مع انطلاق الفعاليات الشعبية والمسيرات السلمية الفلسطينية دعما للتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية تكون القوى الفلسطينية قد دشنت مرحلة متميزة من لفت انتباه الرأي العام الدولي إلى مدى الحيف الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ عقود.
الدعوة إلى هذا التحرك الجماهيري، الذي تزداد قوته من كونه يأتي بقرار عربي جماعي وفي سياق الثورات الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة، وجهت من قبل حركة فتح إلى كافة القوى الوطنية والإسلامية والجماهير في الوطن والشتات، وكان مؤسفا للغاية أن تتغيب عنه بعض القوى المعارضة، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
كان مفهوما للغاية أن تتحفظ حماس على أي منطق يبدأ من منطق التسوية السلمية للصراع مع إسرائيل أو يعود إليه – رغم ما يطبع أحيانا تحفظها هذا من بعض الارتباك أو التناقض- لكن أن تقف ضد سعي القيادة الفلسطينية في الأمم المتحدة وأحيانا بنفس المفردات الإسرائيلية من قبيل خطوة انفرادية وتتضمن مخاطر كبيرة، فهو أمر يستدعي التوقف عنده فعلا لأنه يفتقر إلى الحد الأدنى من الحصافة السياسية التي يفترض أنها تتوفر لدى هذا الفصيل الإسلامي المحترم والواسع الشعبية.
كان يمكن لحماس وحتى للجهاد الإسلامي أن يشاركا، ولو رمزيا، في هذه التحركات الشعبية حتى من باب المساندة النقدية لهذه الخطوة بل وحتى من باب إحراج الرئيس محمود عباس والمجتمع الدولي. كان ذلك كفيلا بالقول إن حماس، التي لم يكن من العدل ولا من احترام أصول اللعبة الديمقراطية أن تقاطع لأنها فازت في انتخابات حرة ونزيهة، تشارك في مبادرة القيادة الفلسطينية، رغم كل التحفظات، حتى تثبت أن كبار مدعي احترام الشرعية الدولية في العالم، وأساسا الولايات المتحدة، ما زالوا على نفاقهم الواضح واستعدائهم المزمن لتطلعات شعب نحو الانعتاق من استعمار بغيض هو آخر ما تعرفه البشرية اليوم.
إن نجح مسعى القيادة الفلسطينية ستكون حماس جزءا من هذا النجاح وإن فشل يمكن لحماس أن تقول لقد وقفنا معكم حتى لا نتهم بالتقصير ولكننا كنا نعرف مسبقا هذا المآل فتعالوا إذن نبحث معا عن توجه بديل لكل ما دأبتم عليه عبثا طوال العشرين سنة الماضية.
لم تكتف حماس بأن أضاعت هذه الفرصة التي كان يمكن أن ‘تورط’ فيها أبو مازن في ‘معروف’ لا يكلفها شيئا في الحقيقة لأنه جاء من منطق ‘ألم نقل لك بأن لا شيء يرجى من هؤلاء؟!’ بل سقطت في تصريحات عديدة متناقضة لقادتها ما كان لها أن تقع فيها لو ضبطت أعصابها أكثر.
غريب مثلا أن يقول إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقال إن الذهاب إلى الأمم المتحدة ‘طوق نجاة للكيان الإسرائيلي وأمريكا بعد الثورات العربية’(!!) وإنه كان على الفلسطينيين ‘انتظار الثورات العربية واستثمار حركة الشعوب العربية بما يقوي الموقف الفلسطيني ويحمي الحقوق’ (!!) وكأنه لا يكفي ما انتظروه حتى الآن.
وفي الوقت الذي يقول فيه هنية إنه لا اعتراض على إقامة دولة على أي جزء من الأرض يجري تحريره، وهذا موقف عاقل جدا، يأتي القيادي الآخر في الحركة خليل الحية ليقول إن على الفلسطينيين التوجه بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني أي على فلسطين التاريخية لعام 1948 مع أن أكثر الحالمين من دعاة التوجه إلى الأمم المتحدة لا يطمعون في المطالبة بأكثر من قرار التقسيم لعام 1947 فكيف تذهب إلى المنظمة الدولية لتطالب بأن تحل دولة مقابل دولة أخرى معترف بها؟! هناك حد أدنى من المنطق.
لا أحد يلوم حركة الجهاد الإسلامي لأنها متناغمة مع نفسها وترفض كل ما له علاقة بالتسوية وهي لا تشارك أصلا في مؤسسات السلطة الفلسطينية، التي هي نتاج اتفاقية ‘أوسلو’ لعام 1993 حتى لا ننسى، أما حماس التي ‘تلعب السياسة’ وتريد أن يقبل بها المجتمع الدولي ويتعامل معها فقد أخطأت كثيرا و’تلبّكت’ في التعامل مع ما يسمى استحقاق أيلول، فهل من سبيل لتصحيح ما ولو بقدر؟