بعد 20 سنة كاملة من الممارسة الإعلامية
.. ويعود النقاش إلى نقطة الصفر
ماي من كل سنة.. يعود الصحفي إلى ذاته، للوقوف ولو للحظة على واقعه المهني والاجتماعي، ليجد نفسه محاطا بكثير من الأسئلة والاتهامات والإدانات أيضا، تتهاطل عليه من كل أطراف العملية الإعلامية، في حين تبقى وعود ومعاينات السلطات العمومية والشركاء الاجتماعيين والأكاديميين مجرد خطاب يجرى اجتراره في كل مناسبة
03 . الإعلامي يجد نفسه أشبه بالتائه، بين عدة تجاذبات موضوعية تصل أحيانا إلى حد التصادم، واقفا في مفترق طرق حقيقي، حيث كثيرا ما تتراجع اعتبارات المهنية والاحترافية أمام إكراهات واقع الحال المهني والاجتماعي، بعدما عزل عن أية منظومة قانونية تؤطر وتحمي عمله وتحاسبه أيضا، بعيدا عن الأمزجة وتقلبات الأحوال. القانون العضوي للإعلام 23 أفريل 1990 مجمد عمليا بدون قرار سياسي أو قانون مماثل، ومن خلاله تجميد كل المؤسسات الإعلامية المنظمة للمهنة، وعلى رأسها المجلس الأعلى للإعلام، مجلس أخلاقيات المهنة، البطاقة المهنية الوطنية وتقنين الوصول إلى مصدر الخبر وكل آليات العمل الصحفي. التجميد شمل أيضا كل المشاريع الأخرى المعلن عنها، قانون إعلام جديد، قانون الإشهار، قانون أساسي لمهنيي الإعلام، إعادة بعث مؤسسة التوزيع العمومية، ومن ثمة بقاء الإعلامي والمنظومة ككل في نقطة الصفر، حيث توقفت قاطرة تكريس حرية الصحافة والتعبير، التي هزت صفارة انطلاقتها الأولى كل المنطقة. الإعلامي وبعد 20 سنة من الممارسة التعددية، وجد نفسه تائها، يبحث عن حقوقه الأساسية وأدوات تجسيد مطلب حرية الصحافة كجزء من حرية التعبير المكفولة قانونا وأطر قانونية تحميه مهنيا واجتماعيا وتوحيد نضالات الإعلاميين واستمراريتها، هي ذات الأسئلة التي طرحت في القطاع وهو يجتهد لمواكبة وتفعيل الإعلان عن التعددية الإعلامية وتجسيدها في قانون عضوي جريء أسس لمنظومة إعلامية قوية وفاعلة ومسؤولة في المجتمع، يمكنها مرافقة عهد التعددية والبحث عن الأفضل والأصلح، حتى أن ممارستها اليومية تحولت إلى أشبه بانفجار حقيقي ناجم عن حالة الكمون والمكبوتات المتراكمة، ما أدى إلى تجاوز الكثير من الأخلاقيات والخطوط. اليوم يجتهد عز الدين ميهوبي، باعتباره صحفيا محترفا، ووزيرا مكلفا بالقطاع، لوضع القطار على السكة، بشكل هادئ وجماعي، بحثا عن وضع أحسن وممارسة سامية ونبيلة وخدومة للوطن، بكل أبعاده الجغرافية المترامية، والثقافية المتنوعة، محطته الأولى التجربة الكبيرة للإعلاميين وقانون الإعلام المجمد وتحديات التكنولوجيا المتجددة وحماية المجتمع والجدار الوطني من شظايا العولمة.
م. صالحي
غياب قانون أساسي، صعوبة الحصول على المعلومة، استغلال، محاكم وابتزاز
حرية التعبير رهينة المال والمصالح وصحافة تائهة بين المهنية وهاجس العقاب
تحيي الجزائر على غرار بقية الدول اليوم العالمي لحرية التعبير وسط تساؤلات حول مدى تقدم قطاع الصحافة والإعلام أو تخلفه، خاصة في ظل القفزة النوعية التي تشهدها البلاد على مر السنوات العشر الأخيرة.
المتتبع لواقع الصحافة الوطنية، خاصة منها المستقلة والخاصة، يعترف بحالة التيهان السائدة، بعد أن أصبح القطاع يسير دون إطار قانوني أو قانون عضوي أساسي أو ما شابه ذلك، بعد تجميد قانون الإعلام بصفة غير مباشرة، دون أسباب موضوعية ودون تقديم بديل عنه، رغم الدعوات المتكررة لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، إلى ضرورة الاهتمام بالقطاع على جميع المستويات، آخرها السنة المنصرمة بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير، الأمر الذي يفتح باب التساؤل حول عدم التجاوب مع هذه الدعوات من طرف المعنيين إلا في المدة الأخيرة، حين سارعت عدة أطراف إلى الحديث عن أهمية إقرار قانون أساسي للإعلام وتنظيم القطاع وغيرها من التصريحات المناسباتية.
الوضع العام الذي خلفه غياب إطار قانوني خاص بأصحاب المهنة، يثير الاستياء والغضب لما آل إليه الصحفي بعد أن أصبح في مواجهة المحاكم في وضعية متهم، والوفاة بكيفية يندى لها الجبين، وآخرها المرحوم لعصامي ومدني شوقي، بين الجدران الأربعة لغرف الفنادق بعيدا عن الأهل والعائلة، ودون ضجيج وفي غفلة من الوقت ودون إشعار، لتفتح عنهم غرفهم بعد تعفن جثثهم، وآخرون دون حقوق تستغلهم جماعات المال والمصالح، الأمر الذي جعل حرية التعبير شعارا يرفعه من هم أدرى بقيمته دون سواهم، ويصبح من آخر اهتمامات الصحفي الجزائري، الذي حرمته الظروف السياسية تارة والأمنية تارة أخرى والاستغلال والتهديد والضغط مرات عديدة، ليبقى حبيس قلمه وواجبه.
اليوم العالمي لحرية التعبير شعار أصبح بعض من نصبوا أنفسهم صحافيين يتخذونه للقذف والتشهير وإرضاء جهات وقضاء مصالح ووسيلة ابتزاز، تستغل الفراغ الذي تركه تجميد قانون عضوي وتغييب قانون أساسي ينظم ويحمي ويعاقب، وبادرت السلطات العمومية إلى تجميع الكل في صحن واحد، بدل التمييز والتصفية من الدخلاء والمبتزين وأصحاب المال والمصالح، مساهمة بذلك في تقهقر وضع القطاع، واتخاذ سياسة التحكم عن بعد لتمرير سياسة دون أخرى أو تنصيب ذاك وزيرا أو آخر رئيسا، لتبقى مهنة المتاعب تتراوح بين إظهار النوايا الحقيقية والشريفة والعمل وسط عفن لا يمت بصلة بشعار حرية الصحافة والتعبير.
يحتفل الصحفي اليوم وهو يحصي عدد الوفيات بين زملائه وبين أربعة جدران في الفنادق يتم اكتشافها بعد تعفن جثثهم، هذا الذي سخر نفسه وعائلته لخدمة بلده وواجه الإرهاب الهمجي بقلمه ورأيه، يوم كان البعض يبحث عن اللجوء والإقامة في العواصم الغربية، هذا الذي كشف المستور من عمليات الفساد وتبديد المال العام الذي أنهك البلاد والعباد، وغيرها من المعارك التي قادها وكلفته الوفاة بالمرض أو بـ “القنطة” أو بالضغط، دون أجرة تليق بعمله وهو يجالس أكبر المسؤولين في بلده، ودون أن يمتلك سكنا يحفظ كرامته وعائلته من التشرد.
الصحافة في الجزائر تراجعت، لا لشيء سوى لوجودها في غير مكانها اللائق، وهجوم الدخلاء عليها لقضاء أغراض معينة، وأصبح شعار حرية التعبير بين أيادي أصحاب المصالح وأرباب الفساد، حرية التعبير بالون تتقاذفه الجماعات، يوم معك وآخر ضدك، الأمر الذي ربما دفع كاتب الدولة المكلف بالاتصال الى التأكيد أن الصحفي في اليومين الماضيين بحاجة إلى تكفل حقيقي، مع وضع قانون أساسي يحفظه ويحاسبه أيض وبطاقة مهنية، التي أصبحت وكأنها قنبلة نووية تنتظر الإذن للسماح باستعمالها أو إلغائها. وبين هذا وذاك أيها الصحفي، انتظر وأيتها الحرية في التعبير لازلت قاصرا بحاجة لولي ينوب عنك، وننتظر بلوغك الرشد ويشتد عودك لتدافعي عن نفسك وترتقي إلى مستوى أخواتك البالغات في العالم.
ياحي.ع
قال إن المجتمع ينتظر من صحافته قيما إنسانية وليس جدلا فارغا ، أويحيى:
“لا يمكن بأي حال من الأحوال تصور الجزائر دون إعلام حر”
أكد الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، أمس، أنه لا يمكن تصور الجزائر دون إعلام حر، ودعا الأسرة الإعلامية إلى مواصلة إعلاء كلمة الحق بكل موضوعية ونزاهة، كما استبشر أويحيى خيرا بمستقبل الصحافة الذي كانت سندا قويا في كل ما تعلق بالقضايا الوطنية، ولن يكون ذلك سوى باستيعاب دروس الماضي، حسب رسالته الموجهة إلى الأسرة الإعلامية، مضيفا أن المواطن ينتظر من صحافته قيم الإنسانية وليس جدلا فارغا.
وأشاد أمس الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي في رسالة الى الأسرة الإعلامية بمناسبة اليوم العالمي للصحافة الذي أحياه الأرندي بفندق السفير، وتلاها نيابة عنه الناطق الرسمي للحزب، ميلود شرفي، بما حققته الصحافة الوطنية طيلة عقدين من التعددية الإعلامية، لاسيما ما تعلق بالقضايا الوطنية، حسب تعبيره. واعترف أويحيى بصعوبة معادلة حرية الإعلام إلا أنه أقر أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تصور الجزائر دون حرية إعلام، خاصة وأن الكلمة الحرة والموضوعية كان لها دور كبير في إخراج المواطن الجزائري من فكر الظلام، في إشارة منه الى الدور الذي كانت تلعبه الصحافة في مواجهة التطرف الإسلاماوي. كما دعا الأمين العام للأرندي الأسرة الإعلامية إلى مواصلة إعلاء كلمة الحق في بلد المليون ونصف المليون شهيد. كما عرج أحمد أويحيى على مختلف التطورات والانجازات التي حققتها الصحافة الوطنية، لاسيما المستقلة منها، سواء من ناحية الكم أو الكيف، طيلة عمر التعددية، ما سمح للسلطة الرابعة بالنهوض بنفسها على المستوى الوطني الإقليمي والعالمي، كما حيا الوزير الأول بكل جدارة واستحقاق انتزاع الإعلام الوطنية احتكار بعض الوكالات الدولية للخبر بالكلمة والصورة. وأشاد أويحيى بالأقلام الوطنية التي تمارس مهنة المتاعب بكل موضوعية ونزاهة، داعيا في هذا السياق الى المزيد من التقدم من خلال استيعاب واستخلاص دروس الماضي، خاصة وأن المجتمع الجزائري ينتظر من إعلامه قيما الإنسانية وليس جدالا فارغا هو في غنى عنه. وعرفت احتفالية التجمع الوطني الديمقراطي مداخلات العديد من الوجوه، حيث دعت في مجملها الى إلغاء تجريم الصحفي ومواصلة تنظيم المهنة، كما تم تكريم العديد من الوجوه، تتقدمهم مديرة نشر يومية “الفجر”، حدة حزام، إلى جانب مديرة “أوريزون”، نعمة عباس، والأمين العام لفيدرالية الصحفيين الجزائريين، عبد النور بوخمخم.
رشيد حمادو
الأمين العام للفيدرالية الوطنية للصحفيين بوخمخم، لـ“الفجر”:
الصحافة الوطنية حققت مكاسب كبيرة لكن تشوبها العديد من السلبيات
الفيدرالية تنتهي من إعداد مشروع الاتفاقية الجماعية
أفاد الأمين العام للفيدرالية الوطنية للصحفيين، عبد النور بوخمخم، أن الصحافة الوطنية حققت مكاسب كبيرة للمهنة طيلة عقدين من عمر التعددية الإعلامية، ولخصها في الكم الهائل من الجرائد والمحطات الإذاعية، غير أنه اعترف بوجود السلبيات في الحقل الإعلامي، أهمها تجريم الصحفي، واستمرار غلق واحتكار الفضاء السمعي البصري.
عدد عبد النور بوخمخم، في تصريح لـ“الفجر”، إيجابيات الصحافة بظهور كم هائل من الصحف والسحب الكبير الذي بلغ 3.5 ملايين نسخة يوميا، أي يومية لكل 10 مواطنين، الأمر الذي جعل الجزائر تحتل المرتبة الأولى عربيا وإفريقيا في قطاع الصحافة المكتوبة، بالإضافة إلى سياسة الإعلام الحواري التي شرعت في تطبيقها المؤسسة الوطنية للإذاعة، حيث بلغ عدد المحطات والإذاعات المحلية 50 محطة تقريبا، بمعدل استماع وصل إلى 70 بالمائة، بالإضافة إلى ظهور جيل جديد من الصحفيين تمثله فئة الشباب، يملك من القدرات والخبرات المهنية ما لم تعرفه الصحافة من قبل. وأشار بوخمخم إلى وجود سلبيات تعيق مهنة الصحافة وتحول دون تطورها ومسايرتها للمستجدات الوطنية والدولية، ومنها سيادة الفوضى والعشوائية في التوظيف، بسبب ما أسماه التجميد المستمر للنصوص القانونية والتنظيمية، التي أقرها قانون أفريل 1990، مضيفا أن غياب التكوين والتأطير للأجيال الجديدة من الصحفيين، وافتقاد الصحفيين لأهم وثائق المرجعية الضامنة لحقوقهم، من أهم السلبيات. قال الأمين العام، إنه من الصور السلبية لوضع الممارسة الإعلامية في البلاد، استمرار تجريم الصحفيين، ووضعهم في السجون وتسليط الغرامات المالية عليهم، موضحا أن مواصلة سياسة غلق الفضاء السمعي البصري أثر بشكل كبير على واقع الإعلام اليوم وجعل البيروقراطية والرداءة سيدة مؤسسات السمعي البصري العمومية.
”الاتفاقية الجماعية قفزة نوعية هامة تزيد من تماسك وتنظيم العمل الصحفي”
أوضح عبد النور بوخمخم، أن الفيدرالية أنهت منذ أيام إعداد مشروع الاتفاقية الجماعية، معتبرا المشروع الوثيقة الأولى منذ بداية التجربة التعددية التي تضبط وتقنن لأول مرة أهم أوجه العلاقات المهنية ومحطات المسار المهني وشروط الترقية في درجاته وضبط سلم للأجور والعلاوات والمنح المكملة والتأمينات الاجتماعية الأساسية والمكملة. وقال أمس عبد النور بوخمخم إن الوثيقة تتضمن أيضا إقرار حقوق الملكية الفكرية للصحافي على كتاباته وحق الانتماء النقابي والسياسي ورفض التوقيع على كتاباته إذا خضعت لتعديلات جوهرية ورفض أية توجيهات من خارج مسؤوليه المباشرين في التحرير، كاشفا عن إبداء عدد الناشرين ومدراء المؤسسات الإعلامية استعدادهم للتوقيع على الوثيقة، “الذين أعطوا موافقتهم المبدئية على التوقيع على الوثيقة يقدر بـ11 ناشرا حتى الآن”، واعتبر أن مشروع الاتفاقية الجماعية يبرز قفزة هامة تزيد من تماسك وتنظيم العمل الصحفي ويرفع من أداء الصحفيين.
رشيد حمادو/ وا