بواسطة: عامر الملا
المدحتية نت
ترجمة - بهاء سلمان
نحن جميعاً تفتننا أحلامنا، ولكن أغلبنا لا يعلمون ما الذي تعنيه، أما الباقون فلا يستطيعون حتى تذكر ما حلموا به. دعنا إذن نتأمل ما يلي: يقول الخبراء ان انتباه المرء لإحلامه وتركيزه عليها قد يساعده على تحسين أوضاع حياته. تقول غايل ديلاني، الحائزة على درجة الدكتوراه ومؤلفة كتاب (في احلامك): "عندما يحلم المرء في كل ليلة فإنه يقوم بلا شعور منه بتقييم ما يجري في حياته. وإذا ما أعطى الأمر حق اهتمامه فسوف يمكنه توظيف الأحلام لحل مشاكله." وإليك فيما يلي كيف تفك شفرة أحلامك وتوظفها لمصلحتك، وفهم أسباب حدوثها عندك من حيث الأساس.
ما الذي يحدث عندما ننام؟
خلال الدقائق التسعين الأولى من فترة النوم يمر الإنسان بمراحل تتزايد عمقاً تتراوح ما بين النوم الخفيف والنوم العميق. وعند دخوله مرحلة "حركة العين السريعة" يفقد نبض القلب والتنفس انتظامهما وتأخذ العين بالتحرك بسرعة ويرتفع نشاط الدماغ إلى نفس المستوى الذي يكون عليه في اليقظة. هذه المرحلة بالذات هي التي ينجز الشخص فيها نحو 80 بالمئة من أحلامه النشطة، التي تكون الأحلام خلالها في ذروة فعاليتها. يعيد الإنسان المرور بهذه الدورة ما بين ثلاث وخمس مرات في الليلة الواحدة ولكنه مع كل دورة يقضي وقتاً أطول في مرحلة حركة العين السريعة إلى أن يستيقظ في الصباح.
وهنا يأتي الجزء المدهش: فخلال مرحلة حركة العين السريعة يصاب باقي جسمك بما يشبه الشلل بحيث لا تعود قادراً على التحرك. لماذا؟ لأن هذه هي الطريقة التي تضمن بها الطبيعة انك لن تأتي بفعل وأنت واقع تحت تأثير الحلم، كأن تضرب قرينك في الفراش او تقفز من السرير فتؤذي نفسك، كما يوضح لنا وليام كولر المدير الطبي لمعهد فلوريدا للنوم في سبرنغ هيل.
فماذا الذي يحصل بالضبط إذن داخل أدمغتنا حين نحلم؟ يقر خبراء النوم بأنهم غير متيقنين، إلا ان الأحلام على ما يبدو هي المكان الذي تلتقي فيه الذكريات بالعواطف. فمن جهة تستطيع احلامك ان تساعدك على تحسس الأمور العاطفية التي مررت بها في يقظتك، ومن جهة أخرى هي وسيلة يستعين بها دماغك لكي يتمكن بها من تنظيم وتصنيف وجدولة أحداث ذلك اليوم. يقول الدكتور كولر: "نحن نعلم أن عملية خزن الذكريات تجري خلال فترة النوم، والحلم يسمح للدماغ باستخدام دوائر معينة تحسن لديه الذاكرة البعيدة الأمد." ولتبسيط المسألة نقول انك تحلم لكي تسمح لجزء معين من دماغك بالإشتغال والتحرك مصنفاً ومرتباً الذكريات، ومن بعد ذلك اتخاذ قرار أي منها سيبقي وأيها سينبذه ويتخلص منه.
ولكن إذا كانت الغاية من الأحلام هي المساعدة على خزن الذكريات للأمد الطويل، فلماذا إذن تبدو في بعض الأحيان سريالية مبهمة على خلاف الواقع الذي تجري به حياتنا؟ يجيب الدكتور كولر:"عندما نكون نائمين تطفأ وحدات السيطرة المتحكمة بعقلنا الواعي، وإذ يأخذ الدماغ بفرز وتصنيف التجارب المختلفة التي مررنا بها محاولاً التثبت من دقة الذكريات (هل وقع هذا الأمر في نفس يوم وقوع ذلك الأمر الآخر؟) ومن أجل المطابقة والمقارنة يروح يجمع بين تلك التجارب بطرق غريبة غير معتادة (ولهذا السبب قد تأتي أحلامنا غريبة مريبة) إلى ان يجد الدماغ صلة مناسبة ومطابقة فيخزن تلك التجربة في مصرف ذاكرتنا.
لماذا لا أستطيع تذكر أحلامي؟
يقول مايكل بروس، حامل درجة الدكتوراه ومؤلف كتاب (حمية غذائية من تخطيط طبيب النوم: خفض وزنك من خلال نوم أفضل): "نحن جميعاً نحلم عدة مرات في الليلة الواحدة، حتى لو لم نستطع تذكر شيء منها." فإذا ما صادف أن استيقظت مع نهاية دورة نوم فإنك على الأرجح ستتذكر الحلم الذي كنت تراه، ولكن إذا ما عدت وغفوت ودخلت الدورة التالية فمن المحتمل أن لا تتذكر. ولأنك تحظى بمراحل من حركة العين السريعة أطول أمداً في ساعات الفجر الأولى، كما يستطرد الدكتور بيروس، فقد يسهل عليك تذكر الحلم عند استيقاظك في الصباح على عكس ما يحصل عند منتصف الليل. كما ان العمر يمكن أن يلعب دوراً كذلك، حيث تتقلص مرحلة حركة العين السريعة من نومنا كلما تقدم بنا العمر - مقارنة بالأطفال الذين يحتاجون أكثر من البالغين إلى مراحل أطول من حركة العين السريعة لكي تحفز نمو الدماغ لديهم. هذا التقلص في مرحلة حركة العين السريعة لدى كبار السن يجعل أحلامهم أقل حيوية، كما يقول الدكتور ديردر باريت، الأستاذ المساعد لمادة علم النفس في كلية هارفارد الطبية.
وبما ان الأحلام من شأنها مساعدتك على تأمل - أو حتى حل - مشاكل حياتك، فهي تستحق أن يبذل شيء من الجهد لتذكرها. وإذا ما وجدت في نفسك ضعفاً في التذكر إليك طريقة سهلة لتحفيز ذاكرتك تقترحها عليك الدكتورة كارين مولر اخصائية علم النفس السريري في ميدفورد بولاية اوريغون: ضع ورقة وقلماً بجانب سريرك. وعندما تستيقظ، حتى لو كان في منتصف الليل، دون بسرعة وإيجاز ما تستطيع تذكره حتى لو كان جزئية بسيطة، ثم استعد وضع نومك الطبيعي لعدة دقائق. ذلك سيساعدك على تذكر المزيد من أحلامك، كما تقول الدكتورة كارين.
هل صحيح أنك لا ترى
نفسك مطلقاً في الحلم؟
تقول الدكتورة ديلاني: "هذا غير صحيح. فمن خلال تجربتي الطويلة علمت أن العديد ممن يراجعونني قد رأوا أنفسهم في الحلم." ولكن الذي يحدث في بعض الأحيان هو ان المرء لا يبدو في حلمه على هيئته التي يعرفها، كأن ترى امرأة نفسها في الحلم وقد تجسدت في هيئة أنجلينا جولي، فهل مردّ ذلك تفكير قائم على التمني؟
قد لا يكون الأمر كذلك. من الممكن بكل بساطة ان أنجلينا جولي تمثل جانباً من شخصية تلك المرأة وكل ما يفعله الحلم هو تحديد أوجه التشابه. تقول الدكتورة ديلاني: "يرسل دماغك إليك رسالة عن طريق الحلم مفادها انك تحمل بعضاً من صفات ذلك الشخص الذي ترى نفسك على هيئته، سواء كان شخصاً تعرفه في الواقع أو لا تعرفه. والسمات التي تعتقد أن ذلك الشخص يمثلها، أو الكوامن التي يحركها في داخلك، قد تكون هي المفتاح لأمر يشغل تفكيرك وتحتاج للتعامل معه في حياتك الواقعية." بالتالي فإن تلك المرأة قد لا تكون متمنية لأن تكتسب مظهر أنجلينا، ولكن حلمها يظهر لها أوجه الشبه بها من جوانب معينة، مثل حبها الخير لعموم البشر وطبيعتها الإحتضانية، فتلك المرأة قد تنطوي على رغبة بالعطاء على نحو ما - أو أن يكون لها مزيد من الأطفال!
تنتابني الكوابيس مراراً،
فكيف الخلاص منها؟
لست وحدك من يشكو الكوابيس، فالأبحاث تشير إلى أن نسبة 8 بالمئة من البالغين يعانون من كوابيس مزمنة مرة في الأسبوع على الأقل، مثل شعورهم بأنهم يغرقون أو يتعرضون للمطاردة. يقول الدكتور شيلبي هاريس، مدير برنامج طب النوم السلوكي التابع لمركز اضطرابات النوم واليقظة في مركز مونتيفيور الطبي بولاية نيويورك: "الكوابيس في أغلب الأحيان وليدة ضغط الحياة المتواصل، والأحلام السيئة هي أسلوب عقلك في معالجة ضغوط الحياة ومحاولة التوصل إلى طريقة للتعامل معها في المستقبل."
ولمعرفة ما الذي تعنيه بعض الكوابيس المألوفة بوسعك قراءة مقالات متخصصة في الموضوع، ولكن ينبغي أن تتذكر أن محاولة فك رموز شفرة الحلم المزعج لا يعني أنه سينصرف عنك، كما يقول هاريس الذي يضيف: "مواجهة الكابوس والتعامل المباشر معه قد تكفل التخلص منه." أما إذا كنت تعاني من تكرر الأحلام السيئة فمن الأصوب أن تزور الطبيب، لأن الكوابيس في بعض الأحيان تسببها أدوية معينة. فإن لم يكن ثمة سبب طبي قد يشير طبيبك عليك بمراجعة أخصائي نوم للخلاص من الكوابيس."هناك طريقة شائعة وتلقى نجاحاً يطلق عليها "العلاج بمراجعة الصور المتخيلة" وهي تركز على تغيير صور وأنماط التفكير المؤذي. وقد وجدت دراسة مهمة ان 65 بالمئة ممن استخدموا هذه الطريقة تراجع عندهم عدد الكوابيس. يضرب الدكتور هاريس مثلاً فيقول: "إحدى المريضات عندي كان يراودها حلم متكرر ترى فيه نفسها وسط مياه تعج بأسماك القرش، فقامت بتغيير صورة أسماك القرش في خيالها إلى دلافين ودودة، ثم صارت تسبح في هذا الخيال المتوهم لمدة خمس دقائق مرتين في اليوم - مرة في الصباح والثانية قبل الذهاب إلى السرير ليلاً، فتلاشت كوابيسها في غضون أسابيع."
لماذا تبدو أحلامي واقعية إلى حد أني أستيقظ من نومي وأنا أبكي أو أضحك؟
السبب في هذا يعود الى أن دماغك ينشط وأنت تحلم بقدر نشاطه عند اليقظة، كما يقول الدكتور باريت. بل الواقع أن بعض أجزاء دماغك، مثل الفص القذالي الذي يعالج الصور واللوزة التي تنظم العواطف، تكون أشد نشاطاً وأنت تحلم .. وهذا هو السبب في ظهور الأحلام بكل تلك الحيوية الشديدة وإثارتها انفعالات قويّة. ينصحنا الدكتور توري نيلسون، أستاذ الطب النفسي ومدير مختبر الأحلام والكوابيس في جامعة مونتريال، أن ننتبه لأية انفعالات سلبية تثيرها أحلامنا، وخصوصاً اذا ما بقيت ملازمة لنا طول اليوم. ويضيف: "حاول أن تتذكر متى كانت آخر مرة انتابك فيها ذلك الشعور الذي ينتابك في حلمك. بقليل من التأمل والإسترجاع قد تجد أن ذلك كان خلال مشاجرة مع قرينك مؤخراً، أو عندما اصطدمت بالصدفة بشخص فظ خشن السلوك. في العادة لن يتطلب الأمر كثيراً من الجهد للتوصل إلى مصدر تلك الإنفعالات، وهذا التوصل يمكن أن يساعدك على وضع نهاية للمسألة."
هل بامكان الاحلام التنبؤ بالمستقبل؟
مرت على الكثير منا أحلام بدت وكأنها إيذان بوقوع حدث في الحقيقة - مثل موت أحد الأقارب، أو قطع علاقة. إلا ان الحلم التنبؤي في الواقع، حتى لو كان عن أمر غير متوقع، لا يعدو كونه تسليط الضوء على موضوع تشعر حياله بالقلق وأنت لا تشعر، كما يقول الدكتور باريت. فإذا ما استيقظت من حلم ما ذات يوم وأنت تشعر بالضيق سل نفسك، هل كانت عندي إشارات تلمح إلى ذلك الأمر في حياتي اليومية ولكنني تجاهلتها؟
وإذا ما حلمت باعتلال صحي، مثل النوبة القلبية، فخذ الأمر بالجد، كما ينصح الخبراء. يقول ستانلي كريبنير، أستاذ علم النفس في سايبرووك في سان فرانسيسكو: "كثير من طلبتي وزملائي مرت عليهم أحلام تنذرهم بوجود مشاكل صحية، فهذه هي الطريقة الملطفة غير المعلنة التي يستعين بها جسمك لكي ينبئك بأن ثمة ما ليس على ما يرام .. وأن الأمر جدي. فاذا ما تكرر عندك مثل هذا الحلم أكثر من بضع مرات عليك بمراجعة الطبيب لإجراء فحص شامل."
بقلم هالي ليفين سكلار/عن موقع ياهو نقلاً عن موقع شاين.