حينما أوردت يومية "ليكونوميست" أن الفترة ما بين 2009 و2010 كانت من بين أصعب الفترات في تاريخ الخطوط الملكية المغربية فإنها لم تكذب. الشركة سجلت عجزا ماليا هائلا سنة 2010 بلغ 930 مليون درهم، ولإنقاذ الشركة من الإفلاس قررت الدولة، باعتبارها أكبر المساهمين، أن تضخ فيها مليار 600 مليون درهم. بمقابل كل هذا تعهد الرئيس المدير العام للشركة بالتخلص من كل المعيقات والأنشطة الجانبية لهم والتركيز فقط على مجال تخصصهم.
سنة قبل ذلك قررت إدارة الشركة في جمع عام عقد يوم 14 سبتمبر 2010 شراء 24 في المائة من شركة "باي سيس مروكو" التي هي فرع لشركة أمريكية متخصصة في خدمات النقل الجوي الباذخ. الخطوط الملكية الجوية بقرارها هذا كانت تبتعد عن مجال تخصصها الحيوي، وتدخل في قطاع آخر. قطاع يوفر لأثرياء العالم طائرات بتجهيزات خاصة فخمة وبأحدث التقنيات والتجهيزات والخدمات. محضر اجتماع مجلس إدارة الشركة ينص على أنه إضافة إلى 24 في المائة الخاصة بلارام فإن الشركة الأصل "باي سيس إنترناشيونال" تظل متحكمة ب51 في المائة وباقي الأسهم أي 25 في المائة تكون في ملكية شركة تدعى "نيو أسيتس".
"نيو أسيتس" شركة محدودة المسؤولية برأسمال يبلغ 100 ألف درهم ومملوكة 100 في المائة لشركة "إف سي هولدينغ" الخاصة بالكاتب الخاص للملك محمد منير الماجدي، والمنافس الأول لرجال الأعمال المغاربة. ما الذي يفعله رجل أعمال القصر الملكي في قطاع النقل الجوي؟
أصل الحكاية يعود إلى سنة 2010 حينما التقى منير الماجدي بستيف والتون الرئيس المدير العام لـ"باي سيس إنترناشيونال" التي كانت تعيش في ذلك الوقت أزمة مالية كبيرة خاصة بعد وفاة أحد أكبر زبنائها وهو الدكتاتور الغابوني عمر بانغو الذي رفض ورثته تسديد فواتير للشركة بلغت قيمتها 10 ملايين دولار. الشركة الأمريكية كانت في ذلك الوقت مضطرة لتسريح 60 عاملا وتخفيض الأجور بنسبة 20 في المائة. باختصار، ورغم عقودها مع أمراء النفط في الخليج، فإن الشركة كانت تحتضر ورئيسها صرح :"نحن في حاجة إلى مخزن وشريك مالي".
في يونيو 2010 صرح ستيف والتون لوكالة "رويترز" أنهم وجدوا الشريك المالي في المغرب :"لقد وقعنا اتفاقا مع مستثمر إقليمي استراتيجي بهدف تأسيس وحدة صناعية تابعة للشركة بالدار البيضاء بهدف إنتاج صالونات فاخرة خاصة بالشخصيات الهامة والأمراء والملوك والرؤساء. من هو هذا الشريك الاستراتيجي؟ بالتأكيد ليس الخطوط الملكية الجوية، فهذه الأخيرة لن تدخل إلا بعد ثلاثة شهور. هذا الشريك لم يكن سوى منير الماجيدي الذي يلعب دور جالب الفرص، لكنه في هذه العملية كان يريد السرية التامة حتى لا تعرف هويته مما سيزيد من حدة الاتهامات الموجهة له من طرف رجال الأعمال المغاربة والتي تتمثل في استغلال قربه من الملك مما يضمن له نفوذا يحصل به على شروط تفضيلية في عملياته الاستثمارية.
يوم 19 غشت 2010 سيتم بكل سرية تسجيل اسم شركة "باي سيس موروكو" في السجل التجاري للدار البيضاء رأسمالها 50 ألف درهم ومملوكة بالكامل لمنير الماجيدي عبر واجهتين هما شركتي "إف سي هولدينغ" ونيو أسيتس". الشركة الجديدة المسجلة بغرض تهييء وإصلاح الطائرات لم تكن تملك لا مقرا ولا طائرات، ومسجلة في مقرات شركة "إف سي هولندينغ" بالحي الصناعي المعاريف ويديرها سعيد حساني، 40 سنة، الذي هو عضو في مجلس إدارة شركة الماجيدي المتخصصة في الإشهار، إذن فالرجل بعيد كل البعد عن الطائرات وتجهيزاتها.
بكل وضوح كانت الشركة المحدثة كقوقعة فارغة لجلب استثمارات الشركة الأمريكية، إذن من سيوفر المخزن ورأس المال كما سبق وصرح ستيف والتون؟ أكيد ليس شركة الماجيدي الجديدة فلن تكفيها الـ50 ألف درهم المسجلة بها. تبقى الخطوط الملكية الجوية. لكن هذه المسألة تطرح مشكلا أساسيا، فالخطوط الجوية الملكية هي شركة عمومية ولا يحق لها أن تستثمر في شركة خاصة إلا بموافقة الدولة. بداية 2011 كان من المستحيل الحصول على موافقة مثل هذه النوع نظرا للوضعية الكارثية التي كانت تعيشها الشركة والقريبة من الإفلاس حيث سجلت عجزا قريبا من مليار درهم. إذن فالظرف لم يكن مناسبا للانخراط في نشاط مثل طائرات الرفاه واللوكس، وأي حكومة جادة كانت سترفض مثل هذا المقترح من النظرة الأولى إن كانت فعلا تملك صلاحيات الرفض والقبول، وما حدث حينها يبين أن تلك الحكومة لم تكن تملك من أمرها شيئا وأن قدرات الماجيدي على الإقناع تبقى غير ذات حدود.
فاتح فبراير 2011 الوزير الأول المغربي عباس الفاسي ووزير الاقتصاد والمالية صلاح الدين مزوار سيصدران مرسوما وزاريا تتم بموجبه الموافقة على أن تمتلك الخطوط الجوية الملكية حصة 24 في المائة " من مشروع شركة باي سيس موروكو المجهولة ذات رأسمال مليون ونصف دولار أمريكي". وفي وقت توقيع المرسوم كانت الشركة المذكورة مجرد شركة محدودة المسؤولية وبرصيد لا يتجاوز 50 ألف درهم أي ما يعادل 6000 دولار أمريكي فقط. كما تنص عبارة "الشركة المشروع" فإن المرسوم هو بمثابة الضوء الأخضر لتحويل الشركة من محدودة المسؤولية إلى مجهولة ومضاعفة رأسمالها 250 مرة. مساهمة شركة الخطوط الملكية الجوية في رأسمال الشركة الجديدة لن تكون كبيرة فقط حوالي ثلاثة ملايين درهم، لكن الخطر يكمن فيما أعلن عنه الرئيس المدير العام ادريس بنهيمة : 248 مليون درهم للاستثمار في الشركة الجديدة وسيخصص ثلثا المبلغ لبناء المخازن التي كان يحتاجها السيد ستيف والتون. مبالغ مثل هذه كانت تحتاج لتبريرات قوية حتى يستطيع عباس الفاسي ومزوار ضخ المليار ونصف من خزينة الدولة لحساب لارام من أجل إرضاء الكاتب الخاص للملك.
هذه التبريرات يقدمها المرسوم الوزاري الذي أعطى الموافقة... تبريرات أقل ما يقال عنها إنها غريبة وغير منطقية. حسب المرسوم فإن الشركة ستحصل في سنة نشاطها الأولى أي 2011، على أرباح تقدر بأربعة ونصف مليون دولار وبرقم معاملات يصل إلى 57 مليون دولار، هذا كله ومخازن الشركة لم تبن بعد، وهي التي سيتم فيها الإنتاج الذي من دونه لن تكون هناك أرباح. أكثر من هذا، فمرسوم الوزير الأول حينما عباس الفاسي يقول إن الشركة سنة 2015 سيبلغ رقم معاملاتها 249 مليون دولار وتحقق أرباحا صافية قدرها المرسوم دائما بـ28 مليون دولار، أي بارتفاع سنوي مطرد يقارب 50 في المائة. لكن ما مدى مصداقية هذه الأرقام؟ الوزير الأول ووزير المالية لم يكن عندها ذرة شك في صدقية هذه الأرقام، والمرسوم الصادر في عهدها يؤكد ذلك بالقول إن تلك الأرقام تظهر واضحة في مخطط الشركة الاقتصادي. هذه الوثوقية سينفيها أي مسير شركة مبتدأ، إذ لا يمكن لشركة لم تبدأ بعد وتبين قدرتها أن تحقق كل تلك الأرباح ومنذ السنة الأولى، ولا يمكن الثقة فقط في أقوال أصحاب المشروع وأرقامهم المبنية على فرضيات مجهولة".
مشروع باي سيس ولارام والماجيدي لم يكتمل وولد ميتا حسب اعترافات ادريس بنهيمة الرئيس المدير العام لشركة الخطوط الملكية المغربية التي صرح لأحمد بنشمسي صاحب التحقيق عبر الهاتف. بنهيمة حمل مسؤولية الفشل للأمريكيين الذين حسب قوله لم يضخوا التمويلات اللازمة من جانبهم لإكمال المشروع. الأمريكيون الذي لم يستطع صاحب التحقيق الوصول إليهم لأخذ رأيهم في الموضوع.
يبقى في القضية سؤال محير: هل يحق لشركة عمومية أن تستثمر أموالا عمومية مغربية في شركة خاصة يملكها الكاتب الخاص للملك، وبمباركة رسمية من الحكومة؟
صاحب هذا التحقيق، طرح هذا السؤال بشكل مباشر على ادريس بنهيمة وكان جوابه مفاجأة كالقنبلة :"حقا منير الماجيدي طرفا هذا المشروع؟ هذه معلومة جديدة". رئيس مجلس إدارة شركة عمومية كبيرة وافق على عملية تجارية ضخمة بناء على موافقة من الحكومة التي توصلت بطلب رسمي في الموضوع، هذا المدير لا يعرف الأطراف التي كانت ستشاركه في العملية. بنهيمة تمادى في جهله ليضيف :"نيو أسيتس؟ كنت أظنهم أمريكيين نظرا لأن اسم الشركة بالانجليزية".
هكذا ببساطة تعطي الحكومة موافقتها على تحويل أموال المساهمين المغاربة من شركة الخطوط الملكية الجوية إلى شركة أخرى جديدة فقط برسالة توضح الأرباح الخيالية التي ستجينها هذه الشركة الوهمية وفق فرضيات مجهولة وغير واضحة. كل هذا بدون علم مجلس النواب الذي يضم ممثلي الأمة وفي خرق سافر للفصل 36 من الدستور الذي ينص صراحة أن القانون يعاقب على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي. وأن على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. الفصل 36 من الدستور الجديد ينص أيضا القانون يعاقب، وهذا هو الحال في قضية الخطوط الملكية المغربية، على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية. وبعد كل هذا لم يخسر سعيد حساني، مدير شركة "باي سيس موروكو" وعضو مجلس إدارة "نيو أسيتس" و "إف سي هولدينغ"، على صاحب التحقيق حينما سأله في القضية سوى جواب وحيد :"أنا في اجتماع، اتصل بي من بعد" ومن ساعتها لا يجيب.
المصدر الأصلي لتحقيق لـ "أحمد بنشمسي":[img]
[/img]