محاربة الفساد ومنع هدر المال العام في وزارة الكهرباء".
واضاف شلال ان "من بين تلك الاجراءات الغاء عقد بقيمة تجاوزت الـ (12) مليار دولار مع شركة سيمنز الالمانية المبرم على مدى خمس وعشرين عامًا تدفع للشركة بشكل عقد استثماري". وتابع "اننا نستغرب من الضجة الاعلامية التي اثيرت بقرار الاقالة، في وقت لم تتم محاسبة بعض المسؤولين في زمن الوزارة السابقة بتورطهم في قضايا فساد اداري ومالي في عقد تم توقيعه بقيمة وصلت الى (10) ملايين دولار، لكن لم تتم اثارته او الكشف عن المتورطين والمقصّرين فيه".
تعقيبات لجنتي النفط والطاقة والنزاهة
تعقيبًا على كلام نائب رئيس الوزراء، تساءل النائب بهاء الاعرجي عن مهام لجنة الطاقة الوزارية وصلاحياتها المالية وامكانية اعطاء موافقات بعقود تتجاوز المليار دولار، معربا عن استغرابه من ترؤوس الشهرستاني للجنة تحقيقية وهو متهم فيها.
من جهته استفسر النائب عدنان الجنابي عن الشركات العالمية الكبرى المصنعة للمحطات الكهربائية وامكانية التعامل معها في بناء محطات عملاقة في القطر، مثل شركة هونداي الكورية. وتساءل النائب شيروان الوائلي عن سبب افتقار الوزارة قاعدة بيانات ومعلومات عن الشركات العالمية وامكانية وجود التزامات مالية على الحكومة العراقية جراء الغاء هذه العقود. ودعا رئيس المجلس الى استمرار اللجنتين في تحقيقاتها حول الموضوع وتقديم تقريرها الى المجلس بعد عطلة العيد.
ردود فعل نواب
بعد انتهاء الشهرستاني وشلال من عرض وجهتي نظرهما، خرج عدد من النواب ليؤكدوا انهم غير مقتنعين بهذه التوضيحات. وقالت النائبة حنان الفتلاوي عن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي ان اجوبة وزير الكهرباء رعد شلال حول العقود الوهمية كانت غير مقنعة. واضافت ان الوزير حاول دفع التهم بمبررات غير مقنعة، لكونه المقصّر الاول بالتعاقد مع شركات وهمية.
من جانبه قال النائب المستقل في التحالف الوطني صباح الساعدي انه سيقدم طلبًا الى مجلس النواب لاستجواب الشهرستاني مجددًا بعد عطلة عيد الفطر المبارك. واشار الى ان اجابات الشهرستاني على الاسئلة التي وجّهت إليه اليوم لم تكن مقنعة.
أما النائب عن كتلة الأحرار للتيار الصدري جواد الشهيلي فقد اكد قائلا "لن نحصل على الكهرباء حتى بعد 10 سنوات، إذا بقي المسؤولون عن العقود الوهمية لوزارة الكهرباء في مناصبهم". وأضاف الشهيلي في بيان صحافي ان استضافة الشهرستاني وشلال في مجلس النواب اليوم كانت بائسة، ولم تحجب الضبابية لمعرفة من المقصّر، ومن هو المسؤول عن عقود الكهرباء الوهمية.
حيثيات القضية
جاء استجواب الشهرستاني في البرلمان اليوم لتوضيح ملابسات قضية عقود الكهرباء الوهمية، التي وجّهت فيها اتهامات ضد وزير الكهرباء رعد شلال بتوقيع هذه العقود، التي وصفت بأنها وهمية بعلم وموافقة منه.
كما جاء في وقت قبل فيه المالكي استقالة شلال من منصبه مقابل عدم متابعته قضائيًا، وصدور بيان يبرّئ ساحته من أي فساد، ومنحه حقوقه التقاعدية، والاكتفاء بتوجيه لوم إليه بمخالفات ادارية نتيجة عدم التزامه بتعليمات رسمية بعدم توقيع اي عقود مع شركات وسيطة، وانما مع الاصلية منها، وهو أمر تم فعلاً، وأصدر المالكي بيانًا بذلك.
وكان النائب المستقل صباح الساعدي اتهم الاثنين كلاً من المالكي والوزير شلال بعقد صفقة بينهما، تقضي بتجنب فضح المسؤولين المتورطين بقضايا فساد مالي. وكشف الساعدي خلال مؤتمر صحافي في بغداد عن وثيقة موقعة من وزير الكهرباء موجّهة الى الشهرستاني، يبلغه فيها بأنه هو من زكّى الشركتين الكندية والالمانية الوهميتين، اللتين تم التعاقد معهما لتنفيذ مشاريع لتوفير الطاقة الكهربائية في انحاء البلاد بلغت قيمتها 1.7 مليار دولار.
واشار الى ان الشهرستاني ابلغ من جهته وزير الكهرباء قائلاً "انني تأكدت بنفسي أن الشركتين رصينتان، ولديهما أعمال مماثلة، ولا مانع من التعاقد معهما". واضاف الساعدي ان المالكي وشلال عقدا صفقة، يقوم بموجبها المالكي بتبيض صفحة شلال، ويعلن أنه غير فاسد، ويبدل اقالته الى استقالة، ويقبلها في مقابل عدم فضح شلال المتورطين في ملفات فساد الكهرباء. واكد "ان هذه الصفقة عقدت لكي لا يفضح شلال سياسيين كبارًا ضالعين في عمليات الفساد في وزارة الكهرباء".
وأشار الساعدي إلى ان الشهرستاني متورط أيضًا بالعقود المبرمة مع الشركات المفلسة والورقية. وقال ان هذه القضية ليست الأولى في وزارة الكهرباء، وقد تكررت أيضًا في وزارات أخرى مثل الشركات الكورية التي تعاقد معها مجلس الوزراء في اذار (مارس) الماضي، وهو امر سيواجه النواب به نائب رئيس الوزراء اليوم. وكان الشهرستاني قد تولى ادارة وزارة الكهرباء بالوكالة في الحكومة السابقة، بعد تقديم وزيرها كريم وحيد استقالته بطلب من المالكي على خلفية تظاهرات شعبية شهدتها المدن العراقية احتجاجًا على سوء الكهرباء.
يأتي الاستجواب مترافقًا مع بدء لجنة تحقيقية مشتركة من لجنتي النفط والطاقة والنزاهة التحقيق بملف الفساد في وزارة الكهرباء منذ عام 2003 ولغاية العقود الوهمية التي اكتشفت أخيرًا بقيمة 1.7 مليار دولار، فيما اعلن البرلمان عن وضعه اليد على وثيقة تدين امانة مجلس الوزراء بإعطاء الضوء الاخضر بالتعاقد مع الشركتين الاجنبيتين من دون إطلاع مجلس الوزراء.
وتؤكد اللجنة انها وضعت اليد على خطاب صادر من الامانة العامة لمجلس الوزراء بناءً على مخاطبة من لجنة الطاقة الوزارية بشأن عقدي وزارة الكهرباء، حيث إن الامانة العامة، ممثلة في أمينها علي العلاق، منحت لجنة الطاقة الوزارية صلاحيات لم يمنحها مجلس الوزراء، وبذلك دخلت الامانة طرفاً في العقود الفاسدة.
واوضحت أن "لجنة الطاقة الوزارية خاطبت امانة مجلس الوزراء بشأن العقدين لغرض عرضهما على مجلس الوزراء، واستحصال موافقته، وردت الامانة على اللجنة بخطاب رسمي بأن توقيع العقدين من اختصاص لجنة الطاقة، ولا حاجة إلى عرض الموضوع على مجلس الوزراء". وقالت ان قيمة العقدين البالغة 1.7 مليار دولار هي اكبر من صلاحية الوزارة ولجنة الطاقة، وتساءلت عن سبب منح الامانة صلاحية ذلك، وبخلاف قرار مجلس الوزراء.
من جانبه، اعلن وزير الكهرباء، الذي لم يلبِّ الدعوة التي وجّهها إليه مجلس النواب لحضور جلسته لمناقشة العقود الوهمية في وزارته، انه لم يرفض الحضور الى مجلس النواب، لكنه بانتظار موافقة المالكي على الدعوة، على اعتباره مسؤوله المباشر.
إثر ذلك، وجّه البرلمان انذارًا للوزير لإحالته الى القضاء فيما اذا اثبتت التحقيقات تورطه بالعقود الوهمية، حتى وإن قدم استقالته من الحكومة. ويحتاج العراق أكثر من 15 الف ميغاوات من الطاقة الكهربائية لتلبية الطلب في الصيف، فيما قال وزير الكهرباء في اذار (مارس) الماضي إنه من المتوقع ألا تتجاوز الامدادات خلال الصيف الحالي 7000 ميغاوات.
وفي إجراء استهدف تخفيف حدة الغضب الشعبي المتزايد بسبب استمرار انقطاع الكهرباء، قررت الحكومة العراقية أخيرًا توفير الوقود بالمجان لمولدات الكهرباء في احياء المدن في انحاء البلاد، على أن تتولى هذه الاحياء تزويد السكان بالكهرباء فترة لا تقل عن 12 ساعة يوميًا باسعار معقولة. وكان وزير الكهرباء رعد شلال قد وعد أخيرًا بإنهاء أزمة الكهرباء في نهاية عام 2013، وأن يشهد العام المقبل تجهيز المواطنين بالكهرباء لفترة 16ساعة يومياً.