كلامكم
أغلبهن يضطررن لإخفاء هويتهن عند ارتياد الأضرحة أو أمام" فقيه" أو عرافة، فيما القلة لا يجدن حرجا في ممارسة قناعتهن علنا. هن مثقفات ومتعلمات، لا يعتبرن لوضعهن الثقافي والعلمي العالي ولا لمركزهن الوظيفي الحساس.
مولاي ابراهيم
يصعب الاقتراب من عوالمهن لحساسية وضعهن الاعتباري في المجتمع. كي تظفر بتصريح أو بوح عليك أن تترصد خطواتهن نحو المزارات أو أن تتلمس الحقائق عند مقدمة (قيمة) على ضريح أو "فقيه"، دون أن يكشفن لك عن الهوية طبعا.
(ف)، إطار عالي في مؤسسة عمومية بمراكش، لم تجد حرجا في الاعتراف بأنها لجأت إلى إحدى الأضرحة القريبة من المدينة "تلمسا للبركة"، لأن فارس الأحلام تأخر. تقول (ف): "أنا على قدر من الجمال كما ترى، وضعي المادي جد مريح، لكن "ما جابش الله"، مررت بتجارب عديدة. في كل مرة نقترب من العقد، يتبخر الحلم. إحدى قريباتي، لم تنفك تلح علي من أجل زيارة فقيه أو ضريح لطرد "العكوس". ترددت كثيرا، كنت أعتقد أنه بلجوئي إلى حل كهذا سأناقض مبادئي وثقافتي. أمام إلحاح وضغط قريباتي أستجبت، "ما عارفاش فين غا تخرجني هاذ الطريق"، المهم استسلمت.
(ج)، موظفة بشركة خاصة، متزوجة وأم لطفلين، تشكو من تفاقم المشاكل الزوجية. تقول : "زوجي، ليس مخلصا، ضبطته مع إحدى النساء يخونني، بل إنه لم يعد يتورع في أن يعترف أمامي بمغامراته". منذ 3 سنوات، تفاقمت مشاكلنا بشكل أثر على حياتنا وعلى الأولاد. اضطررت لأن ألجأ لفقيه، كي يلجم شهواته الزائدة"، تضيف بحسرة.
"مولاي إبراهيم"، مزار يوجد على بعد كليمترات من مراكش. يعد هذا المزار قبلة لطالبات "السعد ". حركة ذؤوبة. نسوة من مناطق مختلفة من المغرب يلذن به. تزور المزار متعلمات ومن طبقات ميسورة لم يحالفهن الحظ، يمارسن الطقوس بعناية شديدة. تقول، واحدة من ساكنة ضاحية المزار: "يزور مولاي إبراهيم "أمالين الحاجة". شابات عوانس يغتسلن بالماء ويبتن أيام، يشعلن الشمع" أو كيسخرو نيتهوم، والله ايكمل المرغوب". سألناها عن نوعية وظائف قاصدات المزار، فقالت: لا مجال هنا لتفاوت ثقافي ..العاطلات والموظفات..المتعلمات وغيرهن، " اللي بغا حاجتو اتقضى خصو ايتواضع" !.
غير بعيد من مزار مولاي إبراهيم، يوجد بين جبال الأطلس الكبير، مزار سيدي شمهاروش. الوصول إليه يتطلب جهدا استثنائيا. لا وسيلة نقل توصل إليه غير الأرجل أو دابة تكترى لنفس الغاية. في طريقنا إليه، عبر منعرجات وفجاج ومرتفعات مهولة، صادفنا سيدة تستريح إلى ظل شجرة بعد أن أعياها المسير، إلى جانبها مرافقها الذي هو زوجها. سألناها عن حاجتها إلى كل هذا التعب، فقالت: أنا مصابة بمس، نصحوني بزيارة سيدي شمهاروش. أزوره، "على وعسى ايجيب الله الفرج". دخلنا معها في حديث ثنائي حول ما إذا كانت قد لجأت إلى طبيب نفساني، فقالت: "عييت بالأطباء، ما كاين والو"!. عبر تجاذب الحديث، اعترفت السيدة أن نسوة ورجال من طبقات اجتماعية ميسورة ومتعلمة تزور "سيدي شامهاروش" لنفس الغرض.
بالمزار، تنمو أيضا بيوت معدة لاستقبال الزائرين، سألنا إحدى السيدات عن نوعية الزائرات، فأقرت بأن المزار تلوذ به متعلمات ومثقفات لنفس الغرض، أو ربما لأغراض أخرى تتصل أساسا بالرغبة في البركة من أجل الزواج، أومن أجل السحر والشعوذة.
تسيطر الخرافة والغيبيات على وعيهن. تشرعن كل الوسائل وتفك عقال العقل والعلم أمام سطوة المرغوب والمطلوب. وضع يسائل منظومتنا الثقافية والتربوية، وعينا الجماعي: لماذا تنهزم الثقافة أمام الدجل والخرافة؟ ![img]
[/img]