حلم المهرجان
حللتم أهلا و نزلتم سهلا في الموقع الرسمي للمهرجان الدولي للشعر والزجل ، بتسجيلكم في الموقع تصبحون تلقائيا أعضاءا في "فضاء الشعراء" أكبر فضاء عربي يضم شعراء العالم . الرجاء اختيار رقم سري مكون من الأرقام والحروف حتى يصعب تقليده .
حلم المهرجان
حللتم أهلا و نزلتم سهلا في الموقع الرسمي للمهرجان الدولي للشعر والزجل ، بتسجيلكم في الموقع تصبحون تلقائيا أعضاءا في "فضاء الشعراء" أكبر فضاء عربي يضم شعراء العالم . الرجاء اختيار رقم سري مكون من الأرقام والحروف حتى يصعب تقليده .
حلم المهرجان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى ثقافي فني إعلامي شامل((((((((( مدير و مهندس المنتدى : حسن الخباز ))))))))))
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
لنشر اخباركم ومقالاتكم تسجلوا في المنتدى أو تواصلوا معنا عبر الواتساب +212661609109 أو زوروا موقعنا الالكتروني الرسمي
eljareedah.com
لنشر اخباركم ومقالاتكم تسجلوا في المنتدى أو تواصلوا معنا عبر الواتساب +212661609109 أو زوروا موقعنا الالكتروني الرسمي
eljareedah.com
لنشر اخباركم ومقالاتكم تسجلوا في المنتدى أو تواصلوا معنا عبر الواتساب +212661609109 أو زوروا موقعنا الالكتروني الرسمي
eljareedah.com

 

 تحقيق ساخن : 100 يوم من حكم الإسلاميين.. هل سيخرجوننا من الظلمة؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
منتدى حلم المهرجان
Admin



عدد المساهمات : 3461
تاريخ التسجيل : 20/07/2010

تحقيق ساخن : 100 يوم من حكم  الإسلاميين.. هل سيخرجوننا من الظلمة؟  Empty
مُساهمةموضوع: تحقيق ساخن : 100 يوم من حكم الإسلاميين.. هل سيخرجوننا من الظلمة؟    تحقيق ساخن : 100 يوم من حكم  الإسلاميين.. هل سيخرجوننا من الظلمة؟  I_icon_minitimeالجمعة 20 أبريل - 19:15:05

مجلة الآن

عبد الإله بنكيران يواجه نفسه في لحظة حقيقة نادرة نشأت بمجرد نهاية مــائة يوم على تنصيب وزرائه. رئيس الحكومة أصبح مثقلا بأخطائه وميولاته الشخصية، وحتى بنكته السمجة.. وبعدما تذوق الجميع حلاوة وعوده، ها هي الوقائع تكشف كم كان الوضع مغرقا في السوريالية. بنكيران يعود إلى نقطة الصفر، كما تؤشر على ذلك صفحات مشروع قانون ماليته. وفي كل هذه الفترة، ورغم كل الدعاية لصالحه، لم يحصد هذا الرجل سوى خيبات الأمل والكثير من الخصوم. ولجعل الصورة أوضح، فإن بنكيران يواجه ناخبين كانت ثقتهم في خلاصهم على يديه كبيرة، وهو اليوم لا يجد أكثر من الدعاء وحث الناس على شد أحزمتهم، لإعدادهم لهبوط اضطراري كانت كل المؤشرات توحي به حين ركب طائرة في حاجة إلى كثير من الصيانة، إلا أن بنكيران نفسه أغمض عينيه وفضّل ركوبها.. ولتقطع بعدها أي مسافة شاءت.



“يجب أن نحذر. لا بد أن نكون يقظين أكثر، حتّى وإن لم يظهر بعد الاتجاه العام لحزب العدالة والتنمية في تدبير المرحلة”. هكذا أعلنها أحمد عصيد، المثقف المعروف بدفاعه عن الأمازيغية، قبل أن يدعو إلى ما هو أكثر فعالية.. “علينا أن نؤسس جبهة لليقظة والرصد والمتابعة ثم التعبئة والتظاهر، لمواجهة أيّ نكوص سياسيّ أو قيميّ أو حقوقيّ محتمل”. كانت دعوات عصيد تلقى القليل من الانتباه، لأن التيار الرئيسيّ ينظر إليه كخصم مستهلك للإسلاميين، ومن ثَمّ يسعى إلى تهميشه وتحويله إلى موضوع سخرية. إلا أن الآلة الدعائية الشرسة للإسلاميين قد لا تحجب الكثير من الأخطاء المرتكبة، وقد لا تجعل من تراكم تلك الأخطاء سلوكا سياسيا يجب التحذير منه، لأنه وفق عصيد “لا يطمئن أبدا”.

بمجرد خروجه من الاستقبال المخصص لتعيينه رئيسا للحكومة من قبل الملك، كان بنكيران متحفزا لكشف أمر حيوي بالنسبه إليه؛ “لقد قصصتُ بعض النكت على جلالة الملك”. بشكل ما، أريد أن تكون علاقة مؤسسية مبنية على الضحك والنكت، وربما كان رئيس الحكومة فخورا بتمثيل دور المؤنس، إلا أن نهاية الأشياء في مثل هذه الأوضاع لا تقبل أن تجعل من الضحك مبررا لدفع تقاسم السلط إلى مداه الأقصى. عبد الإله بنكيران سيفاجأ بمشروع قانون التعيينات في المؤسسات الاستراتيجية والعمومية وهو يقلّم أظافر صلاحياته في التعيين ويقدم للملك أكثر المؤسسات فعالية ليعين رؤساءها. رسالة واضحة، لكنها وجدت صدرا رحبا لدى رئيس الحكومة. على العكس من ذلك، كان صدر زعيم الحزب الإسلامي يضيق لملاحظات المعارضة مهما كانت مبرراتها.. ففي أفضل الأحوال وجه بنكيران إلى معارضيه تهمة محاولة إحداث الوقيعة بينه وبين الملك، وفي أسوئها فإن هؤلاء “علمانيون متحالفون مع الشيطان”.

لبنكيران وصفته الذكية لجذب الانتباه إليه أو تحويله عنه، والتي تحقق له أثرا فوريا. بابتسامته المتكلفة، يتنقل رئيس الحكومة من مؤتمر دافوس إلى اللجنة المركزية لشبيبة حزبه ثم إلى مؤتمر لرجال الأعمال.. بكثير من الكلمات المنمقة والنكت الساخرة التي تصاغ على متناقضات بلاده. في طريقه، وكأي شخص يتحسس سبيله لأول مرة، يرتكب أخطاء ثم حماقات. يشرع رئيس الحكومة في تحصيل المكتسبات ولا يجد سوى النزر اليسير.

بعدما نشرت وزارة النقل والتجهيز لوائح المستفيدين من الرخص والمأذونيات في قطاع النقل عبر الحافلات، أراد بنكيران، عبر وزيره عبد العزيز الرباح، أن يثبت وجهة نظر ما؛ لكن ما تبين في ما بعد هو أن وجهة النظر تلك كانت وجهة نظرهما هما فقط، لأن الآخرين لم يروا فيها سوى طعنة من الخلف، وتحوّل ما أريد أن يكون ضربة معلم إلى نكسة.. مسيرة مائة يوم من حكومة بنكيران تلخص مسارا لم يؤسس في بدايته على أسس صلبة.



ا لمهرجانات.. الدولة والحزب والعاهرات
الحبيب الشوباني متحدث فصيح بغواية متفردة؛ فهو قيادي بزغ نجمه في مواجهاته المتكررة مع معارضي حزب العدالة والتنمية لما كان في المعارضة، ولا يزال مصمما على تحويل حياة معارضيه إلى جحيم حتى وهو في الحكومة. بعد تعيينه وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، كان أول أهدافه بعض المنافسين الانتخابيين. الآن، لديه شريك يحسن الإنصات إليه: رفيقه مصطفى الرميد في وزارة العدل والحريات. بعث الشوباني برسالة رسمية، بوصفه وزيرا، إلى زميله يحثّه فيها على إجراء بحث في قضية فساد شخصين نافساه في الانتخابات البرلمانية بدائرة الراشيدية. المسار الذي رسمته تلك الرسالة لنفسها غير واضح؛ لكن الجدل، الذي أثارته بشأن الاستقواء بمنصب حكومي للتفرد بغريمين في سبيل تمريغهما في وحل بركة قد يصنعها زميله في وزارة العدل، كان كبيرا. الشوباني حاول، في البدء، أن يلجأ إلى تقنية الإنكار؛ لكن الوثائق كانت واضحة. وفي مقابل ذلك، لجأ المتضررون إلى القضاء، وهنا ركن الجميع إلى الصمت.

الشوباني، بأسلوبه المراوغ، أظهر قدرة خارقة على جعل القضايا الثانوية قضايا حاسمة؛ ومثلما حوّل معركته الشخصية مع شخصين إلى حرب بدون هوادة على الفساد، فقد نجح، أخيرا، في أن يجذب الانتباه إليه في قضية كانت تحك ظهر كل الإسلاميين: المهرجانات. في حوار مع صحيفة “أخبار اليوم” في 28 فبراير الفائت، راح الشوباني ينتقد مهرجان “موازين” من باب محاولته فرض الوصاية: “هل من الحكامة في تدبير المال العام أن تحصل جمعية ما على أموال عمومية ومن مؤسسات عمومية بملايين الدراهم لتنظيم تظاهرة باذخة في مجتمع يطالب فيه المعطلون بالتشغيل ويتطلع فيه سكان المناطق النائية إلى حطب التدفئة ورغيف خبز وقرص دواء؟”. اللعب بالوتر الاجتماعي كان ضروريا في بناء الوزير لحججه. وسعيا إلى ضخ المزيد من الشعبوية في عملية الهدم هذه، فقد تحوّل الشوباني سريعا من توضيح مدى عمومية أموال دعم المهرجان نحو الحديقة الخلفية لزميله في وزارة الاتصال مصطفى الخلفي: “هل من الحكامة الإعلامية وتكافؤ الفرص أن تبث سهرات “موازين” في القنوات العمومية لساعات طوال، كما لو أن هذه القنوات ملك للجمعية وتحت تصرفها ومشيئتها؟”. بعدما أكمل الاستفسار الاستنكاري لمهرجان “موازين” بدعوة صريحة إلى التعاون بين الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني لـ”وضع قواعد”، أنهى الشوباني كل شيء بعبارة ضاق بها صدره: “لقد انتهى زمن حزب الدولة. ويجب أن ينتهي معه، كذلك، زمن مهرجان الدولة”. في الحوار، لم يكن واضحا من هي “الدولة” حتى وضع الوزير مقارنته بين مهرجان وحزب.

لقي الحوار الاحتفاء الواجب من لدن حزب العدالة والتنمية، وأعيد نشره في الموقع الإلكتروني للحزب ونشرت مقاطع منه في صحيفة “التجديد” الناطقة بلسان حركة التوحيد والإصلاح، لكن بعض المضامين كانت في حاجة إلى مزيد من التدقيق. ومن ثم، انبرى أفضل المعلقين في حركة التوحيد والإصلاح، حسن بويخف، الذي يشغل منصب رئيس تحرير جريدة “التجديد”، ليحدد بالضبط ما يجب أن يحارب في مهرجان “موازين”: إن “المطلوب، اليوم، ليس إلغاء أي مهرجان بما فيها مهرجان “موازين”، ولكن المطلوب شعبيا ودستوريا هو إسقاط كل أشكال الفساد في المهرجانات”. وبالنسبة إلى هذا الكاتب، فإن أي شخص يعارض فكرته أو فكرة الشوباني “يشارك في قسمة الريع السياسي والاقتصادي للمهرجان”، بما قد يشمله هذا التصنيف من الآلاف من المواطنين الذين يحجّون لتتبعه. ومن أجل خدمة مفهوم معين للفن، فإن الإسلاميين يريدون أن تزول السياسة عن المهرجان كي يتحوّل “موازين” إلى ما يشبه سيرك متنقل رخيص. أشعل هذا التقييم صدور بقية الإسلاميين وحميت قلوبهم في سبيل مهاجمة المهرجانات، ولو وضعهم ذلك في مواجهة إخوانهم في الحزب. في تطوان، وجد الأمين بوخبزة ضالته في مهرجانات مدينته التي تمولها بلديتها بقدر من المال ليرفع عقيرته في وجه أخيه في الحزب ورئيس بلديتها، محمد إدعمار، معلنا عن قضيته الآنية: “أوقف دعم مهرجان العاهرات”. كانت العملية تنذر بما هو أخطر، في وقت كان فيه صوت المدافعين عن المهرجانات يكتم رغما عنه في المغرب. لم يلزم إدعمار الصمت حينئذ وواجه رفيقه بهجمة مضادة؛ لكنها سرعان ما تبددت حين أعلن عن سحب دعم بلديته للمهرجان. كان من الصعب فهم كيف أن مهرجانا ترعاه سفيرة ويشارك فيه فنانون ذوو سمعة عالمية ليس سوى “ماخور” بالنسبة إلى الإسلاميين. بوخبزة وصف نانسي عجرم وهيفاء وهبي وليلى علوي بـ”الساقطات والعاهرات”، وهذا ما لم يكن ممكنا السكوت عنه بالنسبة إلى من يعنيهم الأمر بشكل مباشر.. النجمة المصرية ليلى علوي، وبمجرد علمها بتصريح بوخبزة، قررت جره إلى واحدة من المحاكم التي يرأسها صديقه في الحزب مصطفى الرميد.

كان الوضع في حاجة إلى تدخل مستعجل، وبنكيران الذي لزم صمتا حتى تترسخ الفكرة أكثر، أيقن أن التمادي قد يشعل فتنة داخل حزبه قبل غيره. بدأ الجناح اليساري في الحكومة يتحرك قليلا.. محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ووزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، أحس بأنه معنيّ بالأمر؛ لأن موقف بوخبزة أضره على نحو شخصيّ بصفته رئيسا لمؤسسة مهرجان تطوان الدولي للسينما المتوسطية. بنعبد الله أراد أن يكون موقفه مثل أي شخص يتجاهل وجود حجر في طريقه، ولذلك، أكد على أن مهرجانه “سيستمر من دون أي مبالاة بالتصريحات المضادة”. بصفته وزيرا، فإن تصريحه ينبغي أن ينظر إليه كاختلاف في وجهات النظر داخل الحكومة. ومثل هذه الحالات، تتطلب، بشكل مؤكد، تدخل رئيس الحكومة نفسه، وهو ما كان في نهاية المطاف. في حوار مع صحيفة “المساء” في السادس من شهر مارس، كان بنكيران أكثر انتقادا للشوباني من بنعبد الله: “للحكومة أولويات لا يجب أن يتم التشويش عليها، ويجب على الوزراء أن ينتبهوا إلى تصريحاتهم، وأن يجنبونا تشويشا نحن في غنى عنه. هناك أولويات أكبر وأعظم”. السؤال الموجه إلى بنكيران، بعد هذا، كان مبنيا على تحليلات الإسلاميين أنفسهم. باسترجاع دعوة بويخف بشأن مواجهة الشعب لهذه المهرجانات، كان بنكيران حذرا أكثر: “لو كان الشعب لا يريد “موازين” لما توجه إليه أحد. هذا المهرجان له جمهور يتابعه ويحضر أنشطته بالآلاف”. لم يقدم بنكيران شيئا آخر غير هذا: دعوة إلى التريث تحمل تهديدات جدية. ما يجعل رئيس الحكومة غير متفق مع الشوباني؛ ليس اختلافا بينهما في وجهات النظر، بل تباينا في تحديد موعد الضربة فقط.

أنا والملك على قلب واحد
كانت خيبة أمل كبيرة. في وصف دقيق لشعور قياديين في حزب العدالة والتنمية بعد اطلاعهم على مشروع القانون المنظم للتعيين في المؤسسات العمومية، كان عبد العلي حامي الدين حائرا، وبدا حديثه وكأنه أخذ على حين غرة. قبل صدور المشروع، كانت “الجوقة” المعتادة تعزف على وتر تمكين رئيس الحكومة من كافة صلاحياته. لم يكن أحد يعتقد أن بنكيران سيفقد مزيدا من صلاحياته، وإن كان قد تجاوز محنة تشكيل الحكومة بأكثر التفسيرات سخافة. في اللوائح التي قدمت إلى المؤسسات العمومية التي سيعيّن رؤساؤها بظهير وتلك التي سيعيّن رؤساؤها بمرسوم، كانت الفكرة واضحة: “ليس هنالك مجال لمزيد من التنازلات.. الخط الفاصل لا ينبغي تجاوزه، ويجب أن تصل الفكرة بأسرع وقت إلى رأس بنكيران”، هكذا لخص عمر بندورو، الخبير السياسي، ما وقع لبنكيران. إدريس بنعلي، الخبير الاقتصادي، قدم المشروع كتحصيل حاصل: “كان متوقعا أن يستمر تحكم المؤسسة الملكية في تلك التعيينات، وبالضبط في المؤسسات والشركات ذات الأهمية الاستراتيجية”. ثم أردف قائلا: “بمجرد تولي بنكيران لمهامه، بات الوضع أشبه بزحام في التنازلات لديه في مواجهة المؤسسة الملكية، ولن يقدر بنكيران على قول “لا” في هذا الشأن أيضا”. وبالفعل، صدق بنعلي.

محمد اليازغي، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم يلزم الصمت من موقعه كمعارض: “يحق لنا أن نطرح تساؤلا كبيرا حول جعل التعيين في المؤسسات العمومية الأكثر أهمية في يد الملك. أليس للملك ثقة في الحكومة، أم أن الحكومة تخلت عن صلاحياتها في التعيين في قطاعات أساسية لتنفيذ برامجها؟.. هذا المشروع مؤشر سلبي”. وهنا، أصبح موقف بنكيران كما توقع بنعلي.

في ندوة صحفية، رد بنكيران، بنوع من السخرية على اليازغي: “مقاربتنا هي أننا لسنا في إطار تنازع (مع القصر)، وإنما في إطار تفاهم. على السيد اليازغي أن يتذكر، عندما كان في الحكومة، كيف كانت تعالج هذه الأمور؛ حينها سيستوعب هذا الأمر.. لماذا لم يقل اليازغي هذا الكلام حينما كان وزيرا؟”. تحوّل الجدل بشأن المشروع إلى معركة بين الرجلين، وبالتالي كان اليازغي مستعدا بدوره للرد: “في الحكومة السابقة، لم يكن لدينا دستور فاتح يوليوز الذي عيّن بموجبه بنكيران رئيسا للحكومة. ورغم ذلك، كانت لدي الجرأة للحديث حول الكثير من الأشياء، ولم أكن ألتزم الصمت، حتى ولو لم تكن لدينا الاختصاصات نفسها التي يملكها بنكيران؛ ومنها إعداد القانون التنظيمي الذي يمكّن الحكومة الحالية من الدفاع عن عدد من الأشياء”.

بنكيران لم يقف عند هذا الحد، بل وصلت به الإثارة إلى الكشف عن الكيفية التي ينظر بها في أعماقه لمعارضيه ومنتقديه. في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية لفبراير الماضي، أصبح كل هؤلاء الذين ينتقدون مشروع قانون التعيين في المؤسسات العمومية والاستراتيجية “مجموعة من العلمانيين المتحالفين مع الشيطان”. بالنسبة إلى رئيس الحكومة، فإن “لا” التي أراد اليازغي نصحه باستعمالها في هذا المشروع؛ إنما يريد منها، هو والباقون “ممن يعادون مبادئنا وأخلاقنا وتحالفوا مع الشيطان ضدنا وكانوا ينادون بالعلمانية، خلق أزمة وإدخال البلاد في حال من اللاستقرار”. ولأن بنكيران مقتنع بهذا، فإنه أيضا راض عن نصيبه من التعيينات: “إن الأمور تسير بشكل إيجابي. ويتأكد لنا، يوما بعد آخر، أننا نسير، وبشكل تدريجي، نحو ممارسة سلطاتنا كما هي منصوص عليها في الدستور. لن نخوض في نزاع مع الملك حتى نرضي هؤلاء العلمانيين”.

قدّم بنكيران رؤيته الخاصة لمشروع التعيينات؛ وبتأييده لمبدإ التدرج، فقد كان متلهفا لقبول ما منح له من مؤسسات لتعيين رؤسائها. لكن رئيس الحكومة كان يخفي، من وراء هجومه على خصومه الخارجيين، قلقا داخل حزبه يتزايد على نحو مهول. عبد اللطيف بروحو، الخبير الاقتصادي والقيادي في حزب العدالة والتنمية، نقل جزءا من هذا القلق إلى العلن: “إن أحكام الدستور واضحة في ما يتعلق بالتعيين في المناصب العليا والسامية.. يجب أن يتم كل هذا بمرسوم (يصدره رئيس الحكومة) كما هو الشأن في جل الأنظمة الديمقراطية”. بالنسبة إلى بروحو، فإن مشروع التعيينات في المؤسسات الاستراتيجية “يخالف صريح الدستور، ويعطي انطباعا سيئا بعودة الوضع السابق الذي عرف خلطا بين مهام واختصاصات المؤسسة الملكية والحكومة ورئيسها”. تلقى بروحو، عقب نشره لرأيه، توبيخا علنيا من لدن بنكيران، وفي وسط لقاء رسمي لبرلمانيي حزب العدالة والتنمية، كانت لهجة بنكيران حادة؛ لكنها لا تتضمن أي مواقف سياسية، وبسخريته خاطبه: “ابق ملاحقا لي في هسبريس”، حيث نشر بروحو رأيه.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل مباشرة بعد هذا التوبيخ العلني، أعلن عبد العالي حامي الدين، أستاذ القانون الدستوري وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن موقف مماثل ضد مشروع القانون التنظيمي: “لم يكلف المشروع نفسه توضيح المعايير التي على أساسها صنفت المؤسسات والمقاولات باعتبارها استراتيجية وأخرى باعتبارها غير ذلك”، وتساءل: “على أيّ أساس يستند المشروع في تصنيف وكالة المغرب العربي للأنباء أو وكالة تهيئة بحيرة مارتشيكا باعتبارهما مؤسسات استراتيجية، فيما لم يعتبر صندوق المقاصة كذلك؟”.



المعارضون.. علمانيون وشياطين
قالها بنكيران من دون حرج، في المجلس الوطني لحزبه في منتصف شهر فبراير الفائت:”الذين ينتقدونني إنما يريدونني أن أتنازع مع الملك كي أرضيهم هم. إنهم مجموعة من العلمانيين الذين تحالفوا مع الشيطان”. كان بنكيران معروفا بلهجته الحادة في توصيف معارضيه، إذ سبق أن وصف إلياس العماري بـ”السلكوط”، كما وصف من قبل عمر بنجلون الذي قتلته عناصر من الشبيبة الإسلامية بـ”الكلب الأجرب”. لم يتغير الكثير في معجم بنكيران حتى وهو رئيس للحكومة الآن. القصة، كما حدثت، تعكس ضيق صدر من المعارضة. لم يحتمل بنكيران ما وجه إلى مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالتعيينات في المؤسسات العمومية والاستراتيجية من ملاحظات من لدن معارضين، فكان جوابه صادما.

عبد الكريم بنعتيق، الأمين العام للحزب العمالي، قرر أن يرد بسرعة وبدعوى قضائية. بنعتيق المعروف بعلاقته المضطربة بالإسلاميين، رأى في توصيفات بنكيران “ممارسة للإرهاب”: “إنه يوجه دعوة صريحة إلى قتل المعارضين”. لم يكن بنعتيق معنيا بشكل مباشر بهجوم بنكيران، فهو لم ينتقد أبدا مشروع القانون التنظيمي، ولا ينظر لنفسه كعلماني، ولم يشكل بالنسبة إلى بنكيران مصدر تهديد كمعارض، وقضيته الوحيدة كانت ضد الشوباني في تهم مرتبطة بفساد انتخابي. وبنكيران نفسه يقتنص هذه الملاحظة حين يؤكد في حواره مع “المساء” على ما يلي:”عندما كنتُ أتحدّثُ وقلتُ هذا الكلام، لم يخطر ببالي بنعتيق ولا حزبه ولا تياره، وقد كنتُ أتحدّثُ عن أشخاص آخرين”. بنعتيق هدد بمقاضاة بنكيران في المحكمة الأوربية ولم تظهر بعد تطورات جديدة.

أحمد عصيد، مثقف أمازيغيّ مدافع عن العلمانية، وضع تصريح بنكيران في قالبه النفسي: “ما يزال رئيس الحكومة غير مدرك بأنه تولّى مسؤولية حكومية، وأنّه في موقع السلطة. ولهذا، يستّمر في تقديم نفسه في ثوب الضحية، في الوقت الذي يمسك فيه هو ومعاونوه بسوط الجلاد”. بالنسبة إلى عصيد، فإنّ “من يقسم الحياة السياسية إلى شياطين وملائكة لا يفهم أبجدية السياسة العصرية في دولة ديمقراطية”.

في حوار لبنكيران حدد نظرته بدقة للمعارضة: “أحس بالأسف لكيفية ممارسة المعارضة، منها من اتّبع منطقا غوغائيا، لكننا نأمل في أن تتدارك ما فاتها لأن دورها محوري.. إن من ينتقدك ينبهك إلى الأخطاء ويساعدك على تصحيح المسار”.

بين أسفه من طريقة معارضته في المائة يوم الأولى من ولايته، وبين هجومه على العلمانيين المتحالفين مع الشيطان دون أن يحددهم، وإن كان النطاق يضيق بهم حتى إنه من الممكن تحديديهم بالاسم واحدا تلو الآخر، فإن “بنكيران، كرئيس للحكومة في مساره الممتد من هجو الشارع المغربي إلى الجلوس على مقعد الوزارة، قد تحالف مع الملائكة، وكأنه وهو يضع يده في يد حزب الاستقلال قد اختار معسكر الأبرار الطاهرين الأبرياء”، يخلص عصيد.

إقمعوهم فإنا غير مكترثين
لما تحدث أحمد عصيد عن “هجو رئيس الحكومة للشارع المغربي”، فإن عودة سريعة إلى الوراء تكشف عن تباين في سلوك بنكيران من الاحتجاج. لما كانت حركة 20 فبراير تقود الحراك الشعبي بالمغرب، فقد كانت سلمية مظاهراتها طابعا مميزا. في شهر مارس من العام الفائت، تبدل سلوك الدولة نحو تلك المظاهرات وتغير معها موقف بنكيران؛ أصبحت السلطات تضرب بقوة كل تجمهر عمومي، في وقت كان بنكيران ينتقل بين المدن ويهاجم المحتجين بعدما كانت بلاغات حزبه تنتقد الاستعمال المفرط للقوة ضدهم.

في تازة، كانت أفكار بنكيران ضد المحتجين تتكرس أكثر. في يونيو الماضي، كان للأمين العام لحزب العدالة والتنمية موعد مع جمهور غير عادي بمدينة تازة. لم يكد بنكيران يبدأ كلمته حتى تعالى صفير المحتجين، وكانت الكلمة الوحيدة التي تسمع في الأرجاء هي: ارحل. لم يستسغ بنكيران ما يواجه به فكان رده أقوى:”لن أرحل. ما أنا برئيس للحكومة حتى أرحل. أنتم لا تملكون تازة، وتازة لله وحده”. منذ ذلك الوقت، تغيرت الكثير من الأشياء، وأصبح بنكيران رئيسا للحكومة بالفعل. لكن تازة أعادت الكَرّة من جديد وواجهت بنكيران برد فعل أعنف. في الرابع من شهر يناير الماضي، شنّت قوات الأمن سلسلة من العمليات ضد محتجين يختلط فيهم المعطلون بالمشتكين من غلاء فواتير الماء والكهرباء مع شباب مهمشين. شهدت تازة، في ذلك اليوم، عنفا شديدا تبادل فيه المحتجون وقوات الأمن قسوة كبيرة وكان شعار رئيسي يرفع خلالها: “بنكيران ارحل”.

بعدها، لم يتمالك بنكيران أعصابه فأخرج البلاغ الشهير بشأن “أحداث تازة” من قلب مجلس للحكومة. في النص نقرأ: “شهدت مدينة تازة أحداثا مؤسفة نتج عنها عنف وإصابات في صفوف عدد من أفراد القوات العمومية والمواطنين وحصول أضرار في الممتلكات العامة والخاصة ومحاولة اقتحام الملك العمومي على خلفية مطالب اجتماعية سعى البعض إلى توظيفها بطريقة مغرضة لتأزيم الوضع”. لم يشكل البلاغ مصدر تهديد؛ بل وفر غطاء مناسبا لمزيد من العمليات ضد المحتجين. خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لاحظت كيف أن البلاغ “لم يشمل انتهاكات القوات العمومية ولم يشر إلى وجود نية لفتح تحقيق لمعرفة ما إذا كانت السلطات قد استعملت العنف أم لا”. بالنسبة إلى الرياضي، فإن البلاغ لم يكن “موضوعيا وجادا ونزيها”.

بنكيران أكد، في بلاغه، على أن “أيّ تجاوز للقانون يجعل مرتكبه عرضة للمساءلة”؛ لكنه مدّ عصاه إلى الصحافة، وبالخصوص الإلكترونية منها، وهدّدها بتحريك المساءلة والمتابعة لما قامت به من “اختلاق لأحداث أو تضخيمها أو تقديم أخبار زائفة أو ملفّقة، وتغليط الرأي العام وإثارته”. كان بنكيران مشدوها من تكرر المواجهات من جديد في أقل من شهر، ولذلك، قرر أن يسجل موقفا. في نهاية المطاف، قدم العشرات من الشباب للمحاكمة وأدين أغلبهم بالسجن. في تازة، أراد بنكيران أن يوضح أمرا فاصلا، ولذلك ترك لوزيره في العدل والحريات، الذي طالته عصا القوات العمومية أكثر من مرة، مهمة شرح كيف يجب أن تجري الأمور من الآن فصاعدا: “علينا، اليوم، حماية الدولة من تغوّل المواطن. لقد مرت فترة كنا فيها في مواجهة تغوّل الدولة؛ لكننا اليوم في مواجهة تغوّل المواطن”. في خطابه بين المسؤولين القضائيين، كانت الفكرة واضحة، ومن ثم كان تنفيذها فوريا: في الأحكام التي صدرت على كافة المعتقلين في أحداث تازة كان التشدد واضحا.

بنكيران أصبح مزهوا، بعدها، بقدرته على احتواء المحتجين. في خطابه أمام رجال الأعمال في السادس من مارس الفائت، أعلن رئيس الحكومة عن فخره بقدرته على طرد المحتجين من مواقعهم: “لا يمكن السماح لأيّ أحد باقتحام مقرات المؤسسات العمومية. ولا يمكن السماح بمنع أيّ أحد من العمل. وسنقف ضد المضربين في سعيهم إلى جعل جميع العاملين في حال إضراب.. لقد طردنا المحتجين من مركز للتكوين المهني بمكناس، بعدما طردنا آخرين في الدار البيضاء”. بنكيران، الذي أعجبه وابل التصفيق من لدن رجال الأعمال، كان أكثر استهزاء من محتجين آخرين: “المعطلون” في عهده، مات معطل بعدما أحرق نفسه، لكنه لام جماعة العدل والإحسان .

لا يزال المعطلون مصممين على كسب معركة الوظيفة العمومية وإن كان كل شيء يسير ضدهم، وبنكيران إذ يطلب منهم الكف عن أحلامهم، فإنه أيضا يرفض أن يخضع لهم.

في الخلاصة، فإن بنكيران يبني جدارا في وجه المحتجين وكأنه يعطي ضوءا أخضر لقمعهم. في نهاية شهر فبراير، خرج موظفو الجماعات المحلية في مسيرة بالرباط، ولأول مرة ووجهوا بالعصا. في رده على سؤال بشأن قمعهم، اكتفى بنكيران بعبارة شهيرة:”لا علم لي بأي اعتداء عليهم”.

لوائح الريع.. رمية بدون هدف
“سامحهم الله”. هكذا ردّ عبد العزيز الرباح، وزير النقل والتجهيز، على أولئك الذين ينتقدون قيامه بنشر لوائح المستفيدين من رخص النقل والمأذونيات في قطاع النقل عبر الحافلات. كان ثمة استعداد مسبق لكشف أسماء المستفيدين من الريع، ولم يكن يتخيل أحد أن ينتقد نفض الغبار عن سجلاتهم، والرباح بشكل شخصي كان فخورا بعمله، وكان يطلب المديح في كل مكان. وبالفعل، تلقى أول التهاني من المعارضة؛ وقف حسن طارق، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأدى تحية خاصة لحكومة بنكيران، ووعد بالوقوف بجانبها في سبيل محاربة جيوب الريع. تبعه محمد اليازغي لكن بتحفظ بسيط: اللوائح كانت جاهزة خلال ولاية الحكومة السابقة، وما فعلته الحكومة الآن هو نشرها فحسب.

الاحتفاء اليساري بنشر لوائح المأذونيات كان بدون حدود؛ من الحزب الاشتراكي الموحد حتى الاتحاد الاشتراكي، كان الجميع متفقا على تشجيع حكومة بهذه الجرأة. لكن المشهد سيتغير على نحو فظيع حين قرر يسار مختلف أن يعلن العصيان: حزب التقدم والاشتراكية كمشارك في الحكومة كان يفترض أن يقف بجانب القرار؛ لكنه خالف كل التوقعات وهاجمه بشدة. خلال أعمال اللجنة المركزية للحزب، وصف الأمين العام للحزب، محمد نبيل بنعبد الله، قرار النشر بـ”مجرد خرجة إعلامية منفردة”، وقال: “إن محاربة الفساد ومكافحة الرشوة واستئصال مظاهر الريع قضايا لا تعالج بخرجات إعلامية منفردة، بل يجب أن تتم في إطار التصور الشمولي للحكومة بأكملها، وفي نطاق الالتزام بالبرنامج الحكومي ومحتوياته كافة”. كانت حجج بنعبد الله تنقصها بعض الصراحة، لأن هجومه كان مستثارا بوجود اسم قيادية في حزبه ضمن المستفيدين من المأذونيات. في ما بعد دقق أكثر في كيفية دفاعه:”لقد اتصلتُ بالرباح، وأبديتُ تحفظي على الطريقة التي تم بها نشر اللائحة دون تمييز بين المحظوظين والمستحقين والذين تنازلوا عن “كريمات”، مثل كجمولة بنت أبي، ووردت أسماؤهم في اللائحة. لقد كانت كجمولة من ضمن العائدين من تندوف الذين استفادوا من “كريمات”، منحهم إياها الراحل الحسن الثاني، لضمان مورد عيش لهم ولعائلاتهم، إلا أنها قررت التخلي عنها بعد ذلك، فكان نشر اسمها ضمن لائحة المستفيدين غير مبرر”. وزير التشغيل والتكوين المهني، عبد الواحد سوهيل، كان له موقف مماثل: “ليس من الأخلاق والقيم فعل ما فعل الرباح، إذ ليس من المعقول تقديم المعلومات بهذه الكثافة دون هدف أو رؤية”.

بعبارة “سامحهم الله” لم يكن بمقدور الرباح أن ينهي النقاش داخل الحكومة حول أثر نشر لوائح رخص النقل، لكنه بدل أن يستمع لنصائح زملائه، قرر أن ينشر أسماء المستفيدين من رخص الصيد في أعالي البحار، ومقالع الرمال. فيما قرر مدير ديوان الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني أن يعلن عن شروع وزيره الحبيب الشوباني في كشف أسماء الجمعيات المستفيدة من دعم عمومي غير واضح.

بالنسبة إلى بنكيران، فإنه كان جاهزا للوقوع في الخطيئة. بعدما أنصت لملاحظات بنعبد الله وسوهيل، قرر أن يتجاهلهما وأن يساند رفيقه في الحزب. في اللجنة المركزية لشبيبة حزبه، أعلن رئيس الحكومة أنه “هو من أجرى الاتصال بوزيره في النقل والتجهيز وطلب منه أن ينشر لائحة المستفيدين من رخص النقل عبر الحافلات”، أما الشوباني، فقد اكتفى ببيان صحافي مقتضب يعلن فيه براءته من وعيد مدير ديوانه.

لجان التفتيش.. فشل الإنكار
لم يكن هنالك شيء أفضل من بلاغ الحكومة بشأن “اللجان الشعبية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” كي يجعل بنكيران يقف من جديد بجانب رفاقه في الحزب، وإن كان بشكل حذر. في عين اللوح، كان الوضع ينذر بتدهور أمني خطير لما أخذ أفراد يقودهم أعضاء بحزب العدالة والتنمية أو منتمون لغطائه الدعوي، حركة التوحيد والإصلاح، على عاتقهم مهام “تنفيذ” هجمات منسقة ضد أفراد آخرين يعتقد المهاجمون أنهم يرتكبون أعمالا مخالفة للأخلاق. أعادت تلك الهجمات، التي لم تكن تحتاج لتوثيق لأن أصحابها كانوا فخورين بالتباهي بأعمالهم، ذكريات سيئة لما كان قبل سنة 2003 قبل أن تصبح الأمور أكثر خطورة وتنفجر الدار البيضاء في 16 ماي. بدأت بضعة تحذيرات ترتفع بشأن “ميليشيات الأخلاق التي تطاولت على اختصاصات الدولة”؛ لكنها بقيت مبحوحة حتى نقل تحقيق من عين المكان، أجرته صحيفة “أخبار اليوم” في فبراير الفائت، صورة مغايرة عما يحدث في عين اللوح. لم يعد الأمر مقتصرا على تنفيذ عمليات خارج القانون، بل أصبح العمل برمته موضع توقير وتمجيد. نقلت “أخبار اليوم” كيف أن المواطنين بعين اللوح مرتاحون لنتائج عمل اللجان الشعبية وكيف أنهم يريدون أن تستمر في أعمالها وأن تمتد إلى مناطق أخرى. لم يجد قادة هذه العمليات حرجا في التعريف بأنفسهم بوضوح بأنهم ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية أو إلى حركة التوحيد والإصلاح. بدأت العمليات بإجراء قانوني تمثل في وضع شكاية لدى الدرك الملكي ثم تلتها عمليات تصوير كثيفة، وبعد عرضها كان الجميع مهيئا للتحرك بقوة. بعد عيد الأضحى، خرجت مسيرة يقودها الإسلاميون ترفع شعارات ضد الدعارة صحبتها عرائض توقيعات، إلا أنه سرعان ما بدأت العمليات تصبح عنيفة؛ في غياب شامل للسلطات، شرعت المجموعات في تمشيط الأحياء وطرد الزوار وتعنيفهم. بعد شهرين من العمليات المشابهة، أعلن أعضاء اللجنة الشعبية بانتشاء عن أول نتائج عملياتهم: توقيف نشاط الدعارة بنسبة 99 في المائة.

بعدما أنهت المجموعة عملياتها، خرجت الحكومة ببلاغها:”المغرب دولة الحق والقانون، ولم يسمح لأي تطاول على اختصاصات مؤسساته الأمنية”. لكن الحكومة أمسكت العصا من الوسط لتجنب الحرج من وقوف أعضاء من الحزب الحاكم وراء تلك اللجان، فنفت بشكل قاطع “وجود أي لجان شعبية أو مجموعات شبابية في بعض مدن المملكة أوكلت لنفسها مسؤولية محاربة الفساد والممارسات المخلة بالأخلاق العامة”. ولأن مثل هذا النفي تدحضه الوقائع، فقد تنازلت قليلا لتعترف بوجود “مبادرات شخصية معزولة”؛ لكنها أشارت إلى “تضخيمها وإخراجها من سياقها” من لدن البعض. وتوجهت الحكومة إلى وسائل الإعلام لتدعوها إلى أن تتوقف عن “بث الإشاعات والأخبار الزائفة”، قبل أن ترفع من عقيرتها لتهدد بـ”التصدي، بكل حزم وصرامة، لكل من سوّلت له نفسه محاولة القيام بالدور الموكول إلى الأجهزة الأمنية المختصة في الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين”.

لم يكن بين بلاغ الحكومة وبين الواقع سوى روابط ضئيلة: في عين اللوح، كانت المجموعات تبعث بالمنشاير وتوقعها باسم “تنسيقية جمعيات المجتمع المدني”، وتلك الجمعيات لم تكن سوى هيئات تدور في فلك حزب العدالة والتنمية. بالنسبة إلى بنكيران، فقد كان المشكل الرئيسي في وجود أعضاء حزبه في مقدمة اللجان الشعبية، فكان خياره الوحيد أن ينفي وجودهم أصلا عبر نفي وجود لجان شعبية؛ لكنه قد لا يستطيع أن ينجو من ذلك في نهاية المطاف. في تقرير أعده مبعوث لصحيفة “الأيام” من عين اللوح، عقب صدور بلاغ الحكومة، كان حماس عضو من حزب العدالة والتنمية قاد عمليات اللجان الشعبية لا ينقطع في ذكر مكاسبهم عقب “الثورة”: وهو إذ يقدم نفسه من دون تحفظ، فقد كان يتحدث وكأن رئيسه في الحزب لم يصدر بلاغا باسم الحكومة يتبرأ فيه من أعماله بنفي وجوده هو على وجه التحديد.

عصيد لم يعد يريد تقريرا آخر من صحيفة كي يتأكد من أن الأمر يتعلق بشيء واحد لاغير: “إنه عمل منظم في شكل لجان وتوزيع محكم للأدوار لا يقوم به مواطنون عاديون، بل يصدر عن أعضاء التنظيم الدعوي، التوحيد والإصلاح، الذي يعرف الجميع صلته بحزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو سلوك يستحيل أن يمر في غفلة من مصالح الأمن التي لا تخفى مهاراتها في تعقب مثل هذه الأشياء”. وما يورط حزب العدالة والتنمية في هذه المعمعة، بحسب عصيد، أن مثل هذه “السلوكات كان مستحيلا وجودها لولا ظهور سياق جديد فهمه بعض الناس من تيار سياسي معين على أنه الضوء الأخضر لهم كي ينقضوا على المجتمع”. في نهاية المطاف، فإن الغطاء المعنوي، الذي وفره زمن طويل من الاحتجاج الصادر عن حزب العدالة والتنمية ضد “الفساد” و”الخمور”، قد يشكل “تهديدا خطيرا لاستقرار البلاد في وقت هم من يتحملون فيه مسؤولية إدارة الشأن العام”، يخلص عصيد بنبرة متشائمة.

لجان التفتيش.. فشل الإنكار
لم يكن هنالك شيء أفضل من بلاغ الحكومة بشأن “اللجان الشعبية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” كي يجعل بنكيران يقف من جديد بجانب رفاقه في الحزب، وإن كان بشكل حذر. في عين اللوح، كان الوضع ينذر بتدهور أمني خطير لما أخذ أفراد يقودهم أعضاء بحزب العدالة والتنمية أو منتمون لغطائه الدعوي، حركة التوحيد والإصلاح، على عاتقهم مهام “تنفيذ” هجمات منسقة ضد أفراد آخرين يعتقد المهاجمون أنهم يرتكبون أعمالا مخالفة للأخلاق. أعادت تلك الهجمات، التي لم تكن تحتاج لتوثيق لأن أصحابها كانوا فخورين بالتباهي بأعمالهم، ذكريات سيئة لما كان قبل سنة 2003 قبل أن تصبح الأمور أكثر خطورة وتنفجر الدار البيضاء في 16 ماي. بدأت بضعة تحذيرات ترتفع بشأن “ميليشيات الأخلاق التي تطاولت على اختصاصات الدولة”؛ لكنها بقيت مبحوحة حتى نقل تحقيق من عين المكان، أجرته صحيفة “أخبار اليوم” في فبراير الفائت، صورة مغايرة عما يحدث في عين اللوح. لم يعد الأمر مقتصرا على تنفيذ عمليات خارج القانون، بل أصبح العمل برمته موضع توقير وتمجيد. نقلت “أخبار اليوم” كيف أن المواطنين بعين اللوح مرتاحون لنتائج عمل اللجان الشعبية وكيف أنهم يريدون أن تستمر في أعمالها وأن تمتد إلى مناطق أخرى. لم يجد قادة هذه العمليات حرجا في التعريف بأنفسهم بوضوح بأنهم ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية أو إلى حركة التوحيد والإصلاح. بدأت العمليات بإجراء قانوني تمثل في وضع شكاية لدى الدرك الملكي ثم تلتها عمليات تصوير كثيفة، وبعد عرضها كان الجميع مهيئا للتحرك بقوة. بعد عيد الأضحى، خرجت مسيرة يقودها الإسلاميون ترفع شعارات ضد الدعارة صحبتها عرائض توقيعات، إلا أنه سرعان ما بدأت العمليات تصبح عنيفة؛ في غياب شامل للسلطات، شرعت المجموعات في تمشيط الأحياء وطرد الزوار وتعنيفهم. بعد شهرين من العمليات المشابهة، أعلن أعضاء اللجنة الشعبية بانتشاء عن أول نتائج عملياتهم: توقيف نشاط الدعارة بنسبة 99 في المائة.

بعدما أنهت المجموعة عملياتها، خرجت الحكومة ببلاغها:”المغرب دولة الحق والقانون، ولم يسمح لأي تطاول على اختصاصات مؤسساته الأمنية”. لكن الحكومة أمسكت العصا من الوسط لتجنب الحرج من وقوف أعضاء من الحزب الحاكم وراء تلك اللجان، فنفت بشكل قاطع “وجود أي لجان شعبية أو مجموعات شبابية في بعض مدن المملكة أوكلت لنفسها مسؤولية محاربة الفساد والممارسات المخلة بالأخلاق العامة”. ولأن مثل هذا النفي تدحضه الوقائع، فقد تنازلت قليلا لتعترف بوجود “مبادرات شخصية معزولة”؛ لكنها أشارت إلى “تضخيمها وإخراجها من سياقها” من لدن البعض. وتوجهت الحكومة إلى وسائل الإعلام لتدعوها إلى أن تتوقف عن “بث الإشاعات والأخبار الزائفة”، قبل أن ترفع من عقيرتها لتهدد بـ”التصدي، بكل حزم وصرامة، لكل من سوّلت له نفسه محاولة القيام بالدور الموكول إلى الأجهزة الأمنية المختصة في الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين”.

لم يكن بين بلاغ الحكومة وبين الواقع سوى روابط ضئيلة: في عين اللوح، كانت المجموعات تبعث بالمنشاير وتوقعها باسم “تنسيقية جمعيات المجتمع المدني”، وتلك الجمعيات لم تكن سوى هيئات تدور في فلك حزب العدالة والتنمية. بالنسبة إلى بنكيران، فقد كان المشكل الرئيسي في وجود أعضاء حزبه في مقدمة اللجان الشعبية، فكان خياره الوحيد أن ينفي وجودهم أصلا عبر نفي وجود لجان شعبية؛ لكنه قد لا يستطيع أن ينجو من ذلك في نهاية المطاف. في تقرير أعده مبعوث لصحيفة “الأيام” من عين اللوح، عقب صدور بلاغ الحكومة، كان حماس عضو من حزب العدالة والتنمية قاد عمليات اللجان الشعبية لا ينقطع في ذكر مكاسبهم عقب “الثورة”: وهو إذ يقدم نفسه من دون تحفظ، فقد كان يتحدث وكأن رئيسه في الحزب لم يصدر بلاغا باسم الحكومة يتبرأ فيه من أعماله بنفي وجوده هو على وجه التحديد.

عصيد لم يعد يريد تقريرا آخر من صحيفة كي يتأكد من أن الأمر يتعلق بشيء واحد لاغير: “إنه عمل منظم في شكل لجان وتوزيع محكم للأدوار لا يقوم به مواطنون عاديون، بل يصدر عن أعضاء التنظيم الدعوي، التوحيد والإصلاح، الذي يعرف الجميع صلته بحزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو سلوك يستحيل أن يمر في غفلة من مصالح الأمن التي لا تخفى مهاراتها في تعقب مثل هذه الأشياء”. وما يورط حزب العدالة والتنمية في هذه المعمعة، بحسب عصيد، أن مثل هذه “السلوكات كان مستحيلا وجودها لولا ظهور سياق جديد فهمه بعض الناس من تيار سياسي معين على أنه الضوء الأخضر لهم كي ينقضوا على المجتمع”. في نهاية المطاف، فإن الغطاء المعنوي، الذي وفره زمن طويل من الاحتجاج الصادر عن حزب العدالة والتنمية ضد “الفساد” و”الخمور”، قد يشكل “تهديدا خطيرا لاستقرار البلاد في وقت هم من يتحملون فيه مسؤولية إدارة الشأن العام”، يخلص عصيد بنبرة متشائمة.

نمو الاقتصاد.. فقاعة تتبخر في مائة يوم
كان مدهشا أن يسقط المرء من السقف إلى القاع في فترة قياسية، مثلما ما حدث لبنكيران في وعده بتحقيق معدل نمو في حدود 7 في المائة. بعدما بشّر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الناخبين بقدرته على الوصول إلى هذا الرقم رغم كل الظروف، وما يعنيه هذا من مناصب عمل أكثر؛ شرع حزبه في الاختباء من هذا الرقم بمجرد الفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، وقبل تنصيب حكومتهم. محمد نجيب بوليف، قبل تعيينه وزيرا، صك أول شهادة براءة:”برنامجنا الانتخابي لم يشر إلى أن النمو سيصل إلى حدود 7 في المائة في أفق سنة 2012، بمعنى أننا ذكرنا أن هذا الأفق للعمل الحكومي هو سنة 2016″، لكنه عاد ليضع سقفا جديدا: “سنكون في حدود 5 5.5و في المائة خلال السنة الأولى من الدخول إلى العمل الحكومي”. لم ينظر خبير واحد خارج حزب العدالة والتنمية، بجدية، لهذه الأرقام لأن كل الظروف تقف في مواجهته. كان بنك المغرب وصندوق النقد الدولي لا يضعان توقعاتهما بالنسبة إلى المغرب في مستويات تتجاوز 5 في المائة؛ لكن التصريح الحكومي لبنكيران أدار ظهره لكل هذا وقدّم 5.5 في المائة كمعدل نمو للسنة الأولى.

ترك عباس الفاسي، رئيس الحكومة السابق، الاقتصاد المغربي في وضع نمو تصل نسبته إلى 4.8 في المائة، ولم يكن بنكيران المثقل بالوعود يرغب في أن يكون رقمه أدنى. في منتصف شهر فبراير الفائت، أصدرت المندوبية السامية للتخطيط توقعاتها المرجعية للاقتصاد الوطني: نسبة النمو ستصل في سنة 2012 إلى 4.1 في المائة.

تجاهل بنكيران هذا الرقم قليلا، لكنه لم يستطع أن يدير ظهره نهائيا له. أصبح مشروع القانون المالي لـ2012 في كف عفريت وسحب من البرلمان بكيفية مثيرة للجدل، ونوقش في مجلس حكومي عقب صدور توقعات المندوبية السامية للتخطيط، وفشل بنكيران في كسب تأييد أعضاء حكومته لتوقعاته، ثم أعاد مناقشته من جديد في مجلس ثان في بداية شهر مارس ونجح أخيرا في كسب التصديق عليه؛ لكن بخسارة مذهلة على مستوى تعهداته. نسبة النمو في سنة 2012 لن تكون سوى 4.2 في المائة؛ أي بما هو أقل مما تركه سلفه عباس الفاسي، وأقل بكثير مما وعد به بنكيران في برنامجه الحكومي، ولا يقارن أبدا بما كان يحتفل به خلال الانتخابات.

بالطبع، كان المبرر جاهزا: لقد وقعت الحكومة ضحية ظروف طارئة. كانت توقعات النمو في القطاع الفلاحي متدهورة، ولذلك كان من الضروري أن يقلب بنكيران كل المعادلات؛ لكن ليس ضروريا أيضا أن يضع رئيس الحكومة نفسه في موضع الضحية. بالنسبة إلى محمد الشيكر، الخبير الاقتصادي، فإن “بنكيران أخطأ أول مرة حين راح يرفع من رقم نسب النمو وكأنه هو من يتحكم فيه. كانت جريرة لا تغتفر لأن الجميع يعتقد أن الحكومة بمقدورها أن تتحكم في نسبة النمو، فيما الواقع أنها خارج سيطرتها”. بالنسبة إلى الشيكر، فإن بنكيران “وضع نفسه ومصداقيته على محك الغيبيات، فوقع في خطأ تقديرات تتغير بمقياس الشهور”.

الهمة..فزاعة قابلة للتعايش
“المغرب لم يعد يقبل بوجود الهمة”، قالها بنكيران في زحمة خطاباته خلال الحملة الانتخابية. لبنكيران، كزعيم سياسي يقود حزبه في الانتخابات، مواقف محددة من الهمة. في الرباط قال:”إنه يتحكم في الحكومة ويعطي التوجيهات بالهاتف ويخيف رجال الدولة ويعطي التوجيهات للقضاة، لأنه يستمد نفوذه من القرب منك وهو يفسد في الأرض ولا يصلح”. وفي طنجة:”عمل فؤاد عالي الهمة بأساليب شيطانية”. وفي تنغير:”فؤاد صديقي. لا تفزعوا، إنه رجل لطيف؛ لكنه أخطأ ويجب أن يعتذر للشعب المغربي ويحل حزبه المشؤوم”.

كان بنكيران يستمد قوته، في الهجوم على الهمة، من هجوم أكبر تشنه مظاهرات بالشارع ضده، كان بعضها يرفع من وتيرته قياديون بحزب العدالة والتنمية. ترك الهمة حزبه وتخلى عن كافه مسؤولياته ثم تعرض لهجوم واسع من لدن أغلب التيارات. في ما بعد، ولما أصبح بنكيران رئيسا للحكومة وقبل أن يشرع في تشكيل حكومته، نزل الخبر كالصاعقة: في 7 دجنبر، يعيّن الملك الهمة مستشارا له. في اليوم الموالي أو بعد ذيوع الخبر، وفق الروايات التي أوردها بنكيران نفسه، قام رئيس الحكومة بتهنئة الهمة عبر الهاتف على المنصب الجديد. كانت النكتة، في كل هذا، أن ذاكرة هاتف الهمة لا تحمل رقم بنكيران، ولما نادى عليه، لم يتعرف على رقمه فتجاهله حتى أعاد الكرة من جديد لمرات غير محدد عددها. في تلك المحادثة القصيرة تسربت عبارة شهيرة عن لسان الهمة:”سوف نبدأ من نقطة الصفر”. بالنسبة إلى قياديي الحزب الفائز بالانتخابات والمصدومين من قرار التعيين، فقد كان الوضع قابلا للتفسير في اتجاه يقلل من أثر الصدمة. مصطفى الرميد بدا وكأنه يحتفل بالقرار حين تحدث عن “وضع طبيعي” يجعل من الهمة، الذي لاموه بسبب هذا الوضع، يعود إليه في نهاية المطاف. وما يهم بالنسبة إلى الرميد أن “الهمة ترك المشهد الحزبي وعاد ليجاور الملك، ما يجعل الأمور تعود نسبيا إلى طبيعتها المعقولة”.

كانت عبارة “نسبيا” أساسية في فهم تصور الرميد واستشرافاته، ولكن بنكيران لم تكن لأفكاره أي نسبية. كان خطاب بنكيران، قبل التعيين وفي فورة لحظة الانتصار، مؤسسا على تصور وحيد: سيكون حديثه مباشرا مع الملك من دون اللجوء إلى خدمات مستشاريه. بعد تعيين بنكيران رئيسا للحكومة، لم تكن لديه أي غضاضة في الاعتراف بأن الوضع قد قلب رأسا على عقب:”مشاورات تشكيل الحكومة تجري مع الهمة”. راحت الاعتراضات على استوزار أسماء من حزبه تتوالى وهو يقبلها مرغما لتصبح الصورة وكأن بنكيران لم يكن موجودا أصلا خلال عملية التصوير.

في كل هذه العمليات لم يجد بنكيران أفضل من الإنكار وقد أصبح هوايته المفضلة:”فؤاد عالي الهمة يبلغني الآن اتصالات جلالة الملك أو يناقش معي بعض المواضيع أو أتصل به عندما أرغب في إيصال رسالة إلى جلالة الملك عن طريقه”. بشكل ما، بدت الفكرة أكثر من واضحة: ليس لبنكيران أي علاقة مباشرة بالملك كما كان يريد، لكنه يستدرك هذا الاستنتاج بتأكيد ثانوي:”عموما، اتصالاتي بالهمة محدودة، وربما اتصالاتي المباشرة بجلالة الملك أكثر من اتصالاتي بمستشاره الهمة”.

دافوس ..الخمر لا تلعب برأسي
في أول زيارة له خارج المملكة، كان بنكيران مع موعد في المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف بمنتدى دافوس. ليسحب عن نفسه في مواجهة الغربيين تهمة التشدد، لم يكن يكفيه أن يوضح كيفية تشكيل حكومته كي ينهي موضوع التشدد حيث لا مكان لأفكار متشددة مع حلفاء يكرهون المتطرفين مثل حزب التقدم والاشراكية، بل فضّل أن ينزوي إلى أبسط التفاصيل ليحوّلها إلى الإشكال الرئيسي: الخمر. “لا تضعوا الخمر على مائدتي.. هذا شرطي قبل أن أجلس مع أي مسؤول أجنبي.. هل هذا تشدد؟”. لم يسجل أحد عن مسؤول أجنبي أنه دعا بنكيران إلى طاولة عليها خمر، ولم يسجل بنكيران عن نفسه أنه ذهب لمجالسة مسؤول أجنبي فوجد الخمر على مائدته. كان الموضوع كله مثارا من دون أي سبب. ولبنكيران روايته الخاصة عن التشدد والمتشددين، لدرجة أن وصفته لمعالجتهما كانت بسيطة:”يتطلب الأمر منا إخراج المتشددين إلى الحياة لا إدخالهم إلى السجون وحرمانهم من حقوقهم، لأنهم بذلك يزدادون تطرفا. ينبغي أن تحضروهم إلى دافوس، ويدخلوهم إلى البرلمان، ويدمجوهم في الحياة العامة حتى يتراجعوا عن أفكارهم المتطرفة”. بعدها يقدم تصورا على النقيض من هذا:”لما كنا شبابا كنا نتصور أن نفعل أشياء؛ لكن وبعدما خرجنا من السجن، وجدنا أن الوطن يحتاج إلى اعتدال وإلى استيعاب فاعتدلنا”. بشكل ما، يفقد المرء قدرته على ربط الفكرتين اللتين قيلتا في مكان واحد وفي وقت واحد، لأن ما بين “أن نفسح المجال للمتشددين لدخول البرلمان كي يعتدلوا” وبين “لم نعتدل حتى خرجنا من السجن” قد لا يقود سوى إلى فهم شيئين متناقضين: إما أن المتشددين يجب أن يلجوا البرلمان كي يعتدلوا، وإما يجب أن يسجنوا ليراجعوا أنفسهم.

لا يظهر أن بنكيران يتعمد أن يحوّل نفسه إلى شخص غير واضح، بل تلك هي خلفيته. في دافوس، فهم الناس أن بنكيران يطلب منهم عدم القيام بأعمال أكثر مما يحفزهم على القيام بأخرى؛ لأن الخم[i
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://festival.7olm.org
 
تحقيق ساخن : 100 يوم من حكم الإسلاميين.. هل سيخرجوننا من الظلمة؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» البحرين على صفيح ساخن في يوم الغضب
» في حوار ساخن ، كجمولة : هذه قصة عمالتي للبوليزاريو
» مدنٌ سورية على صفيح ساخن..احتجاجًا على ما ارتكبته الشرطة من مجازر في درعا
» تحقيق: سفر في قلب الديبلوماسية المغربية
» في لقاء ساخن احتضنه البرلمان ، لهذه الأسباب ، إقالة غيريتس باتت وشيكة .

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حلم المهرجان :: تحقيقات ساخنة-
انتقل الى: