الظلام يخيم على الحقول المحيطة بالمعادي وجثة رجل في حفرة واسعة

لماذا اغتيل زوج الجاسوسة الحسناء.. وقيدت ايديها وقدماها؟!
للكاتب سعيد الجزائري
إعداد: الفـــــــــوال
علامات الموت
كان الظلام قد بدا يخيم على الحقول المحيطة بالمعادي وعلى الضوء الضعيف المتسلل من خلال الاشجار انطلق بعض الباعة الجوالة يسلكون طريقهم عائدين من المدينة الى قراهم القريبة وفجأة وقفوا في اماكنهم مرهفي السمع فقد طرق سمعهم صوت خافت لاهث رددته الحقول الموحشة صوت رجل يستغيث بلغة اجنبية لا يفهمونها واسرع الرجال نحو مصدر الصوت حتى اذا ما اشرفوا على المكان سائرين على ضوء بطارية كانت في يد احدهم صاح احدهم اسفا.. يبدو اننا تأخرنا لقد لفظ الرجل انفاسه الاخيرة انني اعرف علامات الموت..
وفتاة مقيدة بالليل
واخذ الرجال يمعنون النظر على ضوء البطارية في الجثة الملقاة في حفرة واسعة وتبادلوا النظرات في حيرة وقبل ان يتكلم احدهم رن في اذانهم صوت اخر اكثر خفوتا يستغيث صوت نسائي هذه المرة.. وشعروا بقلق مبهم يسيطر عليهم واندفعوا نحو مصدر الصوت الجديد على ضوء البطارية حيث رأوا جسدا ملقى على الارض يئن ويتأوه وما لبث ان صاح احدهم: انها امرأة وصافح اعينهم جمال رائع لامرأة في مقتبل العمر مزقت ملابسها فبدا جسدها ناصع البياض وقد قيدت يداها وقدماها حتى اصبحت عاجزة عن الحركة تماما

وتنبهت المرأة عندما احست باحد الرجال يقطع قيودها بمطواة وهتفت بالعربية بلكنة اجنبية : ( الحمد لله ..فين كارون فين كارون)
ونظر الرجال بعضهم الى بعض ثم سألها واحد منهم في تردد: هل تقصدين الرجل الذي يرقد في الحفرة؟!
نعم انه زوجي كارون موظف في البنك البلجيكي وانا مدرسة في الليسيه نحن من بلجيكا ونقيم في المعادي من زمان
وهز الرجال رؤوسهم اشفاقا وانحنوا يرفعون السيدة من الارض بينما اسرع واحد منهم يبلغ البوليس ولم تمض دقائق حتى كانت سلطات التحقيق كلها هناك وبعد ان القينا نظرة فاحصة على المكان اوصلنا مسز كارون الى بيتها وتركناها حتى تستعيد رباطة جأشها وتفيق من الصدمة التي سببتها لها وفاة زوجها وتبين عند التحقيق ان جيوب سترة كارون وبنطلونه مقلوبة وفارغة تماما كما وجدت بقعا من الدماء قد لطخت بعض الاوراق التي تركها القاتل في جيب سترته لعدم اهميتها بالنسبة اليه وبدأنا التحقيق مع مسز كارون بعد ان تمالكت نفسها..
التحقيق واختطاف طفلة!
سألها المحقق: ما سبب ذهابك الى خارج المعادي انت وزوجك؟
كانت لي طفلة صغيرة خطفت منذ سنتين ومن وقتها وانا دائمة البحث عنها في كل مكان والامل يراودني في ان اجدها يوما ما وفي اثناء عودتنا للبيت وكنت انا اتولى قيادة السيارة فوجئنا ببعض قطاع الطرق يهاجموننا ويستولون على كل ما كان معنا ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا زوجي والقوه في الحفرة ثم اتجهوا نحوي فقاومتهم فقيدوا يدي وقدمي حتى لا استطيع مقاومتهم ومزقوا ملابسي وتوقفت عن الحديث وبدأ الارتباك واضحا عليها وارخت جفنيها وفهمنا وتركناها لحظة حتى تستعيد هدوءها ورحنا نسأل الشهود وقدم احد المزارعين وقال:
لقد رأيت رجلا وامرأة يمتطيان جوادين في نفس مكان الحادث قبل وقوعه باربع وعشرين ساعة
وادار المزارع رأسه نحو مسز كارون ثم قال: واستطيع ان اؤكد ان المرأة التي رأيتها هي هذه السيدة نفسها
وتبعت هذه الشهادة شهادة كثيرين من الاهالي فاجمعوا كلهم على انهم شاهدوا مسز كارون مع رجل اخر غير زوجها قبل وقوع الحادث بيوم ولم يكن غريبا ان يتعرف عليها المزارعون فقد كان جمالها الخلاب المثير من النوع الذي يدير الرؤوس ويعلق بالذاكرة كما كان شعرها الذهبي وقامتها الهيفاء مثيرين للانتباه وكانت مسز كارون تستمع الى هذه الشهادات دون ان تعيرها انتباه ولكننا اهتممنا بها وعبرنا عن اهتمامنا هذا بان سألناها
ماذا كنت تفعلين في هذا المكان قبل وقوع الحادث بيوم؟
كنت اتنزه انا وزوجي فقد اعتدنا ان نركب الخيل ونتريض في الحقول من وقت لاخر
اول الخيوط.. مستر سميث!
وجاءت اقوالها متضاربة مع اقوال الشهود الذين راوا جثة زوجها واكدوا انه لم يكن الرجل الذي كان معها وبدأنا نضيق ذرعا بهذه الاقوال المتضاربة وبالشبهات التي بدأت تحوم حول مسز كارون ورأيت من ناحيتي ان اتحرى عن ماضي هذه المرأة الفاتنة
ولم البث ان اكتشفت ان مسز كارون هي ثالث زوجة لكارون الذي يكبرها بعشرين عاما وكان في الثامنة والاربعين بينما كانت هي في الثامنة والعشرين وان لكارون ولدا من زوجته الاولى اسمه جاك في السادسة عشرة يقيم معها ويتعلم في كلية فكتوريا واستدعيت هذا الولد واستجوبته فقال لي:
ان والده زوجة والده كانا دائمي الشجار ولذلك كان ابوه لا يبقى في البيت معظم النهار والليل وقال ايضا انه كثيرا ما كان يرجع من المدرسة مبكرا فيجد مع زوجة ابيه رجلا انجليزيا اسمه مستر سميث لا يعرف عنه شيئا سوى انه يقيم في بنسيون في المعادي قبل وقوع الحادث بيومين وفقت في العثور على صورة له وعرضتها على الشهود الذين قالوا انهم رأوا مسز كارون تتنزه في الحقول مع الشخص الاخر غير زوجها فاذا بهم يتعرفون جميعا على الصورة قائلين انها للرجل الذي راوه معها
مكتب المخابرات البريطانية
واكتشفت ايضا ان مسز كارون كانت تشتغل بعمل اضافي بعد الظهر في مكتب المخابرات البريطانية في المعادي وسمعت عدة قصص وشائعات عن مسز كارون شهد صيدلي قريب من بيتها انها ابتاعت منذ يومين سما لقتل الفيران وشهد بعض الجيران بانها كانت تستعد للفرار ونصحني بعضهم بفحص حساب زوجها القتيل في البنك لانه سيتبين لي مع هذا الفحص انه قد سحب مبلغا كبيرا قبل مصرعه وانها هي التي حرضته على ذلك وبدأت اقتنع بان لها يدا في الجريمة وعدت احقق معها من جديد واسألها مرة اخرى
من هو الرجل الذي كان يركب معك جوادا قبل الحادث بيوم.
انه زوجي
وواجهتها بما علمته من ان الرجل كان (سميث) فانكرت واصرت على انكارها وكان واضحا ان اعصابها قد بدأت تثور من لهجة حديثها معي ولكنني ما زلت بها حتى هدأت تماما واعترفت بوجود علاقة بينها وبين سميث ولكنها نفت وجود اي صلة بين هذه العلاقة وبين قتل زوجها واكدت انه رغم الخلاف الذي كان بينها وبين زوجها فانها لم تفكر يوما في قتله وامسكت بهذا الخيط ورحت استدرجها حتى فقدت السيطرة على اعصابها واندفعت تجهش بالبكاء واخيرا رفعت عينيها المقرحتين من البكاء وقالت لي:
انا جاسوسة
ساعترف لك بكل شيء انا جاسوسة اعمل لحساب المحور وسميث كذلك جاسوس وكنت اسرق الخطط والاسرار الحربية مستغلة عملي في المخابرات البريطانية ويتولى سميث تبليغها بوسائله السرية الخاصة الى برلين ثم اكتشف زوجي يوما الحقيقة التي كنت اجاهد واستميت لاخفائها عنه ومن هنا كان منشأ الخلاف بيننا وطلب مني التوقف عن العمل وكان لفرط حبه لي لا يقدم على ايذائي ولا يقوى في الوقت نفسه على تحمل عبء القلق علي والخوف على مصيري وعبثا حاولت التوقف عن العمل فقد ابى سميث وهددني بالقتل وزاد الخلاف بيني وبين زوجي الى ان كان يوم الحادث لم يكن هناك قطاع طرق كما قلت ولكن سميث كان يعرف دائما خطواتي ويعرف الى اين اذهب وهو الذي كان معي فعلا في اليوم السابق واقسم لك انني لم اكن اعرف على الاطلاق ما دبره للخلاص من زوجي بعد ان علم انه اكتشف سرنا وانه مصر على توقفي عن العمل وقد فوجئت به انا وزوجي ونحن عائدين ورأيته ينقض على زوجي كالوحش الضاري ويقتله امام عيني وهو يقول لي انه فعل ذلك لسلامتي وثرت في وجهه وابديت له فزعي واستنكاري لفعلته واكدت له انه لا يمكنني ان اتعاون بعد ذلك مع قاتل زوجي فاذا به يثور علي ويمزق ملابسي ويقيدني من يدي وقدمي ويتركني على الحال التي وجدني عليها الفلاحون ثم هرب ولا اعرف اين هو الان
البحث عن القاتل المجهول
بعد هذا الاعتراف كان علي ان اجد سميث قبل ان يتمكن من الفرار الى الخارج ولم استطع العثور عليه رغم الجهود التي بذلتها واخيرا فكرت في حيلة استدرجه لها اذعت في الصحف ان مسز كارون قد قررت ان تعترف بكل شيء في اليوم التالي وان اعترافها سيؤدي الى القبض على القاتل المجهول
وتربصت انا ورجالي حول بيت مسز كارون وبالغنا في اخفاء حركتنا وحل الظلام ودقت الساعة الثانية صباحا واذا باعيننا تستقر على شبح يتسلل نحو البيت خفة وسرعة وهو يجيل عينيه هنا وهناك
وتوقف عند نافذة ارضية وراح يعالجها وما كاد يفتحها ويقفز الى الداخل حتى كنا قد اطبقنا عليه
وكان هو (سميث) وكان مسلحا بمسدس وخنجر وحاول الانكار ولكنه اضطر الى الاعتراف بكل شيء في النهاية امام مواجهة مسز كارون له ودفع الاثنان الثمن المحتوم على كل جاسوس حياتهما .. بالاعدام.