[center][b]عثرة أخرى للإعلام
الصم.. فئة مهمشة تطالب بالمزيد..!
د. عابد:" الإعلام مقصر لجهل القائمين عليه وقلة وعيهم وثقافتهم
أ. المدهون:" من حقهم أن يكون الإعلام متنوعا ولا تكون الترجمة للأخبار وفقط "
أ. عطية:" لغة الإشارة مختلفة بين بلد وأخرى.. والمؤسسات مقصرة بحق الصم
"أ. الحشوة:" الصم حساسون ويحبون التعرف على كل ما يدور حولهم "
أميمه العبادلة:
( ولقد كرمنا بني آدم ).. آية واضحة، صريحة تدل على أن الله جل شأنه أعطانا حق الكرامة في كل جوانب الحياة.. وتلتها اجتهادات بني البشر بسنهم قوانين ونظم، تُلح في طلب ذات الحق الممنوح لنا شرعا.. إلا أننا لا نعدو أكثر من مجرد أبواق تقول ولا تفعل إلا فيما ندر.. فالحق في الحياة، ورغد العيش، والرعاية، مطلب الجميع، ومن حق الجميع.. لكننا نتجاهل هذا كثيرا.. أو نغفل فهم الآية الكريمة آنفة الذكر.. فالتكريم جاء عاما لكل من هو من فصيلة بني آدم، دون تمييز لعرق، أو لون، أو نوع بشري.. وبما أن الكمال لله وحده، فليس لنا الحق مطلقا في التميز على أساس نقص خَلقي كان من الله لحكمة لا يعلمها سواه..الصم شريحة موجودة بيننا.. نراها، ولا نراها.. وكأنهم من طين غير الطين.. أو دونما أحاسيس ومشاعر.. لعلهم لا يفقهون قولا، لكنهم يفقهون ما وراء القول من ملامح، وإيماءات.. همشهم المجتمع، والإعلام كعادته تعثر بهم، ومضى في محاولة خجولة لا تسد الرمق..!
من وراء حجب
كان ومازال عالم الصم محجوبا وراء ستار كحال باقي الإعاقات الخلقية، ويكتفي الكثير بأن يردد لسان حاله الحمد لله الذي أن عافيتنا مما ابتليت غيرنا به، دون طول نظر وبعد تفكير بمن هم؟ وكيف يفكرون؟ وماذا يريدون؟ وكأنهم بفقدهم حاسة السمع فقدوا باقي الحواس.. اعتقدا خاطئ أثبته لقاؤنا معهم.. حيث يصعب التكهن بالأصم إلا بعد أن تبدأ في محاورته لفظا، ليرد عليك بالإشارة. حينها فقط تدرك وجود خلل ما.. التقينا هاشم غزال، أو أبو الصم كما يدعونه في مؤسسة أطفالنا للصم بغزة. رجل أنيق، في آخر عقده الثالث، ذو ملامح هادئة، وقورة. اقترب بلطف مرحبا بابتسامة، وإيماءات برأسه ويده. كان التحاور شبه مستحيل إلا بحضرة مترجم الإشارة. تمحور حديثنا حول دور الإعلام معهم، لينهال علينا هشام بسيل إشارات كانت ترجمتها كالتالي: " أنا منزعج من وسائل الإعلام. فمن المهم أن يعرض عبر وسائله نشاطات عن الصم، وبرامج توعيه للمجتمع عنهم. أنا أعرف أن الإعلام له دور هام في التأثير على المجتمع، وكل الصم يعرفون هذا، نحن متعلمون، ونفهم، ونشعر، والجميع يعاملنا خلاف ذلك. لماذا لا يقوم الإعلام بتوعية المجتمع بكيفية التعامل معنا، ولماذا لا يتعلم الناس لغة الإشارة البسيطة حتى لا يحرجونا عندما نتعامل معهم. نحن نسبة ليست بالبسيطة في المجتمع. أعاني جدا من إهمال التاجر عندا أذهب لشراء الملابس وأغراض المنزل، وأعاني كي أفهم سائق سيارة الأجرة وجهتي والأغلب لا يفهم، ويرفض إيصالي. هذا دور الإعلام للتوعية بنا وبحقوقنا ". انتبهوا لنا
فاجأنا هشام برده الواعي، وشكواه. واستمر في ذات السياق قائلا بلغة الإشارة والتي أوضحها المترجم:" وأيضا نريد من الإعلام الاهتمام بوجود ترجمة لكل برامج التلفزيون. نحن نحب أن نشاهد كل شيء من أفلام، وبرامج، وأخبار، وغيرها. ونستطيع قراءة الترجمة العربية التي تكون أسفل الشاشة، ونستفيد من وجودها لتطوير قدرتنا على القراءة. وننزعج لأننا لا نفهم كثير مما يعرض على التلفزيون. فعادة لا يوجد مترجم، إلا بالنشرة الرئيسة، وكأننا لا نفهم أو لا نتابع.. أرجوكِ، أخبري الجميع بأننا نريد المزيد لأنه من حقنا. لا نريد سوى قوانين منصفه للتعامل مع الصم، واحترامهم، وتعلم لغة الإشارة بالقدر البسيط كي يفهمونا ونفهمهم. وأن ينصفنا الإعلام بقليل من الاهتمام ".
ظلم الإنسان للإنسان
أعتقد أن من يرى مصيبة غيره قد تهون عليه مصيبته، لكن السليم الذي يلتقي بعبير الشغنوبي عليه أن يخجل من نفسه، ومن تذمره من متاعب الحياة، وضناها. عبير فتاة مرحة إلى ابعد الحدود، ولم يكن فقدانها حاسة السمع والكلام عائقا أمام إقبالها على الحياة بشغف. كانت تضحك وتمازح من حولها بحركات لم أفهمها لكنها جعلتني أتمنى لو أنني أعلم يسيرا من تلك اللغة لأضحك معهم. كانت سعيدة بلقائها مع الصحافة، وأمسكت بالقلم من يدي لتصحح لي كتابة اسمها من الشرنوبي إلى الشغنوبي. وما أن علمت أنني أود سؤالها عن الإعلام حتى أخذت هيئة المتأهب للهجوم. فهمت من إيماءاتها أنها تريد أن نسلط الضوء وبشده على معاناتهم من إهمال الإعلام لهم. وما أشارت به كانت ترجمته كالتالي:" لا توجد أماكن نخرج لها، ولا نجد من يفهمنا. وطول مكوثنا في البيت فوسيلة التسلية الوحيدة هي التلفزيون. الأخبار من ضمن اهتماماتنا، لأننا نحب أن نعرف كل ما يدور بالعالم من حولنا. وأنتظر نشرة الجزيرة الرئيسة بشغف لوجود مترجم لغة الإشارة بها. وأحزن حقا فور انتهاء النشرة فليس بعدها من يخاطبني بلغتي غيره. وانزعج عندما اجلس مع عائلتي لمشاهدة مسلسل ما فأنا أريد أن اعرف التفاصيل، واطلب من أختي أن تترجم لي، لكنها تكون منشغلة بالمتابعة عني. لماذا لا يكون هناك مترجم لغة إشارة أسفل الشاشة لكل البرامج، أو حتى ترجمة مكتوبة لنفهم ما يعرض. هذا ظلم..! ".مجتمع غير منصف
التقينا أ. سمر الحشوة، الأخصائية الاجتماعية بمؤسسة أطفالنا للصم لتوضح لنا أن الصم ذوو طبيعة حساسة للغاية، وتسهل إثارتها من أقل الأسباب. وتقول:" ينزعج الشخص الأصم إذا لم يعيره الطرف الثاني جل انتباهه، أو في حال لم يفهم ما يريد قوله، ومغزى إشاراته. هم أشخاص اجتماعيون جدا ويحبون التعلم والتعرف على كل ما يدور حولهم. من يتعامل معهم عن قرب يلاحظ أنهم يحبون التقليد، ويهتمون بمظهرهم جدا. لكن للأسف نظرة المجتمع غير منصفة لهم. فهم يتمتعون بإدراك وفهم لكل ما يدور حولهم. وإن كانوا لا يسمعون إلا أنهم يستطيعون قراءة تعبيرات الوجه ويستشفون من خلالها نوع الحوار ومضمونه. وبالتالي فهم قادرون تماما على اكتشاف نظرة المجتمع السلبية لهم ". وتضيف:" من الخطأ التعامل بقلة اهتمام لهم، فهم يتمتعون بذات الأحاسيس والمشاعر الموجودة عند الأشخاص الأصحاء ". مشيرة أنهم يتمتعون بذكاء وسرعة بديهة جعلتهم يستخدمون الانترنت ببراعة، ليبحثوا من خلاله عن كل جديد، أو للتحادث مع بعضهم من خلال الكتابة، أو عبر كاميرا الويب بالإشارات. وتؤكد على ضرورة أن يساهم الإعلام في التعريف بهم وايلائهم الاهتمام اللازم.
تقصير الإعلام
لإدراك حقيقة الأمر، وعدم ترك النفس متخبطة في متاهات الحيرة والتساؤلات.. توجهنا للـ د. زهير عابد، نائب عميد كلية الإعلام في جامعة الأقصى بغزة، لنستوضح من خلاله سبب تقصير الإعلام، وإغفاله لفئة الصم. فأجابنا بالتالي:" المجتمع لا يعتبر أنها فئة كبيرة وبالتالي لا يتعامل معها من منطلق أن لها احتياجات ومطالب. وهذا راجع بالأساس لقلة الوعي والثقافة". محملا القائمين على وسائل الأعلام، والطواقم العاملة المسئولية في التقصير عن عدم تسليط الضوء وإغفال الطرح. مشددا على أن الشخص الأصم إنسان له حقوق وواجبات، ويتمتع بحق المواطنة، وله من الحقوق المجتمعية الكثير. مستنكرا نظرة المجتمع بسلبية وعدم اكتراث للصم، ومذكرا إيانا بواقعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما عاتبه الله على عدم اهتمامه بعبد الله أم مكتوم الأعمى، واهتمامه بأحد سادة قريش.. لينزل الله سبحانه وتعالى عبس وتولى تأنيبا له صلى الله عليه وسلم.. ومبينا أنه دليل قوي لنقيس عليه أنه لا يجوز للمجتمع إطلاق أحكام جائرة على فئة قد يكونون عند الله أكرم من غيرهم. موجها دعوة لكل الإعلاميين بضرورة توعية المجتمع بالصم، واحتياجاتهم، وعرض مطالبهم، والضغط على المسئولين للاهتمام بها. فهم كغيرهم لا بد لهم من معرفة ومتابعة البرامج السياسية، والاجتماعية، والدينية، وغيرها.
لغة الإشارة
كثيرنا رغم علمه، مازال جاهلا.. والدليل أننا مازلنا لا نعلم لغة الإشارة. لذلك كان لا بد من سؤال أهل الاختصاص في هذا المجال. فكما بين لنا أ. وليد عطية، مدرس لغة الصم بكلية تنمية القدرات التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بأن لغة إشارة في فلسطين تنقسم للغة قديمة، وأخرى حديثة. وأنه مؤخرا كان القول باستخدام الحديثة منها. وعلى الرغم من المناشدات من خلال المؤتمرات العربية التي تعنى بالصم حول إيجاد لغة إشارة موحدة للقطر العربي إلا أنه مازالت كل دولة تحتفظ بلغة خاصة بها. وفي غالب الأمر فهناك تقصير واضح من قبل الاجتماعات لعدم تطبيق القرارات من جهة، ولانغلاق المؤسسات المعنية على ذاتها من جهة أخرى، وافتقارها للتعاون مع المؤسسات الأخرى. مشيرا إلى أننا نشهد تقدما ملحوظا في زيادة وعي الأهالي بإلحاق أبنائهم الصم بالمؤسسات المختصة لتعليمهم وتأهيلهم واحتضانهم بتدخل مبكر من عمر عام وحتى 16 عاما. بعدها ينخرطون في دورات تدريب مهني لإكسابهم حرفة يعتاشون منها. مع الاهتمام بعقد دورات مكثفة لمن يتعامل معهم من أولياء الأمور. مشددا بضرورة اهتمام الإعلام بتوعية المجتمع حول هذه الفئة، وباحتياجاتها. وآخذا على الإعلام تقصيره في توفير برامج عنهم ولهم، فهم على حد قوله:" يحتاجون متابعة البرامج الثقافية، والوثائقية، والدينية من خلال التلفاز، وبالتالي فهم بحاجة حقيقية لوجود مترجم لغة الإشارة بصورة مكثفة غير مقتصرة على النشرة الرئيسة وفقط ". وأيضا مطالبا بوجود مترجمين للغة الإشارة في المرافق العامة كالوزارات والمستشفيات والمحاكم للتسهيل عليهم.
ليست سهلة
أما أ. إيهاب المدهون، وهو مترجم للغة الإشارة، فيدعم باتجاه القول بإغفال الإعلام لهذه الشريحة من المجتمع حيث يوضح قائلا:" هناك قصور في التلفاز، فمساحة الإعلام المرئي للصم محدودة جدا. ومن حقهم أن يكون الإعلام متنوعا وليس أخبار وفقط، فمن تعاملنا معهم نرى بوضوح شغفهم للمعرفة عن كل شيء. علما أن القانون الفلسطيني اقر بوجود تغطية لأخبارهم، ووجود مترجمين لهم. لعل المجتمع يغفلهم ظنا منه أنهم فئة قليلة لا تذكر.. لكن عدد الصم في قطاع غزة يقدر بأكثر من عشرة آلاف نسمة.. وهو عدد تقريبي للمسجلين من خلال المؤسسات المعنية بهم.. أي أن العدد الفعلي أكثر من ذلك ". مستطرداً:" ترجمة لغة الإشارة ليست سهلة. وليس كل من تعلم سنتين في المعهد يعني أن يكون بالضرورة ملما، ومتمكنا من هذه اللغة. بل إن الأمر يتم بالممارسة الفعلية معهم ". مركزا على أهمية وجود مترجمين للغة الإشارة وضرورة تطوير قدراتهم لما لهم من دور في إنجاح محاولة دمج الصم في المجتمع. مختتما حديثه:" الصم فئة مهمشة في المجتمع، سواء من ناحية طرح مشاكلهم والتوعية بحسن التعامل معهم. أو من خلال وجود مترجم لغة إشارة في التلفزيون بشكل أوسع واشمل من مجرد الأخبار الرئيسة ".
في محاولتنا الخجولة في هذا التقرير لتسليط الضوء على الصم، والبحث عن مطالبهم.. تولد لدينا شعور أكبر بالمسئولية تجاههم.. وفتح أمامنا آفاق لإنصاف غيرهم.. لا أنكر رغبة جامحة كمطرقة تدق فوق سندان الضمير تقول استيقظوا من السبات.. وافعلوا شيئا لتسعدوا هؤلاء.. الصم فئة من حقها الكثير.. فلا تكونوا معاقين خُلقيا، بضم الخاء، وعودوا لإنسانيتكم، ولنكن على قدر الحمل الذي ألقى به الصم على كاهلنا مجتمعا وإعلاما..![/b]
[/center]