احتل الشيخ "الوسطي" عائض القرني المرتبة الـ "33" ضمن قائمة أكثر 500 شخصية مسلمة تأثيرًا في العالم لعام 2011، ومن تقدموه أغلبهم ملوك ورؤساء دول ومفتون رسميون وزعماء دينيون. ويعد كتابه "لا تحزن" أكثر كتاب عربي مبيعًا في العالم، ربما منذ أن وُجدت اللغة العربية على وجه الأرض، إذ باع حتى الآن نحو مليوني نسخة.
كتب القرني مقالًا بعنوان "لماذا فاز الإسلاميون في الانتخابات؟" نشرته "الشرق الأوسط" في 6 كانون الأول/ديسمبر الجاري، افتتحه بحقيقة مفرحة، بالنسبة له، هي أن الإسلاميين سيفوزون لا محالة في أي انتخابات تجرى، مستشهدًا بالجزائر وتونس وفلسطين ومصر وتركيا والمغرب، ثم قريبًا في ليبيا واليمن وسوريا، و"غيرها" أيضًا. والسبب في رأيه أن الإسلام دين الشعوب التي انتخبتهم، "فهم يرون الإسلام في المصحف والمسجد والجامعة والسنّة، ويسمعونه في الإذاعة والتلفاز ويقرأونه في الصحيفة والمجلة والكتاب، وقد عاش آباؤهم وأجدادهم على هذا الدين". ففوز الإسلاميين معتمد بشكل كامل وكلي على الإسلام، لا على برامجهم، ولا كفاءاتهم، ولا خططهم، ولا أي شيء آخر يمكن أن يُنسب إليهم، ولا أعرف وصفة أفضل لاستغلال الدين من هذه الوصفة.
كما أن الإسلاميين "يعيشون مع الناس... مع الفقير واليتيم والمسكين والمريض... وهم القوة الفاعلة في العلم والفكر والثقافة، والنشطاء في حقول المعرفة والتربية والتعليم والدعوة"، لكن يبدو أن القرني يخلط بين إسلاميي ما قبل وما بعد الكرسي، فقد رأيناهم في غزة وقد غلظت رقابهم من أكل الكباب الإيراني، ورأيناهم في السودان وهم يضيّعون نصف البلد ويحرقون ربعه الآخر، وبالطبع فإن اعتبار الإسلاميين القوة الفاعلة والنشطة في "كل شيء"، من المبالغات التي يجيدها أصحاب المنابر كثيرًا.
ولا يحلو للدعاة مدح فئة من دون ذم فئة أخرى، كأنما ذم الآخرين هو الذي يرفع قدر غيرهم، فيقارن بين جماعته وبين "المنظّرين والفلاسفة من العلمانيين والليبراليين الذين يجلسون الساعات الطويلة على كراسيهم يفكرون بعمق ويسرحون مع الخيال وينظرون إلى السقف ويديرون رؤوسهم يمينًا وشمالًا ليأطّروا للأمة وينظّروا للجيل بكلام سخيف ثقيل وبيل".
ويحق لمن باع مليوني نسخة من كتابه، الذي هو "لملمة" حكايات، أن يهزأ بمن يبيع عشرة نسخ لكتاب فكّر في موضوعه طويلًا وتعمّق فيه، كما أن الكلام المُخدِّر يعجب الناس، بينما من يضرب بمطرقة على حصون الجهل والتخلّف غير مرغوب فيه، وفرق بين من يحكي لأمته قصص قبل النوم، وبين من يصب عليهم الماء البارد ليستيقظوا من نومهم، وهو نوم فضيحة في هذا العالم الذي تركض فيه الأمم وتتسابق.
ولم يفت القرني أن يفرّق أيضًا بين الإسلاميين وبين المتطرفين من أتباع "القاعدة"، فالأخيرون لا يؤمنون بميدان التحرير ولا بساحة التغيير ولا بالتغيير السلمي للسُلطة ولا بالعصيان المدني، ولا أدري أين كانت هذه الساحات والوسائل قبل أن يحرق "البوعزيزي" نفسه، والذي يسمّونه منتحرًا على أية حال.
ويبدو أن العرب أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يصوّتوا للإسلاميين الذين هم أفضل شيء في كل شيء، أو لابن علي وجماعته في تونس، الذين "ألغوا الدين الإسلامي"، هكذا، ولحزب "البعث"، و"للقوميين المرتزقة والوافدين بأفكار غريبة... من نفايات أفكار كارل ماركس وجان جاك روسو واسبينوزا أو عقيدة الرفاق الحمُر في الكرملين... أو تريدون أن تصوّت هذه الشعوب لليبرالي أو علماني لا يعرفه إلا ثلاثة من زملائه". كلا، يجزم القرني، ويختم مقاله بفاصل من الكلام المسجوع الخالي من المعنى: "البقاء للأفضل والأجمل والأتقى والأنقى والأقوى لأنه هو الأبقى".