بسبب الجفاء أعتكف الليالي بالدّعاء لينال ربّي من والدي
السّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد:
أنا فتاة أبلغ من العمر 25 سنة، نشأت في أسرة مفكّكة، كنت أحب والدتي كثيرا ولكنّها انفصلت عن والدي، وطبعا تزوج والدي من أخرى ولست بحاجة أن أذكر أن زوجته كانت مثال رائع لأسوأ إنسانة عرفتها، تفننت في تعذيبي أنا وأخواتي الثلاث، وذلك بعد أخذ الإذن المصرح من الوالد العزيز، الذي لم يردعها ولم يمنعها، بالعكس كان يشجعها بحجة أنها أصلح من أمي وتستطيع إحسان تربيتنا بوجه أفضل.
لا أستطيع الخوض في تفاصيل السنوات التي قضيناها مع هذين الوحشين، لأنّ مجرد التفكير بتلك السنين يصيبني البكاء، حرماني من والدتي ومرور الأعياد علي بدونها، واتهامات زوجة والدي لي في شرفي، وتصديق والدي لها وأمور أخجل من ذكرها، أمور لا أستطيع مجرد تناسيها.
انتهت تلك الحقبة، بعد قيام جدي بأمر والدي بإعادة الوالدة لنا، بعد سلسلة من المشاكل التي لم تتوقف لساعة واحدة طوال تلك السنين، وبعد الكثير من التّضحيات من طرف أمي.
كل تلك الظّروف ولله الحمد لم تمنعني وأخواتي من إكمال دراستنا والتخرج من الجامعة، وبقائي بكامل قواي العقلية، ربما هذا هو الشّيء الوحيد الذي يخفّف عنّي مرارة تلك السنين
لا شيء ينغص علي حياتي الآن، أكثر من حقدي الشديد على والدي، الذي أخجل من قول أنه والدي لا أستطيع أن أغفر له تجاهله لتلك الأمور، ولا أستطيع نسيان أنه استخدم سلطته في التجبر علينا نحن بناته بكل ضعفنا، بكل طيبتنا بكل الألم الذي يعتصر قلوبنا.
لا أستطيع النّظر إلى وجهه، أو حتّى سماع صوته دون أن أشعر بكل الكره في أعماقي له، وبدون أن أدعو عليه بالموت أو حتّى أسوأ الأمراض التي يعجز الطب عن علاجها، حتّى يشفى غليلي منه، كل ذلك الحقد والغل على من يفترض أن أكون أبرّ الناس إليه، شعوري بالذنب يخنقني يوما بعد يوم، وبقائه سليما أيضا يخنقني ويزيد من حقدي وكرهي.
أتمنى لو أنسى ولكنّي لا أستطيع، أتمنى لو أسامحه ولكنّي لا أقدر، عدم قدرتي على النّسيان يخيفني من نفسي أكثر فأكثر، هل كل هذا الكره والحقد موجود في نفسي؟ هل أنا مريضة وأحتاج لعلاج؟ وأخيرا هل هذه المشاعر ستأثر سلبا على حياتي المستقبلية، إنّها تؤلمني وتؤرقني كثيرا.
أسماء/ عنابة
الرد:
إن مشاعر الكراهية الشديدة التي تحملينها في نفسك تجاه والدك، جاءت نتيجة لظروف انفصال والديك بالطلاق، حيث إنّ الكثير من الأزواج يصبحون أعداء عندما يقع بينهم الطّلاق، ويتولد عن هذه العداوة مشاكل معقّدة جدا، ينتقل أثرها إلى الأولاد.
وقد شاء الله تعالى أن تكوني ممن يقاسي الظّروف الصّعبة التي يخلّفها الطّلاق، ولكن لا يعني هذا أن تطلقي العنان لمشاعر الكره والحقد على والدك مهما بدر منه من قسوة أو تقصير، وذلك لعدّة أسباب.
إنّ الشّخص الذي تكرهين هو والدك الذي أوصاك الله تعالى بالإحسان إليه، وبره مهما كانت تصرفاته. وسوف تحاسبين على أي تقصير في معاملته.
-إنّ الكراهية تؤذيك، وتؤذي والدك على حد سواء، ذلك أنّ بقاء الكره في قلبك نحو والدك ُيبقي على الصّراع الدّاخلي الذي تشعرين به و ينغص عليك حياتك، ويشغل تفكيرك في الإنتقام السّريع، وأخشى مع مرور الوقت أن تدلك نفسك الأمّارة بالسّوء إلى وسيلة لهذا الإنتقام، فترتكبين فعلا تندمين عليه ما حييت، يضرك ووالدك.
- إنّ الكره والحقد والرّغبة المخيفة في الإنتقام ليست هي الحل للمشكلة، بل إنّ هذا يؤدي إلى سلسلة من المشاكل الكبيرة التي يصعب التّخلص منها، لذا أشير عليك وبقلب يدعو لك بالخير بما يلي:
-الإستعانة بالله عز وجل، واللجوء إليه بالدعاء أن يصلح حال والدك، فهذا خير من الدّعاء عليه، وليكن دعاؤك مستوفيا لشروط الإجابة مثل حسن الظّن بالله تعالى وأنّه وحده القادر على تحقيق مرادك وسوف تجدين خيرا بإذن الله.
- حاولي جاهدة استبدال مشاعر الكره بمشاعر الحب بالتدريج، ومن الأمور التي تعنيك على ذلك عدم التّركيز على الشّعور بالكراهية التي في قلبك، وتجنبي السّرد الذّهني للأحداث المؤلمة التي تشجّع على استمرار مثل هذه المشاعر، وعرفي نفسك بالمعرفة الكافية عن حقوق الوالدين من خلال قراءة كتاب الله، والأحاديث الشريفة التي تتناول هذا الجانب، وكذلك قراءة كتب الأخلاق والآداب التي تشرح حق الوالد على الولد.
-تقرّبي إلى والدك ولا تهجريه، واصبري على تصرفاته معك، وستجدين الخير الكثير من صلتك له وعدم مقاطعته، المهم الصّبر وعدم استعجال النتائج.
- عودي نفسك مستعينة بالله على احترام والدك أثناء تعاملك معه، ولا تشعريه بالمهانة أو التّفضل عليه بشيء، وانتبهي لتّصرفاتك معه، فلا ترفعي عليه صوتا مهما قال من كلام يزعجك، حتى تكوني الابنة الرابحة للأجر العظيم من الله.
- أقول لك بكل ثقة يا عزيزتي، إنّك تستطيعين تغيير مشاعر الكراهية نحو والدك، إذا جاهدت نفسك على الإحسان إليه، المهم التّوجه إلى الله بالدّعاء وبقلب خاشع أن يعينك على ذلك.